بسم الله الرحمن الرحيم

أحاديث وقصص لا تثبتُ انتشرت عبر البريدِ الإلكتروني


التحذيرُ المبينُ من الكذبِ على سيدِ المرسلين - صلى اللهُ عليه وسلم -

الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

لقد جاء الوعيدُ الشديدُ من لدن النبي صلى اللهُ عليه وسلم فيمن يكذبُ عليه في حديثهِ ، وكثرت النصوصُ في ذلك ، بل جاءت متواترةً تواتراً لفظياً بحيثُ نقلهُ من الصحابةِ العددُ الجمُ .

أورد الْحَافِظ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه في تعليقه على " سنن أبي داود " جملةً من أحاديث الصحيحين فقال : ‏وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .

‏وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِي , فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .

‏وَفِيهِمَا أَيْضًا : عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .

وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار .ا.هـ.

‏وعَنْ ‏عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ،‏ ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ‏قَالَ : قُلْتُ ‏لِلزُّبَيْرِ :‏ " مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏كَمَا يُحَدِّثُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ " ، فَقَالَ : " أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُ وَجْهٌ وَمَنْزِلَةٌ ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ‏: " ‏مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ‏‏فَلْيَتَبَوَّأْ ‏‏مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " .

رواهُ أبو داود (3651) ، وصححهُ العلامةُ الألباني في " صحيح سنن أبي داود " (3102) .

قال " صاحب عون المعبود " تعليقاً على الحديثِ : " وَفِي تَمَسُّكِ الزُّبَيْرِ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ اِخْتِيَار قِلَّة التَّحْدِيث دَلِيل لِلْأَصَحِّ فِي أَنَّ الْكَذِب هُوَ الْإِخْبَار بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَاف مَا هُوَ عَلَيْهِ , سَوَاء كَانَ عَمْدًا أَمْ خَطَأً , وَالْمُخْطِئ وَإِنْ كَانَ غَيْر مَأْثُوم بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّ الزُّبَيْر خَشِيَ مِنْ الْإِكْثَار أَنْ يَقَع فِي الْخَطَأ وَهُوَ لَا يَشْعُر لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَم بِالْخَطَأِ لَكِنْ قَدْ يَأْثَم بِالْإِكْثَارِ إِذْ الْإِكْثَار مَظِنَّة الْخَطَأ . وَالثِّقَة إِذَا حَدَّثَ بِالْخَطَأِ فَحُمِلَ عَنْهُ وَهُوَ لَا يَشْعُر أَنَّهُ خَطَأ يُعْمَل بِهِ عَلَى الدَّوَام لِلْمَوْثُوقِ بِنَقْلِهِ فَيَكُون سَبَبًا لِلْعَمَلِ بِمَا لَمْ يَقُلْهُ الشَّارِع , فَمَنْ خَشِيَ مِنْ الْإِكْثَار الْوُقُوعَ فِي الْخَطَأ لَا يُؤْمَن عَلَيْهِ الْإِثْم إِذَا تَعَمَّدَ الْإِكْثَار فَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ الزُّبَيْر وَغَيْره مِنْ الصَّحَابَة عَنْ الْإِكْثَار مِنْ التَّحْدِيث . ‏

وَأَمَّا مَنْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فَمَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا وَاثِقِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ بِالتَّثْبِيتِ أَوْ طَالَتْ أَعْمَارهمْ فَاحْتِيجَ إِلَى مَا عِنْدهمْ فَسُئِلُوا فَلَمْ يُمْكِنهُمْ الْكِتْمَان .ا.هـ.

وأكتفي بهذهِ الأحاديثِ في التذكيرِ بخطورة الكذبِ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم .

وقد أرسل إليّ بعضُ الإخوةِ عن طريقِ البريد الإلكتروني يسألون عن صحةِ عددٍ من القصصِ والأحاديث المنسوبةِ إلى النبي صلى اللهُ عليه وسلم فمن أولها :

1 – عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : جاء جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ساعة ما كان يأتيه فيها متغير اللون فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم : " مالي أراك متغير اللون ؟ " ، فقال : " يا محمد جئتك في الساعة التي أمر اللَّه بمنافخ النار أن تنفخ فيها ، ولا ينبغي لمن يعلم أن جهنم حق ، وأن النار حق ، وأن عذاب القبر حق ، وأن عذاب اللَّه أكبر أن تقرّ عينه حتى يأمنها " ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم : يا جبريل ؛ صف لي جهنم ؟ قال : نعم ؛ إن اللَّه تعالى لما خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة فأجمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة فابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة فاسودت ، فهي سوداء مظلمة لا ينطفئ لهبها ولا جمرها ، والذي بعثك بالحق لو أن مثل خرم إبرة فتح منها لاحترق أهل الدنيا عن آخرهم من حرها ، والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من أثواب أهل النار علق بين السماء والأرض لمات جميع أهل الأرض من نتنها وحرها عن آخرهم لما يجدون من حرها ، والذي بعثك بالحق نبياً لو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها اللَّه تعالى في كتابه وضع على جبل لذاب حتى يبلغ الأرض السابعة ، والذي بعثك بالحق نبياً لو أن رجلاً بالمغرب يعذب لاحترق الذي بالمشرق من شدة عذابها ، حرها شديد وقعرها بعيد وحليها حديد وشرابها الحميم والصديد وثيابها مقطعات النيران " لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ " [ الحجر : 44 ] من الرجال والنساء ، فقال صلى اللَّه عليه وسلم : " أهي كأبوابنا هذه ؟ " ، قال : " لا ؛ ولكنها مفتوحة بعضها أسفل من بعض من باب إلى باب مسيرة سبعين سنة كل باب منها أشد حراً من الذي يليه سبعين ضعفاً ، يساق أعداء اللَّه إليها فإذا انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال والسلاسل فتسلك السلسلة في فمه وتخرج من دبره ، وتغل يده اليسرى إلى عنقه وتدخل يده اليمنى في فؤاده فتنزع من بين كتفيه وتشد بالسلاسل ، ويقرن كل آدمي مع شيطان في سلسلة ويسحب على وجهه وتضربه الملائكة بمقامع من حديد " كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا " [ الحج : 22 ] ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم : " من سكان هذه الأبواب ؟ " ، فقال : " أما الباب الأسفل ففيه المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون واسمها الهاوية ، والباب الثاني فيه المشركون واسمه الجحيم ، والباب الثالث فيه الصابئون واسمه سقر ، والباب الرابع فيه إبليس ومن تبعه والمجوس واسمه لظى ، والباب الخامس فيه اليهود واسمه الحطمة ، والباب السادس فيه النصارى واسمه السعير ، ثم أمسك جبريل حياء من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام : " ألا تخبرني من سكان الباب السابع ؟ فقال : " فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا ولم يتوبوا ، فخر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مغشياً عليه ، فوضع جبريل رأسه على حجره حتى أفاق ، فلما أفاق قال : يا جبريل عظمت مصيبتي واشتد حزني أو يدخل أحد من أمتي النار ؟ قال : نعم ؛ أهل الكبائر من أمتك " ، ثم بكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبكى جبريل ، ودخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منزله واحتجب عن الناس ، فكان لا يخرج إلا إلى الصلاة يصلي ويدخل ولا يكلم أحداً ويأخذ في الصلاة ويبكي ويتضرع إلى اللَّه تعالى ، فلما كان اليوم الثالث أقبل أبو بكر رضي اللَّه عنه حتى وقف بالباب وقال : " السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ، هل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سبيل ؟ فلم يجبه أحد فتنحى باكياً " ، فأقبل عمر رضي اللَّه عنه فوقف بالباب وقال : " السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة هل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سبيل ؟ فلم يجبه أحد فتنحى وهو يبكي " ، فأقبل سلمان الفارسي حتى وقف بالباب وقال : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ، هل إلى مولاي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سبيل ؟ فلم يجبه أحد فأقبل يبكي مرة ويقع مرة ويقوم أخرى حتى أتى بيت فاطمة ووقف بالباب ثم قال : السلام عليك يا ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، وكان علي رضي اللَّه عنه غائباً فقال : يا ابنة رسول اللَّه إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا إلى الصلاة فلا يكلم أحداً ولا يأذن لأحد في الدخول عليه، فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية وأقبلت حتى وقفت على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم سلمت وقالت : يا رسول اللَّه أنا فاطمة ورسول اللَّه ساجد يبكي فرفع رأسه وقال : ما بال قرة عيني فاطمة حجبت عني افتحوا لها الباب ، ففتح لها الباب فدخلت فلما نظرت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بكت بكاءاً شديداً لما رأت من حاله مصفراً متغيراً قد ذاب لحم وجهه من البكاء والحزن، فقالت : يا رسول اللَّه ما الذي نزل عليك ؟ فقال : يا فاطمة جاءني جبريل ووصف لي أبواب جهنم ، وأخبرني أن في أعلى بابها أهل الكبائر من أمتي فذلك الذي أبكاني وأحزنني . قالت : يا رسول اللَّه كيف يدخلونها ؟ قال بلى تسوقهم الملائكة إلى النار ولا تسود وجوههم ولا تزرق أعينهم ولا يختم على أفواههم ولا يقرنون مع الشياطين ولا يوضع عليهم السلاسل والأغلال . قالت : قلت : يا رسول اللَّه وكيف تقودهم الملائكة ؟ فقال : أما الرجال فباللحى وأما النساء فبالذوائب والنواصي ، فكم من ذي شيبة من أمتي يقبض على لحيته ويقاد إلى النار وهو ينادي واشيبتاه واضعفاه ، فكم من ذي شاب قد قبض على لحيته يساق إلى النار وهو ينادي واشباباه وأحسن صورتاه ، وكم من امرأة من أمتي قد قبض على ناصيتها تقاد إلى النار وهي تنادي وافضيحتاه وأهتك ستراه ، حتى ينتهي بهم إلى مالك فإذا نظر إليهم مالك قال للملائكة : من هؤلاء ؟ فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء لم تسود وجوههم ولم تزرق أعينهم ولم يختم على أفواههم ولم يقرنوا مع الشياطين ولم توضع السلاسل والأغلال في أعناقهم ، فتقول الملائكة هكذا أمرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة ، فيقول لهم مالك يا معشر الأشقياء من أنتم ؟ " وروي في خبر آخر " أنهم لما قادتهم الملائكة ينادون : " وامحمداه " ، فلما رأوا مالكاً نسوا اسم محمد صلى اللَّه عليه وسلم من هيبته ، فيقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن ممن أنزل علينا القرآن ، ونحن ممن يصوم رمضان ، فيقول مالك : ما نزل القرآن إلا على أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم فإذا سمعوا اسم محمد صاحوا وقالوا : نحن من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم ، فيقول لهم مالك : أما كان لكم في القرآن زاجر عن معاصي اللَّه تعالى ؟ فإذا وقف بهم على شفير جهنم ونظروا إلى النار وإلى الزبانية قالوا : يا مالك ائذن لنا فنبكي على أنفسنا ، فيأذن لهم فيبكون الدموع حتى لم يبق لهم دموع ، فيبكون الدم ، فيقول مالك : ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا ، فلو كان هذا البكاء في الدنيا من خشية اللَّه ما مستكم النار اليوم ، فيقول مالك للزبانية : ألقوهم ألقوهم في النار ، فإذا ألقوا في النار نادوا بأجمعهم : " لا إله إلا اللَّه فترجع النار عنهم " ، فيقول مالك : يا نار خذيهم ، فتقول : " كيف آخذهم وهم يقولون لا إله إلا الله ؟ " ، فيقول مالك للنار : " خذيهم " ، فتقول : " كيف آخذهم وهم يقولون لا إله إلا الله ؟ ، فيقول مالك : نعم بذلك أمر رب العرش فتأخذهم ، فمنهم من تأخذه إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذه إلى حلقه ، فإذا هوت النار إلى وجهه قال مالك : لا تحرقي وجوههم فطالما سجدوا للرحمن في الدنيا ولا تحرق قلوبهم فطالما عطشوا في شهر رمضان فيبقون ما شاء اللَّه فيها ، ويقولون : يا أرحم الراحمين يا حنان يا منان ، فإذا أنفذ اللَّه تعالى حكمه قال : يا جبريل ما فعل العاصون من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم ، فيقول : اللهم أنت أعلم بهم ، فيقول : انطلق فانظر ما حالهم ، فينطلق جبريل عليه الصلاة والسلام إلى مالك وهو على منبر من نار في وسط جهنم ، فإذا نظر مالك إلى جبريل عليه الصلاة والسلام قام تعظيماً له فيقول : يا جبريل ما أدخلك هذا الموضع ؟ فيقول : ما فعلت بالعصابة العاصية من أمة محمد ؟ فيقول مالك : ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم قد أحرقت أجسامهم وأكلت لحومهم وبقيت وجوههم وقلوبهم يتلألأ فيها الإيمان ، فيقول جبريل : ارفع الطبق عنهم حتى أنظر إليهم ، قال : فيأمر مالك الخزنة فيرفعون الطبق عنهم ، فإذا نظروا إلى جبريل وإلى حسن خلقه علموا أنه ليس من ملائكة العذاب ، فيقولون : من هذا العبد الذي لم نر أحداً قط أحسن منه ؟ فيقول مالك : هذا جبريل الكريم على ربه الذي كان يأتي محمداً صلى اللَّه عليه وسلم بالوحي ، فإذا سمعوا ذكر محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاحوا بأجمعهم وقالوا : يا جبريل أقرئ محمداً صلى اللَّه عليه وسلم منا السلام وأخبره أن معاصينا فرقت بيننا وبينك وأخبره بسوء حالنا ، فينطلق جبريل حتى يقوم بين يدي اللَّه تعالى فيقول اللَّه تعالى : كيف رأيت أمة محمد ؟ فيقول : يا رب ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم ، فيقول : هل سألوك شيئاً ؟ فيقول : يا رب نعم سألوني أن أقرئ نبيهم منهم السلام وأخبره بسوء حالهم ، فيقول اللَّه تعالى : انطلق وأخبره ، فينطلق جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في خيمة من درة بيضاء لها أربعة آلاف باب لكل باب مصراعان من ذهب ، فيقول : يا محمد قد جئتك من عند العصابة العصاة الذين يعذبون من أمتك في النار وهم يقرءونك السلام ويقولون : ما أسوأ حالنا وأضيق مكاننا فيأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى تحت العرش فيخر ساجداً ويثني على اللَّه تعالى ثناء لم يثن عليه أحد مثله ، فيقول اللَّه تعالى : ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيقول : يا رب الأشقياء من أمتي قد أنفذت فيهم حكمك وانتقمت منهم فشفعني فيهم ، فيقول اللَّه تعالى : قد شفعتك فيهم فائت النار فأخرج منها من قال لا إله إلا الله ، فينطلق النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا نظر مالك النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام تعظيماً له فيقول : يا مالك ما حال أمتي الأشقياء ؟ فيقول : ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم ، فيقول محمد صلى اللَّه عليه وسلم : افتح الباب ، وارفع الطبق ، فإذا نظر أهل النار إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاحوا بأجمعهم فيقولون : يا محمد ؛ أحرقت النار جلودنا وأحرقت أكبادنا ، فيخرجهم جميعاً وقد صاروا فحماً قد أكلتهم النار ، فينطلق بهم إلى نهر بباب الجنة يسمى نهر الحيوان فيغتسلون منه فيخرجون منه شباباً جردا مردا مكحلين وكأن وجوههم مثل القمر مكتوب على جباههم الجهنميون عتقاء الرحمن من النار فيدخلون الجنة ، فإذا رأى أهل النار أن المسلمين قد أخرجوا منها قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين وكنا نخرج من النار وهو قوله تعالى : " رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ " [ الحجر : 2 ] .

والحديثُ بهذا اللفظِ ظاهرُ الكذبِ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، ولو أن بعض ألفاظهِ قد جاءت في أحاديث صحيحةٍ ، ولنا معه وقفات :

الوقفةُ الأولى :

من هو يزيدُ الرقاشي الراوي عن أنسِ بنِ مالك رضي اللهُ عنه ؟ وما هي حالهُ من جهةِ كلام أهلِ الجرحِ والتعديلِ فيه ؟

هو يزيدُ بنُ أبان الرَّقَاشي أبو عمرو البصري القاص من زهادِ البصرةِ . وكلامُ أهلِ العلم فيه طويل ، من ذلك :

قال البخاري : تكلم فيه شعبةُ . وقال أبو طالب : سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول : " لا يكتبُ حديث يزيد الرقاشي . قلت له : فلم تُرك حديثهُ ، لهوى كان فيه ؟ قال : لا ، ولكن كان منكر الحديثِ . وقال : شعبةُ يحملُ عليه ، وكان قاصاً . وقال أبو حاتم : كان واعظاً بكاءً كثير الروايةِ عن أنس بما فيه نظرٌ ، صاحبُ عبادةٍ ، وفي حديثهِ ضعفٌ .

وقد لخص ابنُ حبان الكلامَ فيه فقال : " كان من خيارِ عبادِ اللهِ من البكائين في الخلواتِ والقائمين بالحقائق في السبراتِ ، ممن غفل عن صناعةِ الحديثِ وحفظها ، واشتغل بالعبادةِ وأسبابها حتى كان يقلبُ كلامَ الحسن فيجعله عن أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاجُ به ، فلا تحلُ الروايةُ عنه إلا على سبيل التعجب " .

والخلاصةُ في حالِ الرجل ما يلي :

أولاً : أنهُ قاصٌ . وقد أورده ابنُ الجوزي في كتابِ " القصاصِ والمذكرين " ( ص 265 ) ، والقصاصُ هم قومٌ كانوا يقصون القصصَ دون ذكرِ العلمِ المفيدِ ، ثم غالبهم يخلطُ فيما يوردهُ ، واعتمد على ما أكثره محالٌ ، وأما القاصُ الصادقُ فقد أثنى أحمدُ بنُ حنبل عليه فقال : " ما أحوج الناس إلى قاصٍ صدوقٍ " .
وقد أفرد لهم ابنُ الجوزي في " تلبيس إبليس فصلاً بعنوان : " ذكرُ تلبيسه على الوعاظِ والقصاصِ " ، ثم قال : " فمن ذلك أن قوماً منهم يضعون أحاديث الترغيبِ والترهيبِ ، ولبس عليهم إبليس بأننا نقصدُ حث الناسِ على الخيرِ ، وكفهم عن الشرِ ، وهذا افتئاتٌ منهم على الشريعةِ ، لأنها عندهم – على هذا الفعلِ – ناقصةٌ تحتاجُ إلى تتمةٍ ، ثم نسوا قوله صلى اللهُ عليه وسلم : " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .ا.هـ.

ثانياً : أنه ممن اشتغل بالعبادةِ ، وقد تكلم أهلُ العلمِ في العبادِ والزهادِ ، فعد شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ أن لكثرةِ الغفلةِ أسباباً منها الاشتغال عن حديثِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بغيره ، فلا ينضبط له ككثيرٍ من أهلِ الزهدِ والعبادةِ .
قال شيخُ الإسلامِ في " الفتاوى " (18/45) : الْخَطَأُ فِي الْخَبَرِ يَقَعُ مِنْ الرَّاوِي إمَّا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا ؛ وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي الرَّاوِي الْعَدَالَةُ لِنَأْمَنَ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ ، وَالْحِفْظِ وَالتَّيَقُّظِ لِنَأْمَنَ مِنْ السَّهْوِ .

وَالسُّهُو لَةُ أَسْبَابٌ : أَحَدُهَا : الِاشْتِغَالُ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَنْضَبِطُ لَهُ كَكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ .ا.هـ.

ثالثاً : كلامُ أبي حاتمِ في يزيد أنه كان كثيرَ الروايةِ عن أنس بما فيه نظر ، وأيضاً كلامُ ابنِ حبانَ أنه يقلبُ كلامَ الحسن البصري فيجعله عن أنس ، يبين أن روايته عن أنس رضي الله ُ عنه معلولةٌ ، وربما تكون من كلام الحسن البصري وليس من كلام أنس رضي الله عنه .

الوقفةُ الثانيةُ :

الحديثُ بهذا السياقِ أوردهُ السمرقندي في " تنبيه الغافلين " ، وقد تكلم أهلُ العلم على الكتابِ .

قال الإمام الذهبي في ترجمته في السير (16/323) : صَاحبُ كِتَابِ (تنبيهِ الغَافلينَ) ... وَتَرُوجُ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ الموضُوعَةُ .ا.هـ.

أما كتابه " تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين " الذي جاء الحديث المذكور فيه فقد انتقده أهل العلم نقدا شديدا ، فالكتاب - أي " تنبيه الغافلين " - من مظان الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ، وإليك كلام أهل العلم في الكتاب لكي تكون أنت وغيرك على بينة من أمر الكتاب .

وهذه النقولات من كتاب " كتب حذر منها العلماء (2/198 -200) .

قال الذهبي في " تاريخ الإسلام " في ترجمته ( حوادث 351 - 380 ) : وفي كتاب " تنبيه الغافلين موضوعات كثيرة .ا.هـ.

وقال أبو الفضل الغماري في " الحاوي " (3/4) : وكتاب " تنبيه الغافلين " يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة ، فلا ينبغي قراءته للعامة لا يعرفون صحيحه من موضوعه .ا.هـ.

وقد ذكر شيخ الإسلام في " الرد على البكري " أن جمهور مصنفي السير والأخبار وقصص الأنبياء لا يميز بين الصحيح والضعيف ، والغث والسمين ، وذكر من بينهم أبا الليث السمرقندي ، وقال : " فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم ، ولا لهم خبرة بالنقلة ، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف ، ولا يميزون بينهما ، ولكن منهم من يروي الجميع ويجعل العهدة على الناقل .ا.هـ.

وقال أيضا في " الفتاوى " في معرض تضعيف حديث : وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي آدَمَ يَذْكُرُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ زِيَادَاتٍ أُخَرَ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ : وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا " أَنَّ آدَمَ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي - قَالَ وَيُرْوَى تَقَبَّلْ تَوْبَتِي - فَقَالَ اللَّهُ لَهُ : مِنْ أَيْنَ عَرَفْت مُحَمَّدًا ؟ قَالَ رَأَيْت فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَيُرْوَى : مُحَمَّدٌ عَبْدِي وَرَسُولِي فَعَلِمْت أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِك عَلَيْك ؛ فَتَابَ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ " . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنَّ تُبْنَى عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الدِّينِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الإسرائيليات وَنَحْوِهَا الَّتِي لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهَا إلَّا بِنَقْلِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .ا.هـ.

والشاهد قول شيخ الإسلام ابن تيمية : طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ .

وقال حاجي خليفة في " كشف الظنون " (1/478) : تنبيه الغافلين في الموعظة . لأبي الليث : نصر بن محمد الفقيه ، السمرقندي ، الحنفي . المتوفى : سنة 375، خمس وسبعين وثلاثمائة . وهو مجلد . أوله : ( الحمد لله الذي هدانا لكتابه... الخ ) . مرتب على : أربعة وتسعين بابا . قال الذهبي : ( فيه موضوعات كثيرة ) .ا.هـ.

وقد حذر من هذا الكتاب - تنبيه الغافلين - وغيره من الكتب الشيخ السلفي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام الشقيري في كتابه " المحنة المحمدية في بيان العقائد السلفية " ( ص171 - 172) فقال تحت عنوان " كتب لا يحل قراءتها " في مبحث سبب انتشار الحكايات والمنامات الفاسدة والخرافات الفاشية التي لم يعهد لها أصل في كلام السلف الصالحين ، ولا في سنن سيد المرسلين ؛ قال : وإنما هي فاشية بين العوام والجهلاء والطغام من كتب المناقب ككتاب " الروض الفائق " ، و " روض الرياحين في مناقب الصالحين " و " ونوادر القليوبي " و " كرامات الأولياء " و " ونزهة المجالس " و " وتنوير القلوب " ، و " تنبيه الغافلين " ، وكذا كتب الشروح والحواشي الأزهرية ، وأمثال هذه الكتب لا تحوي سوى ما يفسد عقائد العوام وبسطاء العقول ، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا العوام وبسطاء العقول ، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا عليها في الجرائد والمجلات وفي دروسهم ومؤلفاتهم ، إذ هي السبب الأعظم في إفشاء تلك الخرافات بين العوام وفي عبادتهم لقبور الصلحاء ، فكان الواجب إيقاف طبعها ومصادرة قراءتها دفعا لضررها وتطاير شررها ، ولكن علماءنا ماتوا والأحياء لم يرج منهم أمر ولا نهي ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون .ا.هـ.

وقد سئل فضيلةُ الشيخِ محمدُ بنُ صالح العثيمين عن الكتاب .

السؤال : يسأل عن كتاب تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصر الدين محمد بن إبراهيم السمرقندي يقول : أسأل عن هذا الكتاب والأحاديث التي وردت فيه هل هي صحيحة أفيدونا جزاكم الله خيرا ؟

الجواب :

وفيه أحاديث موضوعة ، ولهذا لا ينبغي قراءته إلا لطالب علم يميز بين ما يقبل من الأحاديث التي فيه وما لا يقبل ليكون على بصيرة من أمره ولئلا ينسب إلى رسول الله صلي الله علية وسلم ما لم يقله أو ما لا تصح نسبته إليه فإن من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبيَن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعدا من النار فنصيحتي لمن ليس له علم بالأحاديث أن لا يطلع على هذا الكتاب ، ومن عنده علم يميز بين المقبول وغير المقبول ورأى في قراءته مصلحة فليفعل وإن رأى أنه يصده عن قراءة ما هو أنفع منه له فلا يذهب وقته في قراءته .

الوقفةُ الثالثةُ :

الحديثُ ورد من طريقٍ آخر بلفظٍ مختصرٍ ، ونصهُ :

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا جبريل ؛ مالي أراك متغير اللون ؟! فقال : ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ؛ صف لي النار وانعت لي جهنم . فقال جبريل : إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها ، والذي بعثك بالحق لو أن ثقب إبرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعا من حره ، والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب الكفار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعا من حره ، والذي بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه ، والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لأرفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حسبي يا جبريل ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل وهو يبكي قال : تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت فيه ؟ فقال : وما لي لا أبكي أنا أحق بالبكاء ، لعلي أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها ، وما أدري لعلي ابتلى بما ابتلي به إبليس فقد كان من الملائكة ، وما أدري لعلي ابتلى بما ابتلي به هاروت وماروت ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل ، فما زالا يبكيان حتى نوديا : أن يا جبريل ويا محمد إن الله قد أمنكما أن تعصياه " .

أخرجهُ الطبراني في " الأوسط " (4840 – مجمع البحرين) ، وأورده العلامةُ الألباني – رحمهُ اللهُ - في " الضعيفة " (1306 ، 4501) ، وفي " ضعيف الترغيب والترهيب " (2125) وحكم عليه بالوضعِ في المواضعِ الثلاثةِ ، وفي سندهِ سلامُ الطويل وهو متهمٌ بالكذبِ .

والحديثُ فيه علةٌ أخرى ربما لم ينتبه لها الشيخُ ، أو أنهُ اكتفى بعلةِ الكذابِ الذي في السندِ ، وهي علةٌ كافيةٌ لردِ الخبرِ ، والعلةُ الثانيةُ الانقطاعُ بين عدي بنِ عدي الكندي وعمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه .

وأكتفي بهذه الوقفاتِ ، وأسألُ اللهَ أن يرينا الحقَ حقاً ويرزقنا اتباعهُ ، ,أن يرينا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابهُ .

ومع حديثٍ آخر إن شاءَ اللهُ تعالى .


الحديثُ الثاني

عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : نزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة لم ينزل في مثلها قط ؛ ضاحكا مستبشرا . فقال : السلام عليك يا محمد . قال : وعليك السلام يا جبريل . قال : إن الله بعثني إليك بهدية كنوز العرش أكرمك الله بهن .قال : وما تلك الهدية يا جبريل ؟ . فقال جبريل : قل يا من أظهر الجميل ، وستر القبيح ، يا من لا يؤاخذ بالجريرة ، ولا يهتك الستر ، يا عظيم العفو ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ، يا صاحب كل نجوى ، ويا منتهى كل شكوى ، يا كريم الصفح ، يا عظيم المن ، يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها ، يا ربنا ، ويا سيدنا ، ويا مولانا ، ويا غاية رغبتنا ، أسألك يا الله أن لا تشوي خلقي بالنار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما ثواب هذه الكلمات ؟ . قال: هيهات هيهات ، انقطع العلم ، لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما وصفوا من ألف جزء جزء‌ا واحدا ، فإذا قال العبد : يامن أظهر الجميل وستر القبيح ، ستره الله برحمته في الدنيا وجملة في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة ، وإذا قال : يامن لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ، لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم يهتك الستور ، وإذا قال : يا عظيم العفو ، غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر ، وإذا قال : ياحسن التجاوز ، تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل الدنيا ، وغير ذلك من الكبائر ، وإذا قال : يا واسع المغفرة ، فتح الله عز وجل له سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عز وجل حتى يخرج من الدنيا ، وإذا قال : يا باسط اليدين بالرحمة ، بسط الله يده عليه بالرحمة، وإذا قال : يا صاحب كل نجوى ويا منتهى كل شكوى ، أعطاه الله عز وجل من الأجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير إلى يوم القيامة ، وإذا قال : يا كريم الصفح ، أكرمه الله كرامة الانبياء ، وإذا قال : يا عظيم المن ، أعطاه الله يوم القيامة أمنيته وأمنية الخلائق ، وإذا قال : يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ، أعطاه الله من الأجر بعدد من شكر نعماء‌ه ، وإذا قال : يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ، قال الله تبارك وتعالى : اشهدوا ملائكتي أني غفرت له وأعطيته من الأجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والأرضين السبع الشمس والقمر والنجوم وقطر الأمطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي ، وإذا قال : يا مولانا ، ملا الله قلبه من الإيمان ، وإذا قال : يا غاية رغبتنا ، أعطاه الله يوم القيامة رغبته ومثل رغبة الخلائق ، وإذا قال : أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار ، قال الجبار جل جلاله : استعتقني عبدي من النار ، اشهدوا ملائكتي أني قد أعتقته من النار وأعتقت أبويه وإخوانه وأهله ولده وجيرانه ، وشفعته في ألف رجل ممن وجب لهم النار ، وآجرته من النار ، فعلمهن يا محمد المتقين ، ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة مستجابة لقائليهن إن شاء الله ، وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا يطوفون به .

تخريجُ الحديثِ :
أخرجهُ الحاكمُ في " المستدرك " (1/544 – 545) من طريق إسماعيل بن أبي أويس ثنا أحمد بن محمد بن داود الصنعاني ، أخبرني أفلح بن كثير ، ثنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب به ، وقال : " هذا حديثٌ صحيحُ الإسنادِ ، فإن رواتهُ كلهم مدنيون ثقات ، وقد ذكرتُ فيما تقدم الخلاف بين أئمةِ الحديثِ في سماعِ شعيب بنِ محمدِ بنِ عبدِ الله بنِ عمرو من جده " . وسكت عليه الذهبي في التلخيص .

وأخرجهُ البيهقي في " الأسماء والصفات " (90) . وقال : " وهو دعاءٌ حسنٌ ، وفي صحتهِ عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرٌ .

قال الشيخُ مقبلُ الوادعي – رحمهُ اللهُ – في تتبعهِ لأوهامِ الحاكمِ التي سكت عليها الذهبي (1/739 ح 2050) : " في " الميزانِ " في ترجمةِ أحمدَ بنِ محمد بنِ داود الصنعاني قال الذهبي : " أتى بخبرٍ لا يحتمل " ، ثم ساق له هذا الحديثَ ، ثم قال : " قال الحاكمُ : " صحيحٌ " ، قلتُ : " كلا " ، قال – أي الحاكم - : " فرواتهُ كلهم مدنيون " ، قلتُ : " كلا " ، قال : " ثقاتٌ " ، قلتُ : " أنا أتهمُ به أحمدَ ، وأما أفلح فذكرهُ ابنُ أبي حاتم ولم يضعفهُ " .ا.هـ.

وقال الحاشدي محقق كتابِ " الأسماءِ والصفاتِ " (1/146) بعد نقلهِ لكلامِ الذهبي الآنفِ : " وأفلح بنُ كثيرٍ هو الصنعاني السراج ، ذكره ابنُ أبي حاتمٍ في الجرحِ والتعديلِ ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، فهو مستورُ الحالِ . وابن جريج مدلسٌ ، ولم يصرح بالتحديثِ . والخلاصةُ أن إسنادَ الحديثِ ضعيفٌ جداً فيه أربعُ عللٍ :

الأولى : إسماعيلُ بنُ أبي أويس إلى الضعفِ ما هو .

الثانية : أحمدُ بنُ محمد بنِ داود الصنعاني .

الثالثة : جهالةُ حالِ أفلح بنِ كثيرٍ .

الرابعةُ : عنعنةُ ابن جريج ، وتصحيحُ الحاكمِ له من تساهلاتهِ الكثيرةِ المعروفةِ وقد تعقبهُ الذهبي كما رأيت، وذكرهُ صاحبُ كنزِ العمالِ عن أبيٍّ بنحوهِ وعزاهُ للديلمي . والله أعلمُ .ا.هـ.
والحديثُ جاء عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما عند البيهقي في " الأسماء والصفات " (90) ، قال الحاشدي : إسنادهُ ضعيفٌ جداً : أبو نصر بنُ قتادة وشيخهُ وشيخ شيخهِ لم أعرفهم ، وخالد بن الهياج قال الذهبي في الميزان : عن أبيهِ وغيرهِ وعنهُ أهلُ هراة متماسك وقال السليماني : " ليس بشيءٍ " .ا.هـ. زاد الحافظُ في " اللسان " : وذكرهُ ابنُ حبان في الثقاتِ ، وقال يحيى بن أحمد بن زياد الهروي : كلما أُنكر على الهياج فهو من جهةِ ابنهِ خالد فإن الهياجَ في نفسه ثقةٌ ، وروى الحاكمُ عن صالح جزرة قال : قدمتُ هراة فرأيتُ عندهم أحاديث كثيرة منكرة ، قال الحاكم : " فالأحاديث التي رواها صالحٌ بهراة من حديث الهياج الذنبُ فيها لابنه خالد ، والحملُ فيها عليه " .اهـ. ، وأبوهُ هياجُ بن بسطام الهروي ، قال أبو حاتم : " يكتبُ حديثهُ " ، وقال ابنُ معين : " ضعيفٌ " ، وقال مرةً : " ليس بشيءٍ " ، وقال أحمدُ بنُ حنبل : " متروكُ الحديثِ " ، وقال أبو داود : " تركوا حديثه " ا.هـ. من الميزان . وليثُ بنُ أبي سليم ضعيفٌ مختلطٌ .ا.هـ.

الخلاصةُ أن الحديث لا يثبتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والنكارةُ فيه واضحةٌ .

ومع حديثٍ آخر إن شاءَ اللهُ تعالى .


الحديثُ الثالثُ

عن أنسِ بنِ مالكٍ قال : " كان رجلٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، يكنى أبا معلق ، وكان تاجراً يتجرُ بمالٍ لهُ ولغيرهِ ، وكان له نسكٌ وورعٌ ، فخرج مرةً فلقيهُ لصٌ متقنعٌ في السلاحِ فقال : " ضع متاعك فإني قاتلك " ، قال : " ما تريدُ إلى دمي ؟ شأنك بالمالِ " ، قال : " أما المالُ فلي ، ولستُ أريدُ إلا دمك " ، قال : " أما إذا أبيت فذرني أصلي أربعَ ركعاتٍ " ، قال : " صل ما بدا لك " ، قال : " فتوضأ ثم صلى فكان من دعائهِ في آخرِ سجدةٍ : " يا ودودُ ، يا ذا العرشِ المجيدِ ، يا فعالُ لما يريدُ ، أسألك بعزكِ الذي لا يرامُ ، وملكك الذي لا يضامُ ، وبنورك الذي ملأ أركانَ عرشك ، أن تكفيني شرَ هذا اللصِ ، يا مغيثُ أغثني قالها ثلاثاً ، فإذا هو بفارسٍ أقبل بيدهِ حربةٌ رافعها بين أذنى فرسه ، فطعن اللصَ فقتله ، ثم أقبل على التاجرِ فقال : " من أنت ؟ فقد أغاثني اللهُ بك " ، قال : " إني ملكٌ من أهلِ السماءِ الرابعةِ ، لما دعوت سمعتُ لأبوابِ السماءِ قعقعةً ، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهلِ السماءِ ضجةً ، ثم دعوت ثالثاً فقيل : " دعاءُ مكروبٍ فسألتُ اللهَ أن يوليني قتلهُ ، ثم قال : " أبشر " ، قال أنسٌ : " وأعلم أنهُ من توضأ ، وصلى أربعَ ركعاتٍ ، ودعا بهذا الدعاءِ استجيب له مكروباً كان أو غير مكروبٍ .

تخريجُ الحديثِ :
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " (23) ، و " هواتف الجنان " (12) ، ومن طريقهِ أخرجه اللالكائي في " شرح أصولِ الاعتقاد " (5/166 ح 111) ، في الجزءِ الخاصِ بـ " كراماتِ الأولياءِ " ، وبوب عليه " سياق ما روي من كراماتِ أبي معلق " من طريقِ عيسى بنِ عبدِ اللهِ التميمي قال : أخبرني فهيرُ بنُ زياد الأسدي ، عن موسى بنِ وردان ، عن الكلبي - وليس بصاحبِ التفسيرِ - عن الحسن عن أنس .

وأورده ابنُ الأثيرِ في " أسد الغابة " (6/295) .

وذكرهُ الحافظُ ابنُ حجرٍ في الأصابة " (12/24) عند ترجمةِ " ابي معلق " فقال : " أبو معلق الأنصاري . استدركهُ أبو موسى ، وأخرج من طريق بن الكلبي عن الحسن عن أبي بن كعب : أن رجلا كان يكنى أبا معلق الأنصاري خرج في سفرة من أسفاره ... " فذكر قصة له مع اللصِ الذي أراد قتله .

قال أبو موسى : " أوردته بتمامه في كتاب الوظائف " .

قلت ورويناه في كتاب " مجابي الدعوة " لابن أبي الدنيا قال حدثنا عيسى بن عبدالله النهمي ، أخبرني فهر بن زياد الأسدي ، عن موسى بن وردان ، عن الكلبي - وليس بصاحب التفسير - عن الحسن عن أنس بن مالك ... " .ا.هـ.

وذكرُ أبي بنِ كعب في الطريقِ الذي ذكرهُ أبو موسى لا شك أنه خطأٌ .

قال محققُ كتابِ " أصول الاعتقاد " الشيخ أحمد بن سعد حمدان عن السندِ : سندهُ ضعيفٌ . فيه ثلاثةُ أشخاصٍ لم أجد لهم تراجم وهم : الكلبي ، وفهير بن زياد الأسدي ، وعيسى بن عبد الله التميمي .ا.هـ.

وأوردهُ الإمامُ ابنُ القيمِ في " الداءِ والدواءِ " ( ص 40 ) ، وقال عنه الشيخُ عمرو عبد المنعم سليم : " أثرٌ منكرٌ . رواهُ ابنُ أبي الدينا في " مجابوا الدعوة " (23) : حدثنا عيسى بنُ عبدِ اللهِ التميمي قال : أخبرني فهيرُ بنُ زياد الأسدي ، عن موسى بنِ وردان ، عن الكلبي - وليس بصاحبِ التفسيرِ - عن الحسن عن أنس .

ومن طريقهِ عبد الغني المقدسي في " الترغيب في الدعاء " (61 : منسوختي ) .

قلت : وهذا سندٌ ضعيفٌ ، موسى بن وردان ضعيفٌ على التحقيقِ ، وفي الإسنادِ من لم أعرفهُ .ا.هـ.

فالحديثُ لا يثبتُ ، ومع الأسف أن هذه القصةَ انتشرت في كثيرٍ من منتدياتِ الحوارِ ، بل حتى بعضُ طلبةِ العلم استشهد بها في مقالٍ له ، وبعد بيانِ ضعفِ القصةِ أرجو من كلِ من قرأها في منتدى حواري أن يبين للقائمين على ذلك المنتدى ضعفها وعدم ثبوتها . واللهُ أعلمُ .


الحديثُ الرابع

الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

ما زال المبتدعةُ في كلِ عصرٍ ومصرٍ يكذبون ويفترون على أتباعِ سنةِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم ، ويلمزونهم بألقابٍ مكذوبةٍ ويصفونهم بأوصافٍ منفرةٍ ، وذلك لكي يمنعوا عوامهم من أخذِ الحقِ منهم ، وسلفُ الأمةِ قد بينوا بعضاً مما وصف به هؤلاءِ المبتدعةِ أهل الأثرِ والسنةِ ، وهذه بعضُ النقولِ عنهم :

روى الصابوني في " عقيدةِ أهل الحديث " ( ص304-305 ) : قال أبو حاتم الرازي : علامةُ أهلِ البدعِ : الوقيعةُ في أهلِ الأثرِ . وعلامةُ الزنادقةِ : تسميتهم أهلَ الأثرِ حشوية ، يريدون بذلك إبطالَ الآثارِ . وعلامةُ القدريةِ : تسميتهم أهلَ السنةِ مجبرة . وعلامةُ الجهميةِ : تسميتهم أهلَ السنةِ مشبهة . وعلامةُ الرافضةِ : تسميتهم أهلَ الأثرِ نابتة ، وناصبة . قلتُ : وكلُ ذلك عصبيةٌ ، ولا يلحقُ أهلَ السنةِ إلا اسمٌ واحدٌ وهو أصحابُ الحديثِ .ا.هـ.

وروى أيضا ( ص 300 ) عن أحمدَ بنِ سنانٍ القطان قال : ليس في الدنيا مبتدعٌ إلا وهو يبغضُ أهلَ الحديثِ .

فأهل البدع يلقبون أهل السنة يألقاب شتى ، فمن تلك الألقاب :

1) مشَبّهةٌ :
وهذا اللقب من أشنع الألقاب التي نبزهم بها مخالفوهم في باب الأسماء والصفات من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة .

أما الجهمية : روى الإمام اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (1/179) عن إسحاق بن راهويه قال : علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة .

وأما المعتزلة : قال شيخ الإسلام في الفتاوى (5/110) : أن جل المعتزلة تدخل عامة الأئمة مثل مالك وأصحابه ، والثوري وأصحابه ، والأوزاعي وأصحابه ، والشافعي وأحمد وأصحابه ، وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم في قسم المشبهة .

بل رمى بعضهم الأنبياء بأنهم مشبهة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (5/110) : قال ثمامة بن الأشرس ... : ثلاثة من الأنبياء مشبهة موسى حيث قال : إن هي إلا فتنتك ، وعيسى حيث قال : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، ومحمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : ينزل ربنا .

وأما الأشاعرة : فقد قال الجويني : وأعلموا أن مذهب أهل الحق أن الرب سبحانه وتعالى يتقدس عن شغل حَيِّز ، ويتنزه عن الاختصاص بجهة .

وذهب المشبهة إلى أن الله - تعالى عن قولهم - مختص بجهة فوق .

2) مُجْبِرَةٌ :
قال القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة (ص775) : والذين يثبتون القدر هم المجبرة فأما نحن فإنا ننفيه ، وننزه الله تعالى أن تكون الأفعال بقضائه وقدره .

3) نُقصانيَّة .

4) مُخَالِفَةٌ .

5) شُكَّاك .

روى الإمام اللالكائي عن أبي حاتم : وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية . شرح أصول أهل السنة (1/179) .

وقال الإمام أحمد : فأما المرجئة : فيسمون أهل شكاكا ....

6) ناصبة :

وهو من الألقاب الشنيعة التي رماهم بها الرافضة .

7) العامة ، والجمهور.

8) حَشْوِيَّةٌ .

وبعد هذه النقولِ فلا غرابة أن نسمعَ مثلها من أناسٍ أعمى اللهُ قلوبهم وأبصارهم عن رؤيةِ الحقِ ، وكذلك هذه النقولُ فيها تسليةٌ لأهلِ السنةِ والأثرِ والحديثِ أن يصبروا عليها ، وأن يعلموا أنهم على الحقِ المبينِ .

وبعد هذه المقدمةِ نأتي على المطلوبِ ، استدل أحدهم بحديثٍ يقوي بدعتهُ التي يستندُ عليها في قضيةِ التوسلِ بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أمرٌ ليس بالمستغربِ من هؤلاءِ ، فإذا أراد أن يقوي بدعتهُ عرف سنةَ النبي في تلك اللحظةِ ، ولا يمنعهُ الحياءُ من الاستدلالِ بكلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ أو محمدِ بنِ عبدِ الوهاب أو أي عالمٍ من علماءِ أهلِ السنةِ ، لأنهُ كما هو معلومٌ : " الغايةُ تبررُ الوسيلةَ " ، وصدق المصطفى عندما قال : " ‏إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " ، فهؤلاءِ نزعوا جلبابَ الحياءِ ، وعندما يكونُ الكلامُ من عالمٍ من علماءِ أهلِ السنةِ في تقريرِ مسألةٍ تخالفُ هواهم كشيخِ الإسلامِ مثلاً ، أجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم ، وطريقتهم في ذلك طريقةَ اليهودِ مع عبدِ الله بنِ سلام رضي اللهُ عنه ، وقصتهُ معهم معروفةٌ .

نرجعُ إلى الحديثِ الذي استدل به هذا المسكين .

نصُ الحديثِ كاملاً :
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه قال : لما ماتت فاطمةُ بنتُ أسدِ بنِ هاشم أمُ علي رضي اللهُ عنهما ، دخل عليها رسولُ اللهُ صلى اللهُ عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال : " رحمك اللهُ يا أمي ، كنتِ أمي بعد أمي ، تجوعين وتشبعيني ، وتعرين وتكسيني ، وتمنعين نفسك طيباً وتطعميني ، تريدين بذلك وجهَ اللهِ والدارَ الآخرةِ " . ثم أمر أن تغسلَ ثلاثاً ، فلما بلغ الماءُ الذي فيه الكافورُ سكبهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بيدهِ ، ثم خلع رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قميصهُ فألبسها إياه ، وكفنها ببردٍ فوقه ، ثم دعا رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم أسامةَ بنَ زيدٍ ، وأبا أيوب الأنصاري ، وعمرَ بنَ الخطابِ ، وغلاماً أسوداً يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحدَ حفرهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بيده وأخرج ترابهُ بيدهِ ، فلما فرغ دخل رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم فاضطجع فيه فقال : " اللهُ الذي يحيي ويميت ، وهو حي لا يموتُ ، اغفر لأمي فاطمةَ بنت أسد ، ولقنها حجتها ، ووسِّع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحمُ الراحمين " . وكبر عليها أربعاً ، وأدخلوها اللحدَ هو والعباسُ وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم .

لنا مع الحديثِ وقفاتٌ :

الوقفةُ الأولى : تخريجُ الحديث :
أخرجهُ الطبراني في " الكبير " (24/352 ح 871) ، و " الأوسط " (1/152) ، وأبو نعيم في " الحلية " (3/121) ، وابنُ الجوزي في " العلل المتناهية " (1/269) من طريقِ روح بنِ صلاح ، حدثنا سفيانُ الثوري ، عن عاصم الأحول عن أنس به .

قال الطبراني في " الأوسط " عقب الحديثِ : " لم يروهِ عن عاصم إلا سفيانُ ، تفرد به روحُ بنُ صلاح " .ا.هـ. وقال ابنُ الجوزي : " تفرد به روحُ بنُ صلاح ، وهو في عدادِ المجهولين وقد ضعفه ابنُ عدي " .ا.هـ.

وقال الهيثمي في " المجمع " (9/257) : " رواهُ الطبراني في " الكبيرِ " و " الأوسطِ " ، وفيه روحُ بنُ صلاح ، وثقهُ ابنُ حبان والحاكمُ وفيه ضعفٌ ، وبقيةُ رجالهِ رجالُ الصحيحِ .ا.هـ.

وتعقب العلامةُ الألباني في " الضعيفة " (23) الهيثمي فقال : " وبالنظرِ في سندهِ تبين لي أن قولَ الهيثمي : " وبقيةُ رجالهِ رجالُ الصحيحِ " نظراً رجيحاً ، وذلك لأنه من روايةِ الطبراني عن أحمدَ بنِ حماد زُغبة ( في الأصل : رغبته وهو خطأٌ ) حدثنا روحُ بنُ صلاح ، أخبرنا سفيانُ عن عاصم عن أنس ، فإن زُغبةَ هذا ليس من رجالِ الصحيحِ ، بل لم يروِ له إلا النسائي ، أقولُ هذا مع العلمِ أنه في نفسهِ ثقةٌ " .ا.هـ.

وقد حكم العلامةُ الألباني على الحديثِ بالضعفِ في " الضعيفة " (23) فقال : " بقي النظرُ في حالِ روحِ بنِ صلاح ، وقد تفرد به كما قال أبو نعيم ، فقد وثقهُ ابنُ حبان والحاكم كما ذكر الهيثمي ، ولكن قد ضعفهُ من قولهم أرجح من قولهما لأمرين :

الأولِ : أنه جرحٌ مقدٌ على التعديلِ بشرطهِ .

والآخر : أن ابن حبان متساهلٌ في التوثيقِ ، فإنهُ كثيراً ما يوثقُ المجهولين حتى الذين يصرحُ هو نفسهُ أنه لا يدري من هو ولا من أبوه ؟ كما نقل ذلك ابنُ عبد الهادي في " الصارمِ المنكي " ، ومثلهُ في التساهلِ الحاكمُ كما لا يخفى على المتضلعِ بعلمِ التراجمِ والرجالِ فقولهما عند التعارضِ لا يقامُ له وزنٌ حتى ولو كان الجرحُ مبهماً لم يُذكر له سببٌ ، فكيف مع بيانهِ كما هو الحال في ابنِ صلاح هذا ؟! فقد ضعفهُ ابنُ عدي ، وقال ابنُ يونس : " رويتُ عنه مناكيرَ " ؛ وقال الدارقطني : " ضعيفُ الحديثِ " ؛ وقال ابنُ ماكولا : " ضعفوهُ " ، وقال ابنُ عدي بعد أن خرجَ له حديثين : " له أحاديث كثيرة في بعضها نكرةٌ " .

فأنت ترى أئمةَ الجرحِ قد اتفقت عبارتهم على تضعيفِ هذا الرجلِ ، وبينوا أن السببَ روايتهُ المناكير ، فمثلهُ إذا تفرد بالحديثِ يكونُ منكراً لا يحتجُ به ، فلا يغتر بعد هذا بتوثيقِ من سبق ذكرهُ إلا جاهلٌ أو مغرضٌ " .ا.هـ.

وقال الشوكاني في " الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد " ( ص/64 ) : " حديثُ فاطمةَ بنتِ أسد ضعيفٌ فيه روحُ بنُ صلاح المصري ، وهو ضعيفٌ " .ا.هـ.

وقال الشيخُ عبدُ الرحمن الدوسري في تعليقهِ على كتابِ " صيانة الإنسانِ " للعلامة السهسواني الهندي ( ص 129 ) : هذا الحديثُ لا يصحُ درايةً ؛ إذا صيغةُ متنهِ وركاكةُ ألفاظهِ ، وما فيه من المبالغةِ ؛ مما يدلُ على عدمِ ثبوتهِ ، زيادة على غرابتهِ ، وما في سندهِ من الضعفِ " .ا.هـ.

الوقفةُ الثانيةُ : البترُ والكذبُ في النقلِ :

كما نعلمُ ويعلمُ الجميع أن أهلَ البدعةِ قومٌ معرفون ببترِ النصوصِ ، فالهيثمي قال عن الحديثِ : " رواهُ الطبراني في " الكبيرِ " و " الأوسطِ " ، وفيه روحُ بنُ صلاح ، وثقهُ ابنُ حبان والحاكمُ وفيه ضعفٌ ، وبقيةُ رجالهِ رجالُ الصحيحِ " ، والمسكين الناقل ماذا صنع ؟

قال : " أخرجه الطبراني ووثقه ابن حبان والحاكم " فوقع في بليةٍ كبيرةٍ ، حذف اسم روح بن صلاح ، ثم نقل توثيقَ ابن حبان والحاكم ، والتوثيقُ لا يكونُ إلا لرجالِ السندِ ، فأوهم أن الحديث وثقه المذكوران ، ونحن أهلُ السنةِ لا نقولُ عن السند : " ثقة " ، بل يذكرها أهلُ العلم في الراوي وليس السند ، أما الإسناد فيقال عنه مثلا : " رجالهُ ثِقات " وليس ثُقات ، أو يقال عنه : " سندهُ ضعيف " وما شابه ذلك من المصطلحاتِ المعروفةِ في علم الحديثِ .

الأمرُ الآخر أنه بتر أيضاً عبارة : " وفيه ضعفٌ " ، وهي الحكمُ على روح بنِ صلاح ، والذي عليه مدارُ الحديثِ ، وبسببهِ ضعف أئمةُ الشأن الحديثَ .

الوقفةُ الثالثةُ : الكلامُ عن أئمةِ نقلةِ القرآن :

إن من البلايا والرزايا أن يرمي الإنسانُ غيره بأمرٍ هو منه بريءٌ ، ومن رماهُ به واقعٌ فيه ، كالسارقِ يظنُ أن الناسَ كلهم سرقة ، والزاني يظنُ أن الناسَ كلهم زناة – والعياذُ بالله - ، وهكذا دواليك ، فبعد ما ثبت من كلامِ علماءِ الرافضةِ قولهم بالتحريف في كتابِ اللهِ ، بل ألف أحدهم وهو الطبرسي – عليه من الله ما يستحق - كتاباً سماه " فصل الخطابِ في تحرفِ كتابِ ربِ الأرباب " ، قال الرافضةُ تعالوا نبحث في نقلةِ القرآنِ عند أهل السنةِ ، ونبحثُ ما قيل فيهم من كلامِ علماءِ الجرح والتعديلِ ، وظنوا أنهم وقعوا على كنزٍ ثمينٍ ، وهذا يدلُ دلالةً واضحةً على سخافةِ عقولِ القومِ .

والرد على هذه الفرية أننا نقولُ : لا يمنع أن يكونَ الرجلُ من علماءِ القراءاتِ ومن ضابطيها ، وفي نفسِ الوقتِ ضعيفٌ أو متروكٌ في الحديثِ ، ولنأخذ مثالاً ممن ورد ذكرهُ :

حفصُ بنُ سليمان الأسدي الكوفي ( ت 180 هـ ) من تلاميذِ عاصمِ بن بهدلة بنِ أبي النجود الأسدي في القراءةِ ، وكان حجةً في القراءةِ ، ليس بشيءٍ في الحديثِ ، ولهذا قال عنهُ الذهبي في " معرفة القراءِ الكبارِ " (1/141) : " أما في القراءةِ فثقةٌ ثبتٌ ضابطٌ لها ، بخلافِ حالهِ في الحديثِ " .ا.هـ.

أما عاصمُ بنُ أبي النجودِ انتهت إليه رئاسةُ الإقراءِ بالكوفةِ ، وكان صدوقاً في الحديثِ .

وأكتفي بهذا القدر من الوقفاتِ . واللهُ أعلمُ .

حرر في 3 - 5 - 1425 هـ


الحديث الخامس
تخريجُ حديثِ : " لا يزال الجهاد حلواً خضراً ... "


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

يستدلُ بعضُ الناسِ على مسألةِ في الجهادِ بحديثٍ عن النبي صلى اللهُ عليه ، وفحوى الحديث أنه سيأتي على الناسِ زمانٌ لا يكونُ هناك شيءٌ يقالُ له : " جهادٌ " ، وفي هذه الأسطرِ سأبينُ حال الحديثِ من جهةِ ثبوتهِ وعدم ثبوتهِ .

أولاً : نصُ الحديثِ :
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزالُ الجهادُ حلواً خضراً ما أمطرت السماءُ وأنبتت الأرضُ ، وسينشو نشو من قبلِ المشرقِ يقولون : " لا جهاد ولا رباط أولئك هم وقودُ النارِ بل رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من عتقِ ألفِ رقبةٍ ، ومن صدقةِ أهلِ الأرضِ جميعاً " .

ثانياً : تخريجُ الحديثِ :
أخرجهُ ابنُ عساكرٍ في " تاريخِ دمشق " (43/347) : أخبرنا أبو الحسن الشافعي ، وأبو الحسن بن دريد قالا : أنا نصر بن إبراهيم زاد الشافعي ، وأبو محمد بن فضيل قالا : أنا أبو الحسن بن عوف ، أنا أبو علي بن منير ، أنا أبو بكر محمد بن خريم ، نا هشام بن عمار ، نا أبي : عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان الظفري ، نا عباد بن كثير ، عن يزيد الرقاشي عن أنس به .

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً فيه :

1 – يزيدُ الرقاشي : هو يزيدُ بنُ أبان الرَّقَاشي أبو عمرو البصري القاص من زهادِ البصرةِ .

وكلامُ أهلِ العلم فيه طويل ، من ذلك :

قال البخاري : تكلم فيه شعبةُ . وقال أبو طالب : سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول : " لا يكتبُ حديث يزيد الرقاشي . قلت له : فلم تُرك حديثهُ ، لهوى كان فيه ؟ قال : لا ، ولكن كان منكر الحديثِ . وقال : شعبةُ يحملُ عليه ، وكان قاصاً . وقال أبو حاتم : كان واعظاً بكاءً كثير الروايةِ عن أنس بما فيه نظرٌ ، صاحبُ عبادةٍ ، وفي حديثهِ ضعفٌ .

وقد لخص ابنُ حبان الكلامَ فيه فقال : " كان من خيارِ عبادِ اللهِ من البكائين في الخلواتِ والقائمين بالحقائق في السبراتِ ، ممن غفل عن صناعةِ الحديثِ وحفظها ، واشتغل بالعبادةِ وأسبابها حتى كان يقلبُ كلامَ الحسن فيجعله عن أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاجُ به ، فلا تحلُ الروايةُ عنه إلا على سبيل التعجب " .

2 – عبادُ بنُ كثير : يوجد اثنان بهذا الاسم عبادُ بنُ كثير الثقفي البصري ، وعبادُ بنُ كثير الرملي الفلسطيني الشامي ، ولم أجد في ترجمتهما روايةً عن يزيد الرقاشي ، والذي يغلب على ظني أنه الأولُ لأن الرقاشي بصري فيكون بلديهُ . فإن كان الأولُ فهو متروكُ الحديثِ ، والثاني لا يبعدُ عنه كثيراً .

ولو لم يكن في الإسناد إلا هذان الرجلان لكفى في ردِ الحديثِ عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأوردهُ السيوطي في " جمع الجوامعِ " (1/929) وعزاهُ لابن عساكر وقال : " ضعفهُ " .

وقد جاء الحديث من طريقٍ آخر عند أبي عمرو الداني في " السنن الواردةِ في الفتنِ وغوائلها والساعة وأشراطها " (3/751 ح 371) مرسلاً من طريق محمد بن أبي محمد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سعيد ، قال حدثنا يوسف بن يحيى ، قال : حدثنا عبدالملك ، قال : حدثنا الطلحي ، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه بلفظ : " لا يزالُ الجهادُ حلواً أخضر ، ما قطر القطرُ من السماءِ ، وسيأتي على الناسِ زمانٌ يقولُ فيه قراءٌ منهم : ليس هذا زمانُ جهادٍ ، فمن أدرك ذلك الزمان ، فنعم زمانُ الجهادِ ، قالوا : يا رسول الله ، واحدٌ يقولُ ذلك ؟ فقال : نعم ، من عليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين .

وهذا السندُ فيه عبدُ الرحمن بنُ زيد بن أسلم العدوي ضعفه سائرُ أهلِ العلم ولهذا قال ابنُ الجوزي : " أجمعوا على ضعفهِ " .

والعلةُ الأخرى الإرسال ، فزيدُ بنُ أسلم لم يرَ النبي صلى اللهُ عليه وسلم ، والمرسلُ من أقسامِ الضعيفِ كما قرر ذلك أهلُ العلم .

وقد ورد حديثٌ آخر بنفسِ المعنى عند أبي يعلى في " مسنده " (9/274 – 275) من طريق داود بنِ رشيد ، حدثنا بقيةُ بنُ الوليد ، عن علي بنِ علي ، حدثني يونس ، عن الزهري ، عن عبيدِ الله بنِ عبدِ الله ، عن ابنِ مسعود قال : جاءهُ رجلٌ فقال : أسمعتَ رسولَ اللهِ يقولُ في الخيلِ شيئاً قال : نعم ؛ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ : " الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ . اشتروا على اللهِ ، واستقرضوا على اللهِ " . قيل : " يا رسولَ الله ؛ كيف نشتري على اللهِ ونستقرضُ على اللهِ ؟ " ، قال : " قولوا أقرضنا إلى مقاسمنا وبِعْنا إلى أن يفتحَ اللهُ لنا ، لا تزالون بخيرٍ ما دام جهادكم خضراً ، وسيكونُ في آخرِ الزمانِ قوم يشكُّون في الجهادِ ، فجاهدوا في زمانهم ثم اغزوا فإن الغزو يومئذٍ أخضرُ .

قال محققُ مسندِ أبي يعلى عن الحديثِ : " إسنادهُ ضعيفٌ لانقطاعهِ ، عبيدُ اللهِ كان يرسلُ عن ابنِ مسعودٍ ، وبقيةُ بنُ الوليدِ مدلسٌ وقد عنعن . وذكرهُ الهيثمي في " المجمع " (5/280) وقال : " رواه أبو يعلى ، وفيه بقيةُ بنُ الوليدِ وهو مدلسٌ ، وبقيةُ رجاله ثقاتٌ " .

وبهذا يتبينُ أن الحديثَ بجميعِ طرقهِ لا يصحُ عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم ، وأن الجهادَ ماضٍ إلى يومِ القيامةِ ، وقد تمرُ بالأمةِ حالاتُ ضعفٍ يضعفُ معها أمرُ الجهادِ ، ولكن لا يعني أنه يمتنعُ بالكليةِ في جميعِ العصورِ والأزمان . والله أعلم .

حرر في 6 - 5 - 1425 هـ


تخريجُ حديثِ : " كَمَا تَكُونُوا يُولَّى عَلَيْكُم "

الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

نسمعُ كثيراً عبارةَ : " كَمَا تَكُونُوا يُولَّى عَـلَيْكُم "

فهل هذهِ العبارةُ جاءت حديثاً عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم ؟

وما درجتهُ إن كانت حديثاً نبوياً من جهةِ الصحةِ أوالضعفِ ؟

جاءت هذهُ العبارةُ مرفوعةً إلى النبي صلى اللهُ عليه وسلم من طريقين :

الطريقُ الأولى :
روى القضاعي في " مسند الشهاب " (1/336) من طريقِ الكرماني بنِ عمرو ، ثنا المباركُ بنُ فضالة ، عن الحسنِ ، عن أبي بكرةَ ، عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال : " ثم كَمَا تَكُونُوا يُولَّى أو يُؤمرُ عَـلَيْكُم " .

وفي هذا السندِ المباركُ بنُ فضالة ، قال عنهُ الحافظُ ابنُ حجر في " التقريب " : " صدوقٌ يُدلِّس ويُسوي " .

وتدليسُ التسويةِ من أسوءِ أنواعِ التدليسِ .

وقد تكلم عددٌ من أهلِ العلمِ في روايتهِ عن الحسنِ البصري .

قال نعيمُ بنُ حماد عن عبدِ الرحمن بنِ مهدي : لم نكتب للمباركِ شيئاً إلا شيئاً يقولُ فيه : " سمعتُ الحسنَ " .

وفي هذا السندِ لم يقل المباركُ بنُ فضالة : " حدثنا " .

قال المناوي في " فيض القدير " عن هذا السندِ (5/47) : " قال ابنُ طاهرٍ : " والمباركُ وإن ذُكر بشيءٍ من الضعفِ فالعمدةُ على من رواهُ عنهُ فإن فيهم جهالةً " .ا.هـ.

وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " تخريجه لأحاديثِ الكشافِ " (1/345) : " رواهُ القضاعي في مسندِ الشهابِ وفي إسنادهِ إلى مبارك مجاهيل " .ا.هـ.

وقال العجلوني في " كشف الخفاء " (2/166) : " وأخرجهُ ابنُ جميع في معجمهِ ، والقضاعي عن أبي بكرةَ بلفظ : " يولى عليكم بدون شكٍ ، وفي سندهِ مجاهيلٌ " .ا.هـ.

الطريقُ اـثانيةُ :
رواها الديلمي في " مسند الفردوس " ، والبيهقي في " الشعب " كما رمز لهُ السيوطي في " الجامع الصغير " ، وذكر سندَهُ المناوي في " فيض القدير " (5/47) فقال : ( فر ) وكذا القضاعي كلاهما من حديثِ يحيى بنِ هاشم ، عن يونس بنِ أبي إسحاق ، عن أبيهِ ، عن جدهِ عن ( أبي بكرة ) مرفوعاً .

قال السخاوي : ورواية يحيى في عداد من يضع .

( هب ) من جهةِ يحيى بنِ هشامٍ ، عن يونس بنِ إسحاق ( عن أبي إسحاق ) عمرَ بنِ عبد الله ( السبيعي مرسلا ) بلفظ : " كما تكونوا كذلك يؤمر عليكم " ، ثم قال : " هذا منقطعٌ ، وراويهِ يحيى بنُ هشامٍ ضعيفٌ .ا.هـ.

وقال العجلوني في " كشف الخفاء " (2/166) : " قال في الأصلِ : " رواهُ الحاكمُ ، ومن طريقهِ الديلمي عن ابي بكرةَ مرفوعاً ، وأخرجهُ البيهقي بلفظ : " يؤمر عليكم " . بدون شكٍ ، وبحذفِ أبي بكرة ؛ فهو منقطعٌ " .ا.هـ.

وأورد هذا الحديثَ السيوطي في " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " ( ح 329 ) فقال : " حديثُ : " كما تكونوا يولى عليكم " .

ابنُ جميع في " معجمه " من حديثِ أبي بكرةَ ، والبيهقي في " الشعب " من حديثِ يونس بنِ أبي إسحاق ، عن أبيهِ مرفوعاً ، ثم قال : " هذا منقطعٌ " .ا.هـ.

قال الشيخُ محمد لطفي الصباغ محققُ " الدرر " للسيوطي في الحاشيةِ : ضعيفٌ ...

وأوردهُ أيضاً المُلا علي القاري في " الأسرار المرفوعة " ( ح 281) ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ( ح 624) وقال : " في إسنادهِ وضاعٌ . وفيهِ إنقطاعٌ " .ا.هـ.

وجاء في " تذكرة الموضوعات " : " في سندهِ انقطاعٌ وواضعٌ هو يحيى بنُ هشام ، وله طريقٌ فيهِ مجاهيلٌ " .ا.هـ.

وقال الزرقاني في " مختصر المقاصد الحسنة " ( ح 772 ) : " ضعيفٌ " .

وجاء في " أسنى المطالب " (1/221) : " فيهِ من يضعُ الحديثَ ، وهو يحيى بنُ هشامٍ ، ويروى من طريقٍ آخر مرسلاً " .ا.هـ.

وقد ذكر الحديثَ العلامةُ الألباني في " الضعيفة " (320) ، و " ضعيف الجامع " (4275) ، و " المشكاة (3717) ، وقال : " ضعيفٌ " .

أثرٌ عن الحسنِ البصري :
قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " عند حرفِ الكافِ : وعند الطبراني معناهُ من طريقِ عمرَ وكعبِ الأحبارِ والحسنِ فإنهُ سمع رجلاً يدعو على الحجاجِ فقال له : " لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم ، إنا نخافُ إن عُزل الحجاجُ ، أو مات أن يستولي عليكم القردةُ والخنازيرُ ، فقد روي أن أعمالكم عمالكم ، وكما تكونون يولى عليكم " .

وقد بحثتُ عنهُ في معاجمِ الطبراني الثلاثةِ بهذا اللفظِ فلم أجدهُ .

فوائد في ثنايا البحثِ :

الفائدةُ الأولى :
قال العجلوني في " كشف الخفاء " (2/166) : " وفي فتاوى ابنِ حجرِ : " وقال النجمُ : روى ابنُ ابي شيبةَ ، عن منصورِ بنِ أبي الأسود ، قال سألتُ الأعمشَ عن قولهِ تعالى : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا " [ الأنعام : 129 ] ما سمعتهم يقولون فيه ؟ قال : " سمعتهم إذا الناسُ أُمّر عليهم شرارهم .

وروى البيهقي عن كعب قال : " إن لكلِ زمانٍ ملكاً يبعثهُ اللهُ على نحو قلوبِ أهلهِ ؛ فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحاً ، وإذا أراد هلاكهم بعث عليهم مترفيهم " .ا.هـ.

أما أثرُ الأعمش فقد رواهُ أيضا أبو نعيم في " الحلية " (5/51) .

الفائدةُ الثانيةُ :
قال الألوسي في " روح المعاني " (8/27) عند قولهِ تعالى : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا " [ الأنعام : 129 ] : " واستدل بهِ على أن الرعيةَ إذا كانوا ظالمين ، فاللهُ تعالى يسلطُ عليهم ظالماً مثلهم ، وفي الحديثِ : " كَمَا تَكُونُوا يُولَّى عَـلَيْكُم " ، أو المعنى نجعلُ بعضهم قرناءَ ... " .ا.هـ.

وقال العلامةُ الألباني في " الضعيفة " (320) بعد تخريجهِ للحديثِ : " ثم أن الحديثَ معناهُ غيرُ صحيحٍ على إطلاقهِ عندي ، فقد حدثنا التاريخُ تولي رجلٍ صالحٍ عقب أميرٍ غيرِ صالحٍ والشعبُ هو هو " .ا.هـ.

الفائدةُ الثالثةُ :
قال الطرطوشي في " سراج الملوك " ( ص 197) : " البابُ الحادي والأربعون في " كما تكونوا يولى عليكم " .

لم أزل أسمعُ الناسَ يقولون : " أعمالكم عمالكم كما تكونوا يولى عليكم " إلى أن ظفرتُ بهذا المعنى في القرآن قال الله تعالى : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا " [ الأنعام : 129 ] ، وكان يقالُ : " ما أنكرت من زمانِك فإنما أفسدهُ عليك عملُك .

وقال عبدُ الملك بنُ مروان : " ما أنصفتمونا يا معشرَ الرعيةِ ، تريدونا منا سيرةَ أبي بكر وعمرَ ، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم ... " .ا.هـ.

الفائدةُ الرابعةُ :
استدل بعضُ أهلِ اللغةِ بلفظِ هذا الحديثِ على فائدةٍ لغويةٍ ذكرها ابنُ هشام في " المغني " ، وسأنقلُ هذه الفائدةَ من " مختصر مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري " للشيخِ محمدِ بنِ صالحِ بنِ عثيمين – رحمه الله – ( ص 110 – 111) : " القاعدة الحادية عشرة : من مُلحِ كلامِهم تقارضُ اللفظين في الأحكامِ ، ولذلك أمثلةٌ منها : إعطاءُ كلمةِ ( غير ) حكم ( إلا ) في الاستثناءِ ، وإعطاءُ حكمِ ( إلا ) حكم ( غير ) ، ومنها إعطاءُ ( أن ) حكم ( ما ) المصدرية المهملة في الإهمالِ وبالعكسِ ، ومُثِّل له بقوله صلى الله عليه وسلم : " كما تكونوا يولى عليكم " ذكره ابنُ الحاجبِ ، والمعروف : " كما تكونون " ...ا.هـ.

وجاء أيضاً في " كشف الخفاءِ " للعجلوني (2/167) : " وذكر ابنُ الأنباري أن الروايةَ " كما تكونوا " بحذفِ النونِ ، وكما ناصبةٌ حملاً على " أن " ‏.‏

وذكر السيوطي في " فتاواه الحديثية " أنهُ رواهُ البيهقي في " شُعبهِ " وغيرهِ : " وإن حذفَ النونِ على لغةِ من يحذفها بلا ناصبٍ ولا جازمٍ‏ .‏ وكما في حديثِ : " لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا " أو أن حذفها على رأي الكوفيين الذين ينصبون بكما ‏.‏ أو على أنهُ من تغييرِ الرواةِ ، لكن هذا بعيدٌ جداً ، انتهى‏ .‏

وأنشد بعضُهم في المقام‏ِ :‏
بذنوبنا دامت بليتنا * * * والله يكشفها إذا تبنا

انتهي هذا البحثُ الذي أرجو أن يكونَ فيهِ النفعُ والفائدةُ . آمين .


تَخْرِيجُ مَا نُسِبَ مِنْ كَرَامَةٍ لِهَرِمِ بنِ حَيَّانَ

الحَمْدُ للهِ وَبَعْدُ ؛

إِن مِنْ أُصُوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ التَّصْدِيْقَ بكَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ ، وَقَدْ جَاءَتْ صِفَتُهُمْ فِي كِتَابِ اللهِ فَقَالَ تَعَالَى : " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ " [ يونس : 62 - 63 ] ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَسَطٌ بَين طَرَفَيْنِ فِي كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ ، طَرَفٌ أَجَازَ وَقوعَهَا بِدُوْنِ حَدٍّ فَمَا جَازَ وَقوعُهُ لِنَبِيٍّ جَازَ وَقوعُهُ لِوَلِيٍّ ، وَهُو مَذْهَبُ الأَشَاعِرَة ، وَالطَرَفُ الآخَرُ المَانَعُ مِن وَقوعِهَا لِغَيْرِ الأَنْبِيَاءِ ، وَهُم المُعْتَزِلَةُ وَابْنُ حَزْمٍ ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ جَواز وَقوعِهَا بِمَا دُوْنَ خَوَارِقِ الأَنْبِيَاءِ .

وَبَعْدَ هَذِهِ المُقَدَّمَةِ نَأْتِي عَلَى مَا ذُكَرَ مِن كَرَامَةٍ لِهَرِمِ بنِ حَيَّانَ ، وبِمَا أَنَّنَا أُمَّةُ الإِسْنَادِ فلا بُد مِن البَحثِ فِي سَّنَدِ القِصَّةِ المَنْسُوْبَةِ إِلَيْهِ ، وَبَعْدَ البَحثِ وَجدْتُ أَن سَّنَدَها لا يَثْبُتُ ، وَمِمَّنْ بَحثَ فِي سَّنَدِها مُحَقِّقُ كِتَابِ " شَرَحِ أُصُوْلِ الاعْتِقَادِ " للاَّلْكَائِيُّ ، أَكْتَفِي بِنَقْلِ كَلاَمِهِ .

قَال الدُكتُورُ أَحْمَدُ الغَامِدِيُّ فِي تَحقِيْقِهِ لـ " شَرَحِ أُصُوْلِ الاعْتِقَادِ " للاَّلْكَائِيُّ (5/231 رقم 165) عِند أَثَرِ كَرَامَةٍ هَرِمِ بنِ حَيَّانَ وَسَنَدُهُ :

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ قَالَ : أََنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنُ قَالَ : أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ قَالَ : ثَنَا هَارُوْنُ ( يَعْنِي ) ابْنَ مَعْرُوفٍ قَالَ : ثَنَا ضَمْرَةُ: ثَنَا السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : أُمْطِرَ قَبْرُ هَرِمِ بنِ حَيَّانَ مِنْ يَوْمِهِ فَأَنْبَتَ مِنْ يَوْمِهِ .

سندُهُ ضعيفٌ .

قتادةُ ولدَ بعد موتِ هرمِ بنِ حيانَ بأكثر من ثلاثين سنةٍ حيثُ كانت ولادتهُ سنةَ ( 61 هـ ) ، وكان موتُ هرمِ بنِ حيانَ كما تقدمَ بعد ( 26 هـ ) .

والأثرُ ورد لهُ ثلاثةُ أسانيدٍ :
الأولُ : سندُ المؤلفِ أعلاهُ عَنْ قَتَادَةَ ... رواهُ ابنُ سعدٍ في " الطبقاتِ " (7/134) ، وأبو نُعيمٍ في " الحليةِ " (2/122) كلاهما من طرقٍ أخرى عن ضَمْرَةُ بهِ .

الثاني : عَنْ الحسنِ ... رواهُ أحمدُ في " الزهدِ " (285) ، وابنُ سعدٍ في " الطبقاتِ " (7/131) ، وأبو نُعيمٍ في " الحليةِ " (2/122) .
والحسنُ ولد لسنتينِ بقيتا من خلافةِ عمرَ مما يؤكدُ عدم مشاهدتهِ للقصةِ .

الثالث : عن عونِ بنِ شدادٍ عن رجلٍ عن أبيهِ ... رواه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في " الزهدِ " لأبيهِ (282) ، والراوي للقصةِ مجهولٌ هو وأبوهُ " .ا.هـ.
فَالقِصَّةُ لاَ تَثْبُتُ عَنْ هرمِ بنِ حيانَ ، وَاللهُ أَعْلَمُ .


حديث الأعرابي في الطواف
د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

السؤال
بينما النبي – صلى الله عليه وسلم – في الطواف، إذ سمع أعرابياً يقول: يا كريم، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- خلفه: يا كريم، فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب، وقال: يا كريم، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- خلفه: يا كريم، فالتفت الأعرابي إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا صبيح الوجه، يا رشيق القد، أتهزأ بي لكوني أعرابياً؟ والله لولا صباحة وجهك، ورشاقة قدك لشكوتكم إلى حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، تبسم النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: لا، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: فما إيمانك به؟ قال: آمنت بنبوته ولم أره، وصدَّقت برسالته ولم ألقه، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: يا أعرابي اعلم أني نبيك في الدنيا، وشفيعك في الآخرة فأقبل الأعرابي يقبل يد النبي – صلى الله عليه وسلم–، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: مه يا أخا العرب لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها، فإن الله -سبحانه وتعالى- بعثني لا متكبراً ولا متجبراً، بل بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، فهبط جبريل على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل للأعرابي، لا يغرنه حلمنا ولا كرمنا، فغداً نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقطمير، فقال الأعرابي: أو يحاسبني ربي يا رسول الله،قال: نعم يحاسبك إن شاء، فقال الأعرابي: وعزته وجلاله إن حاسبني لأحاسبنه، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه، فبكى النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى ابتلت لحيته، فهبط جبريل –عليه السلام- على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك: يا محمد قلل من بكائك ، فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم. قل لأخيك الأعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه ، فإنه رفيقك في الجنة. فما أصل هذا الحديث، وما مدى صحته

الجواب
إن الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب ، وفيه من ركاكة اللفظ ، وضعف التركيب ، وسمج الأوصاف ، ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم أجده بهذا اللفظ، وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه. على أن أبا حامد الغزالي – على عادته رحمه الله – قد أورد حديثاً باطلاً في (إحياء علوم الدين 4/130) قريباً من مضمونه من الحديث المسؤول عنه، وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – يا رسول الله من يلي حساب الخلق يوم القيامة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم-: الله - تبارك وتعالى-، قال: هو بنفسه؟ قال: نعم، فتبسم الأعرابي، فقال - صلى الله عليه وسلم-: ممَّ ضحكت يا أعرابي؟ قال: إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح.. إلى آخر الحديث .
وقد قال العراقي عن هذا الحديث:"لم أجد له أصلاً"، وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً (تخريج أحاديث الإحياء: رقم 3466، وطبقات الشافعيـة الكبرى: 6/364)، ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله –تعالى- وعظيم عفوه -عز وجل-، وقبوله لتوبة التائبين، واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة.
قال – تعالى-:"وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" [ طه:82]، وقال – تعالى-:"وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون"[الشورى:25]، وقال –تعالى-:"ورحمتي وسعت كل شيء "[ الأعراف : 156] .
وفي الصحيحين البخاري (7554) ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال:"إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي"، والله أعلم .
 


احـذرْ مِـن هـذه الـقـصـة ولا تـروهـا إلا بـشـرطٍ ....
قِصةٌ لا تثبتُ عن الصحابي " ثعـلبةُ بنُ عبد الرحمن الأنصاري "


المَحْبَرَةُ وَالكَاغَدُ لِتَحقِيْقِ قِصَّةِ وَصِيَّةِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَامِدٍ
 


حديثٌ منسوبٌ كذباً إلى صحيحِ مسلم

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
(( من قال لا إله إلا الله الملك الحق المبين في كل يوم مائة مرة كان له أمان من الفقر و من وحشة القبر و استجلب به الغنى و استقرع به باب الجنة )) رواه مسلم
أخي لا تجعل هذه الرسالة تقف في بريدك، أنشرها لغيرك و تذكر أن لك أجرها و أجر من عمل بها بإذن الله

الأخ الأزرق .

لي وقفاتٌ مع نقلك للحديثِ :

الوقفةُ الأولى :
أنا أعلمُ أنك تبتغي الأجرَ لإخوانك بنشرك للحديثِ ، ورغبةً في أن يستفيدَ إخوانك منه ، ولكن لا تكونُ بهذهِ الطريقةِ - هداكَ اللهُ - ، والنبي صلى اللهُ عليه وسلم قد حذر من الكذبِ عليه .

‏عَنْ ‏رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ‏‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏‏عَلِيًّا ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏يَخْطُبُ ‏‏قَالَ ‏: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "‏ ‏لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ ‏‏يَلِجْ ‏النَّارَ " .

أخرجهُ البخاري (106) ، ومسلمٌ في مقدمةِ صحيحهِ .

قال الحافظُ في " الفتحِ " (1/241) : " ‏هُوَ عَامّ فِي كُلّ كَاذِب , مُطْلَق فِي كُلّ نَوْع مِنْ الْكَذِب , وَمَعْنَاهُ لَا تَنْسِبُوا الْكَذِب إِلَيَّ " .ا.هـ.

وَعَنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " .   أخرجهُ البخاري (109) .

وقد بوب البخاريُّ على هذهِ الأحاديثِ : " بابُ إثمِ من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم " .

فكان ينبغي عليك السؤال قبل نشرِ الحديثِ ، والتأكد من صحتهِ - غفر اللهُ لك - .

الوقفةُ الثانيةُ :
من نقلت عنه الحديثَ قال عند تخريجِ الحديثِ : " رواهُ مسلمٌ " .

الحديثُ ليس في صحيحِ مسلم أصلاً ، ولكم أن ترجعوا إلى صحيحِ مسلم ، وتبحثوا فيه ، فلن تجدوا هذا الحديثَ البتة .

وهذه طامةٌ أخرى لمن نقلت عنه - غفر اللهُ لك - .

الوقفةُ الثالثةُ :
تخريجُ الحديثِ :
أخرجهُ الشيرازي في " الألقابِ " ، وأبي نعيم في " الحليةِ " (8/280) عن سَلْمِ بنِ مَيْمُوْنٍ الخَوَّاص ‘ عن مالكِ بنِ أنسٍ .

وأخرجهُ الخطيبُ في " تاريخِ بغداد " (12/358) الفضل بن غانم عن مالك بن أنس كلاهما عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه عن علي .

الكلامُ على سندهِ :
سَلْمُ بنُ مَيْمُوْنٍ الخَوَّاصُ ذكرهُ الذهبي في " السير " (8/179 - 180) و" الميزانِ " (2/186 - 187) ، والعقيلي في " الضعفاء " (2/165) ، وابنُ عدي في " الكامل " (3/327) ، وأنقلُ ما قالهُ العلماءُ فيه من " ميزانِ الاعتدالِ " للذهبي .

قال ابنُ عدي : ينفردُ بمتونٍ وبأسانيد مقلوبةٍ . وقال ابنُ حبان : وكان من كبارِ عُبادِ أهلِ الشامِ ، غلب عليه الصلاحُ حتى غفل عن حفظِ الحديثِ وإتقانهِ ، فلا يحتجُ بهِ . وقال العُقيلي : حدث بمناكير لا يتابعُ عليها . وقال أبو حاتم : لا يكتبُ حديثهُ .

وَالفَضْلُ بنُ غَانِمٍ ذكرهُ الذهبي في " الميزانِ " (3/357) وقال : " عن مالكٍ . قال يحيى : ليس بشيءٍ . وقال الدارقطني : ليس بالقوي . وقال الخطيب : ضعيف " .

كلامُ العلماءِ على الحديثِ :
وقد تكلم العلماءُ عن الحديثِ .

قال الحافظُ العراقي في " تخريجِ أحاديثِ الإحياءِ " (1/338) : " حديث " تكرار : لا إله إلا الله الملك الحق المبين "

أخرجهُ المستغفريُّ في " الدعواتِ " ، والخطيبُ في " الرواةِ " عن مالكٍ من حديثِ عليٍّ : " من قالها في يومٍ مائةَ مرةٍ كان له أمانٌ من الفقرِ ، وأمانٌ من وحشةِ القبرِ ، واستجلب به الغنى ، وأستقرع بابُ الجنةِ " .

وفيه الفَضْلُ بنُ غَانِمٍ ضعيفٌ ، ولأبي نعيمٍ في " الحلية " : " من قال ذلك في كلِ يومٍ وليلةِ مائتي مرة لم يسألِ اللهَ فيهما حاجةً إلا قضاها " ، وفيه سَلْمٌ الخواص ضعيفٌ ، وقال فيه : " أظنهُ عن عليٍّ " .ا.هـ.

وذكرهُ الحافظُ الذهبي في " الميزانِ " (3/357) عند ترجمةِ َالفَضْلِ بنِ غَانِمٍ وعدهُ من مناكيرهِ .

ونقل الحافظُ ابنُ حجرٍ في " اللسانِ " (4/521) بعد ذكرهِ لكلامِ الحافظِ الذهبي عن الحديثِ : " قال الدارقطني : حدثنا أبي وآخرون قالوا : حدثنا إبراهيمُ به ، وحدث بهِ أبو علي بنُ دوماه في " فوائدهِ " عن أحمدَ بنِ بشيرٍ الطيالسي ، عن الفضلِ بنِ غانمٍ ، وأوردهُ الإمامُ الرافعي في " تاريخِ قزوين " في ترجمةِ " أبي الفتحِ الراشدي من روايتهِ عن محمدِ بن أيوبٍ ، عن المخرمي ، وقال في آخرهِ : قال الفضلُ : " لو رُحل في هذا الحديثِ إلى خراسان لكان قليلاً .

وقال الدارقطني : كلُ من رواهُ عن مالكٍ ضعيفٌ . وأخرجهُ الدارقطني أيضاً عن أبي بكرٍ الشافعي ، عن أبي غانمٍ حميدِ بنِ نافعٍ ، عن الفضلِ بن غانمٍ بهِ " .ا.هـ.

وذكرهُ العلامةُ الألباني في " الضعيفةِ " (7/315 -316 رقم 3310) وقال : " منكرٌ " .

الوقفةُ الرابعةُ :
قولك : " أخي لا تجعل هذه الرسالة تقف في بريدك ، أنشرها لغيرك و تذكر أن لك أجرها و أجر من عمل بها بإذن الله " .

بل أوقفها عندك ، واعمل لها إلغاء من بريدك ، ويممها التنور ، ولا تجعلها تتجاوزك إلى غيرك إلا على سبيلِ التحذيرِ من نشرها .

وبعد هذا البيانِ لا يحقُ للمسلمِ العاقلِ أن ينشرَ مثل هذهِ الأحاديثِ المكذوبةِ على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، وأنه ينبغي عليه أن يتأكدَ من صحةِ ما يبثُ في المنتدياتِ الحواريةِ من أحاديث لا تثبتُ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم .

وذكره الدارقطني في " العللِ " (3/106 - 107 رقم 308) وقال : " يروى عن مالكِ بنِ أنسٍ واختلف عنهُ . فرواهُ الفضلُ بنُ غانمٍ عن مالكٍ ، عن جعفرٍ ، عن أبيهِ ، عن جدهِ عن عليٍّ . قال ذلك إبراهيمُ المخرمي . وحميدُ بنُ يونسٍ الزيات عنه .

وخالفهما محمدُ بنُ أحمدَ بنِ البراءِ فرواهُ عن الفضلِ بنِ غانمٍ ، عن مالكٍ ، عن جعفرٍ ، عن أبيهِ مرسلاً عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم .

ورواهُ عمرُ بنُ إبراهيم كردي ، عن الفضلِ بنِ غانمٍ .

وكذلك رواهُ أبو حنيفةَ سَلْمُ بنُ المغيرة ، عن مالكٍ عن جعفرٍ ، عن أبيهِ ، عن جدهِ ، عن علي .

والفضلُ بنُ غانمٍ ليس بالقوي " .ا.هـ.
 

وقد انتشرت أحاديثُ كثيرةٌ عن طريقِ المنتدياتِ الحواريةِ والبريدِ الإلكتروني ، وتجدون في الرابطِ جملةً منها .

أحاديث وقصص لا تثبتُ انتشرت عبر البريدِ الإلكتروني
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ