صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







عَرف قصّابي (2)

حسين بن رشود العفنان

 
كتاب (من صيد الخاطر في النقد الأدبي ، دار البشائر ، ط1، 1424، 136 صفحة)
 

طاقة مقالات قسمت إلى ثلاثة أقسام في (النقد وقضاياه الكبرى) و (قضايا الشعر والنثر)وأخيرا (قضايا ثقافية فكرية عامة تتصل بالحداثة والأصالة والمثاقفة مع الآخر...)

القسم الأول

النقد العربي الحديث : التبعية والتأصيل


وإن تراثنا الأدبي النقدي حافل بالنظرات والأفكار الفنية النفيسة ، ولا يزال كثير منها صالحا، بل لا يزال كثير منها متفقا مع أحداث ما توصلت إليه الدراسات الأدبية المعاصرة. (12)

بين ناري الإبداع والنقد

إن أزمة التوصيل هذه ، والتي أصبحنا ـ نقادا ومبدعين ومتذوقين ـ نصلى نارها من طرفين : الإبداع والنقد ، هي أصل الداء. ولولا خشية الوقوع في الظن لقلنا إن الناقد اليوم يخادع المبدع ، ويتعامل معه بمكر شديد، فيرد له الصاع صاعين ، يرد على غموضه في الإبداع بغموض في النقد ، حتى كأنه يقول له : أفهمني ما تقول أُفهمك ما أقول . هذا نقد من جنس البضاعة التي تقدمها إلينا أيها المبدع . طلاسم تُقابل بطلاسم وأحاج تليق بها أحاج والبادئ أظلم. (18)

...والضحية الأولى هو القارئ العاشق للأدب ، والذي ينشد فيما يقرؤه المتعة والفائدة ، وأن يزداد خبرة بالحياة والكون من حوله، لا أن تُعمّى أمامه السبل ، وتسد في وجهه منافذ النور.(18)

الناقد يرفع ويضع

كم يجور النقد اليوم على أقوام ((فيقزمهم)) ويحجبهم، وكم يعملق من أقوام ويضخّمهم وهم مثل الطبول الجوفاء.
إن الناقد كالقاضي ، فهل يتقي اللهَ النقادُ ، فيعرفوا حق الكلمة وأمانة القول؟ (31)

الاتجاه اللغوي في درس الأدب

...ولو أردنا أن نلملم شتات كل ما يقال عن وظائف النقد الأدبي ، وأن نصنع منها جوابا موجزا مختصرا مبسطا، يكون فيه ـ كما يقال ـ ((ما قل ودل )) لما وجدنا أفضل من القول إن وظيفة النقد معرفة الأدب. فإذا سلمنا بهذه المقولة ، فإن الأدب مكون من عناصر مختلفة، وما اللغة إلا واحد من هذه العناصر ومن ثم فإن المنهج النقدي اللغوي وحده لا يبدو قادرا على تحقيق هذا الغرض، ولا بد من منهج نقدي متكامل يوظف جميع المعارف والتقانات في سبيل معرفة الأدب معرفة عميقة ، واستكناه أسراره ودقائقه.( 35)

بين علم اللغة وعلم الأسلوب

...أن علم اللغة يدرس ما يقال في اللغة وأما علم الأسلوب فإنه يدرس كيف يقال ما في اللغة ...(37)

وتكلم ـ فضيلته ـ عن جريمة علم اللغة الأوروبي على الفصحى، فمن أفكاره نفي القداسة عن اللغات، فليس للغات أية صلة عقدية، أو دينية، أو وجدانية، بحياة الناس فاستوردها العرب ـ كالعادة ـ دون تمحيص، وطبقوها على لغة القرآن :

...وعندما استوردنا نحن العرب عن الأوربيين هذا العلم اللغوي الحديث كما نستورد عنهم كل شيء ، رحنا نطبق ذلك على لغتنا العربية جميع ما نادوا به دون تفكير أو روية ،فاعتقدنا في لغتنا ما اعتقدوا في لغتهم .وسرى إلينا وهم انفصال العربية عن أي جانب ديني أو عقدي أو وجداني ،فلم نعد ننظر إليها ـ كما كان يفعل علماؤنا وفقهاؤنا ـ بعين القداسة والإجلال ، أو بعين التوقير والإكبار...(38)


...وصرنا بوحي من هذا الوهم نتحمس للعاميات ونقبل على درسها وتأصيل جذورها ...بل نعد العامية ـ في بعض الأحيان لغة كالفصحى بل محترمة مثلها...وفتحت الأبواب للأدب الشعبي على مصراعيها ، ولم يعد كثيرون يرون حرجا من الكتابة بالعامية، ولم يعد اللحن بالفصحى وركاكة التعبير بها وخرق قواعدها يعد عيبا أو عارا... (38 ـ 39)

ثم أتى ـ وفقه الله تعالى ـ بمثال لأحد الحداثيين وهو يجترئ على اللغة وينتهك قواعدها وجمالها :

الدرج الحالي بزيزفون
والفوقه تعرش يا سمينة
تكوكب السفينة
للحلوة التخطر كالظنون
الدرج الرنا إليّ عهدا
والكاد يشهق لي في دلال...إلخ

فأدخل (أل التعريف) على الظرف والفعل ـ ماضيا ومضارعا ـ وتعمد عددا من الشواذ والتجاوزات في مقطوعة سقيمة لا تتعدى اثني عشر سطرا...(40)

إن اللغات الأوربية ليست لغات ذات قداسة دينية ، ولا زعم لها أحد ذلك من أهلها أنفسهم...

وأما العربية فهي من الدين وتعلمها دين وقد كان ابن تيمية يرى أن تعلمها فرض واجب على المسلم ...(41)

التجربة الشعرية بين الفن والمعتقد

إن لكل قارئ للشعر طبيعته الخاصة ، وإن كثيرا أو قليلا من الإعجاب بالقصيدة ليرجع إلى كونها تقدم تجربة تشبه تجربة المتلقي ،أو حالة من حالاته... (45)

الالتزام مطلب حضاري

فالالتزام اليوم مطلب حضاري ، لأنه يعني تواصل الإنسان مع عصره، وعيشه فيه. وهذا عصر الأفكار والإيديولوجيات والمذاهب الفلسفية والسياسية والاجتماعية ولا يمكن للإنسان أن يعيش متفرجا على ذلك كله من غير أن يكون له موقف. (47)

وإن الالتزام يجعل الأدب نشاطا جادا فعالا، ذا تأثير في مسار الحياة،وفي حركتها، مما يكسبه المصداقية والقيمة...إن الالتزام يتمشى مع سنة الله في الكون الذي لم يخلق شيئا عبثا...(48)

الالتزام ابن الحرية

الالتزام ابن الاختيار ، والإلزام ابن الإجبار . الأول ثمرة من ثمرات الوعي والإدراك ، واليقظة والمسؤولية والثاني من ثمرات التغييب والإملاء والتسيير وشتان ما بينهما.

إن كل أديب ملتزم هو أديب حر شريف. وإن كل أديب ملزم هو أديب ((مُسيس)) مستعبد مباع أو مُشترى.(49)

الشاعر والجمهور

إن الحياة الإنسانية ـ بكل عمقها وثرائها وواقعيتها ـ هي مادة الأدب...ولكما كانت صلة الشاعر بالحياة صلة عميقة حميمة كانت حظوته عند الجمهور أبلغ، وكان احتفاء الناس بشعره أعمق وأغزر، وإن انهماكه في قضايا عصره، وتفهمه لمشكلات الناس وهمومهم، وعيشه في ضمير المجتمع، ينبض بقلبه، ويتنفس برئته، هو الذي يدنيه من الجمهور ، ويدني الجمهور منه.

وإن الاتجاه الشكلي، أو الفن من أجل الفن، ليقصران الشعر على القيم الحسية، مجردة عن الحياة والمجتمع...(61)

الغموض واحتقار القارئ

وبدا الغموض ، واحتقار التواصل مع القارئ، من معالم الحداثة البارزة ومما يتباهى به القوم يقول أدونيس:

حيث الغموض أن تحيا= حيث الوضوح أن تموت

ويقول محمود درويش متباهيا بانعدام التواصل:

طوبى لشيء غامض
طوبى لشيء لم يصل
ويقول في موضع آخر :
لن تفهموني دون معجزة
لأن لغاتكم مفهومة
إن الوضوح جريمة.(67)

وفي غمرة النقاش المحتدم حول مشكلة ((الغموض والتواصل)) تمخضت النزعة الحداثية عن تقليعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الآداب، وهي ((احتقار القارئ)) والاستعلاء عليه، أو ((موت القارئ)) على شاكلة ما يسمى ((موت المؤلف)) الذي أشاعته البنيوية... (68)

وهكذا يفقد كثير من الشعر الحداثي وهو يُحدر إلى هذه الوَهدة كلّ هدف، ويصبح ثرثرة لا تهم أحدا ، ولا تهتم بأحد. وإذا كان الشاعر الحداثي لا يبالي بالقارئ ولا يضعه في حسبانه، فلمن يكتب إذن؟ وإذا كان هذا الشعر نتاجا في ذاته ولذاته فلماذا يذيعه صاحبه في الناس؟ولماذا لا يريحهم مما لا طائل من ورائه، حفاظا على هذه الذاتية المزعومة؟ (68ـ 69)

وضوح العمودي وغموض الحديث

إن ادعاء نمطية التعبير في الشعر العمودي وحده، مما يقود إلى جلاء أكثر هو ادعاء غير صحيح، بل إن ظاهرة تكرار الرموز، وتجمد الدلالة، وأنماط التعبيرات التي أصبحت كالرواسم الجاهزة المبتذلة، هي في شعر الحداثة اليوم أكثر بروزا. (71)

القسم الثاني : في الشعر والنثر

تراسل الأجناس الأدبية لا يعني توحُّدها


لماذا يصر مثلا كتاب نثر مجيدون، استوفى نثرهم كثيرا من ملامح الشعر وجمالياته أن يسموا نثرهم شعرا مادام لم يأخذ من الشعر كل شيء، ولا سيما الوزن، أبرز خصائصه؟ أليس هذا احتقارا للنثر وإشعارا بدونيته؟(77)

طبقية الأجناس الأدبية

ليس هناك ـ في رأيي ـ جنس أدبي أرقى من جنس آخر، بل لكل جنس طبيعته ووظيفته، وله نكهته وطعمه ومذاقه، وهو يستطيع أن يلج من العوالم والآفاق، وأن يكون له من الحضور ما لا يملك الآخر شيئا منه.(79)

قصيدة النثر وحمار الكتابة

وعلى أن هذا الذيوع لا يدل على أية شعبية لهذا النمط الكتابي، وهو لا يحمل أي مؤشر على رصيد جماهيري له عند المتلقين، بل هو ذيوع موهوم، مُسوّغ بمجموعة من العوامل، من أبرزها:

ـ الترويج الإعلامي الهائل، الذي يشبه ((تسويق )) السلع الرديئة..
ـ استسهال الكتابة ، واستعجال الوصول.
ـ شحّ المواهب، وانعدام الجدّ والدأب.

إن ما يدعى قصيدة النثر هو اليوم مطيّة ذلول، لا تتأبى على راكب ، ولا ترد يد لامس. إنها ((حمار الكتابة)) كما قالت العرب قديما عن الرجز إنه ((حمار الشعر)).. (81)


وانظر غير مأمور لـ ص (82 ـ 86) فقد تحدث عن مرجعية قصيدة النثر، وهل لها جذور وما هي هويتها؟ وقد أفحم القوم وأثبت من كلامهم أنها تقليد غربي، وأنها بلا هوية،حتى أن أدونيس هجر كتابتها واتجه إلى ((ملحمية الكتابة)) كما يسميها!وقد كان أول من كتبها وشجعها!

هل غربت شمس الشعر العمودي؟

ولنحتكم إلى معجم البابطين الذي صدر حديثا، ويعد موسوعة أدبية ضخمة تمثل الشعر العربي المعاصر إذ ضم (1644) شاعرا من مختلف الاتجاهات والأصقاع. إن هذا المعجم يُري ـ كما ورد في مقدمته التي وضعتها لجنة إعداده ـ أن الذين يكتبون القصيدة العمودية من الشعراء العرب المعاصرين هم أكثر ممن يكتبون أي نمط شعري آخر.

جاء في معجم البابطين (1/42) : جاءت معظم النماذج من الشعر العمودي ، ثم شعر التفعيلة، وجاء بعضها من قصيدة النثر..)

وإذا استحضرنا أن الشعراء في هذا المعجم هم الذين اختاروا نماذجهم بأنفسهم، قدرنا أن هؤلاء الشعراء لم يفقدوا إيمانهم بالشعر العمودي ، وإلا لما اختاروه ليمثل تجاربهم الفنية، ويكون سفيرهم إلى المتلقي. (88)

القسم الثالث: في الحداثة والمثاقفة

سؤال الهوية في الحداثة


وفي أثناء هذا الاكتساب الدائم ، لمجاراة العصور ، لا مانع ـ وقد يكون واجبا ـ أن نستعير من الآخر أدواتٍ في التفكير ، والتنظيم ، والعمل ، والمنهج، وأن نتصالح معها ، وأن نتعامل معها بمودة وترحاب بعد أن نصفيها بمصفاة الهوية ، وأن ننظر إليها عندئذ على أنها من المنجز الإنساني العام الذي اشتركت الحضارات جميعا في الوصول إليه.

إن أخطر ما يصيب الهوية نفسها في مقتل هو أن نجمد عند نصوص تراثية ليس لها أي لون من القداسة أو العصمة، وأن نتعصب لها ، ونحسب أن مناقشتها أو نقدها ضرب من التجديف العقدي، أو التغرب الفكري، أو ينطوي على عقوق للأجداد والآباء. (113 ـ 114)

إن القرآن الكريم نفسه يدعونا إلى النظر الدائم ، والتأمل الجاد، وقد ورد فيه كثيرا أمثال قوله تعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ) وقوله ( قل سيروا في الأرض ثم انظروا) ولا بد أن يقود كل سير، وكل نظر أو تأمل إلى كشف جديد...(114)

الحداثة العربية المعاصرة والتراث

وقد أفاضل القول ـ جزاه الله خيرا ـ عن مواقف الحداثة تجاه تراثنا العربي الإسلامي مستندة على أدلة وأقوال ثم قال في ختام المقالة:

تلك هي مواقف الحداثة العربية المعاصرة غير الراشدة من تراثنا العربي الإسلامي : الانسلاخ منه نهائيا، أو الإشادة بنماذجه الشاذة الهجينة التي تصور انحرافا في فكر الأمة وعقيدتها وسلوكها ، أو تأويل النصوص والأحداث في ضوء إسقاطات فكرية، ومناهج غربية علمانية معاصرة،مما حمل ظلما فادحا ، وتشويها خطيرا لهذا التراث، إذ استخرج غير الأصيل منه، ودفن الأصيل، أو قُوَّل ما لم يقل. (118)

أين عولمة العرب الثقافية؟

إن العولمة بحسب قاموس وبستر هي إكساب الشيء طابع العالمية(123)

إن الثقافة هي خط الدفاع الأخير في هذا الوقت الراهن على الأقل لصمود هذه الأمة ، وحمايتها من الاندثار والسقوط النهائي، وفقدان الهوية الفكرية المميزة.(124)

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
حسين العفنان
  • عَرف قصصي
  • عَرف نثري
  • عَرف نقدي
  • عَرف مختار
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية