بسم الله الرحمن الرحيم

الضياء اللامع في الرد على الإباضي المتلقب بِـ"البرهان الساطع"!!


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فقد قرأت مقالاً لأحد الكتاب الإباضيين عنونه بِـ"هل يقول الوهابية ان النبي صلى الله عليه وسلم مشرك مرتد؟"
قال فيه: [جاء في حديث وفاة فاطمه بنت اسد أم الإمام علي أنه دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احتضارها فدعا لها، ثم ذهب في قبرها و اضطجع فيه وقال (اللهم الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمه بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء من الذين من قبلي بأنك أرحم الراحمين)
رواه الطبراني في المعجم الكبير (24/352)رقم871 وأبو نعيم في الحليه(3/121).
فهل الرسول مشرك حين يتوسل بنفسه وبالأنبياء؟
وهل الطبراني وأبو نعيم مشركين نجسين مرتدين حين رووا هذه الرواية الشركية القذرة النتنة التي تدعي مع الله إله آخر حسب القواعد الوهابية؟!!
ولا يهمنا صحة الرواية من ضعفها ولكن يهمنا نستنكر على أئمة الحشوية روايتهم لهذه الرواية التي تثبت شريكا لله حسب التصور الوهابي الفاسد؟!!
فماذا سيقول الوهابية أصحاب الفكر التكفيري، بعد ان فضحنا فكرهم المارق عن الجماعة؟ ].
فكتبت هذا المقال رداً عليه فأقول مستعيناً بالله الواحد الأحد :
1/ قال الإباضي المتلقب بِـ"البرهان الساطع" : [هل يقول الوهابية ان النبي صلى الله عليه وسلم مشرك مرتد؟].
الــجَــــواب
هذا العنوان يدل على سوء ظن كاتبه بأهل السنة ممن يلمزهم بالوهابية ، ويدل على أنه لا يعرف عقيدتهم ولا منهجهم الموافق للكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح .
أو أنه يعرف ولكنه يريد تشويه سمعتهم بمثل هذه العناوين التي هي من سوء الأدب مع النبي –صلى الله عليه وسلم- ومع عباد الله .
والكاتب المذكور يعلم أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قامت على توحيد الله ، ونبذ الشرك ، وحماية جناب توحيد الله –عز وجل- ، ودفع كل ما يسوء الدين الخالص لله وحده .
والكاتب المذكور لعله يعلم أن جميع الأحاديث التي قد يتوهم دعاة الشرك والبدعة أنها تؤيد بدعتهم أو شركهم قد بين أهل السنة ؛ إما ضعفها ووهاءها ، وإما بينوا معناها الصحيح المتوافق مع النصوص ، وكشفوا عن الفهم المغلوط الذي فهمه أهل الشرك والبدعة والخرافة .
وسيأتي جواب أهل السنة عن الحديث الذي استدل به الكاتب على ما ظنه يجيز بدعة أو شركاً .

2/ قال الإباضي المتلقب بِـ"البرهان الساطع" : [جاء في حديث وفاة فاطمه بنت اسد أم الإمام علي أنه دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احتضارها فدعا لها، ثم ذهب في قبرها و اضطجع فيه وقال (اللهم الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمه بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء من الذين من قبلي بأنك أرحم الراحمين)
رواه الطبراني في المعجم الكبير (24/352)رقم871 وأبو نعيم في الحليه(3/121). ].
الــجَــــواب
هذا هو تخريج الحديث وبيان وهائه :
لفظ الحديث:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد -رضي الله عنه- دخل عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس عند رأسها فقال: ((رحمك الله يا أمي كنت أمي بعد أمي تجوعين وتشبعيني ، وتعرين وتكسونني ، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني ، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة))
ثم أمر أن تغسل ثلاثاً وثلاثاً ، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور ؛ سكبه عليها رسول الله بيده ، ثم خلع رسول الله قميصه ، فألبسها إياه ، وكفنت فوقه ، ثم دعا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد ، وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب ، وغلاماً أسود ليحفروا ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد ؛ حفره رسول الله بيده ، وأخرج ترابه بيده ،
فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه وقال : ((الله الذي يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت : اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجتها ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين)) ثم كبر عليها أربعاً ، ثم أدخلوها القبر هو والعباس وأبو بكر الصديق .
تخريجه :
رواه الطبراني في المعجم الكبير(24/451رقم871) والأوسط (1/68 رقم189) وأبو نعيم في الحلية(3/120) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/269-270رقم433) من طريق أحمد بن حماد بن زغبة قال حدثنا روح بن صلاح قال حدثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك –رضي الله عنه-به .
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عاصم الأحول إلا سفيان الثوري تفرد به روح بن صلاح.
الحكم عليه :
الحديث ضعيف جداً أو موضوع فيه آفات:
الآفة الأولى: روح بن الصلاح المصري ويقال: بن سيابة الحارثي :
“ضعفه الدارقطني وغيره.
وقال ابن عدي: ضعيف… له أحديث ليست بالكثيرة وفي بعض حديثه نكرة(1)
وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير.
وقال ابن ماكولا: ضعفوه.
وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه الحاكم”(2) .
وهما متساهلان في التوثيق.
وتفرد روح بهذا الحديث المنكر عن الثوري مما يدل على وهائه .
قال ابن الجوزي: تفرد به روح بن صلاح وهو في عداد المجهولين وقد ضعفه ابن عدي (3).
وقال الشوكاني: حديث فاطمة بنت أسد ضعيف فيه روح بن صلاح المصري وهو ضعيف(4) .
الآفة الثانية: ركاكة لفظه ، وركاكة اللفظ من علامات الحديث الموضوع كما هو معلوم .
وقال الشيخ عبد الرحمن الدوسري: [هذا الحديث لا يصح دراية ، إذ صيغة متنه وركاكة ألفاظه وما فيه من المبالغة مما يدل على عدم ثبوته زيادة على غرابته ، وما في سنده من الضعف].
الآفة الثالثة: وهو منكر متناً لمخالفته للأدلة القطعية من الكتاب والسنة .
وهذا النوع من التوسل –وهو التوسل بحق المخلوقين كالأنبياء والصالحين- لم يرد في الشرع بل جاء النهي عنها إما بالدليل العام أو الخاص.
فالأدلة العامة التي تبين كمال الدين وتمامه وأن كل حدث في الدين فهو مردود على صاحبه وهو ضلالة في الدنيا نار في الآخرة فمنها قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }(5) وقوله-صلى الله عليه وسلم-: (( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد )).متفق عليه(6).
وفي رواية عند مسلم(7) والبخاري تعليقاً(8) : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).

وأما الأدلة الخاصة فمنها قوله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون }(9)
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ({وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} وتدني إليه وإنما الذي يقرب منه زلفى الإيمان بما جاء به المرسلون والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان فإن أولئك لهم جزاء عند الله تعالى مضاعفاً الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. لا يعلمها إلا الله)(10).
وإنما يتوسل العبد بما هو من سعيه كالثناء على الله وتمجيده والتوسل بالعمل الصالح وكذلك بطلبه من الرجل الصالح كل هذا من سعي الإنسان فهو يتقرب إلى الله به أما التقرب إلى الله بذوات المخلوقين وأسمائهم أو جاههم أو حقهم فهذا كله ليس من سعي الإنسان والله يقول : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (11) .
قال ابن كثير رحمه الله : ( كما لا يُحمل عليه-يعني الإنسان-وزر غيره كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه)(12) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( قول السائل لله تعالى: أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ، أو بجاه فلان ، أو بحرمة فلان يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه ؛ وهذا صحيح ، فإن هؤلاء لهم عند الله منْزلة ، وجاه ، وحرمة يقتضي أن يرفع الله درجاتهم ، ويعظم أقدارهم ، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا مع أنه سبحانه قال {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }(13)
ويقتضي -أيضاً-أن من اتبعهم ، واقتدى بهم فيما سن له الاقتداء بهم فيه كان سعيداً ، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله كان سعيداً ، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم ما يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك ، بل جاههم ينفعه إذا اتبعهم ، وأطاعهم فيما أمروا به عن الله ، أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين ، وينفعه أيضاً إذا دعوا له وشفعوا فيه .

فأما إذا لم يكن منهم دعاء ، ولا شفاعة ، ولا منه سبب يقتضي الإجابة ؛ لم يكن متشفعاً بجاههم ، ولم يكن سؤاله بجاههم نافعاً له عند الله ، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه ولو قال الرجل لمطاع كبير أسألك بطاعة فلان لك ، وبحبك له على طاعتك بجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك ؛ لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به ، فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ، ومحبته لهم ، وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له ، وطاعتهم إياه ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم ، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم ، أو سبب منهم لشفاعتهم له فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب .
نعم لو سأل الله بإيمانه بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ، ومحبته له ، وطاعته له ، واتباعه له لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضي إجابة الدعاء ، بل هذا أعظم الأسباب والوسائل)(14).

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله : ( ولا مناسبة بين ذلك-يعني صلاح المتوسل به- وبين استجابة الدعاء فكأن المتوسل يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي! وأي مناسبة في هذا ؟! وأي ملازمة؟! وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء وقد قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين}(15) وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الأئمة رضي الله عنهم أجمعين وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل – أي التمائم- التي يكتب بها الجهال والطرقية والدعاء من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع )(16)

فتبين وهاء الحديث فلا دلالة فيه على مسألة فقهية فكيف بالعقدية ؟!
والعجيب أن الإباضية لا يستدلون في العقيدة بالأحاديث الصحيحة الآحادية فكيف يستدلون بالأحاديث الواهية في العقيدة ؟
هذا تناقض ما بعده تناقض !!

3/ قال الإباضي المتلقب بِـ"البرهان الساطع" : [فهل الرسول مشرك حين يتوسل بنفسه وبالأنبياء؟ ].
الــجَــــواب من وجهين :
الوجه الأول: سبق بيان وهاء الحديث المذكور فلا تجوز نسبته إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا مع بيان ضعفه ووهائه .
الوجه الثاني: أن التوسل بحق النبي أو بجاهه توسل بدعي محرم ، وليس من الشرك الأكبر المخرج من الملة كما يوهمه كلام الكاتب المذكور .
وأهل السنة يفرقون بين الشرك الأكبر ، وبين البدعة غير المكفرة .
فأهل السنة يثبتون تفاوتاً بين الذنوب والمعاصي ، ويقسمونها إلى صغائر وكبائر ، بخلاف أهل البدع الذين يجعلون الذنوب كلها كبائر .
عموماً: لا أعلم أحداً من أهل السنة جعل التوسل بحق الأنبياء والصالحين من الشرك الأكبر غاية ما يكون فإنه يكون من الشرك الأصغر (17).
وهو من مسائل الخلاف بين العلماء وعدها جماعة من العلماء من مسائل الفقه .
والله أعلم .

4/ قال الإباضي المتلقب بِـ"البرهان الساطع" : [وهل الطبراني وأبو نعيم مشركين نجسين مرتدين حين رووا هذه الرواية الشركية القذرة النتنة التي تدعي مع الله إله آخر حسب القواعد الوهابية؟!! ].
الــجَــــواب
على كلامك هذا ملاحظتان :
الملاحظة الأولى: قولك عن حديث فاطمة بنت أسد : [هذه الرواية الشركية القذرة النتنة التي تدعي مع الله إله آخر حسب القواعد الوهابية].
كذب على أهل السنة الذين تلقبهم بالوهابية .
فهم نصوا في كتبهم ورسائلهم(17) على أن هذا الحديث على ضعفه ووهائه لا يتضمن الشرك الأكبر ، وليس فيه ادعاء إله آخر مع الله .
غاية ما فيه أنه تضمن توسلاً لم يثبت في الكتاب والسنة الصحيحة ولا عمله الصحابة والتابعون فهو بدعة في الدين .
وحكموا ببدعيتها لأنهم وقافون عند حدود الله لا يتعدونها ، وينزهون الشرع عن كل محدث وبدعة .
لقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)).
الملاحظة الثانية: قوله: [وهل الطبراني وأبو نعيم مشركين نجسين مرتدين حين رووا هذه الرواية].
فهذا باطل جداً من وجوه:
الوجه الأول: أن الرواية المذكورة لم تتضمن شركاً أكبر حتى يتهم ناقلها أو القائل بها بالشرك والردة .
كما بينت ذلك سابقاً .
الوجه الثاني: أن الطبراني وأبا نعيم لم يشترطا الصحة فيما يرويانه ، ولم يدعيا العمل بكل ما يرويانه .
ومن قواعد أهل الحديث: من أسند فقد أحال .
ومن القواعد المتقررة عند جميع الطوائف : أن ناقل الكفر ليس بكافر ، وناقل الفسق ليس بفاسق ، وناقل البدعة ليس مبتدعاً إلا إذا كان مقراً لذلك .
فقد عرف من عادة الطبراني وأبي نعيم وأبي الشيخ الأصبهاني وجماعة غيرهم من المحدثين أنهم ينقلون ما وصل إليهم من الروايات بأسانيدهم ويجعلون للمطلع العارف بأصول أهل الحديثالنظر في سنده والحكم عليه بما يستحقه .
وقد روى الطبراني وأبو نعيم وغيرهما أحاديث موضوعة كثيرة تخالف ما يذهبان إليه في الفقه والعقيدة وغير ذلك وهم يرون أنهم بإسنادهم لتلك الأحاديث قد برؤوا من عهدتها ولا يلزمهم القول بما تضمنته تلك الأحاديث .
نعم بعض المحدثين لامهم على ذلك ، ورجح جماعة من أهل الحديث وجوب بيان الحديث المنكر المخالف للأصول ، وبيان الأحاديث الموضوعة وهذا هو الواجب في زماننا هذا .
والله أعلم .

الوجه الثالث –وهو من باب التنزل-: هب أن الطبراني وأبا نعيم صححا الحديث فليس في ذلك أنهما مشركان ولا مبتدعان .
لأنه لو صح الحديث لكان قاطعاً للنزاع ولما حكم أحد من أهل العلم ممن يثبت عنده الحديث ببدعية التوسل بحق النبي ولأنبياء .
ولكن الحديث لم يصح بل هو موضوع .
الوجه الرابع –وهو من باب التنزل-: هب أن الطبراني وأبا نعيم لم يصححا الحديث ورأيا العمل بالحديث –على وهائه فلا يحكم عليهما ببدعة ولا شرك .
لأن الحكم على شخص "ما" بالبدعة والشرك لا يتم ذلك إلا بإقامة الحجة عليه وببيان المحجة .
وليس عندنا أن الطبراني أو أبا نعيم قد نوقشا في هذا الحديث حتى يقال إن الحجة أقيمت عليهما .
لذا فلا مسوغ للحكم عليهما بالشرك والبدعة أصلاً .
مع التنبه إلى أن التوسل بحق الأنبياء والصالحين محرم وبدعة وليس شركاً أكبر .
والله أعلم.

5/ قال الإباضي المتلقب بِـ"البرهان الساطع" : [ولا يهمنا صحة الرواية من ضعفها ولكن يهمنا نستنكر على أئمة الحشوية روايتهم لهذه الرواية التي تثبت شريكا لله حسب التصور الوهابي الفاسد؟!! ].
الــجَــــواب من وجوه :
الوجه الأول: قول الكاتب المذكور: [ولا يهمنا صحة الرواية من ضعفها] هذا من أعظم الأدلة على قلة اكتراثك بالسنة النبوية والشريعة المحمدية .
فأهم شيء عندنا هو صحة مصدر التلقي .
ومصادر التلقي عندنا: الكتاب والسنة ، وأما الإجماع والقياس فهما تابعان للكتاب والسنة .
فالقرآن محفوظ منقول بالتواتر .
والسنة محفوظة كذلك ، ولكن منها المتواتر ، ومنها الصحيح الذي لم يتواتر ، ومنها الضعيف والموضوع .
وأهل السنة يهتمون بالمتواتر وصحاح الأحاديث وأما الضعيف والموضوع فلا يحتج بهما في العقائد والأحكام .
فما بالك أيها الإباضي! لا تهتم بصحة الحديث ، وأنت تدعي أن الأحاديث الصحية الآحادية لا يحتج بها في العقائد ؟!
وأنت ترى وتعتقد أن حديث فاطمة –رضي الله عنها- قد اشتمل على أمر عقدي !!
فلماذا التناقض والاضطراب ؟!
وقولك المذكور يدل على أن هدفك من الرد هو التشنيع على أهل السنة وإشفاء غيظك وحقدك !
وهذا لا ينبغي للمسلم ، بل الواجب عليك أن تبحث عن الحق ، وتتحراه ، وأن يكون مقصودك الوصول إلى الحق .
ويكون مقصودك هداية الخلق ، والوصول إلى رضا الله الإله الحق .
الوجه الثاني: قول الكاتب المذكور: [ولكن يهمنا نستنكر على أئمة الحشوية].
أما إنكار المنكر فهذا تشكر عليه ولكن…
إنكار المنكر له شروط وآداب فمن شروطه أن يكون الأمر الذي ستنكره منكراً في نفسه وهذا ما لم يتحقق هنا من عدة جهات:
الجهة الأولى: أن التوسل الذي أنكره أهل السنة ممن تلمزهم بالوهابية أنكره غيرهم من الأئمة كالأحناف والحنابلة وجماعة من الشافعية والمالكية وهو مما لم يثبت في الكتاب والسنة .
الجهة الثانية: أن أهل السنة أنكروا التوسل بحق الأنبياء والصالحين لأدلة من الكتاب والسنة ، ولم يثبت عندهم –ولا عند أهل الحديث وحفاظه- ما يعارضها فكيف تنكر عليهم ما ليس في الكتاب والسنة بل دل الكتاب والسنة على خلافه ؟!!
الجهة الثالثة: أنك أنكرت عليهم بطريقة منكرة شرعاً وهي الاستدلال بالأحاديث الواهية والموضوعة فخالفت أهل السنة والإباضية !
الجهة الرابعة: أنك أنكرت عليهم –أيضاً- بطريقة أخرى منكرة شرعاً وهي إلزامهم بتضليل من لا يلزم تضليله ولا تبديعه أصلاً .
فظهر أن ما قام به الكاتب الإباضي المذكور هو المنكر عينه ، وهو الذي يجب إنكاره وإبطاله .
والله المستعان .
الوجه الثالث: قال الإباضي المذكور: [أئمة الحشوية] .
وهذا نبز لأهل السنة بألقاب السوء .
وهذه طريقة أهل البدع .
قال الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: [علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة ، وعلامة القدرية أن يسموا أهل السنة مجبرة ، وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية].
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني في كتابه "عقيدة السلف أصحاب الحديث(ص/116) : [علامات أهل البدع .
وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة ، وأظهر آياتهم وعلامتهم :
شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- ،
واحتقارهم لهم ، واستخفافهم بهم ،
وتسميتهم إياهم : حشوية ، وجهلة ، وظاهرية ، ومشبهة ؛
اعتقادا منهم في أخبار رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنها بمعزل عن العلم! ، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة!! ، ووساوس صدورهم المظلمة!! ، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير ، وكلماتهم وحججهم العاطلة ، بل شبههم الداحضة الباطلة ، {أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} ، ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}]
الوجه الرابع: قال الكاتب الإباضي المذكور : [روايتهم لهذه الرواية التي تثبت شريكا لله حسب التصور الوهابي الفاسد؟!!].
سبق وأن بينت أن التصور الفاسد هو تصور هذا الكاتب ، وهو مفتر على أهل السنة بهذا التصور .
فلم يتصور أهل السنة ، ولم يذكروا في كتبهم ومصنفاتهم(17) أن حديث فاطمة بنت أسد فيه إثبات شريك لله عز وجل .
بل هذا الفهم هو الفهم السقيم الذي وصل إليه عقل هذا الإباضي !
وأنا أطالبه بنقل عن أهل السنة أثبتوا فيه أن حديث فاطمة بنت أسد فيه إثبات شريك لله .
والله الهادي إلى سواء السبيل .

6/ قال الإباضي المتلقب بِـ"البرهان الساطع" : [فماذا سيقول الوهابية أصحاب الفكر التكفيري، بعد ان فضحنا فكرهم المارق عن الجماعة؟ ].
الــجَــــواب
أما أصحاب الفكر التكفيري فهم الخوارج وهم المارقون عن الإسلام كما يمرق السهم من الرمية كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحاح.
وأصحاب الفكر التكفيري هم من يحكم على مرتكب الكبيرة –التي دون الشرك الأكبر- بالخلود في النار .
وأصحاب الفكر التكفيري هم من ينكر أحاديث الشفاعة لأهل الكبائر وهي ثابتة صحيحة .
وأصحاب الفكر التكفيري هم من يسوون بين الصغائر والكبائر ويحكمون على مرتكب الصغيرة كما الكبيرة بالخلود في النار .
وأصحاب الفكر التكفيري هم من يكفر أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو بعضهم كمن يكفر عثمان أو علياً أو معاوية أو أبا سفيان ، أو عمرو بن العاص رضي الله عنهم ولعن من كفرهم .
أما أهل السنة ممن تسميهم وهابية فهم أهل عدل وإنصاف ، لا يكفرون مرتكب الكبيرة –دون الشرك الأكبر- ، ولا يسوون بين الصغيرة والكبيرة ، ولا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله وأجمع السلف على تكفيره .
فهم أعدل الخلق ، وخير الخلق للخلق .
هم مصابيح الدجى ، ومنارات الهدى ، وأنوار يستضاء بها .
من تمسك بطريقتهم ، وسار على نهجهم ، واقتفى أثرهم فهو من السعداء الأتقياء .
ومن تنكب طريقهم ، وخالف منهجهم ، واعتزل أمرهم فهو من الأشقياء والبعداء .
نسأل الله أن يحيينا على السنة وأن يميتنا عليها .
وأسأله تعالى أن يهدي الإباضي المذكور ، وأن يوفقه لسلوك سبيل أهل السنة والتمسك بمنهجهم .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

---------------------------------------
الهوامش والحواشي :
(1) - الكامل(3/146) بتصرف.
(2) - رَ : ميزان الاعتدال(2/58) ولسان الميزان(3/108).
(3) - العلل المتناهية(1/270).
(4) - الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد(ص/64).
(5) - سورة المائدة(آية/3).
(6) - صحيح البخاري(2/959رقم2550) وصحيح مسلم(3/1343رقم1718) من حديث عائشة – رضي الله عنه-.
(7) - المصدر السابق
(8) - صحيح البخاري(6/2675)
(9) - سورة سبأ(آية/37) .
(10) - تيسير الكريم الرحمن ( 6/287).
(11) - سورة النجم(آية/39).
(12) - تفسير ابن كثير (ص/1278).
(13) - سورة البقرة(آية/255) وهي آية الكرسي.
(14) - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة(ص/99-100).
(15) - سورة الأعراف(آية/55) .
(16) – التوصل إلى حقيقة التوسل للشيخ محمد نسيب الرفاعي(ص/190) .
(17) - انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية(1/129، 2/85 ، 113 ، 9/23 ، 232) وغيرها من المواطن الكثيرة .

كتبه : أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي الفلسطيني