صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مركزية الصوم في رمضان

فرحان العطار


بسم الله الرحمن الرحيم


هل يصح رمضان بدون صوم ! وهل يصح بدون قراءة قرآن أو قيام، ربما لم يسأل أحد هذا السؤال، ولكن يتضح من خلال الإجابة عليه اختلال بعض الأولويات لدينا.

فحين لا نستشعر الصوم و أثره و دروسه و تغييره وبركته وعبادته، فلا شك بأن لدينا خللاً ما، إذ يكفي أن يكون الصوم ركناً من أركان الإسلام، حتى يكون مادة خصبة لتأملة ، والحديث عنه ، ودراسة أثره في النفس والمجتمع .

فكم سمعنا عن أثر الصلاة، وبركتها على النفس والمجتمع، وعن الحج وآثاره الواضحة، في الجهد والجهاد بالمال والنفس و الجسد ، وعن بركة الزكاة وتنميتها، ولكن الصوم قد لا يحظى بالكثير من هذا الاهتمام بالرغم من ركنيته ! فالله – عز وجل - يمدحه بمدح أهله ، ووعدهم بثواب لا يكون لغيره، فوعدهم أولاً بقوله: ( أعد الله لهم مغفرة و أجراً عظيماً ) .

ثم خصه الله من بين سائر العبادات بقوله: ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به ) هكذا هكذا يكون الفضل و الوعد بالثواب.

كما أخبرنا النبي صلى الله عليه و سلم عن باب الصيام الذي يختص به من بين أبواب الجنة الثمانية ، فلا يدخل منه غيرهم، ثم جعله النبي صلى الله عليه و سلم علاجاً في قهر الشهوة وبديلاً عن النكاح لمن لم يستطيعه، مما يدل على بالغ أثره في النفس و تهذيبها.

فلا بد أن تكون عنايتنا بالصوم عناية تليق به ، فهو يأتي من داخل النفس إلى خارجها ، مما يعني قوته وتمكنه من النفس ، فنستطيع الاستفادة منه في جوانب متعددة ، كتقوية العزيمة ، و تنشيط الإرادة ، و خوض التجربة بالفعل مباشرة ، وتعزيز الشعور بالايجابية ، والتخلص من العجز والسلبية ، واكتشاف القوة الهائلة في النفس، عند وجود الإرادة الصادقة.

كما يساعدنا على اكتساب خبرات جديدة، وممارسة عبادات كنا لا نقوم بها من قبل، لنكتشف سهولتها و لذتها، ومدى تقصيرنا تجاهها ، كما يعتبر عوناً على ترك العادات السيئة ، والمخالفات التي خالطت اللحم والدم، ليأتي الصوم فيكون كالمصفاة التي تنقي النفس من شوائبها، والجوارح من ما دنسها.

فمركزية العبادة في رمضان تدور حول الصوم، فهو العبادة الأساسية فيه.

ثم يأتي القيام و قراءة القرآن والإنفاق والذكر والإحسان بعده، فهو يجعلها أكثر أثراً وفاعلية وعمقاً في النفس، فتأمل الفرق بين هذه العبادات عندما تكون أو لا تكون صائماً، مما يدل على أن الصوم هو رأس العين التي تمد السواقي وتروي الجداول من حوله، و خاصة في رمضان.

فالصوم هو الآخية التي يدور حولها العالم و المربي والخطيب في رمضان، والمصدر الذي ينطلق منه، ويغذي سائر الموضوعات و الجوانب، ولكن عندما يترك الحديث عن هذا الأصل، ليقفز المتحدث إلى المستحب و المندوب عن الواجب والركن، فإن هذا يدل بأن هناك خللاً لا بد من التنبيه عليه.

فتجد الخطيب يذهب إلى عناوين تتميز بموضوعاتها ومساحاتها الواسعة مؤثراً الراحة و الدعه، لسهولة الحصول على المعلومة و توفرها، عن مواضيع في الصوم تحتاج إلى تنقيب و بحث لا يريد تجشمها.

فتجد خطب الجمعة في رمضان تقتصر على قراءة القرآن والقيام والإنفاق وليلة القدر، ثم صدقة الفطر وأحكام العيد، ثم ماذا بعد رمضان ، وليس هذا تقليلاً من شأن هذه المواضيع – معاذ الله – بل هي من شعائر هذا الدين التي ينبغي التذكير بها وتعظيم شأنها، ولكن القصد أن البعض ربما لا يتحدث أبدا عن الصوم بذاته، وسلطانه في تغيير النفس وتهذيبها ، وتغذيته لسائر الطاعات الأخرى في رمضان وبعده.

لذا فلا نستغرب استغراق الناس في رمضان الاجتهاد في سائر العبادات، وذهولهم عن عبادة الصوم التي هي مركز العبادة في رمضان وأسها؛ لأن الصيام أصبح عادة في كل عام ، يأتي هكذا عفواً، بدون تلذذ به، ولا استشعاراً لأثره، ولا فهما لحقيقته وفلسفته .

فإن كان للصوم حظ عند بعضنا، فإنه يستغرق في أحكامه الفقهية التي نحتاجها جميعا في رمضان، معرضاً عن طرق مواضيع أخرى في عبادة الصوم وآثاره وبركاته وعمقه في النفس و قوته في التغيير.

مما يدل على أن هناك خللاً و تقصيراً يثمر قصوراً في تأثير الصوم على نفوسنا ، فلا نلبث بعد رمضان أن نعود إلى ما كنا قبله ! فلن نستفيد من رمضان حتى نضع الأمور في نصابها ، و نهتم بركنه الأعظم ، عناية و تأملاً واستشعاراً و استغلالاً لآثاره و بركاته.

ثم نسعى لتوسيع هذا المفهوم في النفس مع تعميقه، ليسطع في حنايا النفوس ويضيء أركانها ، والذي بدوره يجلب العبادات الأخرى كقراءة القرآن والإنفاق والقيام وغيرها، فيكون تأثيرها معه عميقاً وموغلاً في النفوس، إذ يصل تأثيرها وبركتها حينئذ إلى أبعد مدى يستطيع الوصول إليه مع كل شخص بحسب حاله، حتى يكون التغيير قاب قوسين أو أدنى.

ثم بعد ذلك ربما نفذ إلى طريق اللا رجعة بعدما ذاق لذة الإيمان و القرب، أو تقهقر بعدما ظن أن المقصود حصل فركن الصوم جدير بالتشبث به ، واستغلال دقائقه ولحظاته المباركة، فكل ثانية منه توازي كنوز الأرض، إذ لا يدرك قيمتها إلا من عرف حقيقة التغيير وصعوبته على النفس، ثم قدرة هذه العبادة على صناعته وبعثه من جديد، ببرنامج سهل و ممتع، في أيام معدودات.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية