صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من الأفضل أن تفكر في الموت شنقا!!

آسية بنت سعود آل رشود *


مدخل :
هل فكرت يوما في وضعك حينما تتعرض لموقف يضعك فيه حضرة القاضي المبجل , صاحب الشنب المعكوف و الذقن العاري من أسود الشعر على منصة الإعدام , و يلف بحبل خشن الملمس لم تعهد مثله في حياتك الناعمة أبدا , و لم يكن لونه الباهت ضمن قائمة ألوان الرسم الخاصة بك في المرحلة الابتدائية , يلفه مجتهدا في لفه حول رقبتك الجافة جراء العطش و نتيجة لهول الموقف و تذكر شكل النعش , ثم يركلك آخر بقدمه من الخلف باسطا كتفيه مبتسما تلوح على جلد جبهته تقاطيع الشعور بالنصر بينما يظل وجهه الأرعن مطبقا صامتا يجاهد في تقليد الموتى في سكونهم , قاتلا ضحكة عينيه تمثيلا أمام الكاميرا فقط ؟؟

هل فكرت في أنه قد يأتي يوم و تنصب هذا المنصب بأن يغطى موتك إعلاميا , و تتابع الكاميرات الرقمية أنفاسك حتى أخر حركة , و آخر نفس بل وحتى الرمق بعد الأخير , و تصبح أخيرا رسالة بلو توث ؟؟

رجاء لا تصدمني بأن تقول لي أنك لم تفكر في ذلك حتى الآن ؟ و إذا فعلت و قلت ما قلت فمن الأفضل لك أن تكف عن سذاجتك , و تبدأ منذ هذه اللحظة و تتخيل معي كيف سيكون موتك و كيف ستغطى ساعتك الأخيرة في الحياة إعلاميا و وثائقيا ..

و إني إذ أطلب هذا الطلب , و أوجه بهذا الأمر, فإني أحاول أن أجعلك ( تتصور الأبشع ) حتى إذا ما قتلت يوما برصاصة غدر من قفاك , أو مسك من شظايا القنبلة شرار سوء فمت في دقيقتك موتا سريعا بسيطا بعيدا عن أعين الشامتين , و بريق الكاميرات المزعج , و دفنت في مقابر المجهولين , قلت في سريرتك يوم صعود روحك و تحليقها حمدا لك يا رب على أن رزقتني موتا خفيا و عددتني عند عبادك من المجهولين ..

و دليلي في هذا هو واقع الزخم الإعلامي المشاهد في فضائح العراق و الذي ما فتئ منذ بداية الحرب يمارس سياسة الإشراق بالضباب , فيطفئ الحقيقة و يضيء ابنة عمها الأكذوبة , أو يرسلها مصحوبة بأجواء غائمة إلى غائمة جزئيا أو يدعها مساحة رمادية غير معلومة التفاصيل أو مفسرة المعالم , فيقتل ( على سبيل المثال ) المجرم تعزيرا إحدى ضحاياه , و يصرح بجريمته على الملأ الأعمى مبتسما ابتسامة النصر بكل جرأة و وقاحة , منصبا نفسه منصب العادل المنتصر مهما كانت بشاعة الجثة المعزرة , مهما كانت العين فيها مفقوءة و السبابة مرمية على قارعة الطريق الآخر و مهما كان حال الجثة منافيا لمبادئ الإنسانية فضلا عن أخلاقيات الحرب و موازينها , ثم يقول في تصريح إعلامي بكل صفاقة : أن المقتول قد بدأ عليه بالاعتداء و البادي أظلم كما يعلم الجميع , فيصبح جمهور المشاهدين و يمسون محللين و مفكرين في أسئلة من نوع : من قد يكون المعتدي أو البادئ ؟ متناسين عدم استحقاق الضحية للقتل تعزيرا حتى و إن كان هو المعتد على حد مزاعم ذاك الأول ( القاتل ) فللموتى احترامهم و لجثثهم حق التكريم بالغسل و الصلاة و الدفن , و متناسين أيضا أن هذا المشهد من الأساس لم يصرح به إلا بهدف إيصال رسالة واحدة فقط فحواها و محتواها كما جاءت على لسان أحد الفلاحين المصريين في أحد الاستطلاعات الإخبارية { اللي صاير معناه واضح أوي و يقول إزا ما سمعتوش الكلام هيقرالكو اللي قرا لغيركو } , أي الويل لكم من سوء الخاتمة إذا فتحتم أعينكم و حاولتم ممارسة الإبصار , الويل لكم إذا رفعتم رؤوسكم و حاولتم السير على وجه البسيطة مثل سائر الخليقة , فقد قتلنا الجميع تعزيرا و جعلنا لنا من صدام أضحية العيد و علمنا حقوق الإنسان و الأمم المتحدة ممارسة الصمم , و لقناها جملة ( لا أرى و لا أسمع ) , و إن أردتم لأرواحكم الدعة فرددوا ذات الجملة , لا عدمتم الأمان ..

اقرأ التاريخ إذ فيه العبر *** ضاع قوم ليس يدرون الخبر

لا تشر إلي بأي إصبع اتهام بالسوداوية و لو كان صغيرا , فما سطرته في حرفي المدون أعلاه ما هو إلا تسجيل حرفي لحصاد الكاميرا في القنوات الإخبارية , أي أنه واقع مشاهد مثبت بالصوت و الصورة و ما فعلته لتوي ما هو إلا من باب إثبات المثبت كتابيا , أي ليس من تفعيلة و لا عمودية شاعر و لا من فلسفة كاتب أو تنميق أديب مشبع بالأحلام و الدعة , بل هو الواقع المشاهد و هو الحقيقة الظاهرة أو إن شئت التسمية الصاعقة القاصمة, التي ما تفتأ خالعا نعليك و هاربا بسرعة عنها , متوهما أنها ستتوه , تضيع ثم تغرق في بحر لجي لا ساحل له و لا شاطئ و لا مرافئ ترسوا فيها بحملها و ثقالها , متناسيا أنها أيضا الشمس التي حتما ستشرق مهما طال سديم الظلام و نوم الأنام ..

أضف إلى ذلك ما أكدته الإثباتات العلمية من أن النعاج التي تم تدجينها , ترضع منها كل الحملان دون أن تمانع في ذلك ..
..........................

أن تكون فردا عراقيا فلك أن تختار إحدى الأمرين : أن تموت مجهولا بلا بطاقة تعريف , أو أن تموت مشوها مفعولا بجسدك الأفاعيل , و في كلا الحالتين ثق تمام الثقة أن موتك سوف يغطى إعلاميا مهما كانت بشاعة جثتك و سوء منظرها و المنقلب الذي انقلبت إليه , ليضحك الشامتون , و يتقزز من منظرك إخوتك الأشقاء , أبناء الحرير و عشاق السرير الوثير , فتراهم سريعا ما يبادرون بتغيير القناة إلى قناة أخرى راقصة قد تكون ملكا لقاتلك أو لإحدى مواليهم ليمتعون أنظارهم ببناتها و يتراقصون طربا مع مواويلها و قد يتصل أحدهم بإحداها قائلا بغنج متصنع : ألـوووووو ممكن أهدي ؟؟؟ فضلا على أنه قد يتخذ من رؤيته السريعة لجثتك قصة مجلس , سالفة سمر أو عنوان مقالة و صورة غلاف يتفلسف بها مدعيا الثقافة و سلامة الحس و الشعور بالآخر , ثم إذا ما انتهى من سرد حكايته التفت إلى جمهوره ثم قال : أحزنتكم صح ؟ ( مرة سووري ) ما رأيكم , لنحول دفة الحديث , من لديه نكتة ؟؟؟؟

ليتقافز معشر النائمون في العسل , الغائبون عن المر و تعاسة أيام البصل , ليتسابقو على سرد النكت من طراز : فيه واحد كبير في السن بدوي و يوم انتهى من رمي الجمرات و عاد إلى خيمته دلك ساقه قائلا : ( يا رفسٍ جاني ) ( كناية عن كثرة الضربات التي تعرضت لها ساقه ) ليمسك به رفاقه من الحملة متسائلين : (هل تعبد رفسنجاني ؟؟ ) فيضحك رفاقه على هذه النكتة السخيفة و يتساقطون و يلوون بطونهم و يذرفون الدمع تعبيرا عن شدة استمتاعهم بالنكتة ..

و يبقى العراقي سالفة حديث , و فكاهة مجلس , و مقالة صحف , و أوراق عمل جامدة لا يُفَعَّل من توصياتها كلمة و لا حتى نقطة أو علامة تعجب !!

إذا كان يؤذيك حر المصيف *** و كرب الخريف و برد الشتاء
و يلهيك حسن زمان الربيع *** فأخذك ( للدرس ) قل لي متى ؟؟

و الأكثر مرارة و الأشد علقما من ذلك , هو أن الجميع مدرك و يعلم أن العراق هي الحلقة الثانية في مسلسل الدمار الشامل و الدرجة الثالثة في السلم اليهودي لتصدر دفة السيادة , و الدليل الأكبر لسوء النوايا و البرهان الأكثر دلالة على صحة نظرية المؤامرة , مما يعني أن الحلقة الثانية لا بد لها من حلقات حتى تصل إلى الأخيرة , و صعود السلم لا يتم بصعود ثلاث درجات فقط , و أننا قريبا أو بعيدا قد ندخل الرهان ..

و لا أعلم أنا هل هذا التغافل يعود إلى حقيقة أن الإنسان لا يستطيع الشعور بمن يعيش في أجواء مغايرة لأجوائه , أم أنه يستطيع الشعور و لكنه يهرب من ظل الحقيقة , نائيا بجسده من لسعها و قلبه من حرقها !! أم أنه يرى و لم يفهم بعد تفاصيل المسلسل !! أو يرى لكنه من فئة الذين يرون و لا يرون !!

الجميع أضحى عالما بالحقيقة فهي أشرقت كالشمس عندما تنفس الصباح,
و جل علائم النهار أضحت ظاهرة ,
فوتيرة الأحداث تشتد سخونة يوما بعد يوم ,
الجميع أصبح يتكلم بها ,
و مع ذلك
لا زلنا نسير في ذات الطريق الأول و نعيش ذات الإغماء كما المسحورين !!

النهار نهار , و الشمس في كبد السماء كبيرة ليس كمثلها في وضوحها شيء ,و جميعنا نشير إليها بأنها الشمس و أنه النهار , ثم نسلك طريقا غير طريقهما و نعود لنهيم في الظلام و نتخبط في الدياجير المعتمة !!
لماذا ؟؟!
قد يكون هذا لأننا نحب النوم !!
جائز !!
لكن السؤال :
أما آن لنا أن نستيقظ ؟؟
أم أنه طبع على قلوبنا ؟؟

إشارة :
و لقد أسير على الضلال و لم أقل *** أين الطريق و إن كرهت ضلالي

عزائي الوحيد : أن السماء ترجى حين تحتجب و أن الله مع المؤمنين ..

.......................
* طالبة في كلية اللغات و الترجمة , قسم لغة انجليزية ..
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

بلاد الرافدين

  • الفلوجة
  • رسائل وبيانات
  • في عيون الشعراء
  • من أسباب النصر
  • فتاوى عراقية
  • مـقــالات
  • منوعات
  • الصفحة الرئيسية