صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ما الحب؟

إعداد فؤاد بن عبدالله الحمد [1]
@fuadalhamd
مستشار تربوي بموقع المستشار

 
جاء تعريف الحب في معجم "وبستر" الشهير ــــ بأنه عاطفة وجدانية تنبع من العقل، ويثيرها هناك جمالٌ وتقدير من أي نوع كان. وعرفته الدكتورة صهباء محمد بندق في كتابها الرائع "الحب كيف نفهمه وكيف نمارسه" بأنه تجربة شعورية بالغة السمو، حيث يربط نشوء الشعور بالحب بمشاعر الانغماس في عالم آمن ودافئ ومشبع تماماً بالسعادة ومنتهى السرور... ثم تواصل الكاتبة وتقول: الحب ظاهرة إنسانية عظيمة متأصلة في النفوس الإنسانية, فكلمة "الحب" من أعظم الكلمات التي تسمعها الأذن ويشعر بها القلب. ويقول الشيخ علي الطنطاوي -رحمة الله عليه-: " ليس في الناس من لم يعرف الحب... وليس فيهم من عرف ما هو الحب؟".
 
وهكذا يصوغ كل إنسان تعريف الحب وفقاً للمرحلة العمرية التي يمر بها, وبالطريقة التي تعلم بها الحب, وبالكيفية التي عرفه بها، لذلك هناك كثير من تعريفات الحب, وكلها صحيحة، وقد صاغ الشيخ الأديب الدكتور عائض القرني تعريفاً للحب في كتابه القيم (ضحايا الحب) يقول فيه: "لا أعلم كلمة في قاموس العربية تعبر عن الحب مثل كلمة (الحب)، فليس هناك أصدق من (الحاء والباء) في دلالتهما على هذا المقصود العظيم، فالحاء تفتح الفم فيبقي فارغاً حتى تأتي الباء فيُضم الفم وتُطبق الشفتان، إذاً هو اجتماع بعد فرقة وهجر".
 
وباختصار: الحب تجربة حية, ومن ذاق الحب عرف! ومن عرف اغترف... أما الذين لا يعرفون الحب فإنهم بعيدون عن عالم الأحياء وإن ظهرت شخوصهم... يقول ابن القيم: معاني الحب لا تُعلمُ حقيقتها إلا بذوقها ووجودها, وفرق بين الذوق والوجود... وبين التصور والعلم... فالحدود والرسوم التي قيلت في المحبة صحيحة وغير وافية بحقيقتها... بل هي إشارات وعلامات وتنبيهات. وبَيَّنَ الشيخ الأديب الدكتور عائض القرني بيان حقيقة الحب فقال: الحب ماء الحياة، وغذاء الروح، وقوت النفس، فالناقة تعكف على صغارها بالحب، ويرضع الطفل ثدي أمه بالحب، وتبني الحمامة عشها بالحب، وبالحب تشرق الوجوه، وتبتسم الشفاه، وتتألق العيون.
 
وباختصار... الحُبّ: هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما، أو شيء ما، وقد ينظر للحب على أنه كيمياء متبادلة بين اثنين [2].
 
وتم تعريف كلمة حب لغويّاً بأنها تضمّ معاني الغرام، والعلّة، وبذور النّبات, وهناك تشابه بين المعاني الثلاثة على الرّغم من تباعدها ظاهريّاً، فكثيراً ما يشبّهون الحب بالدّاء أو العِلّة، وكثيراً ما يشبّه المحبّون الحب ببذور النباتات أيضاً.
 
أمّا (غرام) فهي تعني حرفيّاً: التَعلُّق بالشّيء تَعلُّقاً لا يُستطاع التَخلّص منه. وتعني أيضاً "العذاب الدّائم الملازم، وقد ورد في القرآن الكريم: ) إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (الفرقان/65، والمغرم: المولع بالشيء الذي لا يصبر على مفارقته، وأُغرم بالشيء: أولع به، فهو مُغرم.
 
مفهوم الحُبّ في اللغة:

لمفهوم الحب معانٍ عدّة أبانت عنها لغتنا العربية على النحو التّالي: الحب "نقيض البغض". ومعنى المحبَّة لغةً: الوداد. وأصل هذه المادة يدلُّ على اللُّزوم وَالثَّبات، واشتقاقه من أحَبَّه إذا لزمه، تقول: أحبَبْتُ الشَّيْء فَأنا مُحِبٌّ وَهو مُحَبٌّ[3] .
 
مفهوم الحُبّ في الاصطلاح:

قبل أن نتعرّف إلى تعريفات العلماء للحبّ اصطلاحاً تجدر الإشارة إلى عجزهم عن تعريف هذا المصطلح وإدراك حقيقته، ومِن أقدم مَن أشار إلى عجز التّفسير عن حقيقة المحبّة (سمنون المحب) ذلك العاشق البغداديّ المتوفّى تقريباً سنة 298هـ، إذ قال: "لا يعبّر عن شيء إلا بما هو أرق منه، ولا شيء أرق من المحبّة فما يعبر عنها".
 
فمعنى المحبَّة اصطلاحًا: (المحبَّة: الميل إِلَى الشَّيْء السّارّ). قال الراغب: (المحبَّة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا). وقال الهروي: (المحبَّة: تعلق القلب بين الهمة والأنس، فِي البَذْل وَالمنْع على الإِفْرَاد). ويكاد يتّفق العلماء على أنّ المحبّة لا يمكن تعريفها تعريفاً جامعاً مانعاً.
 
يقول الإمام القشيريّ رحمه الله: "لا توصف المحبّة بوصف، ولا تحدّد بحدٍّ أوضح ولا أقرب إلى الفهم من المحبّة، والاستقصاء في المقال عند حصول الإشكال، فإذا زاد الاستعجام والاستبهام سقطت الحاجة إلى الاستغراق في شرح الكلام".

تعريف الحبّ عند المفسّرين:

أما اصطلاح المحبّة عند المفسّرين فقد تقاربت أقوالهم في تعريفه، فعرّفها الأقدمون بأنّها ميل القلب أو النّفس إلى أمر فيه لذة، وعرّفها المتأخّرون بالانفعال النّفساني، والانجذاب المخصوص بين المرء وكماله، وهذه بعض النّصوص في تعريفهم للمحبّة على سبيل المثال:
 
تعريف الحُبّ عند الرّاغب الأصفهاني:

أما الرّاغب الأصفهاني فلم يعرّفها كغيره من الأقدمين بالميل، بل عرّفها بالإرادة المخصوصة وبالإيثار إذ قال: "المحبّة: إرادة ما تراه أو تظنّه خيراً"، فهي: إرادة مخصوصة وليست مطلقة، لذا قال: "وربّما فسّرت المحبّة بالإرادة في نحو قوله تعالى: )فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا( التوبة/ 108، وليس كذلك فإنّ المحبّة أبلغ من الإرادة كما تقدّم آنفاً، فكل محبّة إرادة، وليس كل إرادة محبّة".
 
ويعني بذلك أنّ الإرادة أعم والمحبة أخص، وعرّف الرّاغب الاستحباب بالإيثار فقال: "وقوله تعالى: )إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ( التوبة/ 23، أي: إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب أن يتحرّى الإنسان في الشيء الّذي يحبّه، واقتضى تعديته بـ (على) معنى الإيثار، وعلى هذا قوله تعالى: )وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ( فصلت/ 17.
 
تعريف الحبّ عند الرّازي: 

أمّا الرّازي -رحمه الله- فقد عرّف المحبّة بالشّهوة والميل والرّغبة إذ قال: "المحبّة في الشّاهد عبارة عن الشّهوة وميل الطبّع ورغبة النّفس".
 
تعريف الحب عند القاضي عِيَاض: 

أما عند المحدثين فقد عرّف القاضي عياض - رحمه الله- المحبّة في شرحه لصحيح الإمام مسلم - رحمه الله- قائلاً: "أصل المحبّة الميل لما يوفّق المحب. ونقل في موضع آخر بعض ما قيل في حقيقة المحبّة وتعلّقها بالمحسوسات والمعقولات، ومن ذلك ما قيل في: "أن حقيقتها الميل إلى ما يوافق الإنسان، إما لاستلذاذه بإدراكه بحواسه الظاهرة، كمحبّة الأشياء الجميلة والمستلذّة والمستحسنة، أو بحاسة العقل كمحبتّه للفضلاء، وأهل المعروف والعلم، وذوي السير الحسنة، أو لمن يناله إحسان وإفضال من قبله".
 

تعريف الحُبّ عند الحافظ القرطبي:

أما الحافظ القرطبي - رحمه الله- ففي حديثه عن تنزيه الله تعالى عن الاتّصاف بالمحبّة على ظاهر معناها، وبيانه أنها مؤوّلة في حقّه تعالى، ذكر السّبب في ذلك، وهو أنّ المحبّة ميل لما فيه غرض يستكمل به الإنسان ما نقصه، وسكون لما تلتذُّ به النّفس وتكمل بحصوله.
 
تعريف الحُبّ عند القاضي عبد الجبّار:

أما المتكلّمون فقد عرّفوا المحبّة بالإرادة، فالمحبّة والإرادة والرّضا كلّها من باب واحد، قال القاضي عبد الجبّار: "اعلم أن المحبّ لو كان له بكونه محبّاً صفة سوى كونه مريداً، لوجب أن يعلمها من نفسه، أو يصل على ذلك بدليل، وفي بطلان ذلك دلالة على أنّ حال المحبّ هو حال المريد، ولذلك متى أراد الشيء أحبّه، ومتى أحبّه أراده، ولو كان أحدهما غير الآخر لامتنع كونه محبّاً لما لا يريد، أو مريداً لما لا يحب على بعض الوجوه، ولا يصحّ أن يقال إن المحبّة غير الإرادة".
 
تعريف الحُبّ في المعاجم الفلسفية:
أمّا في المعاجم الفلسفيّة فقد جاء أنّ الحبّ (وهو في الفرنسية: Amour، وفي الإنجليزية Love، وفي اللاتينية Amor)، له معنيان:
1- معنى خاص: وهو أن الحبّ عاطفة تجذب شخصاً نحو شخص من الجنس الآخر، فمصدرها الأوّل الميل الجنسي.
2- معنى عام: وهو أنّ الحبّ عاطفة يؤدي تنشيطها إلى نوع من أنواع اللذّة، ماديّة كانت أو معنويّة.
 
نخلص أخيراً إلى أن الحبَّ: هو الميل إلى الشيء السّارّ، والغرض منه إرضاء الحاجات الماديّة أو الروحيّة، وهو مترتّب على تخيّل كمال في الشيء السار أو النافع يفضي إلى انجذاب الإرادة إليه، كمحبّة العاشق لمعشوقه، والوالد لولده، وينشأ الحب عن عامل غريزي أو كسبي أو انفعالي مصحوب بالإرادة أو إرادي مصحوب بالتصوّر، والفرق بين الحبّ والرّغبة أنّ الرّغبة حالة آنيّة، أما الحبّ فهو نزوع دائم يتجلى في رغبات متتالية ومتناوبة، وفرّقوا أيضاً بين الحبّ الشّهوانيّ والعذريّ، أو الأفلاطونيّ، أما الشهوانيّ فهو: حب أنانيّ غايته نفع المحب ذاته، وأما الأفلاطونيّ أو المثاليّ أو العذريّ كما تسمّيه العرب فهو حبٌّ محض مجرّد من الشّهوة والمنفعة، ويطلق اصطلاح (الحب الخالص) على حبّ العبد لله تعالى لأجل ذات الله تعالى لا لمنفعة أو خوف أو أمل، بل لمحض ما يتصوّر فيه من الجمال والكمال التّامّين.
 
----------------------------------
[1] لمن أراد الاستزادة في موضوع (الحب) صدر للكاتب كتاب بعنوان : ( أزواج ولكن أحباب ) من إصدارات شركة الإبداع الفكري للنشر والتوزيع بالكويت, عام 2016م
[2] من المعروف أن الجسم يفرز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بـ هرمون المحبين أثناء اللقاء بينهم.
[3] انظر كتاب تهذيب اللغة للأزهري - ولسان العرب لابن منظور.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

البيت السعيد

  • قبل الزواج
  • البيت السعيد
  • لكل مشكلة حل
  • أفكار دعوية
  • أفراح بلا منكرات
  • منوعات
  • تربية الأبناء
  • دعوة الأسرة
  • الصفحة الرئيسية