صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







سلسلة : أفكار في مواجهة الإسلام
أولا : تيار الحداثة

المقال السادس : أدباء العربية وشعر الحداثة

د/ أحمد محمد زايد

 
 نقف في هذا المقال الوجيز وقفة مع أحد النقاد العرب المصريين وهو د/ كمال نشأت أستاذ الأدب العربي في الجامعات العربية، والشاعر والناقد الأدبي وهو يحلل شعر الحداثة وخطورته على اللغة والذوق بل على العروبة والدين حيث يقرر في كتابه الأخير الذي أصدرته مكتبة الأسرة بمصر تحت عنوان "شعر الحداثة في مصر" عدة أوصاف لشعر الحداثة وشعرائها في صورة شهادات حتى لبعض أدباء الحداثة والمفنونين بها، فهذا د/ عبد القادر القط يقول في شهادته على شعراء الحداثة: إن شعراء الحداثة بعيدون كل البعد عن قضايا المجتمع الذي يعيشون فيه وعن مشاكل الإنسان الذي يعيشون معه.
ويقول د/ أحمد هيكل: إن هذا الإنتاج الشعري الذي يأخذ هذه الوجهة الانغلاقية الألغازية الإبهامية قد عزل نفسه في نطاق خاص جدًّا، وهو نطاق هؤلاء الشعراء.
ومن النقاد العرب إلى شاعر من أمريكا الجنوبية ينتقد شعراء الحداثة (لتجميعهم الكلمات عشوائيًّا وفق آخر موضات باريس)
ويرى د/ كمال نشأت أن أبيات الشعر الحداثي التي يسمونها "قصيدة النثر" بتسمية أدونيس تخلو من الجمال، فهي لا ترسم لوحةً جماليةً، ولا تعكس دلالةً فنيةً مثلما نرى في الشعر الحق، ذلك أنها مكونةٌ من عناصر بعيدة لا انسجامَ بينها، أُكرِهَت على النزول في غير مواضعها فكان هذا التشتت المعيب.([1])

 قصيدة النثر تناقض حقيقتها

من الكوارث التي حلت على الأدب العربي في الفترة الأخيرة ما يسمى "قصيدة النثر" التي تتناقض في تسميتها مع حقيقتها؛ حيث يثور السؤال كيف تكون قصيدةً وكيف تكون نثرًا في آن واحد؟
 يشير الدكتور كمال نشأت إلى أن ما يسمى "قصيدة النثر" قد عرفه الأدب العربي فيما يسمى "النثر الفني" الذي كان يكتبه مصطفى صادق الرافعي ومي زيادة وأمين الريحاني وحسين عفيف، وكان هذا إبداعًا في أعلى مراتب الأدب، وهذا على خلاف ما يكتبه الحداثيون من نثر يسمونه قصيدةً وهو في حقيقته تقليد لقصيدة النثر الفرنسية، والتي مر كتَّابها بظروف قاسية شكلت حياتهم.
 
وهنا يتساءل الدكتور كمال نشأت: هل انتقل التشويه النفسي من نفس الشاعر إلى قلمه؟! ويؤكد الناقد الكبير الدكتور كمال نشأت أن ما يسمى "قصيدة النثر" يدعو إلى نفور المتلقي أو إهماله؛ بسبب استغلاقها وعبثها باللغة وتعتيمها الذي لا يسمح بنقطة ضوء تنير كهوفها المظلمة، وهو الأمر الذي حال بينها وبين الوصول المؤثر في نفس قارئها.
 
ويورد في هذا الصدد أمثلةً كثيرةً، منها: (من ضلع صحراء قد اشتدت- سما- إذ مر رضقت به حرية من وحدة ما- مخمية - صدأ يتناسل حتى فرع نقطة أبيض كمخاضة- برق فراغ ما لم يعلمه ضل- راكد كسماء في مداخلها سراب- ليس عرضةً لهدف- إنما صار- احتمل زمانه فخرج تبت إليك من إشراكه- وشيشها بجسدي- إلحاحًا لأنسي - بكلتا يديه على عرصات الهواء مسقوفًا بما اشتهى.. إلخ.
 ويعلق الدكتور كمال نشأت على الأمثلة التي أوردها، ومنها المثال السابق بأنها نوعٌ من العبثية والخروج على المعقولية؛ مما يشي بفساد الفطرة الذوقية، وهي تقليد لتعبيرات الأدب الغربي الذي لا يناسب بيئتنا ولا ثقافتنا.
 ويرى الناقد التشكيلي محمود بقشيش أن بعض الرسامين الأوروبيين استعملوا "البراز" الآدمي في رسم بعض لوحاتهم، وهذا نوع من العبث يشبه ما وصل إلى حياتنا اليومية؛ حيث نرى رءوس الشباب التي حلقوها بأشكال قبيحة مستفزة، وفي شعور النساء المنكوشة، وفي تقطيع قماش البنطلون الجينز فوق الركبتين وفي ترك رباط الحذاء مفكوكًا.. إلخ. ([2]) هذا هو شعر الحداثة في عيون النقاد وهذه هي خطورته.

 أما اللغة وكلماتها والأدب وفنونه فكما قلنا قبل ذلك إن الحداثيين نقلوا حداثة الغرب إلى بلادنا, وهي البيئة التي كانت تعج بالمتناقضات، فكان الأدب: "بابا واسعا للتعبير عن كل هذه المتناقضات، هنا في ساحة الأدب والفنون كانت ملامح الحداثة أوضح، لا لأن الحداثة مختصة بها، ولكن لأن الأدب والفنون أقرب للناس عامة، وأوسع انتشارا.([3]) لقد وجد الإنسان نفسه في أوربا وسط هذه المتناقضات، وفي البلاد العربية وبعد هزيمة 1967م وبعد أن هزم المشروع القومي، أحس جيل القوميين العرب بالهزيمة الكاملة لمشروعهم، فأخذوا يهربون من بلادهم إلى أوربا ومن لم يستطع هرب من فكره وانسلخ من هويته إلى ما يسمى بالحداثة, وفيها وجدوا الأدب مهربا لهم يعبرون فيه عن نفسياتهم المنهزمة، يقول الدكتور عدنان رضا النحوي: كان الهروب إلى الرمز ليخفي وراءه شعوره وفكره المتأزم، فظهرت الحركة (الرمزية) ([4]) في صورة انحطاطية، كما سموا أول أمرهم، وحملت الرمزية معها وقاحة التعبير واضطرابه على صورة تخلخل المعنى أو تحطمه، وأصبح الرمز هو الصنم الجديد، ثم تطورت الرمزية إلى بعد أعمق في الغموض، فكانت الحركة (الانطباعية) ([5]) التي تلجأ إلى أسلوب تعبر به عن الانطباع الموحد للمعنى في اللون أو الضوء، إنهم يعتقدون أن الأشياء ذاتها تتحطم وتزول، فليست هي المهمة ولكنها تترك آثارها وانطباعها، فهم يرون ضرورة إحياء قوة اللون كتجربة حضارية، وقد مثلت هاتان الحركتان (الرمزية والانطباعية) بداية الهجوم على اللغة، وهي تحاول التخلص من جزئيات اللغة كالحروف.
ثم ظهرت الحركة (المستقبلية) في إيطاليا 19.5 م لتوغل في الغموض والاضطراب، حيث أعلن أصحابها أنهم سيبتكرون (الخيال اللاسلكي) الذي سيتمخض عن توليف متجانس لعناصر الكون التي يمكن احتواؤها بنظرة خاطفة، وضع "مارينيتي" في مقدمة كتابه المسمى"زانك تم تم" عنوانا هو: تحطيم النحو – خيال لاسلكي – كلمات حرة" فكانت من أشد الحركات تحطيما للغة، ودعو إلى الشعر الحر والكلمة الحرة المتفلتة من معانيها وقواعدها، ولتتحول إلى مقاطع صوتية غامضة هيستيرية مثل (سي سي سي سي سي سي) ثم تتحول الكلمات إلى رموز رياضية ( +-+-+-+-x) هذا في إيطاليا، وفي روسيا كانت التعبيرات في منتهى الغموض والعبث اعتمدت الحركة الكلمات الصوتية مثل الحركة في أوربا مثل قصيدة  دربل إشكل، ابشكر, سكم، مي سوبو, رل ينر" مقاطع صوتية لا معنى لها في أي لغة، ولكن هذه المدرسة مع كل عجائبها وحربها على التراث والدين واللغة، حاربت الرمزيين، وأصدرت هذه الحركة بيانها سنة 1912م وأسموه (صفعة في وجه الذوق العام) وجعلت همها غسل الكلمات وتطهيرها من طلاء التراث الأدبي، وهذه المهمة دعا إليها أدونيس وكمال أبو أديب من رجال الحداثة في إجماع يدور كله مهما اختلف اللفظ، حول قول أحدهم "إن الشاعر يحرر الكلمة من معانيها ومما علق بها من غبار السنين فيطهرها ويغسلها " ويقول أدونيس في كتابه (مقدمة في الشعر العربي): "يصبح الشعر في هذه الحالة ثورة مستمرة على اللغة"... إجماع حداثي واضح على حرب اللغة والمعاني والتراث، ويلتقي من أجل ذلك حداثيو العالم الإسلامي مع حداثيي أوربا، في ساحة واحدة، وفي تبعية ذليلة وتقليد مهين، ليرسموا خصائص واحدة للحداثة. ([6])

عرضنا في مقالاتنا السابقة  أبرز مبادئ الحداثة عرضناها وبينا بنظرة نقدية مدي التخبط والعبث، والعداء والحقد على اللغة والتراث والدين، والجرأة على ثوابت الأمة وإجماعاتها، وهكذا "كانت الحداثة وصمةً في جبين الأدب العربي، خاصةً بعد أن كشفت الباحثة الإنجليزية فرانسيس ستوز سوندرز أن المخابرات الأمريكية كانت وراء محاولات نشر الحداثة وتمويل مجلتي "شعر" و"حوار"([7]) وكلتاهما لسان حال الحداثيين في مجال اللغة والشعر والأدب.
 

د/ أحمد محمد زايد
جامعة الأزهر –كلية أصول الدين – قسم الدعوة والثقافة الإسلامية .
جامعة الملك خالد  -كلية الشريعة  وأصول الدين – قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة.
ث-     azayd@hotmail.com
ahmadzayd@yahoo.com
 

----------------------------------------
([1]) من عرض أ/ عمرو محمود لكتاب ( شعر الحداثة في مصر ) للدكتور / كمال نشأت منشور في موقع إخوان أون لاين بتاريخ 15/9/2..5 م www.ikhwanonline.com
([2]) السابق نفس المقال.
([3]) تقويم نظرية الحداثة ص99.
([4]) الرمزية مذهب أدبي فلسفي ملحد، يعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة بواسطة الرمز أو الإشارة أو التلميح. - والرمز معناه الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها أو لا يراد التعبير عنها مباشرة. - ولا تخلو الرمزية من مضامين فكرية واجتماعية، تدعو إلى التحلل من القيم الدينية والخلقية، بل تتمرد عليها؛ متسترة بالرمز والإشارة. - وتعد الرمزية الأساس المؤثر في مذهب الحداثة الفكري والأدبي الذي خلفه. انظر/ الموسوعة الميسرة ( 2/874)
([5]) الانطباعية هي: الانطباعية مذهب(*) أدبي فني، ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، وهو يعتبر الإحساس، والانطباع الشخصي الأساس في التعبير الفني والأدبي، لا المفهوم العقلاني للأمور. ويرجع ذلك إلى أن أي عمل فني بحث لابد أن يمر بنفس الفنان أولاً، وعملية المرور هذه هي التي توحي بالانطباع أو التأثير الذي يدفع الفنان إلى التعبير عنه. انظر/ الموسوعة الميسرة (2/895).
([6]) نظرية تقويم الحداثة ص 99 – 1.2 بتصرف واختصار.
([7]) عرض عمرو محمود لكتاب "شعر الحداثة في مصر" مصدر سابق.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مذاهب فكرية

  • كتب حول العلمانية
  • مقالات حول العلمانية
  • الليبرالية
  • الحداثة
  • منوعات
  • رجال تحت المجهر
  • الصفحة الرئيسية