صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هل الحرب على النقاب أم على الإسلام

سعد عطية فياض

 
(1) حجة فرعون وشريعة قوم لوط
لقد حكى الله تعالى – في كتابه - مشاهد معركة الحق والباطل المتكررة في كل عصر .. تختلف الصور وتبقى الحقائق ؛ حتى يتعجب المؤمن من تطابق الجاهلية في أسسها ومبادئها ونفسيتها وأساليبها ومراحلها وتجبرها فلا يزيده هذا إلا يقيناً في نهايتها ليبقى من تأخر من المؤمنين بعدها يتعجبون من زوالها أسرع مما كانوا يظنون ويغبطون السابقين الذين استجلبوا بصبرهم وبذلهم سنن الله في الظالمين ..

مشهد حجة فرعون:
ومن هذه المشاهد مشهد مؤمن آل فرعون وقد أعلن عن إيمانه وحاجج عن دينه ورأى أن الصدع بكلمة الحق في ملأ فرعون أرضى لله من حفاظه على نفسه ، فقام يعرض الدلائل والحجج مما يستبين به الحق لأمثالهم ،وهو مشهد من مشاهد معركة الحجة والبيان ، ويحكي لنا الله كيف أن فرعون لما أذهله منطق الإيمان وخشي على ملئه أن تجد حلاوة الإيمان سبيلاً لقلوبهم كشف عن وجه الجاهلية الحقيقي فإذا هو كالحٌ قبيحٌ؛ فالملأ ليس ليُستشار وصفوة العقول التي جمعها حوله ليست للانتفاع بفهمها ورأيها ، وأما الحجج فلا تُناقش – في منطقه - بالحجج ، والدلائل لا يُرد عليها بمثلها.. ولكن حجته الدامغة الساطعة هي أن ما يقوله هو... هو الحق، وهو لا يهدي إلا (سبيل الرشاد) وليس لأحد أن يرى إلا ما يراه فرعون لهم..!! ...
يقول صاحب التحرير والتنوير: (تفطن فرعون إلى أنه المعرض به في خطاب الرجل المؤمن إلى قومه فقاطع كلامه وبين سبب عزمه على قتل موسى عليه السلام بأنه ما عرض عليهم ذلك إلا لأنه لا يرى نفعا إلا في قتل موسى ولا يستصوب غير ذلك ويرى ذلك هو سبيل الرشاد، وكأنه أراد ألا يترك لنصيحة مؤمنهم مدخلا إلى نفوس ملئه خيفةً أن يتأثروا بنصحه فلا يساعدوا فرعون على قتل موسى...)
فحجته كما يقول الشيخ سيد قطب – رحمه الله - : (إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابا ، وأعتقده نافعا . وإنه لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال!..
وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب؟! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون؟! وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأيا؟ وإلا فلم كانوا طغاة؟!!)
ولقد قدم سبحانه هذا المشهد بقوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) فكأن هذا المنطق وهذه الحجة هي حجة كل متكبر طاغية نسي يوم القيامة والعرض على الله العزيز القهار...
يقول سبحانه وتعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)}
ولقد حكى سبحانه مثل هذه الحجة عن المنافقين ولكن بما يُناسبهم من ألفاظٍ فذكر أنهم يقولون: {إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا }
ففرعون لايهدي إلا للرشاد والمنافقون لا يريدون إلا الإحسان والتوفيق ، أما أهل الإيمان فهم (وإن لم يظهر منهم فساد ) يُخاف أن يُظهروا في الأرض الفساد !!
أليس هذا هو مشهد الحرب على النقاب ومن قبله الحرب على الختان ومعه الجدار والحصار وتصدير الغاز واتفاقية المثلية الجنسية ..؟!
ألم يخرج المدعو (رئيس جامعة القاهرة) ليصف ويُقرر أن (النقاب تخلف) ؟!
وهل يستطيع هذا العلماني أن يحاجج عن نفسه ؟!
وهل استطاع منظرو العلمانية البالية أن ينصروا أصول علمانيتهم المعوجة يوماً في مناظرة مع علماء الصحوة - اللهم إلا في حروبهم الخيالية مع طواحين الهواء في أفلامهم وكتاباتهم - ؟! ..
هذا – إذاً- هو الوجه الحقيقي للعلمانية في أوطاننا..
ومن نافلة القول أن نقول أنهم يتشدقون أن الإسلاميين إذا حكموا فسيفرضون آرائهم ويلزمون الناس بها ، وهذا صحيح..!!
ولكن الفارق أن الإسلام يفرض حكم الله وليس آراء البشر ، وأن الإسلام يفرض الحق وهو يستدل له بأدلة لا يقوى الباطل أن يجد حجةً ضدها ، وأن الإسلام يفرض الطهر والعفة والستر..
أما الجاهلية فتفرض أهواءها ، وليس لها حجة إلا حجة فرعون (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) ، ولا تفرض إلا الخنا والعهر والعُري..
هذا هو الفارق ،فنتيجة فرض الإسلام حكم الله على الأرض هو مرضاة الله وبركاتٍ في الرزق والعيش ، أما نتيجة فرض الجاهلية لرأيها كما قال تعالى: **وأضل فرعون قومه وما هدى}...

فهو - إذاً - الإضلال باسم الإرشاد!! وهو التخلف باسم العلم ! وهو الغش بدعوى منع الغش!!
فمسلكهم كما ذكره ابن كثير هو مسلك من غش رعيته وخانهم ،يقول – رحمه الله - : (فقوله: **ما أريكم إلا ما أرى } كذب فيه وافترى، وخان الله ورسوله ورعيته، فغشهم وما نصحهم وكذا قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } أي: وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك، وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه، قال الله تعالى: **فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد } [هود: 97]، وقال تعالى: **وأضل فرعون قومه وما هدى } [طه: 79]، وفي الحديث: \"ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام\" (رواه البخاري في صحيحه برقم (7150، 7151) ومسلم في صحيحه برقم (142) بنحوه من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه) )
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله - : (فلو أمرهم باتباعه اتباعا مجردا على كفره وضلاله، لكان الشر أهون، ولكنه أمرهم باتباعه، وزعم أن في اتباعه اتباع الحق وفي اتباع الحق اتباع الضلال)

مشهد شريعة قوم لوط:
أما المشهد المكمل لحجة فرعون فهو شريعة قوم لوطٍ وجوابهم على التخويف بالله وبعذابه قال تعالى (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)
وهو نفسه قول قوم شعيب قال تعالى : **قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم}
وهو ما حكاه الله عن كفار مكة **وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا}
فمكر الجاهلية بالمؤمنين ليس فيه ديمقراطية ولا حرية رأي ولا جدالٌ أو مناظرة ولكنه كما قال تعالى :**وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}
فهم كما قال صاحب التحرير: ( أرادوا الاستراحة من إنكاره (لوط عليه السلام) عليهم شأن من يشعرون بفساد حالهم، الممنوعين بشهواتهم عن الإقلاع عن سيئاتهم، المصممين على مداومة ذنوبهم، فإن صدورهم تضيق عن تحمل الموعظة ، وأسماعهم تصم لقبولها ولم يزل من شأن المنغمسين في الهوى تجهم حلول من لا يشاركهم بينهم)..
أوليس هذا منطق العلمانيين وفعلهم ..؟!
ألم يتنادوا أن اطردوا المنتقبات من الجامعات والمدارس والمستشفيات والهيئات الحكومية..؟!
ألم يتنادوا أن أخرسوا أصوات الدعاة وأخرجوها فإنها من (وارد الخارج) ..؟!
ألم تخرج من فلتات ألسنتهم بل وصريح بيانهم الكراهية والضيق لرؤية حجاب الطهر والعفة ؟!
وماذا في طهر حجاب المؤمنات لتكرهوه إلا الطهر والعفاف والفضيلة ..؟!
يقول الشعرواي في تفسيره : ( فهل التطهر عيب! لا ، لكنهم عاشوا في النجاسة وألفوها ، ويرفضون الخروج منها ، لذلك كرهوا التطهر . والمثال على ذلك حين نجد شابا يريد أن ينضم إلى صداقة جماعة في مثل عمره ، لكنه وجدهم يشربون الخمور ، فنصحهم بالابتعاد عنه ، ووجدهم يغازلون النساء فحذرهم من مغبة الخوض في أعراض الناس ، لكن جماعة الأصدقاء كرهت وجوده بينهم لأنه لم يألف الفساد فيقولون : لنبتعد عن هذا المستقيم المتزهد المتقشف ، وكأن هذه الصفات صارت سبة في نظر أصحاب المزاج المنحرف ، مثلهم مثل الحيوان الذي يحيا في القذارة ، وإن خرج إلى النظافة يموت )
فما هو الحل - في شريعتهم - مع (جريمة التطهر) ؟! يُتابع فيقول : (إذن : أخرجوهم ، لا لأنهم أهل نجاسة ومعصية ، إنما لأنهم أناس يتطهرون ، فالطهارة والعفة جريمتهم التي يخرجون من أجلها!! كما تقول : لا عيب في فلان إلا أنه كريم ، أو تقول : لا كرامة في فلان إلا أنه لص . فهذه - إذن - صفة لا تمدح ، وتلك صفة لا تذم .
لقد قلب هؤلاء الموازين ، وخالفوا الطبيعة السوية بهذه الأحكام الفاسدة التي تدل على فساد الطباع ، وأي فساد بعد أن قلبوا المعايير ، فكرهوا ما يجب أن يحب ، وأحبوا ما يجب أن يكره؟ .)

فهو إذاً موقفٌ موحد للجاهلية اتجاه الطهر والمتطهرين أياً كانت صورته أو هيئته يكفي فقط أنه (طهر) ، يقول صاحب التحرير: (والتطهر تكلف الطهارة. وحقيقتها النظافة، وتطلق الطهارة مجازا على تزكية النفس والحذر من الرذائل وهي المراد هنا، وتلك صفة كمال، لكن القوم لما تمردوا على الفسوق كانوا يعدون الكمال منافرا لطباعهم، فلا يطيقون معاشرة أهل الكمال، ويذمون ما لهم من الكمالات فيسمونها ثقلا، ولذا وصفوا تنزه لوط عليه السلام وآله تطهرا، بصيغة التكلف والتصنع، ويجوز أن يكون حكاية لما في كلامهم من التهكم بلوط عليه السلام وآله، وهذا من قلب الحقائق لأجل مشايعة العوائد الذميمة، وأهل المجون والاخلاع، يسمون المتعفف عن سيرتهم بالتائب أو نحو ذلك، فقولهم **إنهم أناس يتطهرون} قصدوا به ذمهم)
يقول الشيخ سيد قطب – رحمه الله - : (ولكن لماذا العجب؟ وماذا تصنع الجاهلية الحديثة؟ أليست تطارد الذين يتطهرون ، فلا ينغمسون في الوحل الذي تنغمس فيه مجتمعات الجاهلية - وتسميه تقدمية وتحطيما للأغلال عن المرأة وغير المرأة - أليست تطاردهم في أرزاقهم وأنفسهم وأموالهم وأفكارهم وتصوراتهم كذلك؛ ولا تطيق أن تراهم يتطهرون؛ لأنها لا تتسع ولا ترحب إلا بالملوثين الدنسين القذرين؟! إنه منطق الجاهلية في كل حين!!)

فماذا حاق بالقوم الظالمين؟!:
وكما حكى الله مشاهد الصراع بيَّن سننه – سبحانه - الجارية في كل من انحاز لسبيل المجرمين وسار على نهج الطغاة الظالمين ...
فليجتهد كل ظالم في ظلمه فإنه مصيبه من وعد الله وغضبه وعذابه قدر ما يطلبه لنفسه ..ويستحقه بفعله ..
ولا يظنن أحد أن الوعيد للكافرين فقط ، بل هو في حق كل ظالم وطاغية أيضاً ، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)

فلينتظر الظالمين وعيد الله فيهم وليعمل المتطهرون لوعد الله لهم..
قال تعالى : {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}
وقال تعالى : {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}
وقال تعالى : {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها}
وقال تعالى : {وخاب كل جبار عنيد}
فليتجبر من شاء أن يتجبر وليُقارع الدليل والرأي والحجة بالقهر والبطش والتكبر ..
وليزد في تجبره ليشمل بقية المتطهرين المؤمنين..
وليجمع جنده ويتباهي في سطوته ويتفاخر بتجبره وليجمع كل قوته لعله يدرك المؤمنين ويسحقهم فإن سنة الله الجارية باقية ،وليكونن لمن بعده آية..
وغداً نرى أي الوعدين أصدق ..وعد الله للمؤمنين أم وعود الشيطان للظالمين..؟!!

والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

(يُتبع إن شاء الله)
 



(2) (المؤسسة الدينية) عندما تصبح ( قنطرة العلمانية )
هل الحرب على النقاب أم على الإسلام؟! :


هل – حقاً – المقصود بالمعركة - الحالية - هو النقاب فقط؟!!

وهل – حقاً – المشكلة مع النقاب مسألة فقهية ؟!!

أم أن معركة العلمانية تشمل كل ثوابت الدين ومقدسات الإسلام ابتداءً بأركانه ، يقول د . أحمد إدريس الطعان في ( مآل الإسلام في القراءات العلمانية) :( فالشهادتان في الدين العلماني الجديد ليس لهما مدلول إيماني لأنه \" في حقيقة الأمر وطبقاً لمقتضيات العصر لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما، إنما تعني الشهادة على العصر ... ليست الشهادتان إذن إعلاناً لفظياً عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ \" ([1]) .
أما الجزء الثاني من الشهادة فليس من الإسلام لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان ([2]) .
والصلاة مسألة شخصية ([3])، وليست واجبة ([4])، وفرضت أصلاً لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد ([5])، وتغني عنها رياضة اليوغا وهو ما غفل عنه الفقهاء ([6]).
والزكاة أيضاً ليست واجبة وإنما هي اختيارية ( [7])، كما أنها لا تؤدي الغرض لأنها تراعي معهود العرب في حياتهم التي كانوا عليها \" فهي تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة ... ولم توضع للحد من الثروات الكبيرة القائمة على الربح المرتفع ، فهذه لم تكن معهود العرب زمن النبوة ... ولذلك فالزكاة وحدها لا يمكن أن تنال شيئاً من الفوارق الطبقية الكبيرة لأنها وضعت أصلاً لمجتمع ليس فيه مثل هذه الفوارق الطبقية الكبيرة \" ([8]). إن الزكاة مقدمة يحثنا فيها الإسلام على الوصول إلى الشيوعية المطلقة ([9]).
والصوم كذلك ليس فرضاً وإنما هو للتخيير ([10])، وهو مفروض على العربي فقط، لأنه مشروط بالبيئـة العربية ولذلك فالصوم بالنسبة للمسلم غير العربي مـجرد دلالـة وعبرة دينية ( ([11]. بل إن الصوم يحرم على المسلمين في العصر الحاضر لأنه يقلل الإنتاج ([12]).
أما الحج كذلك فهو من الطقوس الوثنية الميثية العربية القديمة التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب ([13])وما هو إلا تعبير عن الحنين إلى أسطورة العود الأبدي ([14])، وإعادة إحياء لتلك التجربة الجنسية الدينية المقدسة التي تمت بين آدم وحواء، والحج العربي العاري في الجاهلية يؤكد المشاركة في الجنس بين الألوهية والبشر ([15]). كما أن تحويل القبلة والحج تعبير عن الرغبة في تعريب الإسلام وتأكيد عروبيته ( [16]).................. إن \" الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها \"([17])، \"\" أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداء من حسابات الحاضر
\" ([18]). أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق ([19]) وأما الوطء فهو تعبير عن عقلية ذكورية جامحة إلى السيطرة ([20]) )

فهي حرب إذن تشمل كل ثوابت الدين ومحكماته ، وإنما الحرب على النقاب جزء من هذه المنظومة

حقيقة العلمانية وأصناف العلمانيين:


والعلمانية من حيث المعنى: لا علاقة لها بالعلم ولكنها حرب على الدين وتعاملٌ معه على أنه موروث بشري يجب نبذه عن الحكم والحياة ،ينقل الشيخ محمد قطب عن دائرة المعارف البريطانية في تعريف كلمة (( Secularism )): (( هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحيـاة الدنيا وحدها . ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر. ومـن أجـل مـقاومة هـذه الرغـبة طـفقت الـ (( Secularism )) تعرض نفسها من خلال تنمية النـزعة الإنسانية ، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية البشرية ، وبإمكانية تحقيق طموحاتهم في هذه الحياة القريبة . وظل الاتجاه إلى الـ ((Secularism )) يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية)) (1).)

ويقول الشيخ سفر د.الحوالي: (والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو \" فصل الدين عن الدولة \" ، وهو في الحقيقة لا يعطى المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة ، ولو قيل أنها \" فصل الدين عن الحياة \" لكان أصوب ، ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية \" إقامة الحياة على غير الدين \" سواء بالنسبة للأمة أو للفرد )

ويقول الشيخ د.صلاح الصاوي: (وعلى هذا فإن المعنى الصحيح لهذا التعبير هو الفصل بين الدين والدولة، بل بتعبير أدق الفصل بين الدين والحياة، وعدم المبالاة بالدين أو الاعتبارات الدينية، ونزع القداسة عن المقررات الدينية والتعامل معها كمواريث بشرية بحتة وقصر الدين على جانب الشعائر التعبدية الفردية البحتة باعتباره علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه)

والعلمانية كأيديولوجية نشأت كثورة على تسلط الكنيسة وصلت للثورة على كل ما يُنسب للدين وهي ما تم نقله إلى بلاد المسلمين على صورتين كما يقول الشيخ محمد شاكر الشريف: (للعلمانية صورتان ، كل صورة منهما أقبح من الأخرى :
الصورة الأولى : العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية : وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ، ولا تعترف بشيء من ذلك ، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها ، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين ، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه ، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف ) ، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب ، أو السجن أو القتل .

الصورة الثانية : العلمانية غير الملحدة ([21]) وهي علمانية لا تنكر وجود الله ، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا ، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا ، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين ، فعدم إنكارها لوجود الله ، وعدم ظهور محاربتها للتدين ([22]) يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين ، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية ، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك .
ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم ، تحارب الدين حقيقة ، وتحارب الدعاة إلى الله ، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين ؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى ، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين ، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين .
ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى ، أو ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر الإسلام ، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور)

وأما على أرض الواقع فالعلمانية بشقيها الملحد وغير الملحد يقاتلان بصورة تكاملية تتفق على أصل الثورة على مرجعية الشريعة - حتى بصورتها غير الملحدة - وغاية ما تصل إليه هو ذكر الكلمات الإسلامية لتفريغها من حقيقتها ومضمونها ، كما ينقل د.أحمد إدريس الطعان عن أحدهم : (القرآن كتاب هداية وإقحامه في كل أمورنا الحياتية ليست من تخصصه إنه ليس كتاباً في الطب والفيزياء ([23]))فأثبت له الهداية ورفض الاهتداء به في كل نواحي الحياة..

قنطرة العلمانية:

بعد هذه المقدمة عن حقيقة العلمانية وتعاملها مع المرجعية الدينية ، نقف عند حربها على النقاب ومن قبله على الختان والدور الذي لعبته المؤسسات الدينية التابعة لها والتي تضفي الشرعية على ما يسميه (علي جمعة) بـ (التجربة المصرية) الفريدة من نوعها والتي ينص في إحدى فتاويه أنها تطبق الشريعة بنسبة تزيد عن 90% ...

وهذه الصورة التي تذكرنا ببدايات إدخال العلمانية في مصر كما يقول د.سليمان الخراشي في (العصرانية قنطرة العلمانية) : ((وخير مثال لهذه الحال: مجتمع مصر في القرنين الأخيرين، حيث سلط عليه الأعداء الغزو العسكري([24]) والغزو الفكري في سبيل صرفه عن دينه، لكنهم باؤا بالفشل ولم يحققوا نجاحاً يذكر يوازي ما قاموا به من الجهود؛ نظراً لارتباط الشعب المصري بعلمائه الشرعيين الممثلين في الأزهر؛ حيث كانوا حصناً منيعاً أمام جهود الأعداء التغريبية([25]) .
لكن الأعداء لم ييأسوا أو يملوا وهم يرون ضياع جهودهم وفشلهم، وإنما لجأوا إلى خطة أكثر مكراً، وأشد ضررًا، وهي تكرار محاولة الغزو للمجتمع المصري بواجهة إسلامية (مخدوعة) يتقبل الشعب المسلم اطروحاتها وأفكارها التغريبية دون نفرة أو استيحاش؛ يخلخلون بها وحدة المجتمع المصري المسلم؛ بتهييجه على ولاة أمره، إضافة إلى صرفه عن العلماء الكبار الراسخين الذين يصعب تطويعهم. وقد تم لهم ذلك من خلال ما يسمى (بالعصرانيين) أتباع مدرسة الأفغاني ومحمد عبده الذين ظنوا بجهلهم أنهم يخدمون الإسلام والدعوة بصنيعهم هذا، ويوفقون بين أحكام الشريعة ومتطلبات العصر –زعموا !- ولكنهم أصبحوا فيما بعد كما قال ألبرت حوراني: \"قنطرة للعلمانية عبرت عليها إلى العالم الإسلامي؛ لتحتل المواقع واحداً تلو الآخر\". ثم كان مصير أفراد هذه الطائفة العصرانية الخاسرة مصير أي وسيلة استخدمت فاستنفذت أغراضها، حيث (تمندل) ([26]) بهم الأعداء قليلاً ثم رموا بهم. فمنهم من مات بحسرته جراء ما جناه على مجتمعه، ومنهم من انحاز إلى الصف العلماني وكشف عن حقيقته، وقلة منهم أحست بخطورة دورها الذي قامت به فأرادت أن تُكَفّر عن سيئاتها بانحيازها ر ويدًا رويدًا إلى أهل الإسلام. ولكن بقيت تجربتهم جميعاً عبرة للمعتبرين وآية للمتوسمين .)

وقفات مهمة:


ولنا مع هذا المسلك من المؤسسات الدينية في الحرب العلمانية - الحالية - على النقاب وقفات،منها:

1-هذا المسلك ليس كافياً ليكون مقياساً عن ضعف العلمانيين أو قوتهم ولكنه يؤكد فشل (العلمانية) كمذهب تجتهد جميع وسائل الإعلام والتعليم لترسيخه حتى أنهم قاموا بإلغاء مادة التربية الدينية باستدلالات علمانية صرفة ، ومع ذلك حاولوا التمهيد أو انتهاز الفرصة للاحتماء في المؤسسات الدينية التابعة لهم ..

2-كما ذكرنا من تجربة محمد عبده وغيره يظهر أن هذا المسلك هو مقدمة لمرحلة جديدة ،فكل مرحلة هجوم على الثوابت ومحاولة الانتقال بالأمة لوضع أسوأ، يحتاجون في بدايتها لهذا المسلك..

3-أن هذا المسلك نابع من فهمهم الجيد لعقليات ونفسيات المجتمع وما يتقبله وما لا يتقبله ، فهم لا يُقامرون على الجدال الفقهي على فتاوى ذويهم ولكنهم يكتفون بها كتوطئة فإذا ناقشتهم قالوا : (نحن لسنا رجال دين ، اذهبوا وناقشوا رجال الدين) ، فما يجب أن نقف عليه هنا هو أهمية دراسة المسالك التي يستخدمونها في التعامل مع المجتمع، والتعامل معها بما يناسبها ويناسب خطورة دورها..

4-الاستفادة من هذه الملحوظات وأشباهها في معرفة ما يخاف العلمانيون منه ويتحاشونه على ضوء ما ذكرناه من فهمهم الجيد لعقلية ونفسية المجتمع ،ووضع الوسائل المضادة لخططهم على ضوئه ،وهو هنا الحرص على عدم إظهار المعركة أنها بين العلمانية والإسلام لأنه يؤدي مباشرة إلى تهميش مؤسساتهم الدينية واحتشاد الأمة حول الصحوة بل وإضفاء الشرعية عليها وإعطاء أبعاد للتضحياتها ، وهو ما تهدف كثير من خططهم لمنعه

5-الوقوف على خطورة المؤسسات الدينية بصورتها الجديدة في الحرب العلمانية والانتباه إلى أنها ستظل حائط الصد ورأس الحربة للعلمانيين في تمرير مخططاتهم،ولعل من أسباب هذا الاتجاه الجديد تراجع وضعف عدد من المناهج الفكرية التي كانت تصب في العلمانية كفكرة كالشيوعية والقومية ، بالإضافة إلى زيادة الخدمات التي تقدمها العلمانية لأعداء الأمة مما يجعلها في حاجة لتأمين الشرعية. وعلى ضوء هذا فيجب إعادة جدولة اهتمامات ومعارك الصحوة الإسلامية وأساليبها في التعامل مع بعض الرموز الدينية كعلي جمعة ورموز العلمانية والربط بينهم بدلائل قوية ..

6- خطأ التعامل مع قضية النقاب منبتاً عن هذا التصور الشامل للأحداث ، وأهمية فهمه ضمن منظومة تغريب المرأة ومخططات العلمانيين للمرحلة القادمة ووضع الوسائل على ضوء هذا الفهم الشامل وانتظام الحلول الجزئية (كبيان فتوى علي جمعة وسيد طنطاوي السابقة أو بيان حكم النقاب) ضمن حلول أكثر شمولية تبدأ بإصلاح الداخل وتهيئته لمواجهة المرحلة القادمة
(يُتبع إن شاء الله)
 



(3) معركة الثبات بين الجاهلية والإيمان


العلمانية باعتبارها جاهلية في الحكم والتشريع وجاهلية في الأخلاق والقيم وباعتبارها ثورة على الدين والتدين ، مثلها مثل الجاهليات السابقة تتشابه في استدلالاتها وألفاظها وتطرفها ، ولكن من أكثر ما أوضحته الحملة المسعورة على العفة والطهارة هو ما يمكن أن نطلق عليه – إن صح التعبير – المبدئية والتطرف في الثبات على تعاليم الجاهلية وأسسها ويظهر ذلك في ثلاث صور:

الصورة الأولى: التكاتف والتعاضد بين أفرادها في المعركة وشعارهم هو شعار الجاهلية (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً):

فنجد أن (علي جمعة) المعروف عنه استهانته بـ (طنطاوي) يؤازره ، ونجد أن رئيس جامعة عين شمس الذي يحمل وزر بقية الجامعات التي تبعته تتم مكافئته وترقيته بصورة مفاجئة

ونجد أن بقية الجامعات تكاتفت وخاضت المعركة مجتمعة فدخلت جامعة القاهرة وحلوان وبنها والمنصورة والزقازيق وكفر الشيخ والفيوم وتم تبني الأمر من الوزراء ، وعندما سهى أحدهم وهو عميد دار علوم وصرح أنه سيسمح بالكمامة بدل النقاب اضطر ليثبت ولاءه لمزيد خسه ودناءة فتجرأ على الطاهرات فهاجم أختاً وقال لها \"غوري في داهية \" و \"إيه الزفت اللي على وشك ده\" ..بل ونزع بيده نقابها ،وعلق لافتات بمنع الدخول بالكمامة ..

ثم جاء رئيس جامعة الفيوم وزاد وصرح بمنع المدرسات المنتقبات من دخول المحاضرات ، والذي تتابعت التصريحات بمفاده

ثم خرجت المؤسسات الصهيونية الأمريكية لتشن هي الأخرى حرباً شرسة على كلية أمريكية تراجعت عن حظر النقاب محتجة بالجامعات المصرية فكأنها بمعنى آخر تخاف أن يستغل ذلك في الاحتجاج على هذه الجامعات ، فهو تواصي وتكاتف بين الجاهلية في كل مكان ..

أليس هذا هو مسلك الجاهليات في كل زمانٍ ومكان..؟
ألم يذكر سبحانه أن الظالمين بعضهم أولياء بعض فقال سبحانه وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وقال: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
يقول القرطبي : ({وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض} أي أصدقاء وأنصار وأحباب. قال ابن عباس: يريد أن المنافقين أولياء اليهود) ويقول ابن كثير : (وماذا تغني عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا، فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا)

وذكر سبحانه أن الكافرين أولياء بعض فقال سبحانه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)

بل اليهود والنصارى مع ما بينهم من عداوة بعضهم أولياء بعض ، قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)

وهذا الرابطة ليست قاصرة على شياطين الإنس بل تربطهم كذلك مع شياطين الجن ، قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ،وقال سبحانه فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)

وهذا الرابطة تتجاوز وتتغاضى عن أي حقائق أو خلافات ولو كانت في أصل مايدعون الاعتقاد به حتى يصل الأمر بأهل الكتاب أن يشهدوا أن عباد الأصنام والأوثان أهدى من النبي – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين معه ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا)

وهذه الولاية والرابطة تزيد عندما يشعرون بوقع المعركة فيتنادون بالصبر والتكاتف ويلوحون بالتهديد لكل من يتقاعس ،يقول تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)

وهي رابطة تُغذيها الوعود بالنصر والرفعة والجاه والسلطان لضمان استمرارية وقوة هذه الرابطة ، قال تعالى : (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا)

ولكن الله – عز وجل – يطمئن المؤمنين أن هذه الرابطة وإن رآها المؤمنون متشابكة مترابطة فهي واهية كبيت العنكبوت خيوطه متشابكة ومترابطة ولكنها واهية ، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

وفي مقابلها يأمر الله سبحانه المؤمنين بمزيد إخلاص وتوحيد في ولايتهم له سبحانه، إذ هي السبيل الوحيد لإبطال كيد الظالمين أما من تدعوه نفسه ويميل بهواه إلى الركون للظالمين والتماس القرب والرحمة منهم فقد عرض نفسه للعذاب في الدنيا والآخرة ، يقول تعالى : (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، ويعدهم - إن فعلوا ذلك - بالغلبة ،فيقول تعالى : {ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فإن حزب الله هم الغالبون}

الصورة الثانية : التشدد في التنفيذ والصبر طلباً للنصر:

وتأمل هذه الأخبار:
- (جامعة المنصورة تتجاهل الحكم القضائي لصالح\"المنتقبات\" وتواصل إجبار الطالبات علي خلع النقاب داخل الامتحانات وعلقت الكليات لافتات تؤكد علي منع دخول المنتقبات اللجان)
- ( أكد الدكتور محمد صفوت زهران رئيس جامعة بنها ، إن الطالبات المنتقبات التزمن بقرار مجلس الجامعة بحظر ارتداء النقاب خلال امتحانات الفصل الدراسي الأول ، مشددا على أنه لا تهاون مع المقصرين وغير الملتزمين خلال الامتحانات ،و إحالة أي مخالف إلى التحقيق)
- (أما نائب رئيس جامعة بنها د. شمس الدين فصرح : منع المنتقبات من دخول الجامعة \"مش هزار\".، وأكد أنه سيطبق على جميع أعضاء هيئة التدريس والعاملين، وسيتم منع ارتداء النقاب نهائياً داخل الحرم الجامعى)
- ( بجامعة الفيوم حيث اصدر الدكتور خليل عبد العال خليل عميد كلية دار العلوم قرارا بمنع حصول اى طالبة منتقبة على ورقتى الاسئلة والاجابة الا بعد رفع النقاب نهائيا ونص القرار على عدم السماح للمنتقبة بدخول الامتحان من الاساس
و اصدرت ادارة الجامعة قرارا بمنع اى ملاحظة منتقبة من الاشراف على الامتحانات)
- ( قام الدكتور عادل زايد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون التعليم والطلاب، أمس بجولة صباحية مفاجئة فى لجان امتحانات بعض الكليات التى تجرى بها الامتحانات، خاصة فى كليات دار العلوم والاقتصاد والعلوم السياسية والزراعة والعلوم.
واستهدفت جولة نائب رئيس الجامعة الطالبات المنتقبات داخل اللجان، للتأكد من عدم ارتدائهن الكمامات الطبية، وأصر على نزع الطالبات الكمامات التى يرتدينها، كشرط استمرارهن فى أداء الامتحان.
وعلقت الجامعة منشورات فى الكليات، من بينها ١٥ منشورا فى كلية دار العلوم وحدها، تحذر من ارتداء النقاب أو الكمامات الطبية أثناء أداء الامتحانات)
- (طرد 15 طالبة منتقبة من لجنة الإمتحان رفضن خلع الكمامة الطبية أمام نائب رئيس الجامعة)
- (فى الوقت نفسه قرر الدكتور محمد الخليلي نائب رئيس الجامعة طرد موظفين بالكلية من فى الفترة المسائية بسبب وجود طالبة منتقبة داخل اللجنة)
- (أرسل اليوم د.حسام كامل رئيس جامعة القاهرة، إلى عمداء الكليات بالجامعة خطابات يشدد فيها على منع المنتقبات من ارتداء الكمامة فى الامتحان بديلا للنقاب
- (وعلم اليوم السابع أن سبب منع ارتداء الكمامات فى الامتحانات ، يعود إلى توجيهات أصدرها هانى هلال وزير التعليم العالى، إلى رؤساء الجامعات، بعد أن أكدت له جهات أمنية أن ارتداء الكمامات هو فعل منظم له فى جميع الجامعات المصرية بعد فتوى أحد الشيوخ)
- ويروي أحد الإخوة يقول ومن سفالة القوم.. أن دخلت إحدى مستضعفات المنتقبات بعدما أجبرت على خلع نقابها.. وقد انحنت ودفنت وجهها لئلا يراه أحد..فقال لها أحد السفلة: اعتدلي...)

هذه بعض صور التطرف والتعنت ورفض أنصاف الحلول وأرباعها ورفض أي تنازل أما معاني الرحمة والشفقة والرجولة فمناقشتها تدل على خلل في التصور المنهجي لأمثال هؤلاء ..

هذه هي العلمانية ..وهذه هي الجاهلية عندما تحوز القوة والسطوة ، هذه صورة بسيطة من كيفية فرضها لآرائها ...
أين ما يدعونه من حرية الرأي والفكر..؟! أين ما يدعونه من حرية المرأة واحترام عقلها..؟!
أين ما يتشدقون به من محاربة صور التطرف وفرض الرأي واحتكار الحق..؟!
أليس هذا المسلك هو نفس مسلك الجاهلية في كل زمان ومكانٍ عندما تفشل وتعجز ؟!
ألا يُشبه هذا المسلك – المتشدد - ما يحكيه الله تبارك وتعالى عن فعل أعداء الحق مع كل رسول ؟!

قال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}
وقال تعالى : {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا ، أو لتعودن في ملتنا }

يقول الشيخ سيد قطب – رحمه الله - ** قال الملأ الذين استكبروا من قومه : لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا ، أو لتعودن في ملتنا } .
هكذا في تبجح سافر ، وفي إصرار على المعركة لا يقبل المهادنة والتعايش!
....................
** قال : أو لو كنا كارهين؟ قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها . وما يكون لنا أن نعود فيها - إلا أن يشاء الله ربنا ، وسع ربنا كل شيء علما - على الله توكلنا . ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين } . .

وفي هذه الكلمات القلائل تتجلى طبيعة الإيمان ، ومذاقه في نفوس أهله ، كما تتجلى طبيعة الجاهلية ومذاقها الكريه . كذلك نشهد في قلب الرسول ذلك المشهد الرائع . . مشهد الحقيقة الإلهية في ذلك القلب وكيف تتجلى فيه .
**قال : أو لو كنا كارهين }؟
يستنكر تلك القولة الفاجرة : {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا } . . يقول لهم : أتجبروننا على ما نكره من ملتكم التي نجانا الله منها؟!
{قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها }
.........

وكذلك يستنكر شعيب - عليه السلام - ما يتهدده به الطغاة من إعادته هو والذين آمنوا معه إلى الملة التي أنجاهم الله منها : **وما يكون لنا أن نعود فيها } )

ولكن المشكلة كما يقول – رحمه الله - : (( وإذ كان هذا هو شعور الجاهلية بخطر الدعوة الإسلامية عليها ، فقد واجهت هذه الدعوة في معركة حياة أو موت ، لا هوادة فيها ولا هدنة ولا تعايش ولا سلام! . . إن الجاهلية لم تخدع نفسها في حقيقة المعركة؛ وكذلك لم يخدع الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أنفسهم ولا المؤمنين بهم في حقيقة المعركة . .
**وقال الذين كفروا لرسلهم : لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } . .
فهم لا يقبلون من الرسل والذين آمنوا معهم ، أن يتميزوا وينفصلوا بعقيدتهم وبقيادتهم وبتجمعهم الخاص . إنما يطلبون إليهم أن يعودوا في ملتهم ، ويندمجوا في تجمعهم ، ويذوبوا في هذا التجمع أو أن يطردوهم بعيدا وينفوهم من أرضهم)

وهذا التشدد في تحقيق أهدافها هو ما ذكر سبحانه أنه تشدد لا سبيل لنهايته فالجاهلية ستظل تُقاتل حتى تُحقق الهدف الشيطاني من أخراج الأمة عن دينها ، ولن تقف عند صورة أو شكل ، يقول تعالى : {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ويقول تعالى : ** ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } ويقول سبحانه : ** ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }

فهو كما ذكرنا مناداة على الصبر والثبات كما قال تعالى وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)

ولكن الله قضى أن سعيهم إلى خسران وحزبهم إلى تفكك فتراهم يصرخون يوم القيامة : {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا} {ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا}

الصورة الثالثة: التطرف في الدعاوى - وإن ظهر بطلانها- ،والتطرف في العداء على قدر أثر الحجة وقوتها:

وهو يتجلى في هذا العداء المستحكم من العلمانية للإسلام ، ومحاولتهم وصم أتباعه بالتخلف والرجعية حتى لو كانوا أعلم أهل الأرض!!
فالنقاب تخلف حتى لو كان على وجه عالمة الذرة أو الأستاذة الجامعية..
والطالبة المنتقبة متهمة بالغش ... رغم (أن عميد دار علوم أكد أن حالات الغش التي تم اكتشافها خلال الأعوام الماضية لم تكن من بينها حالة واحدة لأي طالبة منتقبة)

وهم – والله – أهل الغش ، وما رأينا غشاً كغش أبناء العمداء والوكلاء وأشباههم ،وصوره الفاجرة يعرفها الجميع..

ويأبى الله إلا أن يفضحهم في فلتات ألسنتهم ، فمع ادعاء البعض أن المقصود منع الغش وأنه ليس نزاع ديني أبداً !! ، تراهم يؤكدون أنه سيطبق على جميع أعضاء هيئة التدريس والعاملين، وسيتم منع ارتداء النقاب نهائياً داخل الحرم الجامعى ..

بل يقول أحدهم : ( ثقافة التخلف بحجج دينية لن يكون لها مكان فى جامعة بنها، وده كلام مش هزار ، حتى لو كان من يطبقه أستاذاً جامعياً ولو بالكلمات، ويكفى ما حدث فى نجع حمادى، الذى هو نتاج تهاون فى مظاهر تطرف تبدو بسيطة ولكنها زادت واستفحلت.) ويكمل الخبر (وأكد أنه سيضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يطبق أى مظهر من تلك المظاهر داخل الجامعة حتى تستأصل من جذورها، فلا رحمة فى مواجهة مظاهر للتطرف الدينى داخل الجامعة)

ثم يضيف : (سنأخذ بالشبهات فى التطرف، وسيحال أى أستاذ للتحقيق فى حالة وجود كلمة فيها شبهة تطرف دينى، وهو عقاب يفرضه مجتمع الجامعة بعيداً عن تدخل أجهزة الأمن).

ولماذا التعجب من فجر هذه الدعاوى في حق المؤمنين وقد قيل أشد منها في حق أولي العزم من الرسل ..؟!

ألم يحكي الله تعالى عن قوم نوح قولهم : {قال الملأ من قومه : إنا لنراك في ضلال مبين } ..؟!

يقول ابن كثير : (وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة، كما قال تعالى: {وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون } [ المطففين:32 ]، {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } [ الأحقاف:11 ] إلى غير ذلك من الآيات.)

وانظر إلى دعواهم أنه ضلال (مبين) ...فكأنهم لما أعجزتهم الحجج أن يردوا .. لم يجدوا إلا أن يدعوا أن هذا الكلام لا يخالف في ضلاله أحد ..فياللعجب!!

ولماذا العجب وقد حكى الله عن قوم إبراهيم ما هو أشد عجباُ ، فلقد راجعوا أنفسهم فرأوا أن حجة إبراهيم –عليه السلام – ناصعة وأنهم ظالمون ، فما دفعهم هذا إلا لمزيد تطرف وعداوة فتنادوا أن حرقوه ،قال تعالى : (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)

فكأن أثر الحجة كلما كان أقوى عليهم كلما قابلوه بمزيد عداءٍ وتشددٌ في الباطل ، فتلمح مشهد الشياطين وهي تؤزهم أزاً كما قال تعالى: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا }

يقول ابن كثير : (قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: تغويهم إغواء.
وقال العوفي عنه: تحرضهم على محمد وأصحابه.
وقال مجاهد: تشليهم إشلاء .
وقال قتادة: تزعجهم إزعاجا إلى معاصي الله.
وقال سفيان الثوري: تغريهم إغراء وتستعجلهم استعجالا.
وقال السدي: تطغيهم طغيانا.
وقال عبد الرحمن بن زيد: هذا كقوله تعالى:{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين })

فهو إذاً مشهد متكرر مشهد الطغيان والتطرف والعداء من الجاهاية ،ومشهد الإيمان والثبات والتوكل والرحمة والشفقة من أهل الإيمان ، يقول سيد قطب : (ثم يواجهون الطغيان بالإيمان ، ويواجهون الأذى بالثبات؛ ويسألون للتقرير والتوكيد :
**وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا؟ ولنصبرن على ما آذيتمونا ، وعلى الله فليتوكل المتوكلون } . .
{وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا } . .
إنها كلمة المطمئن إلى موقفه وطريقه . المالئ يديه من وليه وناصره . المؤمن بأن الله الذي يهدي السبيل لا بد أن ينصر وأن يعين . وماذا يهم حتى ولو لم يتم في الحياة الدنيا نصر إذا كان العبد قد ضمن هداية السبيل؟

والقلب الذي يحس أن يد الله سبحانه تقود خطاه ، وتهديه السبيل ، هو قلب موصول بالله لا يخطئ الشعور بوجوده سبحانه وألوهيته القاهرة المسيطرة؛ وهو شعور لا مجال معه للتردد في المضي في الطريق ، أيا كانت العقبات في الطريق ، وأيا كانت قوى الطاغوت التي تتربص في هذا الطريق . ومن ثم هذا الربط في رد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بين شعورهم بهداية الله لهم وبين توكلهم عليه في مواجهة التهديد السافر من الطواغيت؛ ثم إصرارهم على المضي في طريقهم في وجه هذا التهديد .

وهذه الحقيقة حقيقة الارتباط في قلب المؤمن بين شعوره بهداية الله وبين بديهية التوكل عليه لا تستشعرها إلا القلوب التي تزاول الحركة فعلا في مواجهة طاغوت الجاهلية؛ والتي تستشعرها في أعماقها يد الله سبحانه وهي تفتح لها كوى النور فتبصر الآفاق المشرقة وتستروح أنسام الإيمان والمعرفة ،وتحس الأنس والقربى .

وحينئذ لا تحفل بما يتوعدها به طواغيت الأرض؛ ولا تملك أن تستجيب للإغراء ولا للتهديد؛ وهي تحتقر طواغيت الأرض وما في أيديهم من وسائل البطش والتنكيل . وماذا يخاف القلب الموصول بالله على هذا النحو؟ وماذا يخيفه من أولئك العبيد؟!
{وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا } ..
{ولنصبرن على ما آذيتمونا } .
لنصبرن؛ لا نتزحزح ولا نضعف ولا نتراجع ولا نهن، ولا نتزعزع ولا نشك ولا نفرط ولا نحيد . .
{وعلى الله فليتوكل المتوكلون } . .

وهنا يسفر الطغيان عن وجهه . لا يجادل ولا يناقش ولا يفكر ولا يتعقل ، لأنه يحس بهزيمته أمام انتصار العقيدة ، فيسفر بالقوة المادية الغليظة التي لا يملك غيرها المتجبرون :
**وقال الذين كفروا لرسلهم : لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا } !
هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية . . إن الجاهلية لا ترضى من الإسلام أن يكون له كيان مستقل عنها . ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها . وهي لا تسالم الإسلام حتى لو سالمها .............

وهنا تتدخل القوة الكبرى فتضرب ضربتها المدمرة القاضية التي لا تقف لها قوة البشر المهازيل ،وإن كانوا طغاة متجبرين :{فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد })

ويقول – رحمه الله - : (ولقد قال نوح لقومه هذه القولة الواحدة ، وأنذرهم عاقبة التكذيب بها في إشفاق الأخ الناصح لإخوانه ، وفي صدق الرائد الناصح لأهله :{إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } .........
فكيف كان استقبال المنحرفين الضالين من قوم نوح لهذه الدعوة الخالصة الواضحة المستقيمة؟
{قال الملأ من قومه : إنا لنراك في ضلال مبين } !
كما قال مشركو العرب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - إنه صبأ ، ورجع عن دين إبراهيم!
وهكذا يبلغ الضال من الضلال أن يحسب من يدعوه إلى الهدى هو الضال! بل هكذا يبلغ التبجح الوقح بعدما يبلغ المسخ في الفطر! . . هكذا تنقلب الموازين ، وتبطل الضوابط ، ويحكم الهوى؛ ما دام أن الميزان ليس هو ميزان الله الذي لا ينحرف ولا يميل .

وماذا تقول الجاهلية اليوم عن المهتدين بهدى الله؟ إنها تسميهم الضالين ، وتعد من يهتدي منهم ويرجع بالرضى والقبول! . . أجل من يهتدي إلى المستنقع الكريه ، وإلى الوحل الذي تتمرغ الجاهلية فيه!

وماذا تقول الجاهلية اليوم للفتاة التي لا تكشف عن لحمها؟ وماذا تقول للفتى الذي يستقذر اللحم الرخيص؟ إنها تسمي ترفعهما هذا ونظافتهما وتطهرهما « رجعية » وتخلفا وجمودا وريفية! وتحاول الجاهلية بكل ما تملكه من وسائل التوجيه والإعلام أن تغرق ترفعهما ونظافتهما في الوحل الذي تتمرغ فيه في المستنقع الكريه!

وماذا تقول الجاهلية لمن ترتفع اهتماماته عن جنون مباريات الكرة؛ وجنون الأفلام والسينما والتليفزيون وما إليه؛ وجنون الرقص والحفلات الفارغة والملاهي؟ إنها تقول عنه : إنه « جامد » . ومغلق على نفسه ، وتنقصه المرونة والثقافة! وتحاول أن تجره إلى تفاهة من هذه ينفق فيها حياته . .

إن الجاهلية هي الجاهلية . . فلا تتغير إلا الأشكال والظروف!

وينفي نوح عن نفسه الضلال ، ويكشف لهم عن حقيقة دعوته ومنبعها ، فهو لم يبتدعها من أوهامه وأهوائه . إنما هو رسول من رب العالمين . يحمل لهم الرسالة . ومعها النصح والأمانة . ويعلم من الله ما لا يعلمون . فهو يجده في نفسه ، وهو موصول به ، وهم عنه محجوبون :
{قال : يا قوم ليس بي ضلالة ، ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}).

ثبات المؤمنين:


أما أهل الطهر والإيمان والنقاء....
فضربوا أمام هذا التشدد والغطرسة أعظم الأمثلة للثبات والتضحية فجاءت الأخبار تتراً من كل مكان عن ثبات أخوات عفيفاتٍ طاهراتٍ أفراداً وذرافات ..
وتناقلت الألسنة قصص الرجال الذين أدخلوا أخواتهن إلى اللجان أو قاموا فرادى ينكرون على كل ظالمٍ أو ذَنَبٍ ظلمه ...
وما زال المرجو من أهل الإيمان أكثر فإن هذه الإبتلاءات هي التي تمحص الإيمان في القلوب ...
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - وكذلك ما ابتلوا به في السراء والضراء والزلزال ليس هو بسبب نفس إيمانهم وطاعتهم لكن امتحنوا به ليتخلصوا مما فيهم من الشر وفتنوا به كما يفتن الذهب بالنار ليتميز طيبه من خبيثه والنفوس فيها شر والامتحان يمحص المؤمن من ذلك الشر الذي في نفسه قال تعالى {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين })

ويقول ابن القيم – رحمه الله - : (وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به الى اجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوايعبرون اليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل الى عبورهم الى الجنة إلا عليه وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة فكم لله من نعمة جسيمة ومنه عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان )
فلنقابل تكاتف أهل البغي بتكاتفٍ لأهل الحق ، ولننبذ الخلافات والصراعات ، ولنجتمع على نصرة المظلومين والمظلومات من أهل الإسلام في كل مكان ، فنحن أولى بذلك منهم..
ولنقابل إصرارهم على إعلاء الفساد وتشددهم في تنفيذ ما يروموه بمزيد ثباتٍ وإيمانٍ واحتسابٍ في سبيل الله ..
ولنقابل شبهاتهم وآراجيفهم في حق شعائر الإسلام بمزيد اعتزازٍ وتمسكٍ بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ومزيد فضحٍٍ لمنهجهم وفساد آرائهم..


ولنعلم أننا في أشد حاجةٍ إلى تثبيت الله الذي خص به أصحاب القول الثابت ، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} ، يقول ابن القيم – رحمه الله - : (تحت هذه الآية كنز عظيم من وفق لمظنته وأحسن استخراجه واقتناءه وأنفق منه فقد غنم ومن حرمه فقد حُرِم .وذلك أن العبد لا يستغنى عن تثبيت الله له طرفة عين ، فإن لم يثبته و إلا زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما ، وقد قال تعالى لأكرم خلقه عليه عبده وقد قال تعالى لأكرم خلقه عليه عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم - : {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } ، وقال تعالى لأكرم خلقه {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا} ، وفي الصحيحين من حديث البجلي قال : ((وهو يسألهم ويثبتهم )) ،وقال تعالى لرسوله : {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظ َةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} فالخلق قسمان : موفق بالتثبيت ، ومخذول بترك التثبيت).

ويقول – رحمه الله - : ( ومادة التثبيت – أصله ومنشؤه – من القول الثابت وفعل ما أمر به العبد فبهما يثبت الله عبده ، فكل من كان أثبت قولاً و أحسن فعلاً كان أعظم تثبيتاً ، قال تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}، فأثبت الناس قلباً أثبتهم قولاً .
والقول الثابت هو: القول الحق والصدق ، وهو ضد القول الباطل والكذب.
فالقول نوعان: ثابت له حقيقة ، وباطل لا حقيقة له ، وأثبت القول كلمة التوحيد ولوازمها،

فهي أعظم ما يثبت الله بها عبده في الدنيا والآخرة ؛ ولهذا ترى الصادق من أثبت الناس وأشجعهم قلبا ، والكاذب من أمهن الناس وأخبثهم وأكثرهم تلوناً وأقلهم ثباتاًً...فما منح العبد منحة أفضل من منحة القول الثابت)

فمن ملامح هذه المعركة أنها معركة ثبات ...
فالثبات الثبات ...يا أهل الإيمان..
وليكن شعارنا أمام دعاة السفور والرذيلة ..{وما يكون لنا أن نعود فيها }... {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا؟ ولنصبرن على ما آذيتمونا ، وعلى الله فليتوكل المتوكلون }
ولتصرخ الأخت المسلمة في وجه دعاة الرذيلة كما صرخ شعيبٌ – عليه السلام – في وجه قومه إذ دعوه للكفر { قال : أو لو كنا كارهين؟ قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها }...ولتقل لهم: ما يكون لنا أن نعود للسفور بعد إذ نجانا الله منه ،ولنصبرن على ما آذيتمونا


ولنعمل فإنه بالإيمان والثبات والعمل يتنزل موعود الله :{ فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد }

(يُتبع إن شاء الله)


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية