صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







النقابُ فضيلةٌ .. يا فضيلةَ  الشيخ!
(تعليقا على منع شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي ارتداء النقاب)

حميدان بن عجيل الجهني
@humidanj


بسم الله الرحمن الرحيم


"هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟
يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ المضلين"
عمر بن الخطاب
  

ليس بمستغرب أن يحارب الفضيلة حاكم طاغٍ أو فاجر لاهٍ، أو يشمئزَّ كافر من منظر امرأة متسترة، أو يتضجرَ فاسق من مشهد فتاة منقَّبة، فقد تكرر ذلك سابقاً ولاحقاً، فمما مضى، نشرت جريدة (الجمهورية 20\4\1978) في الذكرى السبعين لموت قاسم أمين ما نصه: (ولما تولى سعد زغلول زعامة الشعب في عام 1919، اشترط على السيدات اللواتي يحضرن لسماع خطبه أن يزحن النقاب عمّا سمح الله به من وجوههن، وكانت هذه أول مرحلة عملية للسفور.)

وتقول فاطمة عصمت زكريا: (وبعد تعيينه وزيراً ]أي زغلول[ أراد مجموعة من النساء المصريات في القاهرة أن يجتمعن به لأمر من الأمور، فدخل عليهن، وبُهت إذ فوجئ بأنهن يسدلن الحجاب على وجوههن، فرفض الدخول والاجتماع بهنَّ إلاّ أن يكشفنْ وجوههن، فأبين ذلك، ولم يحصل الاجتماع.)

لكن مما يؤسَف له أن يصدرَ الإنكار على المنقبات العفيفات، اللاتي هنّ أولى وأحق بمزيد احتفاء وإكرام من كل عاقل -ولو لم يكن مؤمنا - لكونهنّ اخترنْ أعلى درجات الستر، وأكمل حالات العفة = من عالمٍ له وزنه في المؤسسة الدينية الرسمية، ومكانته المعتبرة في العلم، يُرجى من مثله الذب عن حياض الشريعة وحماية أعراض المسلمات، والحفاظ على شعائر الدين، حين يصف (شيخُ الأزهر) النقابَ بأنه مجرد عادة لا علاقة لها بالدين، وأعلن عزمه على منعه بالمعاهد الأزهرية، ويصدر مجلس إدارته قرارً بذلك!!

وليس المقصد التعرض لشيخ الأزهر (بذاته)، أو الحديث عن (شخصه)، أو تتبع (عثراته)، فهو وإن زلّ في عبارة، أو أخطأ في تصرف يعتبر من علماء المسلمين الذين يجب أن تحفظ لهم المكانة، وترعى لهم الحرمة، فقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ((ليس من أمتي من لم يجلّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه))[1]

إنما مرادي التحذير من هذه الزلة خشية أن يحدث بها تضليل لعامة المسلمين وأشباههم من غير الدارسين للفقه الإسلامي، الذين يتبعون أهل العلم ويأخذون بأقوالهم دون تمحيص،  قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ويل للأتباع من عثرات العالم...)[2]

وحتى لا ينتهزها أعداءُ الفضيلة والإسلام، والأنظمةُ الجائرة لمحاربة الحجاب، وفتنةِ المؤمنات، ورميِ المسلمين بالتهم الباطلة.
ولأن دعاة السفور سيجدون فيها فرصة لتمرير أفكارهم وأطروحاتهم، ويحتجون بها في دعوتهم إلى التبرج والاختلاط، لجعل ذم النقاب إحدى مراحل مشروعهم التغريبي، وخطوة لمحاربة الحجاب، والتضييق على المحجبات للوصول إلى تمييع الدين، ونشر الرذيلة، وهدم معالم الفضيلة، ونبذ تعاليم الشريعة، ووصفها بعدم مناسبتها للأوضاع المعاصرة، بدعوى عدم مواكبة العصر )وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (

قد دلت جميع الشرائع السماوية، والفطر السوية على تفضيل التستر على العري، وتقديم الاحتشام على التبرج، وجاءت الشريعة الإسلامية الغراء بتكريم المرأة وحثها على دواعي العفة والحشمة، وإبعادها عن أسباب الاختلاط والسفور، وحفظها من أسباب الفتنة، وجعلت الحياءَ شعبةً من شعب الإيمان.
 في قوله تعالى: )وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ([3] قال د. سيد طنطاوي (صاحب قرار منع النقاب) في تفسيره (الوسيط):
(أي: طلباً للعفة، للإشعار بأن الاحتشام والتستر، خير للمرأة حتى ولو كانت من القواعد).

ولا خلاف عند أهل العلم أن ستر المرأة المسلمة لوجهها بسدل الخمار عليه أو لبس النقاب الشرعي عبادة وقربة لله تعالى أجمع على مشروعيتها علماء المسلمين سلفاً وخلفاً، قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: (وأجمعوا أنّ لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها).[4]
 
حتى العلماء الذين يرون جواز كشف الوجه يفتون بأن ستره أفضل، وبخاصة عند خشية الفتنة، بل أنَّ د. طنطاوي –نفسه- نص في (تفسيره الوسيط) على أن القول بتغطية الوجه (بالنقاب أو غيره) واجبٌ شرعيٌّ من صميم الدين والعبادة هو من كلام العلماء وليس من عادات الناس المحدثة، فقال في تفسير قوله تعالى: )وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا([5] ما نصه: (وقال بعض علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة، وخِيْف من وجهها وكفيها الفتنة، فعليها ستر ذلك).
وأي فتنة تردي إلى الشهوات أشد مما تعيشه المجتمعات في هذا الزمان ؟!

وليس المقصد تقرير وجوب ستر الوجه -مع أنَّ النصوص دلت على أن القول الصحيح هو وجوب ستر وجه المرأة- بل ظاهر كلام الشيخ طنطاوي -نفسه- يدل على ذلك، فقد قال في تفسير قول الله تعالى )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ([6] ما نصه: (والجلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة، فوق ثيابها.
والمعنى: يا أيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك، وقل لبناتك اللائي هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رؤوسهن إلى أقدامهن، زيادة في التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة).

إنما أقصد التأكيد على أنّ ستر الوجه كاملاً قول معتبرٌ في الشريعة، وإن اختلفوا في استحبابه أو وجوبه، فهو إن لم يكن واجباً شرعاً فإنه -قطعاً- من أزكى الفضائل عقلاً وعرفاً، ولم ينقل عن أحد من علماء المسلمين أنه قال بكراهية ستر الوجه والنقاب، فضلاً عن تحريمه أو تجريم من فعله.
فكيف بمن اعتبره بدعة أو عادة يجب محاربتها والقضاء عليها؟!
وكيف يتأتّى لعالم يرأس صرحاً من صروح العلم، ويعتبر من علماء الإسلام المعتبرين، إنكار أمرٍ شرعيٍّ متفقٍ على مشروعيته، وإن أُختلف في حكمه، أم كيف يُحظَرُ كِتاب يدعو إلى ارتداء النقاب، ويقرر وجوب ستر الوجه، مع أنه أمر شرعي!
بل أن كتاب (التفسير الوسيط) لطنطاوي -الذي يقرّرُ فيه مشروعية ستر الوجه - يدرَّسُ للطالبات في المعاهد الأزهرية!!

ومما لا يدع مجالاً للشك في مشروعية تغطية الوجه ولبس النقاب الشرعي، التزام الصحابيات رضي الله عنهنّ به، ولبسهنّ له في عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك قالت: (فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي(

ولذلك نهين عن تغطية الوجه بالنقاب حال الإحرام، والاكتفاء بسدل الغطاء على الوجه عند وجود الرجال، كما أخرج ابن أبي شيبة في المصنف: (كَانَ يَنْهَى النِّسَاءَ عَنِ النِّقَابِ، وَهُنَّ حُرُمٌ، وَلَكِنْ يُسْدِلْنَ الثَّوْبَ عَنْ وُجُوهِهِنَّ سَدْلًا)[7]

وفي البخاري عن ابنِ عُمَرَ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّه  صلى الله عليه وسلم  : ((وَلاَ تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلاَ تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْن))  وهذا يدل على أن غير المحرمة يشرع لها أن تنتقب ،وليس معناه النهي عن تغطية الوجه، بل هي مأمورة بذلك حتى حال الإحرام في مجامع الرجال؛ ولكن بدون نقاب لكونه من محظورات الإحرام ، وهذا ما فهمه نساء الصحابة رضي الله عنهنّ، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : (كُنَّا نُغَطِّي وُجُوهَنَا مِنَ الرِّجَالِ، وَكُنَّا نَتَمَشَّطُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ)[8]
 وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله  صلى الله عليه وسلم  مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا، أَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ)[9]

بل إنَّ كشف الوجه أولى بأن يوصف بأنه عادة من العادات، وليس النقاب. قال ابن جزي الكلبي المالكي رحمه الله (ت741) في تفسير قوله تعالى: )يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ([10] : (كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعياً إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليستر بذلك وجوههن.)

فضلاً عما يترتب على كشف الوجه من مفاسد، في زمن تفشى فيه الانحلال، وتلاشت كثير من مظاهر الحياء، وأصبح التبرج عادة كاد ألا ينكرها أحد، لا تقارن بما يُدَّعى من مفاسد النقاب.

ووقوع بعض المنقبات في أخطاء، أو تستر بعضهنّ وراء النقاب - مع ندرة ذلك - لا يجوز أن يحملنا على محاربته أو الدعوة إلى إلغائه والتحذير منه، فلو كان الأمر كذلك لوجب التحذير من الصلاة لوقوع بعض المصلين في الكبائر، وتظاهر البعض بإقامتها لتحقيق مآربه!
مع ذلك كله، فأعداد المنقبات في ازدياد -ثبتهنَّ الله- مما يبشر بإقبال على الستر والفضيلة، وإعراض عن التبرج والسفور حتى إنه خرجت دراسة تكشف أن عدد المنقبات في مصر -مثلاً- بلغ 17 % من تعداد نساء مصر أي أن عدد المنقبات يصل الى 9 ملايين منقبة تقريباً.
فماذا ينقم  شيخ الأزهر من فتاة منقبة إلا أنها رغبت في مرضاة ربها، وحرصت أن تكون نموذجاً للعفة والحشمة والصلاح، وسترت وجهها عن أعين الناظرين، حفاظاً على حيائها عند دخول شيخِ أعرقِ جامعة إسلامية ووفدِه المرافق، وهل تصرفه مع الفتاة - ولو افترضنا أنها أخطأت - صواب؟!!

وبأي حق يتهكم بها ويتنقص من خلقتها، وهل هذا أسلوب دعوي أو أبوي أو حتى إنساني؟!
وهل من الأدب تقريعها علانية والإغلاظ عليها مع صغر سنها ورقة مشاعرها؟!
وما الذي أباح له شرعاً أن يسخر من شكلها ويقلل من جمالها ويحرجها أمام الملأ؟!
ومتى كان تلفظه نحو معلمة متخصصة في العلم الشرعي وردّه عليها أسلوباً علمياً للبيان؟!
ولو فرضنا - جدلاً - أنه عادة فما الذي يمنع منها وأي ضرر في تقيدها بعادة اختارتها لنفسها؟!!
وأين هذه الغضبة المضرية عن العاريات والمجاهرات بمخالفة أمر الله في الأسواق والطرقات؟؟!
 
وصدق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ((إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء((
نسأل الله الثبات على الحق وحسن الخاتمة.
 

والله ما خوفي الذنوب فـإنها *** لعلى طريق العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضا بآراء الرجال وخرصها *** لا كان ذاك بمنة الرحمن 
 

حميدان بن عجيّل الجهني.
ذو الحجة 1430

---------------------------------
[1] حسنه الألباني في صحيح الجامع5443 
[2] جامع بيان العلم: 1877
[3] سورة النور: 60.
[4] التمهيد: 15 / 108
[5] سورة النور: 31
[6] الأحزاب: 59
[7] 14329
[8] أخرجه الحاكم 1668 وصححه، ووافقه الذهبي، وابن خزيمة وقال الأعظمي: إسناده صحيح
[9] أخرجه أحمد (24021 ) وضعفه الألباني.
[10] سورة الأحزاب: 59
 


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

للنساء فقط

  • المرأة الداعية
  • رسائل دعوية
  • حجاب المسلمة
  • حكم الاختلاط
  • المرأة العاملة
  • مكانة المرأة
  • قيادة السيارة
  • أهذا هو الحب ؟!
  • الفتاة والإنترنت
  • منوعات
  • من الموقع
  • شبهات وردود
  • فتاوى نسائية
  • مسائل فقهية
  • كتب نسائية
  • قصـائــد
  • مواقع نسائية
  • ملتقى الداعيات
  • الصفحة الرئيسية