صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







106 فوائد منتقاة من كتابِ (مآلاتِ الخطابِ المدني) للشَّيخ إبراهيم بن عمر السَّكران

عَـطـاء
@alomma9951

 
بسم الله الرحمن الرحيم


●|| 106 فوائد منتقاة من كتابِ <مآلاتِ الخطابِ المدني> لفضيلة الشَّيخ إبراهيم بن عمر السَّكران -فرَّج الله عنه- ||●

الحمدُ للهِ: أهلُ الحمدِ والثَّناء، والعدَّة والبقاء، والعظمة والكبرياء، أحمدُه على تواترِ نعمه، وقديمِ إحسانهِ وقسمه، حمدَ مَن يعلمُ أنَّ مولاه الكريم يحبُّ الحمدَ، فله الحمد على كلِّ حالٍ، وصلواته على البشيرِ النَّذير، السِّراجِ المنيرِ، سيِّدِ الأوَّلين والآخرين، وعلى آله الطِّيبين الطَّاهرين، وعلى أصحابهِ المُنْتَخَبِين، وعلى أزواجهِ أمَّهاتِ المؤمنين.
■الكتاب:مآلاتُ الخطابِ المدنيِ. الطبعة الثَّالثة.
■انتقاءُ وترتيبُ: أبي اللَّيث مُضَربن ذوالفقار الشَّيخ نايف -غفر الله له ولِوالِدَيه-.

■حساب تويتر: @alomma9951
 




1__ما هي المدنيَّة الماديَّة؟

هي تحويل الوحي من حاكم على الحضارة إلى مجرد محام عن منتجاتها يبررها ويرافع عنها ولا يقبل منه دور غير ذلك! وليس يخفى أن الحكم نوع من السيادة، أما المحاماة عن الغير فحالة تبع يقاس نجاحها بإمكانيات التبرير والتسويغ.

[ مآلاتُ الخِطَابِ المَدَنِيِّ ص20 | إبراهيم السَّكران ]

2_أهميَّة معرفة أصول الأشياء.

وقد أشار الإمام ابن تيمية في ملاحظة مبدعة إلى دور استكشاف الكليات والمبادئ التاريخية في الاستيعاب والاطمئنان العلمي كما يقول رحمه الله : «فإن معرفة أصول الأشياء ومبادئها، من أعظم العلوم نفعا ؛ إذ المرء ما لم يُحِطْ علما بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حَسَكَةٌ.
وقال في سياق آخر: «من لم يعرف أسباب المقالات، وإن كانت باطلة؛ لم يتمكن من مداواة أصحابها، وإزالة شبهاتهم».

[ مآلات الخطاب المدني ص23 | إبراهيم السَّكران ]

3_[ إن الغلوَّ المدني ينبوع الانحراف الثقافي ]، حيث يستتبع التحييد العملي للوحي؛ لأنه لا يدفع باتجاه المدنية الدنيوية المادية، ويتعارض مع كثير من منتجاتها، ويورث الاستخفاف بالتراث الإسلامي لتضمنه جهاز مفاهیمي شرعي يزهد في الدنيا ويربط الإنسان بالآخرة.

[ مآلات الخطاب المدني ص25 | إبراهيم السَّكران ]

4_فأخبرني ما هي الدرجة التي تحتلها قيمة الحضارة والمدنية في سُلَّم القيم عندك، أخبرك أين تقع على خريطة الجبهات الفكرية المعاصرة.

[ مآلات الخطاب المدني ص26 | إبراهيم السَّكران ]

5_فبمجرد أن يتشرب الشاب المسلم فكرة الغلو في قيمة المدنية والحضارة والعمارة والنهضة بتعريفاتها المادية؛ فإن هرم الأولويات وخريطة القيم تنقلب عنده رأسا على عقب، فمن يرى أن الأولوية والقيمة المركزية في شم القيم هي تشييد المدنية الدنيوية المادية؛ فإن الثقافة الغربية في ميزانه ستكون النموذج المتفوق، بينما سيكون عصر القرون المفضلة والحركة الإسلامية المعاصرة نموذج الإخفاق والفشل الذي يجب الاعتذار عنه .

[ مآلات الخطاب المدني ص27 | إبراهيم السَّكران ]

6_حقيقةُ الديمقراطيَّة.

يقول الجابري : «ما من شعار من شعارات الفكر العربي الحديث كان مدعاة للبس وسوء التفاهم، كشعار العلمانية»، ثم يقول: «نادینا منذ الثمانينات من القرن الماضي، بضرورة استبعاد شعار «العلمانية» من قاموس الفكر العربي، وتعويضه بشعاري الديمقراطية»، و «العقلانية» ...»

[ مآلات الخطاب المدني ص34 | إبراهيم السَّكران ]

7_حقيقةُ الدولة المدنيَّة.

قال جابر عصفور: «بما أن كلمة «العلمانية» أصبحت سيئة السمعة ؛ فمن الأفضل استخدام «الدولة المدنية»

[ مآلات الخطاب المدني ص35 | إبراهيم السَّكران ]

8_مهام الفرانكفونيَّة.

تظل المدرسة الفرانكفونية/ المغاربية المعاصرة هي الأكثر تعبيرا عن هذا الشكل من الخطاب، واهتمامها بموضوعيها الرئيسين : إعادة تأويل التراث والتحليل الأنثروبولوجي للحركة الإسلامية كان مصدر الجاذبية والإغراء الذي حقق لها النفاذ إلى أسوار الداخل الإسلامي، ذلك أن الحقول والموضوعات ذات الاهتمام المشترك مثل دوما لغة مفهومة ومشتركة، ونقطة تعارف والتقاء، تتحول -غالبا - إلى حالة تلق تتحدد بوصلة نفوذها طبقا لميزان القوى المعرفية، لتنتهي بحالة استعمار ثقافي.

[ مآلات الخطاب المدني ص36 | إبراهيم السَّكران ]

9_أما السؤال المركزي للمدرسة الفرانكفونية، فقد كان سؤال الحضارة ، بمعناها المادي، ومن ثم محاسبة التراث، والاتجاه الإسلامي، والمجتمع العربي، والدولة العربية الحديثة على أساس الاقتراب والابتعاد عن النموذج الغربي الحديث، حيث كان النموذج الغربي الحديث هو المعيار الضمني غير المعلن، وإن كان النص الفرنكفوني في كثير من الأحيان يتظاهر بخلاف
ذلك .

[ مآلات الخطاب المدني ص37 | إبراهيم السَّكران ]

10_وقد علمنا التاريخ دوما أن الكساد المرتبط بظروف سیاسية ينتهي بنهايتها، ولذلك، فإن الجزيرة العربية التي ارتدت لظروف موت الرسول صلى الله عليه وسلم استعاد الخطاب الإسلامي موقعه فيها مباشرة بعد استقرار الخلافة على يد الصديق .

[ مآلات الخطاب المدني ص38,39 | إبراهيم السَّكران ]

11_الواقع : أن كثيرا من الأفكار والمقالات الممجوجة في صورتها النهائية، أو المتناقضة مع أبجديات الوحي والعقلانية إنما بدأت بالتزام مبدأ نظري معين دون الاستكشاف المسبق لكافة آثاره النهائية ولوازمه ومؤداه ، وفي ثنايا سجالات الفرقاء ينجرف صاحب المقالة إلى الالتزام التدريجي المقتضيات هذا المبدأ بهدف الاحتفاظ بعنصر الاطراد وعدم التناقض، فیتجاری به ذلك حتى يصل إلى مستشنعات ما ظن أنه سيصل إليها يوما ما ، وهو ما يمكن تسميته قانون المتوالية الفكرية .

[ مآلات الخطاب المدني ص40 | إبراهيم السَّكران ]

12_ويقول ابن تيمية : «و من نصر قولا ضعيفا ؛ فلا بد له من أحد أمرين : إما أن يتناقض، وإما أن يلتزم لوازم ظاهرة الفساد؛ فإنه إن طرد دلیله وعلته ؛ لزمته هذه اللوازم، وإن لم يطردها ؛ تناقض»(

[ مآلات الخطاب المدني ص41 | إبراهيم السَّكران ]

13_وقال الإمام ابن تيمية في موضع آخر: فالبدع تكون في أولها شبرا، ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ.

[ مآلات الخطاب المدني ص42 | إبراهيم السَّكران ]

14_أداةُ التسييس، وأداة المديونيَّة.

_أما أداة التسييس، فتعني : إعادة التفسير السياسي للنظريات الشرعية ، وتحركات أعلام التراث، ومحاولة ربطها بصراعات سياسية تحت شعار الأنسنة.

_ أما أداة المديونية، فتعني : محاولة ربط سائر المفاهيم والأصول الشرعية - التي صاغها فقهاء التراث - بالثقافات السابقة للإسلام، وتصويرها كمجرد اقتراض ثقافي، واستعارة معرفية، من ثقافة وافدة كالثقافة الهرمسية ، أو الغنوصية، أو الفارسية، أو اليونانية، وسيأتي مزيد توضيح لهاتين الأداتين .

[ مآلات الخطاب المدني ص43 | إبراهيم السَّكران ]

15_ولكن العاقل لا ينحرف عن الشرع انتقاما من أخطاء بعض المنتسبين له ؛ فإنه ما ضر إلا نفسه، وإنما كمال الإيمان أن ينظر العاقل في النصيحة، ويستغفر لمن أخطأ عليه، ويراجع علاقته بربه، فإن كان على صواب مضى، وإن كان على خطأ أناب.

[ مآلات الخطاب المدني ص46 | إبراهيم السكران ]

16_الؤسسات الإعلامية.

ومن يتصور أن المؤسسات الإعلامية مجرد مناخ معرفي بحت فهو يعيش وهما كبيرا، فالمؤسسات الإعلامية كائنات سياسية لها أجندتها الخاصة وانحيازاتها العميقة، ولكن لها أدواتها الخاصة في الاستقطاب والتوظيف بما يتناغم مع بنيتها مثل منصب كاتب عمود صحفي، أو مشرف صفحة الرأي، أو مقدم تلفزيوني، أو معد برامج، أو ضيقا دائما يوضع تحت اسمه «خبير في الجماعات الإسلامية»، ونحوها من المناصب الإعلامية التي تخطف لب الشاب في عصر الشاشة .

[ مآلات الخطاب المدني ص47 | إبراهيم السكران ]

17_إن جمهور الأعمال العبادية المحضة تندرج في الأحكام التكليفية باعتبارها الصورة النهائية للمراد الإلهي، وجمهور الأعمال المدنية الدنيوية تندرج في الأحكام الوضعية، كالسبب والعلة والشرط والمانع باعتبارها وسيلة للحكم التكليفي .
ومن ثم ينبني على هذه الرؤية تقييم المجتمعات والثقافات والشخصيات بحسب منزلتها في هذه العبودية .

[ مآلات الخطاب المدني ص53 | إبراهيم السكران ]

18_ولو كانت عمارة الأرض بالحضارة والتمدن والعلوم الدنيوية بتعريفاتها المادية هي المقصود الأولوي بحسن العمل؛ لما أرسل الله الرسل في التاريخ البشري أصلا؛ لأن الله قد أثبت تمیُّز تلك الأمم أصلا في عمارة الأرض وعمق علمها بالدنيا، كما قال سبحانه عن الأمم السابقة : و كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها.[الروم: ۹]
وقال عن علمهم المدني: يعلمون ظاهرا من الحياة. [الروم: 7]
وبين له وظيفة النبوات والكتب السماوية والشرائع، وأنها كلها تهدف التأكيد على عبادة الله، والاستعداد للحياة المستقبلية بعد الموت، وليست المنافسة العالمية في المدنية والحضارة الدنيوية.

[ مآلات الخطاب المدني ص54 | إبراهيم السَّكران ]

19_إننا يجب أن نكسب انتماء الناس إلى الإسلام والقرآن والنبي محمد كما هم في ذاتهم، أي : كما كانوا فعلا، لا كما جعلناهم نحن عبر عمليات إعادة التصنيع والتشكيل طبقا لميول المستهلك، الإسلام في نسخته الحقيقية الصادقة، لا الإسلام الذي يميل إلى سماعه المخاطبون، النبي محمد -صلوات الله عليه- كما عاش فعلا بين حرَّات طابة، لا صورة النبي المصممة للذوق الفرانكفوني.

[ مآلات الخطاب المدني ص56 | إبراهيم السكران ]

20_فالدنيا في التصور القرآني مجرد وسيلة خطرة يجب التعامل معها بحذر، خوفا من أن تجرفنا عن الحياة المستقبلية اللانهائية في الدار الآخرة.

[ مآلات الخطاب المدني ص57 | إبراهيم السكران ]

21_وينبه الله في مواضع كثيرة من الوحي على أن المنزلة والمكانة الحقيقية عند الله ليست بالمظاهر المدنية المادية، ولا بالإمكانيات الاقتصادية والديموغرافية، فقال له : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى. [سبأ: ۳۷]
وما ذلك كله إلا لتفاهة الممتلكات المادية في ميزان الله ، فهل يا ترى ستكون موازیننا تابعة لميزانه سبحانه ، أم ستكون لنا موازیننا الخاصة؟!

[ مآلات الخطاب المدني ص59 | إبراهيم السكران ]

22_فبقايا النبوات وما تضمنته من العلوم والمعارف الإلهية هي نوافذ التنوير الحقيقي في الأرض، وليس التنوير هو الإغراق الفلسفي والمدني، وشاهد هذه الخطبة النبوية في كتاب الله قوله سبحانه : الر كتب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى الثور بإذن ربهم.[إبراهيم: 1].

[ مآلات الخطاب المدني ص65 | إبراهيم السَّكران ]

23_روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عياض المجاشعي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته : «وإن الله نظر إلى أهل الأرض؛ فمقتَهم، عربَهم وعجمَهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك».


فتأمل في خطبة النبي السابقة كيف نفخ في أصحابه الشموخ ب العلوم الإلهية فوق المدنيات الصغيرة بالنسبة لجلال المعرفة الإلهية، ونبه أصحابه إلى التنوير الحقيقي وهو نور الوحي، وربى أصحابه على أن تلك المجتمعات المتمدنة يحتاجونكم أضعاف ما تحتاجونهم، فهم ما يملكون الوسائل وأنتم تعرفون الغايات، وشتان بين منزلة الوسيلة والغاية.

[ مآلات الخطاب المدني ص66 | إبراهيم السكران ]

24_الميزانُ الإلهيُّ في تقييمِ المجتمعات.

بل إن الله جل جلاله طبقا لميزانه فضَّل بني إسرائيل بما معهم من العلوم الإلهية على الفراعنة بما معهم من الحضارة، كما قال سبحانه : ولقد ءاتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلهم على العالمين. [الجاثية: 16]
فإذا تأمل القارئ هذا الموضع وكيف كان سبب تفضيل بني إسرائيل أنوار النبوة والكتاب، وكيف لم تفلح حضارة الفراعنة في إخراجهم من الظلمات، استبان له الميزان الإلهي لتقييم المجتمعات والثقافات والشخصيات والحضارات والمدنيات، وميزان المسلم تبع الميزان الله جل جلاله .

[ مآلات الخطاب المدني ص75 | إبراهيم السكران ]

25_وهكذا ؛ فإن القارئ لتاريخ الإسلام المبكر يلاحظ كيف كان التقدم المدني يزداد مع تقدم التاريخ، فالملك العباسي أكثر تمدنا ماديا من الملك الأموي، والملك الأموي أكثر تمدنا ماديا من عصر الخلافة الراشدة، وعصر الخلافة الراشدة أكثر تمدنا ماديا من عصر النبوة.

فإذا جئنا نقارن هذه الصورة المتنامية في قيمتها المدنية بحسب الواقع التاريخي بالقيمة الدينية بحسب الميزان الشرعي؛ وجدنا أن هذه المعادلة التاريخية بعكس الميزان الشرعي تماما ، فهناك تناقض جدلي بين معدل المدنية ومعدل الخيرية، فبينما الخط البياني لمنسوب المدنية يتصاعد؛ فإن الخط البياني لمنسوب الخيرية يتناقص .

[ مآلات الخطاب المدني ص80 | إبراهيم السكران ]

26_والشاهد من ذلك كله أن البرهان التاريخي قد أثبت لنا أن المدنية تتصاعد، والبرهان الشرعي قد أثبت لنا أن الخيرية تتناقص، وهذه المقارنة من أعظم البراهين على أن الحضارة والمدنية المادية ليست هي المقياس الإلهي لقيمة المجتمعات والأمم؛ إذ لو كانت الحضارة بمعناها المادي الشائع هي المقصد الأساسي للشريعة ؛ لكان العصر العباسي الذي ازدهرت فيه العلوم العقلية والتجريبية أفضل من عصر الصحابة، ولكان عصر الصحابة الذي توسعت فيه الدولة ونظمها خير من عصر النبوة التي كانت فيها حياة محمد -عليه الصلاة والسلام-وخاصةِ أصحابه قوتا كفافا.

[ مآلات الخطاب المدني ص83 | إبراهيم السكران ]

27_بالنسبة لنا هو أنه طبقا لتصوراتنا الإسلامية الخاصة؛ فإن الخيرية مرتبطة بالجوهر الإيماني والأخلاقي، وليس المظاهر المدنية والمادية .

[ مآلات الخطاب المدني ص84 | إبراهيم السكران ]

28_فمن لم يعمر الأرض بالإيمان ،فلا زال في ظلمات وتيه وانحطاط ،ولم يبلغ التنوير الحقيقي .

[ مآلات الخطاب المدني ص86 | إبراهيم السكران ]

29_قال الشيخ الأمين الشنقيطي في تفسيره: «الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية التي نزل بها القرآن : هو أن من أساليبها أن المفرد إذا كان اسم جنس يكثر إطلاقه مرادا به الجمع.

[ مآلات الخطاب المدني ص92 | إبراهيم السكران ]

30_ردُّ شبهة احتجاجِ الفرانكفونية بهذه الآية.
قال سبحانه: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة.
أما الاستدلال بهذه الآية على تكريم جنس الإنسان باعتباره خليفة الله بغض النظر عن هويته الدينية وعبوديته، فهذا استنتاج مصادم المعطيات الوحي؛ فإن خلافة الإنسان -سواء كان المعني خلافة الآدميين بعضهم، أم خلافة الإنسان عن الله - ليس لها الشرف المطلق كما يتصورغلاة المدنية، بل شرفها ورفعتها مرتبط بتحقيق العبودية، فأما إذا أعرض الإنسان عن الوحي؛ فإنه يسلب شرف هذه الخلافة، ولذلك ؛ قال الله مبينا دور الإعراض عن الوحي في سلب شرف الخلافة : 《هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا》.[فاطر: ۳۹]

[ مآلات الخطاب المدني ص94 | إبراهيم السكران ]

31_جوهرُ وظيفةِ الاستخلاف.

وذكر الله جل جلاله شيئا من أخبار التاريخ، وكيف كان الله يسلب الأمة شرف الخلافة في الأرض إذا أعرضت عن النبوات والوحي، ويمنحه أمة أخرى، كما قال له : ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا گذلك نجزي القوم المجرمين ثم جعلناگم خلائف في الأرض من بعدهم لينظر كيف تعملون. [يونس : 13، 14]
فبينت هذه الآية جوهر وظيفة الاستخلاف وهي الابتلاء بالإيمان والعمل الصالح واتباع الرسل بعد ما سلب الله الأمم السابقة ذلك بسبب إعراضها. ولذلك؛ فإن الأمة التي تحقق العبودية هي الأمة التي استوعبت معنی الاستخلاف وخلافة الإنسان، كما قال سبحانه : ووعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم. [النور: 55]

[ مآلات الخطاب المدني ص94 | إبراهيم السَّكران ]

32_إن الحضارة والتمدن عند الإسلاميين مطلب، لكنها ليست هي المطلب الرئيس، ولا المطلب الجوهري لهذه الحياة، بل هي مجرد وسيلة لتحقيق الغاية الحقيقية التي هي العبودية.

[ مآلات الخطاب المدني ص98 | إبراهيم السكران ]

33_والواقع : أن الإسلاميين بجميع أطيافهم سبقوا غيرهم من الطبقات الثقافية إلى الانتفاع بها، بل وگتب كثير من السلفيين أن حقائق العلوم الطبيعية حقائق شرعية، بل لا يوجد علم من العلوم المعاصرة على وجه العالم اليوم خدمه أصحابه برمجيا مثل العلوم الشرعية .
ويقول أركون: نلاحظ -مثلا- أن دارسي العلوم الفيزيائية والرياضية والطبية وغيرها ينخرطون في صفوف هذه التيارات -أي: الإسلامية - أكثر بكثير من المختصين بعلوم الإنسان والمجتمع، وقد عرفنا أثناء المعارك والاشتباكات التي جرت في جامعات تونس والجزائر والقاهرة .. إلخ أن المتعصبين والمتزمتين ينتمون بشكل خاص إلى كليات العلوم، إنها ظاهرة تستحق التأمل والتفكير!».


[ مآلات الخطاب المدني ص99،100 | إبراهيم السكران ]

34_حقيقة الفلسفة.

بل إن القارئ المسلم لا يكاد يجد فيها نتائج مبرهنة يسعد بها ويحملها کرسالة اجتماعية، بل كل فيلسوف ينقض ما قاله سابقه، وغاية القارئ في هذه الأبواب ليس أن يبني تصوراته وعقيدته بشكل صحيح فتكون له إضافة في ذاته، بل غايته أن يحصل له مران ذهني ودربة على السجال والجدل والرد والتفنيد، في مقابل أن يخسر فضيلة الحسم واليقين والتي هي من أهم أسباب الإمامة في الدين، كما قال له : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون.
[السجدة ]

[ مآلات الخطاب المدني ص101 | إبراهيم السكران ]

35_يقول ابن تيمية واصفا الفلاسفة: وإنما فضيلة أحدهم باقتداره على الاعتراض والقدح والجدل، ومن المعلوم أن الاعتراض والقدح ليس بعلم، ولا فيه منفعة، وأحسن أحوال صاحبه أن يكون بمنزلة العام، وإنما العلم في جواب السؤال.

[ مآلات الخطاب المدني ص102 | إبراهيم السكران ]

36_الفلسفة في الميزان.

والواقع: أن التفوق المدني الغربي اليوم عائد للثورة
الصناعية في المرحلة السابقة، ثم الثورة التكنولوجية، ونظم الاتصال والمعلوماتية حاليا ، وهذه كلها نتاج عرق المعامل والتمويلات السياسية الضخمة لمراكز البحوث وفن الإدارة المؤسسية، وغاية الفلسفة أن تكون تفسيرا استرجاعيا لما حدث، فهي دوما - تفسير لاحق للأحداث تحاول إعطاءها المعني بعد أن تقع، فأفضل حالاتها أن تكون حكيما بعد الحادث، وهذا سبب تراجع أهميتها المعرفية، ولذلك كان الإمام ابن تيمية ينبه أن الفلسفة ليست هي التي تدير المجتمعات الناجحة، كقوله مرة متعجبا : «وهل رأيت فيلسوفا أقام مصلحة قرية من القرى، فضلا عن مدينة من المدائن؟».

[ مآلات الخطاب المدني ص104 | إبراهيم السكران ]

37_وسبب هذا الوهم حول عظمة الفلسفة : أن كثيرا من مثقفي غلاة المدنية تأثروا بالكتابات التعليمية عن قصة الفلسفة، والتي صورت التاريخ البشري کنتاج مباشر الأفكار لضعة عشر فيلسوفا على مر التاريخ، وكأن التاريخ الإنساني عموما، والتاريخ الأوروبي خصوصا، مركبة يتربع في كابینتها طائفة من الفلاسفة يخلف بعضهم بعضا يشيرون للمجتمعات أن تذهب يمنة أو
يسرة!

[ مآلات الخطاب المدني ص105 | إبراهيم السكران ]

38_الدينُ هو أصل الحضارات وبه تقام.

يقول ابن خلدون : «الفصل الرابع: في أن الدول العامة الاستيلاء، العظيمة الملك، أصلها الدين، إما من نبوة، أو دعوة حق».
وللإمام ابن تيمية ملاحظات أخرى متناثرة حول عدد من المفاهيم المدنية وأنها لم تعرف إلا من منبع النبوات، كقوله مثلا:
كل أمة ليس لها كتاب ليس في لغتها أيام الأسبوع، وإنما يوجد في لغتها اسم اليوم والشهر والسنة؛ لأن ذلك عرف بالحس والعقل، فوضعت له الأمم الأسماء، لأن التعبير يتبع التصور، وأما الأسبوع فلم يعرف إلا بالسمع، فلم يعرف أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش إلا بأخبار الأنبياء ، الذين شرع لهم أن يجتمعوا في الأسبوع يوما يعبدون الله فيه، ويحفظون به الأسبوع.

[ مآلات الخطاب المدني ص107 | إبراهيم السكران ]

39_يقول القانوني الألماني كارل شميت: كل المفاهيم الرئيسية في النظرية الحديثة للدولة، هي «مفاهيم لاهوتية معلمنة» ، وليس ذلك فقط بسبب تطورها التاريخي حيث انتقلت من اللاهوت إلى نظرية الدولة ، فأصبحت -مثلا- السيادة المطلقة للإله هي السيادة المطلقة للسلطة التشريعية، ولكن -أيضا- بسبب بنيتها المنظمة، كما أن السلطة في الأحوال الاستثنائية في فقه القانون هي نظير فكرة المعجزة في اللاهوت».

[ مآلات الخطاب المدني ص108 | إبراهيم السكران ]

40_الوجه المخفي من الحضارة الغربيَّة.
_ الوجه السياسي للحضارة الغربية، وهو الوجه الكالح بكل معنى الكلمة، فالمؤسسة السياسية الغربية مؤسسة إمبريالية استعمارية تمتص ثروات الأمم الأخرى، وليس لديها أية حواجز أخلاقية أمام مصالحها، فهي ديمقراطية شفافة في السياسة الداخلية -غالبا-، دیکتاتورية معتمة في السياسة الخارجية دائما.

_والمؤسسة السياسية الغربية هي التي خلقت أبشع النماذج الدموية في التاريخ، وهي المسؤولة عن تطوير أدوات الإبادة البشرية الشاملة ، والمعتقلات اللاإنسانية، وقصف المدن الكاملة بما فيها من المدنيين، کیف تبرأ تلك الحضارة من عقدة الذنب وهي تتذكر عصر العنصريات والقوميات والنازية و هيروشيما ونجازاكي واستعمار الدول العربية وغوانتنامو وأبو غريب ، والأسلحة النووية والغازات السامة، وإيقاف تحقيقات الفساد لأجل مصالح قومية عليا، بل وسن تشريعات حرمان المسلمة من حجابها، ورعاية مؤسسات صحفية تسخر بنبي يؤمن به شطر العالم.

[ مآلات الخطاب المدني ص111 | إبراهيم السكران ]

41_غلاة المدنية المادية يتوهمون أن هناك تلازما بين الانتفاع والانبهار، وأنه لكي نستفيد من الحضارة الغربية يجب أن تمتلئ أشداقنا بتأوهات التعجب، وأن نفغر أفواهنا ونحن نسوق فلسفتهم، وأن نحوط أسماءهم وأعلامهم بهالة التعبيرات الخارقة، ولذلك؛ يطلق بعضهم عبارة المعجزة الغربية، أو معجزة الحداثة ونحوها.

[ مآلات الخطاب المدني ص112 | إبراهيم السَّكران ]

42_فالتصور المطروح عن الفكر الغربي ليس تصورا علميا معنيَّا بقراءة وتفسير الحالة الغربية كنسيج اجتماعي، أو شبكة معقدة تمتزج فيها السياسة والمصالح والأفكار والأخلاق والتيارات، بل تقدم صورة الفكر الغربي بلغة مناقبية وعبارات وجدانية هي أقرب إلى الهيام منها إلى القراءة المعرفية ، فخطاب غلاة المدنية عن الغرب هو خطاب «تبشيري»، وليس كما يزعمون أنه خطاب «تحليلي» .

[ مآلات الخطاب المدني ص115 | إبراهيم السكران ]

43_فإن الاعتماد على جاهزية المنتج الغربي يؤدي لتسلل الشلل إلى إمكانيات الإنتاج، ولذلك، فإن تجارب النهوض الآسيوية كلها كانت تؤكد أهمية عنصر الثقة بالذات في نجاح التنمية .

[ مآلات الخطاب المدني ص118 | إبراهيم السكران ]

44_فالمجتمع الغربي حين كفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم خسر تحقيق مستقبل جيد بعد فناء البشرية، وأصبح مهددا بمخاطر كارثة جهنم، وخسر التعرف على محتوى الوحي، وهي تلك المعلومات الثمينة التي حملها آخر رسول أرسله خالق الكون إلينا.

[ مآلات الخطاب المدني ص121 | إبراهيم السكران ]

45_أما ما يشيعه غلاة المدنية من تشبع المجتمع الغربي بأخلاقيات الصدق والأمانة في العمل التجاري؛ فإن بعض ذلك موجود حقيقة كما هو موجود في غيرهم من الأمم، ولكن كثيرا منه ليس صدقا وأمانة يبتغي بها وجه الله ، وليس نابعا من الإخلاص لخالق الكون، بقدر ما أنها مصداقية تسويقية مدفوعة بحسابات الربح والخسارة المادية ومهارات الماركيتنج .

[ مآلات الخطاب المدني ص123 | إبراهيم السكران ]

46_وبلا ريب ؛ فإن الدراسة العلمية الموضوعية للغرب - مجتمعا وثقافة - تكشف لك أنه ظاهرة مركبة معقدة يتوازی عمق تفوقه مع عمق کوارثه، لكن غربنة الغرب تمارس الاختزال المناقبي الذي يتسبب في تدمير التفكير العلمي، وشجاعة الباحث في النقد والتفكيك.

[ مآلات الخطاب المدني ص125 | إبراهيم السكران ]

47_أَنْسَنَةُ التُّراثِ.

بمعنى: أن تفسر تشكلات التراث على أنها مدفوعة بصراع سلطة، أو مزاحمة سيادة، أو احتفاظ بالجمهور، أو أهداف بزنسية، أو صفقات تسويقية، فمن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، مرورا بالشافعي، وانتهاء بالدعاة المعاصرين تفسر كافة تمظهرات الخطاب على أنها مجرد موازنات سياسية وحسابات اجتماعية محضة.

[ مآلات الخطاب المدني ص133 | إبراهيم السكران ]

48_اختزالُ مفهومِ الأنسنة.

فضلا عن أن هذا التفسير لدى العلمانيين العرب ينم عن جهل مطبق بمفهوم الأنسنة ذاته بمعناه الشامل، فمقتضى الأنسنة هو النظر إلى الإنسان بما هو إنسان، ولا شك أن من أقوى مكونات الإنسان المكون الديني والأخلاقي والروحاني، فاستحضار بقية مكونات الإنسان وتغييب بعضها الآخر هل يستحق أن يسمى أنسنة، أم يسمى اختزالا للإنسان؟

[ مآلات الخطاب المدني ص134 | إبراهيم السكران ]

49_غالب المفكرين حينما تغرق سفينة نظرية معينة، تراهم يتسابقون للقفز عنها، ويتظاهرون بأنهم ركبوها بالخطأ، وأنهم كانوا يريدون سفينة أخرى، وأن الناس لم تفهمهم جيدا !.

[ مآلات الخطاب المدني ص138 | إبراهيم السكران ]

50_تقوم النظرية الغربية -غالبا - على تحويل العامل المشارك إلى عامل وحيد ، فتحقق لنفسها الصدى بسبب خروجها عن التفكير العلمي الطبيعي، فتقدم اعتبارات الشهرة على اعتبارات العلم.

[ مآلات الخطاب المدني ص143 | إبراهيم السكران ]

51_الفرانكفونيُّون العرب.

ففي قراءة التراث يميلون إلى تقديم قراءة تاريخانية تحيل الأفكار إلى خلفيات السياق الاجتماعي والسياسي، فيفسر علم الفقه بصراعات القوى، وعلم العقيدة بمعارك المذاهب، وعلم الحديث بطلب السوق، وعلم التفسير بالموروث الثقافي، وهكذا .
بينما في قراءة الفكر الغربي لا تتم قراءته بمنظور تاريخاني يكشف البعد الذاتي، بل تتم قراءته بنيويا باعتباره مجرد نسق ثقافي نقي متعال، ومعزول عن الخلفيات والدوافع البشرية والسياسية والعنصرية، فيصور باعتباره مجرد فلسفة تستهدف الاستنارة والسلام الإنساني وسعادة البشرية .

[ مآلات الخطاب المدني ص145,146 | إبراهيم السكران ]

52_ومن أوجه التناقض التفسيري - الذي سبقت الإشارة إليه عند غلاة المدنية -: أنهم يرون أن التفسير السياسي لمفاهيم التراث، وافتراض أن ثمة صفقات خفية بين رموز التراث والسلطة هو خطاب علمي متنور مستوعب للأدوات الأنثروبولوجية، أما نقد الكتاب المعاصرين : فهو دخول في النيات وتنقيب عما في القلوب وشق عما في الصدور، فاتهام نيات أئمة القرون المفضلة يعتبر خطابا علميا، أما اتهام الكتاب التجديفيين والروائيين العبثيين : فهو دخول في النيات، فأي تناقض أبشع من ذلك.

[ مآلات الخطاب المدني ص146 | إبراهيم السكران ]

53_مخاطرُ أنسنةِ التُّراثِ.
إن أضخم المخاطر من أنسنة التراث بمعنى تفسيره مادیا - هو إساءة الظن به وإسقاط قيمته، وبالتالي : انفصال الشاب المسلم عن «النماذج الملهمة»، والتي تغذيه بالإيمان والقيم، فيعرض عن التفاعل مع أخبار القرون المفضلة في عبوديتهم وعلمهم وزهدهم وجهادهم، حتى يذبل إيمانه وتذوي حيويته الدعوية، فانبتات الجذور استسلام للعاصفة.

[ مآلات الخطاب المدني ص146 | إبراهيم السكران ]

54_فلو فرضنا عملا إنسانيا محضا لا يبتغي به صاحبه مالا، ولا منصبا ، ولا جاها، ولا ظهورا ، ولا شهرة، ولا تصدرا، ولا رياسة، ولا طلبا للذكر الحسن عند الناس، ولا أي مصلحة مادية أو معنوية؛ فإن ذلك كله -على فرض وجوده- لا ينفع صاحبه، طالما أنه كافر بنبوة محمد ، فأعمال الكفار كلها حابطة في ميزان الله بمجرد أن يعرضوا عن دین محمد -عليه الصلاة والسلام-.

[ مآلات الخطاب المدني ص157 | إبراهيم السكران ]

55_وهذه الفكرة التي تشيع بين الحداثيين، وهي أنهم يقولون - أحيانا -: نحن نختار الإسلام كموقف شخصي، لكننا لا نضلل ونكفر أصحاب الأديان الأخرى»، أو يقول بعضهم: «إن مقتضى الإنسانية أن كل الأديان تؤدي إلى الله ! »، من الطريف أنهم يظنون أنها فكرة حديثة معاصرة راقية ، برغم أنها فكرة عامية عتيقة كان يتبناها جهلة التتار، كما قال الإمام
ابن تيمية :
وهذا من جنس جهال التتر أول ما أسلموا؛ فإن الإسلام عندهم خير من غيره، وإن كان غيره جائزا، لا يوالون عليه ويعادون عليه».

[ مآلات الخطاب المدني ص159 | إبراهيم السكران ]

56_أَنْسَنَةُ العلاقات.

أن مفهوم الأنسنة في هذا السياق ينطوي على استبعاد المضمون الديني من صياغة علاقاتنا بالآخرين، وهذا انحراف عن الوحي يؤول بصاحبه إلى مآلات خطيرة، نسأل الله أن يعفو عنا جميعا.

[ مآلات الخطاب المدني ص160 | إبراهيم السكران ]

57_إن تفاوت الموالاة وتفاوت المعاداة هما فرع عن الأصل العظيم الذي ينتظم الشريعة كلها، وهو أصل العدل والقسط، فالشريعة لا تسوي بين المختلفين، كما أنها لا تفرق بين متماثلين، وهو معنی الميزان الذي ذكره الله له في عدة مواضع من القرآن، كقوله تعالى : ولقد أرسلنا رسلنا بالبيِّنات وأنزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط [الحديد: ۲۰] .

[ مآلات الخطاب المدني ص168 | إبراهيم السكران ]

58_يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فإن جادل منافق بكون الآية نزلت في الكفار» ، فقولوا له: هل قال أحد من أهل العلم، أولهم وآخرهم، إن هذه الآيات لا تعم من عمل بها من المسلمين؟ من قال هذا قبلك؟ وأيضا، فقولوا له: هذا رد على إجماع الأمة، فإن استدلالهم بالآيات «النازلة في الكفار» على من عمل بها ممن انتسب إلى الإسلام أكثر من أن تذكر».

[ مآلات الخطاب المدني ص172 | إبراهيم السكران ]

59_ومن أعظم شعب النفاق التبرم بمرجعية الوحي، وازدراء القرون المفضلة، واللهج بذكر الكفار وامتلاء القلب بتعظيمهم، هذه كلها من شعب النفاق، والتي يقاربها كثير من الكتاب المنتسبين للثقافة الحديثة اليوم فمستقل ومستكثر.

[ مآلات الخطاب المدني ص176 | إبراهيم السكران ]

60_ولكن المؤلم في خطاب غلاة المدنية أن بعضهم يتحدث نظريا عن النسبية فيما دون القطعيات، ولكنك تكتشف أن هذه النسبية لا تتوقف أصلا ، بل تمتد وتمتد، يوما بعد يوم، فكل من خالف في قطعي من قطعيات الوحي
سواء كان متقدما، أم معاصرا - تجد من يبرر له ذلك بشعار النسبية ، أو يبرر له بالمفاهيم والأوعية المصنعة من مادة النسبية الخام.

[ مآلات الخطاب المدني ص180 | إبراهيم السكران ]

61_ومما بنوا على أصل النسبية : أنهم يطلقون ألقابا تنفيرية على حالة «الغيرة» و«الحمية» على الشريعة والفضيلة، فيطلقون على الداعية الذي يغضب لله ويتمقر وجهه إذا انتهكت الأصول الشرعية متوترا، أو يسمونه نزا، أو أهوجا، ونحو هذه الأوصاف والعيوب، ويسمون الخطاب الدعوي الذي يضج بالحرقة للدين : خطابا متوترا !

[ مآلات الخطاب المدني ص181 | إبراهيم السكران ]

62_ومن كانت له خبرة بأصول الأفكار الحديثة، ونسب المفاهیم المعاصرة، يدرك فورا أن رواج النسبية والمفاهيم المتصلة بها يعود لضغط الحرية الليبرالية الذي تفرضه الثقافة الغربية الحديثة، وتتلقاه عنها الأمم
المنهزمة، حيث: إن النسبية هي الأساس الفلسفي للحرية الليبرالية، لكن أفكار المنتصر كثيرا ما تروج في معلبات فكرية غير صريحة.

[ مآلات الخطاب المدني ص182 | إبراهيم السكران ]

63_والحقيقة: أن من راقب مآلات النسبية رأى أنها الطريق الذي يقود المرء خطوة خطوة إلى العدمية المحضة التي لا تكاد تثبت شيئا، وتجعلك غير قادر على الحماس لأي معطى شرعي، وتسلب المرء فضيلة اليقين، وتقحمه في كهوف الارتياب والحيرة والتردد، فالعدمية نهاية الطريق في انعدام المعايير والموازين، فلا يوجد حقيقة أصلا، ولا أساس للقيم، ولا معنی موضوعي للحياة، بل تصل العدمية في حقل الإبستمولوجيا إلى أن المعرفة أصلا «غير ممكنة»، فالعدمية جرافة تهديمية في غاية الخطورة .

[ مآلات الخطاب المدني ص183 | إبراهيم السكران ]

64_والواقع: أن من لهث خلف سراب النسبية، فقد أغلق الباب بينه وبين هذه المنزلة التي هي أشرف منازل الدين، فبدل أن يجاهد نفسه لتستيقن أصبح يجاهد نفسه لترتاب.

[ مآلات الخطاب المدني ص184 | إبراهيم السكران ]

65_سلوا الله العافية.

بل قد صنف عمدة متأخري المتكلمين فخر الدين ابن الخطيب الرازي صاحب «مفاتيح الغيب»، و«المحصول»، و«المباحث المشرقية» ونحوها مما أصبح مرجع كثير من المتأخرين كتابا تكلم فيه عن أقسام اللذات وجعلها ثلاثة أقسام، وجعل أعلاها وأرفعها «اللذة العقلية»، حيث يقول الفخر الرازي: «وأعلاها اللذات العقلية، وهي اللذات الحاصلة بسبب معرفة الأشياء، والوقوف على حقائقها »)، ثم ختم الرسالة بالحيرة في معرفة الله، واستحالة الثناء عليه أصلا، لأن تنزيه الله عما لا يليق به سوء أدب، وصفاته الثبوتية معطلة عنده فالثناء على الله بها سوء أدب أيضا، فآل الأمر عنده -والعياذ بالله- إلى الاعتذار لله بعدم إمكانية الثناء عليه، وهذا مآل التعطيل البشع ونهاية منحدرات الكلاميات!

[ مآلات الخطاب المدني 191 | إبراهيم السكران ]

66_وكتب الرازي والآمدي الكلامية فيها مباحث ومضايق نخبوية، ليس بالضرورة أن تكون محسوبة على الكلام الرسمي، بينما مواقف الإيجي هي أشبه بمقرر دراسي للتعليم العالي، فالتصور الذي يتم تعميده داخل مواقف الإيجي يكتسب دلالة مضاعفة على عمق انتمائه لعلم الكلام رسميا، وبالتالي فدخول هذا الأساس المعرفي الفلسفي المواقف الإيجي يعكس عمق الاختراق السينوي اليوناني للمنظومة الكلامية .

[ مآلات الخطاب المدني ص193 | إبراهيم السكران ]

67_فابتلى الله الأذكياء وأصحاب العقول بحمل النفس إلى العبودية ، وابتلي الله الروحانيين وأصحاب العبادة بحبس التعبد على هدي ، واقتصاده وسنته، وقد نبهت على ذلك خاتمة الفاتحة بمثالي المغضوب عليهم والضالين، ودلت عليهما أبلغ دلالة على طريق ضرب المثل، الذي هو الطريق الأكثر في القرآن.

[ مآلات الخطاب المدني ص196 | إبراهيم السكران ]

68_وهؤلاء الذين يعظمون الذهنيات والعقليات والفكريات تغيب عن أذهانهم الأبعاد الغيبية للفهم والصواب، فلا يستحضرون إلا أن الفهم مرتبط بالذكاء، والصواب مرتبط بالقدرات العقلية، بينما هناك عامل فوق ذلك كله، وأقوى منه ، وهو (التوفيق الإلهي).

[ مآلات الخطاب المدني ص197 | إبراهيم السكران ]

69_ولو كانت السلوكيات الاجتماعية هي علة التشريع الجوهرية من هذه العبادات لما كلف الله العباد بهذه الشعائر وتفاصيلها مع أننا نرى الكثير من الناس فيه سلوك اجتماعي حسن من دون هذه الشعائر، حتى إن الله ذكر عن بعض كفار اليهود أمانتهم مع كفرهم، كما في قوله : ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك [آل عمران: ۷۰]، بل لكان تكليف الله للخلق بهذه الشعائر لمجرد السلوك الاجتماعي تطويل للطريق وعبث ينزه الله عنه .

[ مآلات الخطاب المدني ص203 | إبراهيم السكران ]

70_فإن أصول المأمورات وأصول المحرمات كلها تثمر للقلب طهارة وزكاة وسلامة هي من أعظم المبتغيات الإلهية.

[ مآلات الخطاب المدني ص203 | إبراهيم السكران ]

71_إن من أعظم غايات ومقاصد التشريع تزكية النفوس وعمارة القلوب بالله، أما تهذيب الأخلاق الاجتماعية وإقامة المصالح العامة فهي من جملة غاياتها ومقاصدها التي يحبها الله، لكن لا يجوز اختزالها فيها وقصرها عليها، فضلا عن تقديمها على أصل الإيمان والفرائض.

[ مآلات الخطاب المدني ص204 | إبراهيم السكران ]

72_وكشف لنا سبحانه وتعالى أنه لا قيمة للأمم بدون هذا التضرع، كما قال سبحانه : قل ما يعبؤا بكم ربِّي لولا دعاؤكم.
[الفرقان : ۷۷].
هذه المعاني الجليلة التي يريدها الله من العباد، والتي هي الهدف من خلق الإنسان أصلا، وهي زبدة مشروع الرسالات منذ بدء الخليقة، لا يجوز تغيبها واختزال الشرائع بغایات مادية محضة.

[ مآلات الخطاب المدني ص206 | إبراهيم السكران ]

73_فكل اتجاه فكري أو فلسفي يربط مقصود الشريعة طبقا لرؤيته حول كمال النفس الإنسانية، لا طبقا لدلالات القرآن حول مقاصد الشريعة.

[ مآلات الخطاب المدني ص208 | إبراهيم السكران ]

74_يقول الهروي في «منازل السائرین»:
«تعظيم الأمر والنهي : هو أن لا يعارَضا بترخٌّص جاف، ولا يُعرَّضا لتشديد غال، ولا يُحمَلا على علة توهن الانقياد».

يقول ابن القيم: 《ولا يحملا على علة توهن الانقياد》، يريد أن لا يتأول في الأمر والنهي علة تعود عليهما بالإبطال، كما تأول بعضهم تحريم الخمر بأنه معلل بإيقاع العداوة والبغضاء والتعرض للفساد، فإذا أمن من هذا المحذور منه جاز شربه، كما قيل :

أدِرها فما التحريم فيها لذاتها
ولكن لأسباب تضمَّنها السُّكرُ

إذا لم يكن سكرٌ يضل عن الهدى
فسِيَّان ماءٌ في الزجاجة أو خمرُ

[ مآلات الخطاب المدني ص210,211 | إبراهيم السكران ]

75_كلما كان الإنسان أكثر تعظيما لجزئيات الشريعة كان أكثر تعظيما للكليات الضمنية فيها، وكلما كان الإنسان مستهينا بجزئيات الشريعة كان أكثر استهانة بالكلي المتضمن فيها، فلا طريق لتعظيم الكلي إلا بتعظیم جزئياته وتطبيقاته، وبذلك يتبين أن دعاوی تعظیم الكلي التي يرددها غلاة المدنية إنما هي في نهاية المطاف وسيلة لتفريغ الكلي من محتواه باسم تعظيمه.

[ مآلات الخطاب المدني ص224 | إبراهيم السكران ]

76_داعيةُ السِّلْمِ الأكبر "غاندي" !

بل من الطَّريف حقا أن صورةَ غاندي السلمية التي تروج في خطاب اللاعنف، ويشغَّب بها على آیات الجهاد في كتاب الله؛ أنها أصلا صورة غير دقيقة علميا، بل هي صورة منقوصة، فغاندي نفسه تزلزل في التمسك بفكرة السلمية المطلقة، فكل شعاراته عن اللاعنف تبخرت لما شنت بريطانيا الاستعمارية الحرب على البويريين عام: (۱۸۹۹م) لإخضاعهم لاستعمارها ، وخشي غاندي أنه إن رفض المشاركة مع البريطانيين في حرب البويريين أن تتضرر قضيته في الهند! فدخل في «العنف» لأجل مصلحته القومية ! بل عبَّأ الهنود لدعم العنف البريطاني الاستعماري، وأضخم أمر لافت في ذلك الحدث أنه كان يعتقد بعدالة قضية البويريين أصلا، لكنه قَبِلَ بممارسة العنف المسلح ضدهم لأجل مصلحة قومه.

[ مآلات الخطاب المدني ص229 | إبراهيم السَّكران ]

77_داعيةُ السِّلْم الأكبر "غاندي" !

ومن المواقف الخرقاء لغاندي أنه تبعا لاعتقاداته النباتية الخرافية في منع أكل اللحم كاد أن يُهلِك زوجتَه حين منع الطبيبَ من إطعام زوجته المريضة بشيء من منتجات اللحوم حيث يقول غاندي:
اجتمعت إلى الطبيب الذي أدلى إلي، في هدوء، بهذا النبأ : «كنت قد أعطيتُ زوجتك السيدة غاندي مرق لحم البقر عندما هاتفتك»، فقلت: «لا، أيها الطبيب، أنا أدعو هذا خيانة».
ثم قال غاندي للطبيب: «أنا لن أسمح لزوجتي بأن تعطى اللحم، أو لحم البقر، حتى ولو كان هذا الرفض معناه موتها، إلا إذا رغبت بذلك» .
وكانت زوجة غاندي غير قادرة على الحديث، ومع ذلك ذهب غاندي واستشار زوجته المريضة، فصادقت على رأي غاندي بالامتناع عن أكل اللحم، فقال الطبيب لغاندي :
يا لك من رجل غليظ القلب ! كان ينبغي أن تخجل من مباحثتها بهذه المسألة وهي في حالتها الحاضرة».

[ مآلات الخِطاب المدني ص232,233 | إبراهيم السكران ]

78_إن جوهر الابتلاء الديني بين الإيمان والكفر، هو التنازل عن شهوات الدنيا ومصالحها من أجل الدين !

[ مآلات الخطاب المدني ص236 | إبراهيم السكران ]

79_إن الملاحظ لدى دعاة المدنية المادية أنهم لا يكفرون إلا من قصد الكفر، وقصد أن يكون كافرا ! ولا يميزون بين «قصد الفعل الذي هو من متطلبات ثبوت التكليف، وبين «قصد الكفر» الذي هو أصلا نادر، وخلاف واقع الكفار في القرآن.

[ مآلات الخطاب المدني ص238 | إبراهيم السكران ]

80_هلاميةُ النَّصِّ الفلسفي.

ومن المهم أن يستوعب المتطلع للثقافة والفكر أن الغموض غالبا هو «استراتيجية كتابية» في فن الصياغة، فتعويص النص على قارئه وصناعته بصورة مستغلقة، يراد به إرهاب القارئ، وبث المهابة في نفسه.

[ مآلات الخطاب المدني ص244 | إبراهيم السكران ]

81_هلاميةُ النَّصِّ الفلسفي.

ويذهب بعض الباحثين إلى أن الغموض في الكتابات الفكرية والفلسفية له وظيفة أخرى، وهي التعمية على الثغرات إذا تورط المؤلف بشح البرهنة ، ففي المناطق الرخوة في الكتاب يلجأ الفيلسوف لاستعمال المجملات الغامضة لكي لا تصطاده العين الناقدة للقارئ، ولا يستطيع الناقد تثبیت ما يريد المؤلف لمحاكمته، وممن يستعمل هذا التفسير للغموض أستاذ الفلسفة الأمريكي سترومبرج ، وهو متخصص في تاريخ الفكر الأوروبي، حيث يقول مثلا:
من الواضح أن معرفة مارکس بتاريخ الفكر والفعل البشريين أقل بكثير من أن تساند عمومياته الجريئة، ولذلك انعطف إلى استعمال لغة غامضة، بغية إخفاء بعض المشاكل أو القضايا الصعية».

[ مآلات الخطاب المدني ص248 | إبراهيم السكران ]

82_هلاميةُ النَّصِّ الفلسفي.

جيمس جينز يضرب مثلا مثيرا لمعضلة شرود المعنى في النصوص الفلسفية فيقول: «قد يكون هناك مبرر للتساؤل عما إذا كان كانط نفسه قد فهم أفكاره، فبعد ستة عشر عاما من نشر «نقد العقل الخالص» كانت مبادئ كانط تثير فوضى شديدة في ألمانيا ، وفي هذا التوقيت سئل كانط عن أكثر شارحيه إلماما بالمعنى المقصود، وفي إجابته أشار إلى رجل معين اسمه «شولتز وضع تفسيرا مبدئيا أضاف إلى تعقيد الأجزاء السهلة من فلسفة كانط ، في توسع متعب، في حين أنه حذف الأجزاء الصعبة ، واضعا بعض العبارات التي كانت واضحة الخطأ، وهكذا بقيت مشكلة اكتشاف معنی ما كتبه كانط بدون حل حتى اليوم، ويخبرنا «جيمس وارد» أنه في المدة (1865م) إلى (1878م)، كان هناك على الأقل ست صيغ مختلفة لفلسفة كانط .

[ مآلات الخطاب المدني ص252 | إبراهيم السكران ]

83_وهمُ العمق في النَّصِّ الفلسفي.

والواقع : أن كثيرا من الشبان المتطلعين للثقافة إذا قرؤوا الكتب الفلسفية المترجمة فلم يستوعبوها، ظنوا أنها معان دقيقة تفوق مستوى فهمهم، ولا يدور بخلدهم أن هذا قد يكون بسبب تحذلق كاتب النص الفلسفي، وعجز المترجم عن الفهم، ولذلك ظهرت الترجمة بهذا الشكل المبهم! وتبعا؛ لذلك يقعون في الهزيمة والإنكسار أمام استراتيجية الغموض هذه، ويجب أن نبرهن للقارئ العربي خطأ هذا السلوك، وضرورة ثقته بنفسه .

[ مآلات الخطاب المدني ص253 | إبراهيم السكران ]

84_هلاميَّةُ النَّصِّ الفلسفيِّ.

يقول أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بالرباط، محمد عابد الجابري: «أنا شخصيا عندما أقرأ كتابا ترجم في هذا العصر إلى العربية في موضوع فلسفي لا أفهمه».

ويقول الكاتب والمترجم المتخصص في الفلسفة، هاشم صالح : وأتذكر أنني كنت أشعر بالألم والحيرة عندما كان يقع بين يدي کتاب مترجم، ففي معظم الأحيان لم أكن أفهم ما يقوله بالضبط.

[ مآلات الخطاب المدني ص254 | إبراهيم السكران ]

85_أسبابُ غموضِ النَّصِّ الفلسفي.

ولو شئنا الدخول في تحليل جوهر الإشكالية الدلالية في الغموض الفلسفي، بمعنى لو أردنا استكشاف الجواب عن السؤال: من أين ينبع الغموض في مثل هذه النصوص؟
يمكننا أن نقول: إن الجملة اللغوية البسيطة فيها مسند ومسند إليه ، أو تصور وتصديق، أو موضوع ومحمول، أو موضوع وحكم، أو محکوم عليه و محکوم به، ونحوها، وهي اصطلاحات متقاربة، فالمراد أنك تجد في الجملة البسيطة كلمة تقدم تصورا عن موضوع ما، وكلمة أخرى تقدم حكما تسنده إلى هذا الموضوع.
فإذا كانت الكلمة التي تقدم تصورا محتملة لعدة دلالات، والكلمة التي تقدم حكما محتملة لعدة دلالات، أصبحنا أمام عدد من النتائج المحتملة لهذه الجملة، فلو أخذنا بالحد الأدنى من احتمالات الدلالة في كل كلمة، فافترضنا أن الكلمة التي تصور الموضوع تحتمل معنيين، والكلمة التي تصور المحكوم به تحتمل معنيين، أصبح لدينا في حساب الاحتمالات 4 نتائج أو أحكام نهائية، فيحتار القارئ أيها الذي يريد المؤلف.

[ مآلات الخطاب المدني ص255 | إبراهيم السكران ]

86_فكلما زادت الاحتمالات الدلالية في اللفظة، وزادت الألفاظ المحتملة في الفقرة الواحدة؛ زادت كمية الضباب التي تحجب الرؤية عن القارئ، وصار يسير على قلق وغير يقين بأن هذا هو طريق المعنى المقصود، فيصير مستسلما منکسرا لأي يد تمتد له لتنقذه، وها هنا يكون الكاتب بلغ هدفه في صناعة الإذعان والانصياع المطلوب في نفس القارئ.

[ مآلات الخطاب المدني ص258 | إبراهيم السكران ]

87_فمن تدبر نصوص القرآن وتأمل كتاب الله انكشف له خمسة آثار دنيوية للاستقامة الدينية، وهي: «التمكين السياسي في الأرض، واستقرار الأمن في البلاد، والرخاء الاقتصادي، والطمأنينة النفسية، والسلامة من كوارث الغضب الإلهي».

[ مآلات الخطاب المدني ص267 | إبراهيم السكران ]

88_من التنبيهات البديعة للإمام ابن تيمية توضيحه للعلاقة بين «تحکیم الشريعة» و«الاستقرار السياسي»، حيث يقول رحمه الله :
وإذا خرج ولاة الأمور عن هذا، فقد حكموا بغير ما أنزل الله، ووقع بأسهم بينهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم، وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول، كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة، في زماننا وغير زماننا».

[ مآلات الخطاب المدني ص273 | إبراهيم السكران ]

89_قانون الاستدراج الإلهي.

إن من أظهر قوانين التاريخ التي سطرها لنا الوحي قانون الإملاء والاستدراج الإلهي، فالقوة المادية وتعملق الإمكانيات التي بأيدي الكفار هي نوع من ذلك، كما قال لك : والذين كذَّبوا بآياتنا سنستدرجهم مِن حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين.

[ مآلات الخطاب المدني ص274 | إبراهيم السكران ]

90_لا أشد على العامل للإسلام من تلك الفتنة التي حذر الله منها نبيه -عليه الصلاة والسلام-وهي فتنة استمالة المدعوين، والرضوخ لهوى المكلفين، والانصياع لضغوط مألوفاتهم، وتوجيه التعاليم الإلهية بالشكل الذي يرتاحون به ويميلون إليه.

[ مآلات الخطاب المدني ص278 | إبراهيم السكران ]

91_ما أحوج من أراد أن يجمع الوحي کله إلى مقام الصبر، الصبر على تعارض الوحي مع الهوى البشري، الصبر على تثاقل النفوس وتمنعها بحبال مألوفاتها، الصبر على الإلحاح النفسي الرهيب الذي يدفع الداعية إلى تلبية ما ينتظره الجمهور منه وإن كان لا ينسجم مع ما تمليه آيات الوحي.

[ مآلات الخطاب المدني ص281 | إبراهيم السكران ]

92_هذا القرآن ليس مجرد مخزون معرفي، أو تراتيل طقوسية، بل هو رسالة إلهية تحمل قضية هي فوق كل قضية، حتى قطعت بها أواصر موصولة ، وسلت لها سيوف مغمدة، وسقطت لها عروش شامخة، وصعد بها رويعي الغنم مرتقى صعبا.

[ مآلات الخطاب المدني ص283 | إبراهيم السكران ]

93_ويمكن إجمال بعض الغايات والنتائج التي سعت إليها هذه الدراسة في الخطوط التالية :

1- إن العبودية : هي الغاية الكبرى، أما العلوم المدنية : فهي وسيلة تابعة لها.
2- إن التنوير الحقيقي : هو الاستنارة بالعلوم الإلهية التي تضمنها الوحي، وإن الظلامية والانحطاط الرئيسي : هو الحرمان من أنوار الوحي مهما بلغت درجة العلوم المدنية .
3- إن أشرف مراتب العمارة : هي العمارة الإيمانية، وأثر جوهر وظيفة الاستخلاف: هو تمكين الدين .
4- إن الغلو المدني المادي : هو ينبوع الانحراف الثقافي وجذر التخبطات الفكرية المعاصرة.
5- إن الإسلاميين ليسوا ضد المثاقفة، ولكن لديهم موقف تفصيلي يفرق بين الانتفاع والانبهار، ويفرق بين مستويات الإنتاج في الحضارات الأخرى.
6- إن خطاب أنسنة التراث آل إلى تغييب دور النص في تشكيل التراث، ورد العلوم الإسلامية إلى عاملین: توفيدها للثقافات السابقة، وتسييسها بصراعات المصالح، وإن هذا كله مأخوذ عن الاستشراق في حقبته الفيلولوجية، بما ترتب عليه انفصال الشاب المسلم عن نماذجه الملهمة.
7- إن المغالاة في مفهوم الإنسان آلت إلى طمس المعايير القرآنية في التمييز على أساس الهوية الدينية.
8- إن التبرم بمرجعية الوحي، والإزراء بالقرون المفضلة، واللهج بتعظيم الكفار، من أكثر شعب النفاق المعاصرة التي تستدعي التحصين الإيماني.
9- إن المغالاة في النسبية يقود إلى العدمية، بما يترتب عليه خسارة فضيلة اليقين ومنزلة الإحسان، والإغراق في الارتياب والحيرة واللاحسم .
10- إن الغضب لله ورسوله إذا انتهكت محارمهما قيمة محمودة، وليس توترا، ولا نزقا، ولا دوغمائية، ولا وصاية، ولا إقصاء .
11- إن الاستغراق في ربط الشعائر بعلل سلوكية محضة، أو ربط التشريعات بحكم اجتماعية محضة، من أعظم أسباب توهین الانقياد وذبول الدافعية.
12- إن تعظيم الكلي مع تجميد تطبيقاته يؤول إلى تعظيم شكلي نظري لا حقيقة له؛ لأن الجزئي معتبر في إقامة الكلي.
13- إن الهزيمة أمام الغموض العمدي، أو الفرح بالغموض للامتياز عن الجمهور، من العلل النفسية التي تسببت في الانحراف الفكري .
14- إن الاستقامة الدينية ليست لمجرد السلامة من النار، بل لها آثار دنيوية كبرى في جلب الخيرات ، ودفع الكوارث.
15- إن الضعف البشري في تأويل النص باتجاه رضا الناس حقيقة لا يستهان بسطوتها على العامل للإسلام الشغوف باستمالة المدعوين .
16- إن استفراغ الوسع والاستطاعة في إعداد القوة واتخاذ الإمكانيات من الواجبات الشرعية المحكمة.

[ مآلات الخطاب المدني ص288,290 | إبراهيم السكران ]

94_وكل من أعرض عن قواعد الشريعة في تنظيم تطبيقات الحضارة والمدنية ؛ وقع في التخبط والخلط، فلم تسلم له حضارة دنيوية، ولا مستقبل أخروي.

[ مآلات الخطاب المدني ص295 | إبراهيم السكران ]

95_فإن أصحاب النبي - رضوان الله عليهم- لم يستطيعوا أن يدكوا حضارة فارس والروم إلا حين زکی النبي صلى الله عليه وسلم نفوسهم وربى فيهم تعظيم الآخرة ووسيلية الدنيا، والشموخ بالعلوم الإلهية، فرباهم على ذلك بكل حدث يمرون به، فكان النبي يستغل الأحداث والوقائع لترسيخ معنى إرادة الله والدار الآخرة في نفوس أصحابه والاستعلاء على مظاهر الدنيا واعتبارها مجرد وسيلة لبناء المستقبل الأخروي.

[ مآلات الخطاب المدني ص302 | إبراهيم السكران ]

96_لم يكتف الخطاب القرآني ببيان وسيلية الدنيا وخطر تعظيمها فقط، بل كانت آيات القرآن تتنزل على مجتمع أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-متوالية في وقائع متتابعة تؤكد مرة بعد أخرى على تعميق الشعور بفرادة المجتمع المسلم وعلوهم على كل قوى المجتمعات الدنيوية الكافرة، انظر كيف تزکیهم آیات القرآن بهذا المعنى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين .

[ مآلات الخطاب المدني ص307 | إبراهيم السكران ]

97_بل إن من تأمل لحظة ارتطام الفكر الإسلامي بسطوة الحداثة اليونانية في تاريخ الإسلام المبكر، وكيف سببت ارتجاجات وفقدان تماسك لدى كثير من العباقرة والأذكياء، علم أن أئمة الإسلام الذين ثبتوا في تلك المحنة لم يتمكنوا من مقاومة تلك الأعاصير الحداثية إلا حين كانت العلوم الإلهية الموروثة عن خاتم الرسل أعظم في نفوسهم من كل ما سواها، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.

[ مآلات الخطاب المدني ص308 | إبراهيم السكران ]

98_كوارث التأثُّر بالمدنيَّة.

وأصدقك القول - أيها القارئ الكريم - أني تأملت كثيرا في ظواهر الانحراف الثقافي في صحافتنا ومنتدياتنا الفكرية وخصوصا في مستوياته الشبابية - فرأيت أنه إذا تشرب قلب الشاب «تعظيم المدنية الدنيوية»، و«الغلو في الحضارة المادية»، بحيث أصبحت «معیاره» في تقييم المجتمعات والشخصيات قاده ذلك «تدريجيا» إلى زهاء خمسة عشر كارثة :
التحييد العملي للنص، والإزراء بالقرون المفضلة، والاستخفاف بقيمة علوم الشريعة، واللهج بتعظيم الكفار، والسرور بالحديث الفكري المجرد، والتدهور السلوكي، والعزوف الدعوي، والتحول للمشروعات الفكرية الشخصية، واستسذاج الموعظة والخطاب الايماني، والحدة في محاسبة الإسلاميين، والرحابة وحسن الظن تجاه الدراسات المنحرفة، وذبول الحمية لله ورسوله تجاه الكتابات المنتهكة للمحكمات، والتركيز على زلات المحتسبين بما يفوق عدوان المجاهرين، والتلذذ بمناهضة الفتاوی، والولع برخص العلماء وشذوذات الفقهاء.

[ مآلات الخطاب المدني ص310 | إبراهيم السكران ]

99_بل هذه الشريحة التي تتسلط على النصوص بالاعتراضات يذبل الإيمان فيها تدريجيا، كما قال الإمام ابن تيمية : ولهذا تجد من تعود معارضة الشرع بالرأي لا يستقر في قلبه الإيمان.

[ مآلات الخطاب المدني ص313 | إبراهيم السكران ]

100_كم نحن بحاجة إلى التطعيم المسبق بمصل إيماني يحمي شباب الإسلام أن يجرفهم وهج الحضارة المادية ومعايير المدنية الدنيوية؛ ليواصلوا مسيرتهم النهضوية دون أن ينهار «سلم الأولويات»، فتراهم في كل حقل يسبقون غيرهم مع امتلاء قلوبهم بعظمة الوحي وعبقرية القرون المفضلة ومتاعية الدنيا وانحطاط الكفار.

[ مآلات الخطاب المدني ص315 | إبراهيم السكران ]

101_وتلاحظ في حديث المُجدِّد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يجدد لها دينها»، فنسب الدين للأمة، ودين الأمة هو المعروف مسبقا المطمور وقت التجديد ، وليس هو الفهم الشخصي المخترع؛ فإن صاحب الفهم الشخصي المخترع لم يجدد لها دينها، بل ابتكر لها ديناً مستقلا من عنده.

[ مآلات الخطاب المدني ص324 | إبراهيم السكران ]

102_فجعل المحكمات هن «أم الكتاب»، أي : أصله وأساسه، ومقتضی كونها محكمة إمكانية فهمها، وبالتالي : إمكانية فهم القرون المفضلة لهذه الآيات المحكمة التي هي أم الكتاب وغالبه، وعليه؛ فإن من اعتقد أن القرون المفضلة لم تفهم أصول معاني النصوص الشرعية كما ينبغي؛ فهذا مؤداه : أن جمهور آیات الوحي ليست بمحكمة أصلا، فهذا طعن في أم الكتاب وجعله متشابه موهم.

[ مآلات الخطاب المدني ص324 | إبراهيم السكران ]

103_فهل يخطر ببال باحث يحترم مقتضيات البحث العلمي أن الله أنزل إلينا «ألفاظا»؛ ليختبر إمكانيات كل جيل في التحليق بمعانيها كيفما اتفق؟ وأن الله لا يعنيه المراد الإلهي فيها بقدر ما يعنيه مراعاة ألفاظها؟! وأن الاحتمالات الدلالية لألفاظها كلها خيارات متاحة؟! هذا عبث ينزه الشارع عنه، ويتناقض مع وصف القرآن لأم الكتاب بأنه «محكم».

[ مآلات الخطاب المدني ص325 | إبراهيم السكران ]

104_تكلم الامام ابن تيمية عمن أبهرته «تقريرات المتأخرين» ، فجعلهم أعلم من القرون المفضلة، فكان مؤدى ذلك كما يقول الامام ابن تيمية في رسالته «الحموية» المشهورة :
كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله، ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده : في غاية الجهالة ؛ بل في غاية الضلالة.

[ مآلات الخطاب المدني ص327,328 | إبراهيم السكران ]

105_إن منهج قراءة النص عند صحابة رسول الله ومن سار على هديهم هو أكمل المناهج، والشرف كل الشرف في الاجتهاد في تحقيقه وتتبعه، لا في مناهضته ومجافاته.

[ مآلات الخطاب المدني ص333 | إبراهيم السكران ]


106_والحقيقة: أن الباحث العلمي إذا ابتعد عن الضجيج التسويقي لمناهج الدلالة في الألسنية والهرمنيوطيقيا، ووازن ب «هدوء» بين «نماذج القراءة الحديثة للنص»، وبين «النموذج الفقهي الإسلامي»، والذي تضمنته المدونات النظرية لأصول الفقه وقواعده ومقاصده، والمدونات التطبيقية للفقه الإسلامي المقارن؛ فإنه سيشعر بحجم الإفلاس العميق وضعف الإقناع وغياب المنطقية والعقلانية في مناهج القراءة الحديثة المخالفة لمنهج القرون المفضلة، وأنها كلها افتراضات تقبل إثبات العكس.

[ مآلات الخطاب المدني ص336 | إبراهيم السكران ]

تمَّ كتابُ [ مآلاتِ الخطابِ المَدِنيِّ ] بحمدِ اللهِ ومنِّهِ وحُسْنِ توفيقهِ.



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فوائد وفرائد
  • فوائد وفرائد من كتب العقيدة
  • فوائد وفرائد من كتب الفقه
  • فوائد وفرائد من كتب التفسير
  • فوائد وفرائد من كتب الحديث
  • فوائد وفرائد منوعة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فوائد وفرائد قيدها: المسلم
  • فوائد وفرائد قيدها: عِلْمِيَّاتُ
  • الرئيسية