صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ما بين رمضان الماضي ورمضان القادم!!

سارة بنت محمد حسن


الحمد لله الذي أذن لنا بذكره وأرسل إلينا رسله ، وأصلح حالنا بدين الحق ليظهره على الدين كله ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له رحم عباده فهداهم بالإسلام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير الأنام وبعد ،
لابد أن القارئ تعجب من العنوان ولا ريب فليس هذا وقت يعتاد الكلام فيه على رمضان ، ولهذا أخترته!
فقد مضى ما يقرب من نصف العام على رمضان الماضي (بهذه السرعة ؟؟!!) وبقي ما يقرب من مثلها على رمضان القادم فمنا من سيعيش ليدركه ومنا من لن يدركه ، كما أنه كان منا من أدركه ، ومضى منا قبله من لم يدركه ..
والسؤال الآن هل فترت الهمم عما عهدناه في رمضان ؟ هل نسينا ما عزمنا عليه آنذاك ونحن نبكي فراق الشهر ليلة العيد (إن كنا بكينا )
هل فترت الهمم هذه الأيام ، بل قبلها بأيام ..عفوا بأشهر بله شهور ؟
نعم فترت ...لماذا ؟!
 لكي نعلم ضعفنا ونلزم قَدرِنا ولا نغتر بأعمالنا !
 فنحن لم نجتهد في رمضان .. لا تظن وتسمي قيامك وصيامك اجتهادا ، ولو كنتَ سميته اجتهادا وأعجبك وانتفختْ له أوداجك فاعلم أنه سبب من أسباب الفتور !!
ولنعلم أننا لم نجتهد في رمضان فلندرك كيف مرت عبادتنا فيه :
فلقد كبل الله لنا الشياطين ، وسير لنا قارب العمل فصعدنا مع الصاعدين ، وسار بنا الركب مع التيار بلا جهد يذكر فما أيسر العمل مع العاملين وهذا حال رمضان والمجتهدين! فما أسهل الإبحار مع التيار..
فالجميع في رمضان قد صام وقام (أعني أغلب من حولنا) ، والجميع تحركت شفتيه بالذكر والقرآن ، بل إن مواعيد دوام الأعمال تغيرت فصار لدينا متسع من الوقت للراحة ومن ثم العبادة ، فظهرت إمارات الصلاح فأنت لست غريبا ولا تسير ضد التيار ...وما أصعب الإبحار ضد التيار !
وعند انتهاء الثلاثون يوما المباركات وقد نهلنا فيهن من الحسنات – بإرادتك أو رغم أنفك – فلا تعجب بنفسك ولا تظن فيها الخير وتنتفخ أوداجك بالثقة وتتقلب شفتيك ازدراء حال أقوام تظن أنهم لم ينالوا ما نلت ، بل احمد ربك الذي أعطاك فلم يحرمك ورَغِم شيطانك فلم يخذلك ، وكبح جماح نفسك بما رزقك من الصوم فلم يسلمك.." قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " سورة يونس 58
ولم أتعرض في كلماتي القليلة للرياء والتسميع وما إلى ذلك رحمة بنفسي وبالقارئ..
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى عليه وسلم قال :" لكل عمل شرة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" صحيح الجامع.
إذا هذا الفتور الحالي بعد مرور نصف العام على رمضان يجب أن يوجه لكي يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو من نعم الله علينا لنعلم أن الله هو الرزاق يرزقنا العمل ثم يجزل لنا عليه العطاء ، فإن حُرمت هذه الأيام عملا كنت عملته من قبل فارفع أكف الضراعة متوسلا لله تعالى ، وافرح بقبضة الحزن تعتصر الفؤاد وقل يا رب ردني إليك ردا جميلا ..لعل الذي نفسي ونفسك بيده أن يجري عليك الرزق من جديد فإنه سبحانه ما منعك إلا ليعطيك فابسط كف: وتصدق علينا[1]
فما أحوجنا لمعرفة قدر أنفسنا ، وما أحوجنا لرفع أيدي الضراعة لرب العزة سبحانه لنعترف بين يديه بضعفنا وعجزنا إلا أن يتغمدنا الكريم الرحيم برحماته ، وما ألطف العليم الخبير بعباده إذ جعل عليهم من أنفسهم واعظا ، فما اشتكى أحدهم الفتور إلا كان حقا علينا أن نبشره بالتوبة ، فليستبشر خيرا فإن شكواه دليل إيمانه فإنه لو كان ميتا لما كان للجرح ألما ، وهل لجرح بميت إيلام ؟؟!!
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة . قال : " تلك محض الإيمان" رواه مسلم
ومن هذا الحديث نفهم أن دخول الوساوس على القلب دليل الإيمان فإن الشيطان كاللص ، فما يفعل اللص في البيت الخرب؟؟ اللص يدخل البيوت العمرانه بالذهب والفضة ، ونستطيع أيضا أن نقول أن حزن القلب بسبب الفتور والوساوس  دليل إيمانه لأنه لو كان كارها للحق لما أحزنه فتوره وضعفه ووسوسته.
عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا ، لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا ، لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا ، إلا ما أشرب من هواه" صحيح الجامع
فإن الشيطان يلقي بالشبهات والنفس تلقي بالشهوات وقد يختلط الأمران معا فتشتهي النفس ويشبه علينا الشيطان الحِل والحرمة ، فحزن القلب دليل الرفض ويبقى على القلب عملا لابد منه وهو أن يتوجه إلى ربه بالضراعة ولا يكتفي بالحزن ولا يقف عنده طويلا فإن له رب رحيم ما منعه شيئا إلا ليعطيه خيرا منه فأسأله يا عبد الله تنل رضاه
ولولا الفتور لتمادينا في العجب والرياء حتى نذوق الخذلان بما قدمت أيدينا ، وأعظم خير يأتي به الفتور ذل النفس بين يدي العزيز الرحيم ..فلا تحرم نفسك هذا الذل بين يديه في جوف الليل تشتكي إلى الله عجزك وتتضرع إليه أن يتغمدك برحماته فوالله لولا الله ربنا ما اهتدينا..
فكل مقاومة بحزن وتضرع لله تعالى تنكت في القلب النكتة البيضاء التي ذكرت في الحديث حتى يصير القلب سليما لا تضره الشبهات ولا الشهوات : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" سورة العنكبوت 69
وبعد فهذا نوع من الأمل يسطع نوره في ظلمات القلب فيستبصر الطريق ولا تشطح به الوساوس فيظل في دائرة من الفتور ، لا يرى لها بداية ولا نهاية .
نسأل الله العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا ويتجاوز عن سيئاتنا ويرحمنا فإن الله هو الرحيم الودود.
 

-----------------------
[1] انظر كتاب الفوائد حيث ذكر ابن القيم جملة بديعة قال في أخرها :..وابسط كف :وتصدق علينا " كناية عن التذلل لله تعالى تذلل السائل الذي ضاقت به السبل حتى أغلقت دونه ولم يجد إلا بابا فولجه ولوج الغريق الذي وجد نجاة بعد ما كاد ، وهي جزء من آية في سورة يوسف حيث توسل إخوته إليه بعد ما ابيضت عين أبيهم وأُخِذ أخوهم واحتاجوا الميرة حاجة شديدة فمسهم الضر فلم يجدوا غير أن يبسطوا أيديهم إليه وقالوا له :"فأوف لنا الكيل وتصدق علينا "


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سارة بنت محمد
  • الأسرة
  • وسائل دعوية
  • درر وفوائد وفرائد
  • تربية الطفل المسلم
  • قضايا معاصرة
  • عقيدة
  • رقائق
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط