صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خبز ودم

صباح نوري محمد الضامن
شبكة المسك الإسلامية النسائية


بسم الله الرحمن الرحيم


وقفَت عقارب الساعة وتخشَّبت، أطراف تتمنى أن تُسارع الخطو؛ لتبتعدَ عن شاشة التلفاز التي بات لونُها قانيًا بِلا توقُّف.

تجمَّدت أجنحة الأقلام في سماء البوح، فما عادت تمتلك الشجاعة على الطيران هنا وهناك؛ لتنتقل بين الحروف النقية الصادقة الزارعة للهمَّة، الباثة أنينًا تارةً، أو المُضمِّدة لجراحٍ تارة أخرى بقولة:
لا تَبتئسوا؛ فالله معكم.

حتى هذه القَولة رغم أن الحقيقة فيها ضاجَّة، لم نعد قادرين على زَرعِها في صفحاتنا؛ لأننا ببساطة، خذَلْنا الصفحات، وخذَلْنا الأقلام، وخذلنا أرواحنا التي زُهقَت.. في أرض شامنا الحبيبة.

يا لَيتَنا لم نَمتلِك تلفازًا، أو يا ليتنا لم نعرف طريق الكتابة، أو يا لَيتَنا لم نحمل في ذواتنا هذه الأنات الحيَّة حزنًا وكمَدًا على وضع أهالينا؛ لأننا لم نعد نستطيع إلا التأوه حرفًا.

بالأمس القريب والبعيد كان القلم فلسطينيًّا ينسكب بدم الثوار أخضرَ وأحمرَ وأبيضَ وأسودَ.
أحمر بلون شفق الحرية الذي يَجرح اسوداد قلب الظلم.

وأخضر يُسهِب في المدائن مرويًّا ببياض ندى العرَق المسكوب مِن آبائنا المُناضِلين.

وأسود يتَّشح بحلكة السرِّ يَكتب في صمت وترقُّب كتاب صبرٍ لساعة الفجر.

هكذا عَلَمُنا الذي قسمنا قلوبنا تبعًا لألوانه؛ لنكون فلسطينيِّي الثورة، موحَّدي الوجهة للسماء في جهاد سعيد وبذلٍ للروح.

ولما أرقب علم سوريا لأرى ذات الألوان وذات النجوم البيضاء شاهدةً على شهداء في زمن البذل، وذات الاخضرار لسهول شام خطَّت سنابك جيش العزة فيه تدفع مَغولاً وصليبين فتُشرق أقحوانات جذورها إيمانَ الجدود.

كلنا عرفنا أن الأبيض والأخضر والأحمر والأسود ألوان، إن رمزَت فهي موجَّهة بكلمات تَكتبها يد الثائر والجندي المناضل ضدَّ الظلم والعدوان؛ لتبقي بقية الألوان مرسومةً بأجساد الكلِّ حرَّةً طليقة، يدفع هو الثمن؛ ليَبقى الكل، ولكننا لم نتخيَّل يومًا أن لونًا آخَر سيُرسم في علَمِنا المتوسِّد قلبَنا الساكن في صمائمنا: لون الخبز.

لم نتخيَّل أبدًا أن أوشحة الصبايا، ومناديل الأمهات، وأنامل الأطفال - ستَختلط بلون الخبز والدم المُراق مِن قصف طائرات الحاكم المستبد.

أتُراك يا طفلتي التي مزَّق قلبي رؤيةُ أشلاءك أمامي في التلفاز في حلفايا، أتُراك كنتِ تُخفين تحت فستانك الأخضر مدفعًا؟! أم تُراك يا أمي وأنت تَمُدِّين يدَيك الكريمتَين لتحصلي على خبز أسمر تَسدُّين به رمق فلذاتك، ستَسرقين كرسي الحكم من النظام؟!

أم تراك يا جدي تخيف النظام بعصاك التي قلتَ لأولادك حاملاً إياها بإباء: لو لم تجدوا ما تدافعون به عن أنفسكم فهاكم عصاي، أتراك بظهرك المُقوَّس تقدر على كسر شوكة جنود النظام الذين باعوا أرواحهم للشيطان؟!

هكذا أصبحت نساؤنا وأطفالنا وشيوخنا مصدر قلق وخوف للنظام الذي قد توحَّش، ولربما هو يُريد منظرًا جديدًا، ملَّ مِن مشاهدة القتلى بأوضاع أخرى، يُريد وضعًا يتفرَّد به، لا أحد يُنافسه فيه؛ إنه: منظر الأطفال يَحضنون الخبز الأسمر والحلم الأكبر.

فيا مَن أعطى لنا قدرةً على قدرة في كرهك، ويا مَن ظننتَ أنك قد أزهقت أرواحًا ببطشك:
اعلم أنهم شهداء بإذن الله، واعلم أن الله يُملي لك لتزداد إثمًا، فاقتل واقتل، وستلقى في أتون نار هو أعظم مِن نار الفرن الذي وقفَت الحرائر والبراءة أمامه لينالوا خبزهم.

واشتعِل يا قلمًا مِن نار الغضب، فهل ستَحتاج لغير الدم المُراق على خبزهم الأسمر لتتأجَّج؛ فأنت لست سياسيًّا تُقارِب وتَخشى وتحسب وتتآمر، أنت ثائر بقطر الدِّين تروي، فامضِ، واكتُب وافضَح، وبيِّن، وشارك، وأَطعِم مِن سنابل الحب في قلمك أرغفة العزة مكتوبة للتاريخ والضمير الإنساني والتآخي.

almeske.net/vb

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
صباح الضامن
  • مـقـالات
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط