صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وقفات راكضة

د. رقية بنت محمد المحارب


تختلط في هذا اليوم المشاعر وتضطرب القلوب، فالأحداث الدائرة والأزمات الراهنة هزت قلوب المسلمين وحيرت عقولهم وأصبح مساؤهم وصباحهم سواء.. خطوب مدلهمة وأمواج متلاطمة وحيرة قاتلة.. ولسان حال الأمة يقول: حتى متى يا قلب تغشاك الظنون؟!
ولكن الجواب رجع الصدى.. فلا أحد يملك أن يغير شيئاً من واقع الأمة الكئيب.. فهل عقمت رحم الأمة أن تنجب من يرفع رايتها.. وهل لهذا المأزق من مخرج.. وهل أمة بهذه المقدرات العظيمة وهذا التاريخ التليد، بل وهذا الدستور العظيم، تبقى هكذا يطؤ رأسها أحفاد القردة والخنازير.. وإلى متى.. وكيف.. وبماذا.. وإلى أين؟ كل صيغ الاستفهام تجد لها في العبارات أسئلة ولا تجد لها جواباً شافيا..
ذلك أننا لسنا صناع قرار للأسف، ولسنا فاعلين للحدث.. لكننا وضعنا أنفسنا هذا الموضع، ونستطيع تغيير الحال إذا كنا جادين في الأخذ بأسباب النصر وعملنا وفق السنن الإلهية.. فإن النصر ليس غيثاً ينزل من السماء، وإنما هو نتيجة عمل دؤوب جماعي وفق أسس علمية وتخطيط وبعد نظر، بعيدا عن الانفعالات الوقتية والمبادرات العجلى، وتحمل لأعباء هذا الدين، وهذا هو الجهاد بمفهومه الواسع.

ولعلي إزاء هذه الأحداث أقف عدة وقفات:
الوقفة الأولى:
وجوب الاعتبار من الأحداث والوقوف على دروسها وتأمل التاريخ القريب والبعيد بوقفة متأملة؛ لأن الأمور لا تمضي جزافاً في الناس, والحياة لا تجري عبثاً في الأرض، فهناك نواميس ثابتة لا تتبدل ولا تتحول، والقرآن يقرر هذه الحقيقة ويعلمها للناس { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيل } كيلا ينظروا الأحداث مبتورة عن مسبباتها، ولا يعيشوا الحياة غافلين عن سننها الأصلية، محصورين في فترة قصيرة من الزمان وحيّز محدود من المكان، فالحقائق التي قررها القرآن وجعلها شريعة للمؤمنين يجب أن يثبت عليها أهل الإيمان. ومن هذه الحقائق:
أن اليهود والنصارى أعداء لدين الله ولحملته حاقدين عليهم حاسدينهم، يقول تعالى: { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ.. } ، ويقول: { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ.. } .
ويقرر الله تعالى في كتابه أيضاً أن من في قلوبهم مرض لا يتكلون على الله ولا يعدون العدة لنصرة دينه، بل يسارعون في أهل الكفر خشية بطشهم وقوتهم { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ.. } .
ويقرر القرآن أيضاً أن أهل النفاق والمندسين في صفوف المؤمنين يكشفون عن أنفسهم في المضايق والأزمات ويتربصون بالمؤمنين شراً، ولكن سرعان ما ينكشف أمرهم ويبين خزيهم لأول وهلة من البلاء، يقول تعالى: { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } .. الآية .
ويقرر الله تعالى أن الناس وإن جمعوا وتكالبوا لن يضرنا كيدهم شيئاً إن كنا كما أمرنا ربنا إيماناً وتوكلاً وعلماً وعملاً وولاءً وبراء وصبرا ومصابرة، يقول تعالى: { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا.. } فواجب علينا الاعتبار والسير على الأرض بعين مفتوحة وقلب يقظ، والوقوف على أحداث التاريخ فإن لنا فيه عبرة.
والظاهر من حالنا اليوم أننا على عبر التاريخ لا نقف، وإذا وقفنا لا نعتبر، فنحن في غفلة عن سنن الله الثابتة، وقصور عن إدراك الأحداث وربطها بقوانينها الكلية، وفي بعد عن إدراك أن الحاضر الذي نعيشه اليوم هو نتيجة لتاريخ سابق، فإذا درسناه أمكننا فهم الأحداث والتعامل الصحيح معها.

الوقفة الثانية:
نحن أمة مؤمنة بأن قوة الله هي العظمى، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه قد كان من القرون السالفة من بلغ من القوة مبلغاً لا يوصف حتى تطاول على ربه فادعى الألوهية، ولم يغن ذلك عنه شيئاً فهلك بسبب أضعف مخلوق، وهكذا يقصم الله الطغاة والظالمين، وما نشاهده اليوم من ظلم القوى العظمى علامة على قرب هلاكهم، وسنة الإمهال نراها ماثلة بادية للعيان.

الوقفة الثالثة:
يستعجل قوم النصر للمؤمنين، ويستعجلون المحق للكافرين، ولو كان الأمر بأيديهم لأوقعوه الساعة، ولا يدرون أن في تأخير ذلك من الحكم ما يعسر حصرها، ومنها تمحيص المؤمنين؛ ذلك أن محق الكافرين لا يأتي إلا بعد التمحيص، بنص القرآن كما قال تعالى { لِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } .

الوقفة الرابعة:
إن أمة الإسلام كاملة الدستور مهيمنة بثقافتها قوية بمبادئها فلا بد لتنتصر من قوة مادية تحفظها وتحمي حماها ولهذا جاء الأمر بالإعداد يقول تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } فمحال أن يحمي هذه الأمة أعداؤها، وليس من سنن الله أن تنتصر الأمم الضعيفة، وليس من العقل والحصافة أن تعتمد على من يريد لها الشر ويخطط للقضاء عليها.

الوقفة الخامسة:
المستقبل لهذا الدين بعز عزيز وبذل ذليل، وعدنا به ربنا تعالى وأخبرنا بذلك رسولنا – صلى الله عليه وسلم – أليس الله جل وعلا يقول: { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي.. } .
وإن من حسن الظن بالله ألا نصاب بالإحباط واليأس وقد وعدنا بنصر دينه، فالدين دين الله ولن يتركه.

الوقفة السادسة:
على الأمة أن تعلم أن أعداءها المندسين في صفوفها من الطابور الخامس هم الخطر الكبير.. يقول تعالى في سورة المنافقون {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} فلا بد أن تحذر الأمة هؤلاء الذين يفتون في عضدها، وهم الذين يستغلون الظروف العصيبة ليكونوا عوناً على أعدائنا في تأكيد التهم ورمي أحكام الإسلام بأنواع التهم.. وقد باتوا اليوم مكشرين عن أنيابهم؛ فتارة يعلنون حربهم على الدعوة والدعاة، وتارة يستهدفون مناهج التعليم ويصفونها بالرجعية والتخلف أو يصفونها بأنها تعلم الببغاوية، وهم يقصدون مناهج الدين التي غرست لدى الناشئة حب الإيمان وزرعت لديهم العقيدة الصحيحة، وتارة يرفعون شعار حقوق المرأة رغبة في الوصول إلى تغريب المرأة وترقيق دينها ونزع حجابها.
فواجب الأمة التمسك بتوجهها نحو الدين، سواء كان في مناهجها التعليمية أو سلوكها الاجتماعي أو منطلقاتها السياسية والفكرية.. وواجب على أهل العلم أن يتقوا الله ويقولوا كلمة الحق ويتحملوا التضحيات في سبيلها، وواجب على المسؤولين أن يجنبوا الأمة مهاوي الردى والسير في ركاب الأعداء.

الوقفة السابعة:
يعيش الشعب العراقي محنة كبيرة من تسلط المستعمرين والمنافقين في مقدراتهم، حيث نهبت ثرواتهم، وأصبح التنصير خطرا يهدده، والفساد هما يحاصره، والتمزق هاجساً يقلقه. وإن أهل السنة يحتاجون منا إلى كل العون والوقوف معهم في محنتهم، نسأل الله أن يفرج عنهم وأن يؤمنهم في بلادهم ويحفظ عليهم دينهم.

الوقفة الثامنة:
يقول تعالى: { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } ويقول سبحانه: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } فعلينا المسارعة لتغيير المنكرات المنتشرة بيننا، وعلينا أن نجتنب الظلم بيننا.. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا"، وإن الله لينصر الفئة العادلة وإن كانت كافرة ويخذل الفئة الظالمة وإن كانت مسلمة. وإن النجــاة لا تحصل للصالحيـــن بصلاحهم ما لـم يكونوا مصلحيـن. يقول تعالى: { فَلَمَّا نَسُـواْ مـَا ذُكِّـرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْـوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُـواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }. وإن من الخطأ البين أن نظن أن هذه النعم التي نعيشها دائمة، وأن ما أصاب البلاد الأخرى من تشريد وفقر وجوع لا يمكن أن نصاب به؛ ولذا فإن من العقل وبعد النظر أن نتأمل واقعنا ونقوم بإزالة المنكرات وتفعيل دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الخبث إذا كثر حل العذاب، والعياذ بالله.

وأخيراً فإن المرأة اليوم باتت مستهدفة، وهي الهدف التي تتجه له أسهم الأعداء من كفار ومنافقين لأجل إحداث هزة عنيفة في مبادئها، ولم تعد هذه الأمور سرا فهم قد أعلنوها صريحة أنهم يريدون تغيير البيئة الثقافية للمجتمعات في سعي حثيث لإطفاء نور الله، ولن يقدروا على ذلك بنص كتاب الله، ونحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنكون ممن اصطفاهم الله لنصرة الخير والكلمة الطيبة، وذلك بالثبات والعودة الصادقة إلى الله عز وجل والإنابة والتضرع إليه وإعداد القوة وترك الترف والإسراف.
وكما قيل:

جزى الله البلايا كل خير *** عرفت بها عدوي من صديقي

وهذا نداء مني إليك أن تتفآءلي فالنصر لهذا الدين وهذه الأمم الظالمة التي تكالبت قد تحقق فيها أسباب السقوط ولكنه يحتاج إلى وقت، ولذا فإن سقوطها مرهون بوجود أمة تحمل الراية ولايمكن هذا قبل أن تتحقق فيها شروط الريادة من العمل بالأسباب الموصلة إلى التفوق العلمي.

فعليك أختي الكريمة أن تكوني حصناً حصيناً في وجه التغريب، فأنت آخر معاقل الإسلام فإن انهدمت هوى البناء الذي أنت عماده. وتنبّهي لأطروحات المندسين، وإن في التشبث بالدين النجاة في الدنيا والآخرة، وعليك بالصبر والمجاهدة والقيام على المكان الذي أنت فيه فلا تمكني لمنكر أو تمنعي معروفاً أو كلمة طيبة تصل إلى من حولك.
أسأل الله تعالى أن يصلح حال المسلمين ويلطف بهم ويرحمهم، ويهيئ لهم قوة وبأساً يرهب أعداء الله وينشر به دينه، وأسأله عز وجل أن يعين الدعاة ويقمع أهل الزيغ والفساد.

المصدر : لها أون لاين
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.رقيه المحارب
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط