صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قبل أن نفقد الفضيلة

د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 
كان لي صديقة عزيزة تنظر للمدنية الغربية نظرة إكبار وتعظيم، وترى أنها مصدر التطور والتقدم في عصرنا الحديث على جميع الأصعدة، ولا تقتنع إلا بعلومهم وجامعاتهم ومستشفياتهم، وأكبر من كل ذلك أنها تراهم أكثر مصداقية من العرب وأرقى تعاملاً وأكثر تفاهماً.
أما أعظم شيء لديهم فهو (الحرية)، آه .. ما أجملها حيث لا عين رقيب تحدق، ولا أذن مسترق للسمع تنصت، ولا نفوس متطلفة تتابع آخر الأخبار والأحداث بل ولا عقاب اجتماعيا صارما.. إلى هنا وتتوقف صديقتي الفاضلة لأنها - في الحقيقة - لا تريد فجوراً ولا إباحية ولا كفراً؟!
وظلت كذلك حتى سافرت في إحدى الاجازات الطويلة إلى واحدة من تلك البلاد الغربية الإباحية المشهورة، وذلك لكي تتعلم لغتهم العظيمة الجميلة الطاغية على جميع لغات العالم.. أو ليست لغة المنتصر؟!
فنصحتها حينها إن كانت مصرة على تعلم اللغة الإنجليزية بإتقان - كما تريد - فلتتعلمها هنا في بلادنا حيث المراكز العديدة المتنافسة وبجميع المستويات، إلا أنها أصرت على تعلم تلك اللغة التي تجلها من مصادرها الأصلية متوهمة أن ذلك هو الأجدى.
ثم حين عزمت على السفر، فوجئت بأمور عدة حيث كانت تريد أن تسكن مع أسرة أجنبية من أجل ممارسة لغة التخاطب لكي ترسخ في ذهنها وبحكم أن صديقتي هذه إنسانة مسلمة صالحة، ولكنها مبهورة بأولئك القوم الذين قد لا يخلون من صفات جميلة كغيرهم من البشر، فقد اشترطت أن تكون تلك الأسرة التي تعيش بين ظهرانيها بدون زوج، وبالفعل تم لها ذلك.
ولكن ومن أول يوم حطت قدماها في ذلك المنزل وهي تفاجأ بأشياء عجيبة كثيرة تحتاج لرواية تحكي تفاصيلها، ولكن أهم هذه الأمور هو أنها رأت رجلاً مفتول العضلات يدخل المنزل ويخرج على راحته القصوى، وحين تساءلت صديقتي باستنكار كيف أنها اشترطت أن تكون تلك الأسرة بلا رجل مقيم؟ قالت صاحبة الدار إنه ليس زوجها (بل صديقها)؟ لأن زوجها قد ابتعد عنهم (بدون طلاق) حيث يعمل بحاراً في ديار بعيدة، ولديه هو الآخر (صديقة) ترافقه؟!
فصبرت صديقتي على مضض واحتراس حيث لازمت غرفتها الصغيرة خشية من ذلك الرجل، ومن كلب العائلة معاً الذي استنكر هذه الضيفة الغريبة، وحاولت أن تتقرب من ابنة العائلة الحامل والتي لديها طفلة أخرى، ولكن المفاجأة الجديدة أظهرت لها وباعتراف الابنة بكل بساطة: أنها حامل من صديقها الجديد أما الطفلة فهي من صديق قديم ملَّها فهجرها هي وطفلتها التي بقيت دون أب، ودولتهم تشجعهم على ذلك من خلال توفير المرتبات لأمثال هؤلاء الأطفال دون اية شروط أو مواقف حازمة.
ويبدو أن سيل المفاجآت لم يتوقف حيث لجأت صديقتي هاربة إلى زوجة ابن تلك الأسرة لأنها أحست فيها (التعقل والتهذيب) وحينما استأنست بها حاورتها حول تلك الأوضاع الغريبة متسائلة باستغراب: لماذا يحدث كل ذلك مما ينافي الخلق الإنساني القويم ويتعارض مع جميع الأديان؟ حينئذ ردت عليها زوجة الابن بكل بساطة والدموع في عينيها قائلة: حتى أنا كان لي حبيب عشيق شغفت به وعاشرته عشر سنوات ثم هجرني، فحاولت نسيانه بزواجي من ابن هذه الاسرة التي تعلم كل شيء عني علماً أنني (لم أسْلُه) إلى الآن؟!
أحسَّت صاحبتي بالغثيان الذي جعلها تعود فوراً لوطنها الحبيب وهي ترتعد فرائصها خشية على أطفالها وأبناء بلادنا المسلمة من السير في هذا الطريق الذي يبدو أن الطوفان يجرفنا إليه دون أن نشعر، فهل من عودة حقيقية لمنابع الفضيلة والطهارة؟
إن الإجابة الفاعلة يجب أن تكون بأيدي المجتمع بعامة (والمصلحين والمصلحات) كل في موقعه بخاصة، ولا سيما (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الذي ارتبط بالدين والخلق القويم، وكذلك مراقبة جميع (مصادر الفتن) من قنوات إباحية تفوق الوصف، ومواقع شبكية تبث سمومها المخيفة بشكل مكثف لا يخشى العقاب أو اللوم مطلقاً مما يبشر بتقهقرنا إلى (سكان الغاب) الذين فضلنا عليهم المولى بنعمة العقل والتمييز، وعدم الانهيار الساحق الأعمى أمام (الشهوات) أو لم يقل تعالى منذرا ومبشراً: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، فهل من منقذ قبل أن نفقد الفضيلة كما فقدوها؟!

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
جواهر آل الشيخ
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط