صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







جميلة الصينية..من ظلام الكنائس إلى نور المساجد

هيا الرشيد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


في الفلبين:

هناك ومن مسافات بعيدة..من خلف سور الصين الشهير..نزحت تلك الأسرة النصرانية من الصين إلى الفلبين طلباً للتجارة.. وللبحث عن حياة أفضل..أسرة صينية بسيطة في عددها وفي ظروفها..وبعيداً عن أرض الوطن الأصلي ولدت اليزابيث..لم تر بلدها الأم..حصلت على الجنسية الفلبينية..عاشت طفولتها هناك..وترعرعت في ثنايا بيت يدين بالنصرانية..فتحت عينيها على الكنيسة..واستشعرت حب أهلها لهذا المكان وكثرة ارتيادهم له..تذهب معهم يومي الأحد والخميس من كل أسبوع..لم تكن تهتم بذلك..ولكن اهتمامها كان لذلك النعاس الذي يغالبها حالماً يبدأ رجل الكنيسة في كلمته..غلبها النوم عدة مرَّات..لم تكن تستشعر خشوعاً يوازي حماس ذلك الرجل وهو يلقي بكلماته الرنانة..تخرج من الكنيسة فيعود إليها نشاطها..وتعود إلى سابق عهدها من الحيوية واليقظة..مرَّت سنوات..تفكيرها ينصب خلالها نحو العقيدة والدين..ديانتها قريبة من الإسلام..تؤمن بالله..وتتبع عيسى عليه السلام..وتعرف أن الله واحد أحد وفرد صمد لم يلد ولم يولد..وعيسى رسول الله وليس بابن لله- تعالى الله عما يصفون- ..لم تكن تؤمن بخزعبلات تلك الطوائف النصرانية التي تنسب عيسى لله تعالى - تعالى الله عن ادعاءاتهم - ..وكانت تستهجن تلك الأفكار.

الكريسماس:

عيد الكريسماس يوم مميز لكل النصارى..مميز لروحانيته لديهم..ولاستعداداتهم التي دأبوا عليها..كانت لهم طقوس معينة هي أقرب للعادات منها للعبادات..تفرح اليزابيث لتلك المناسبة شأنها شأن أي فتاة في مثل عمرها..أيام وتنسى ذلك اليوم وتعود حياتها إلى سابق عهدها.

رسائل من جزيرة العرب:

في أحد الأيام..وفي بداية مرحلة الشباب..تلقت رسالة من قريب لها..كان موظفاً في إحدى الشركات الأجنبية في مدينة الرياض..رسالته عجيبة..وأسلوبه غريب..يطلب ودها لرجل عربي يدين بالإسلام..استهجنت الطلب..وغضبت من قريبها..وتعجبت لهذا الرجل الذي يطلبها دون أن يراها أو حتى يسمع صوتها..رفضت بحدة..جاءها رد من خاطبها يتحدث فيه عن الإسلام وأخلاق الرجل المسلم..لم تجب..ولم تبدي رأيها فيما عُرض عليها..لا سلباً ولا إيجاباً..غاب ذلك الحدث عن ذاكرتها لفترة..وبعد ثلاثة أشهر استحضرت مخيلتها موضوع تلك الرسائل..كتبت الرد باتزان..أبدت موافقتها على طلبه..اتفقا على كل شيء..إنها رسائل يغلب عليها الدعوة إلى اعتناق الإسلام.

من النصرانية إلى الإسلام:

بعد أشهر بدأت القناعة تتسرب إلى أعماقها..صارحته برغبتها باعتناق هذا الدين..فرح للخبر..شعر بأنه أسعد رجل في العالم..سألته كثيراً..عن الإسلام..عن أهله..طريقة الدخول فيه..ما الذي يترتب على كونها امرأة مسلمة؟

شعرت بالقناعة..قررت اعتناق الدين الإسلامي..لم يعارضها أحد من أسرتها.. أشهرت إسلامها بالفعل..تبدلت حياتها..استبدلت الكنيسة بالمسجد..أمسكت بالمصحف بين يديها..قلبت صفحاته..لم تفقه منه شيئاً..أرسل لها كتباً تبين لها مبادئ وتعاليم الإسلام..بدأت تتعلم..وجدت الإسلام قريباً مما كانت عليه..لم تتبدل مشاعرها..لم يتغير شيء في داخلها..مضى ستة أشهر على إسلامها..ذهب إليها في الفلبين..تم زواجها من هذا العربي المسلم..وتغير اسمها من اليزابيث إلى جميلة..خلال أيام أنهت أوراقها وحضرت إلى الأراضي المقدسة برفقته..ثم استقرت في مدينة الرياض.

حياتها في مدينة الرياض:

أول مشكلة واجهتها كانت الفراغ..ساعات طوال تقضيها بين جنبات بيتها الصغير..جدران البيت الصماء كانت تزيد من وحشتها..زوجها في عمله من ساعات الصباح الأولى وحتى المساء..كانت تشعر بالغربة..لم تتعرف على أحد..بعدها عن الأهل يزيد من ألمها..استشعر زوجها تلك الآلام التي تحيط بها..لم يكن لديه من حل سوى أن يجلب لها الكتب لتقرأها..وأحياناً يكون لديه بعض الوقت لشرح محتواها.

كانت تفكر بتلك النقلة الكبيرة..من اليزابيث إلى جميلة..من الفلبين إلى السعودية..من النصرانية إلى الإسلام..من الأهل إلى بيت الزوجية..ولكن شيء ما في أعماقها لم يتغير..كانت في دينها السابق تؤمن بالله تعالى وبعيسى عليه السلام..الآن تؤمن بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم..في الماضي ترددت على الكنيسة..الآن تدخل المسجد وتستجيب لصوت الآذان..تؤدي الصلوات بطريقة مغايرة أيضاً لما سبق..ومع ذلك فانتقالها كان شكلياً..مشاعرها وأحاسيسها لم تتقدم خطوة واحدة..كانت تدرك بأن شعاع الإيمان لم يتفجر في أعماقها بعد..هي مسلمة تقوم بفروضها وحسب..مستقرة في بيتها لخدمة زوجها وكفى..ولكنها تشعر بنقص وجداني عميق..لم تستطع أن تعبر عن هذا النقص..ولم تكن تعرف سبيلاً إلى إكماله.

جميلة ورحلتها مع الأحزان:

مرَّت الأيام طويلة كئيبة..تغالبها الهواجس ليلاً فتنخرط في نوبة من البكاء..زوجها يرثي لحالها كثيراً..فكر في طريقة لإخراجها من أزمتها..إنهن زوجات زملاء العمل.. هنَّ الحل الأكيد لما تعانيه..وافقت فوراً على التعرف..مكالمة..زيارة..أصبح لها عدد من الصديقات..كعادة النساء يجلن العالم بأكمله في جلسة واحدة..أحاديثهن متنوعة..يتحدثن عن أوطانهن..أهاليهن..هواياتهن..طموحاتهن..اهتماماتهن..والقائمة تطول..لفتت إحداهن نظرها خلال موجة الأحاديث..كانت تتحدث عن صالة ترتادها يتكلم فيها أستاذ جامعي عن الإسلام..هذا الأستاذ يحمل الجنسية الكندية..ويلقي بعض المحاضرات في قاعة تابعة لمستشفى الملك عبدالعزيز..شعرت محدثتها باهتمامها بهذا الموضوع..استرسلت في الحديث..ودعتها لمرافقتها لحضور المحاضرة القادمة..أبدت جميلة موافقتها..أخبرت زوجها برغبتها في الذهاب مع الصديقة الجديدة..لم يمانع..بكت لتلك الموافقة..ولم تعرف سر بكائها..انتظرت ذلك اليوم بفارغ الصبر.

البداية الحقيقية:

ذهبت جميلة للمحاضرة برفقة صديقتها..ذهبت لطرد الملل والسأم عن نفسها..كانت تريد أن تفتح لنفسها قناة للترفيه والانطلاق..ركاكة اللغة العربية كان أكبر عائق لها في مجتمعها الجديد..لكن اليوم كان متميزاً..رفيقتها فلبينية..والأستاذ المحاضر سيلقي باللغة الإنجليزية التي تتقنها من الصغر..الدكتور بلال تيليكس..من جامايكا بكندا..مسلم يساهم في دعوة الجاليات المسلمة..تتدافع الكلمات من فمه بكل حماس..تحدث عن المسلمات وحقوقهن..وذكر كثير من تعاليم الدين التي كانت تجهلها..اغرورقت عيناها بالدموع..غالبها البكاء..شعرت بشيء ما يهز كيانها..أسلمت منذ أشهر..ولكنها لم تشعر مسبقاً بتغير داخلي..الآن فقط بدأت تشعر بهزات إيمانية تتغلغل إلى أعماقها.

عادت إلى بيتها إنسانة أخرى..أقبلت على الكتب الإسلامية بشكل أكبر..زوجها كان يساعدها على تعلم اللغة العربية..وما لم تتعلمه بالعربية كانت تتعلمه بالإنجليزية..بدأت بدراسة القرآن..كانت تذهب إلى مسجد قريب مع أهل زوجها لتعلم القرآن..اللغة العربية كانت العائق مجدداً..زوجها يكتب لها ما يصعب عليها بالإنجليزية ولكن بنطق عربي..استحسنت هذه الطريقة..وبدأت بتخطي العوائق،وكسر حواجز الصعوبات..كانت تفرح كثيراً لحفظ كل آية من كتاب الله..شعرت بتقدم كبير خلال أشهر قليلة..حماسها لتعلم كتاب الله والعلم الشرعي فاق الحدود.

تابعت المحاضرات التي تُقام للجاليات في مستشفى الملك فيصل للداعية الهندية سستر نيس..صديقتها شعرت بحماسها للإسلام واستشعرت نهمها لطلب العلم..أشارت عليها أن تلتحق بدار تحفيظ..وافقت على الفور..وجدت مفردات العلم الشرعي التي كانت تبحث عنها..أقبلت على العلم..حرصت على حفظ ما تستطيع من كتاب الله..استمرت على حضور المحاضرات في أي مكان تستطيع الوصول إليه..الآن بدأت تدرك سر تغير كبير طرأ على عالمها..إنها حلاوة الإيمان..وطعم الانتماء الجميل للمجتمع المسلم..ذهبت عنها تلك الوحشة..وحلت مكانها السكينة..ذهب ذلك الحزن..وحل مكانة سعادة تستشعرها من خلال كل ما يحيط بها.

مجتمع جديد..وحياة جديدة:

اندمجت مع مجتمعها الجديد..انسجمت مع حياتها الجديدة..أصبحت مشاغلها أكثر من أن تستوعبها دقائق حياتها..ترددت على المسجد في شهر رمضان..انشغلت بالإعداد للأعياد الجديدة عليها كالفطر والأضحى..انسلخت تماماً عن ماضيها ودينها السابق..وعاشت أيامها للإسلام..تحرص على النهل من ينابيع العلم..وتستغل وقتها من أجل ذلك.

طريق الدعوة إلى الله:

في أحد الأيام حضرت درساً لإحدى الأخوات..كانت قد بدأت تعرف فضل الدعوة إلى الله،وأهمية تبليغ الدين..تأثرت بما تم طرحه كثيراً ولكنها لزمت الصمت..فوجئت بعد أيام بأخرى تطلبها لتساعدها في مهمة تبليغ الدين..شعرت بالرهبة،والخوف من خوض التجربة..أحست بأنها غير مؤهلة لذلك..دفعات تشجيع من صديقاتها جعلتها تُقدم..وموافقة زوجها حسمت الأمر..المطلوب منها أن تُعلم الفلبينيات تعاليم الإسلام سواءً كنَّ مسلمات في الأصل أو جديدات.

الداعية "جميلة الصينية"

خاضت جميلة التجربة..وأقدمت عليها بكل حماس..إن للدعوة في بدايتها رهبة..ولإعداد الدروس والمحاضرات هيبة..الطريق في بدايته كان صعباً..والارتباطات كان لكثرتها مشقة..تجاوزت الصعوبات..وتخطت العقبات..واستمرت في طريقها.. وانطلقت في الدعوة إلى الله..شعرت بسعادة كبيرة..تحلق من مكان إلى آخر..في بيوت أقارب زوجها ..وبيوت الصديقات..في المستشفيات..أصبح لعفويتها قبول..ولطيبتها أثر على محيطها..تتحدث على سجيتها دون تكلف أو عناء..تعد عناصر محاضراتها بدقة..وتهتم لجزئيات دروسها..ارتبكت عند إمساكها بمكبر الصوت أول مرَة..ولكنها تخطت ذلك سريعاً ..في أماكن كثيرة كانت تضع بصمتها الدعوية..وزوجها كان الساعد الأيمن لها في دعوتها..ولم تنس خلال مسيرتها قوله تعالى{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(214) سورة الشعراء،فكانت تبكي وتدعو الله أن يمنَّ على أهلها بالهداية وينير بصائرهم بالإيمان،تتواصل مع شقيقاتها عبر الإنترنت وتشرح لهن الحقيقة التي غابت عن أذهانهن.

ومرَّت الأيام:

وبعد سنوات من الجد والاجتهاد في طلب العلم الشرعي،والعمل الدؤوب في الدعوة إلى الله تعالى..بات اسمها معروفاً..وبلغ الإقبال على دروسها ومحاضراتها على أشده..الجميع يطلبها لتعطير مجلسه بعبير كلماتها الفوَّاحة..ونشر شذى تجربتها على المسامع والأذهان..صارت مثلاً يُحتذى به في الصبر والمثابرة..وقدوة لغيرها من جميع الجنسيات،لم يعد لليزابيث السابقة أي وجود..ذهبت إلى غير رجعة..وازدانت الساحة الدعوية بالداعية جميلة.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
هيا الرشيد
  • الأسرة والمجتمع
  • الفكر والثقافة
  • القصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط