صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أطفال يبحثون عن هوياتهم

هيا الرشيد

 
بسم الله الرحمن الرحيم


قد يتبادر إلى أذهان القراء الكرام أن موضوع مقالنا يتحدث حول أطفال البوسنة بعد الحرب الماضية المدمرة التي مروا بها، أو أطفال الأفغان الذين فقدوا آباءهم، إما شهداء أو أسرى في أيدي أعدائنا من النصارى، ولعل التوقع الآخر يكون حول أطفال الشيشان الذين يرابط آباؤهم منذ سنوات عديدة على الثغور، ولكن حديثنا بعيد تماماً عن هذه الفئات في تلك الأماكن المضطربة، فحديثنا عن أطفال المجتمع العربي المسلم في الدول التي تعد مستقرة سياسياً واجتماعياً.

يتبادر إلى الذهن أيضاً تساؤل مهم عن نوعية هؤلاء الأطفال الذين يبحثون عن هوياتهم، فنقول عندئذ بأنهم ـ للأسف الشديد ـ أطفال المطلقات الذين تركهم الآباء عند أمهاتهم وتخلوا عنهم بالكلية. ولا تخلو هذه الفئة المعذبة من الأطفال من تنوع ظروفها مع أن المسمى واحد في كل حالة، فمعاناة أطفال المطلقات كبيرة لم يعي المجتمع بعد مدى خطورتها، ولم يلتفت إليها أحد لوضع حل جذري لها، وللحد من تفشيها.
هؤلاء الأطفال قد يعيشون مع والدهم في نفس المدينة، ولكنهم بالرغم من ذلك محرومون من أبسط حقوقهم في النفقة أو الحصول على الأوراق الرسمية التي تثبت نسبهم، وقد تكون هذه الفئة من الأطفال في دولة أخرى؛ لأن لكل من والديهم جنسية مختلفة، وما إن قرر الأب التخلي عن الأم إلا جعل أبناءه منها تابعين لها، فغادرهم إلى غير رجعة ولم يتكرم عليهم ولو بورقة تثبت جنسيتهم ونسبهم، فكانت معاناتهم ومعاناة والدتهم مضاعفة؛ لأنه من المعلوم أن الهوية الشخصية لكل طفل هي مفتاح دخوله المدرسة، ومراجعته في المستشفى، وسفره، وغير ذلك من الأمور المهمة في حياة كل إنسان.

عندما يكون الأب يعيش في نفس المدينة أو الدولة قد تلجأ الأم إلى المحاكم والإجراءات الرسمية للحصول على حقوق أطفالها، ولكن المصاب الأعظم بالنسبة للأمهات اللاتي يكون أزواجهن من دول أخرى وقد غادروا إليها؛ إذ إن مساعيها للحصول على حقوق أبنائها ستذهب أدراج الرياح لصعوبة الإجراءات القانونية بين الأشخاص في دول مختلفة.

تعددت الأسباب والمأساة واحدة، فمهماً كانت الأسباب التي أدت إلى الفرقة بين الزوجين فالمأساة قائمة بوجود طفل مهضوم الحقوق أو أكثر، ولن يكون الخلاص من هذه المعاناة بالحصول على وريقات فحسب، بل معاناته قائمة خاصة في ظل المشاحنات والشكاوى التي يتقاذفها الوالدان، فالنفسية المضطربة نتاج طبيعي لمثل هذه الظروف، بالإضافة إلى الشعور بالمرارة والغيرة من أترابه الذين يحيطون به من الأقارب والجيران وزملاء المدرسة.

قد يستغرب بعضهم من تصرف هؤلاء الآباء، ويستنكره كونه موجهاً الأطفال لا حول لهم ولا قوة، ولكن الغضب وحب الانتقام قد يساهمان معاً في عمى البصيرة، فينسى الأب فلذات كبده، ويجعل نصب عينيه الانتقام من زوجته ولو كان على حساب أبنائه، وقد يكون أحياناً اللامبالاة التي تتصف بها شخصية هذا الأب هي السبب لمثل هذه التصرفات اللامسؤولة.

قبل أن نطالب بوضع حل لتجاوزات الآباء، نخاطب الضمير فيهم لمراجعة الحسابات، ووضع النقاط على الحروف، فأي ضمير ذلك الذي يسمح بترك أبناء بلا هويات في أحضان أمهات ضعيفات في زمان صعب كهذا؟ وأي أب ذلك الذي يعيش قرير العين في هذه الحياة ولا يعلم عن حياة أبنائه شيئاً؟ فكيف يهنأ بطعام ولا يعلم عنهم أهم جوعى أم لا؟ وكيف يطيب له شراب ولا يعلم أهم عطشى أم لا؟ وكيف يستلذ لرقاد في فراش وثير وهو لا يعلم أهم يفترشون فراشاً مثله أم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء؟!
 

 
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
هيا الرشيد
  • الأسرة والمجتمع
  • الفكر والثقافة
  • القصص
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط