صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







جحود الأبناء

فوزية منيع الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

 
غَذَوْتُــكَ مَـوْلُـودًا وَعُلْتُـكَ يَافِــعًــا *** تُعَلُّ بما أجْنَي عَلَيْكَ وَتَنْهَــــلُ
إذَا لَيْلَةٌ نَــابَتْكَ بِالشَّجْـوِ لَــمْ أَبِتْ *** لِشَكْوَاكَ إِلاَّ سَـاهِـرًا أَتَمَـلْـمـَلُ
فَلَمَّا بلَغْتَ السِّـنَّ والغَـايَـةَ التِي *** إِليْها مَـدَى ما كُنتُ فِيـكَ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جَـزَائِي غِلْـظَةً وَفَظَـاظـَةً *** كَأَنَّك أَنْـتَ الْمُنْعِـمُ الْمُتَفَــضِّـلُ
فَلـَيْتَكَ إِذْ لَـمْ تَـرْعَ حَــقَّ أُبُـوَّتِي *** فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَـلُ

أقدم مواطن كويتي يدعى (سالم. د) على قتل والدته البالغة من العمر خمسة وخمسين عاماً بعد أن ضربها بمطرقة على رأسها واحرق جثتها في منزل العائلة الواقع بمنطقة صباح السالم جنوب العاصمة [جريدة الرياض لاثنين 16 ربيع الأول 1426هـ - 25 إبريل 2005م - العدد 13454] فقد أفادت يومية «الأحداث المغربية» في عددها ليوم أمس أن متطرفا بمدينة أحفير الواقعة عل الحدود الشرقية مع الجارة الجزائر يبلغ من العمر 29 سنة قتل والدته (49 سنة) بعد أن أصدر «فتواه» بتكفيرها (!!). [جريدة الرياض اليومية الأربعاء 10 ربيع الآخر 1426هـ - 18 مايو 2005م - العدد 13477]

الجاني ماجد الغامدي البالغ من العمر (34 عاماً) بعدان أقدم على ارتكاب جريمة قتل والدته العجوز البالغة من العمر (80 عاماً) داخل منزل الأسرة بإحدى القرى التابعة لمدينة الباحة وذلك بقطع رقبتها بآلة حادة وضربها على رأسها بالحجارة حتى فارقت الحياة ومن ثم حملها في سيارته الكابرس ورميها في احد الحصون على طريق الباحة - الطائف وإشعال النيران في جثتها وذلك بهدف إخفاء معالم جريمته كانون ثاني 02, 2005 – وتم تنفيذ القصاص به في مدينة الباحة.

الذى يحدث في مجتمعاتنا لم نكن نعهده من قبل بهذا القدر!! من عنف اجتماعي, تفكك أسري, انهيار للروابط الأسرية, مقاطعات بين أفراد الأسرة تدوم لسنوات طوال!!! وسائل الإعلام تنقل لنا كل يوم إفرازات مستهجنة وإن لم يكن معدوماً لأن العقوق كما تشير النصوص التاريخية وجد في العصر الإسلامي الأول !!

محمد بن عبد الله بن مسلم بن زهرة, قتله غلمانه بأمر من ابنه في أمواله, وكان ابنه سفيهاً شاطراً قتله للميراث, ثم وثب عليه غلمانه بعد سنين فقتلوة أيضاً!! ( طبقات ابن سعد 45/3)

أوس بن حارثة عاش مائتين وعشرين سنة , حتى هرم وذهب سمعه وعقله , وكان سيد قومه ورئيسهم, ثم إن بنيه ارتحلوا وتركوه في عرصتهم حتى هلك فهم يسبون بذلك إلى اليوم!! ( الإصابه فى تمييز الصحابة ج1 138)

علي بن الجوزي قال أبيه الواعظ المعروف: إنى لأدعو كل ليلة عليه وقت السحر!؟؟وعظ في صباه ولكنه صاحب المفسدين! فترك الوعظ وكان ينال من أبيه وربما غلّ من كتبه!! ( سير أعلام النبلاء للذهبى ج22 353)

وكانت قصص العاقين مادةٌ دسمة للأدباء فى كتبهم ,قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال:خرجت من الحي أطلب أعقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرِّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء (أي حبل) ملوي يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي. فقلت: فلا جزاك الله خيرًا. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنع., فالعقوق محرم قطعًا مذموم شرعًا وعقلاً..

فما معنى العقوق؟

يقول العلامة ابن حجر رحمه الله: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما أذىً ليس بالهيِّن عُرفًا.اهـ. ويكون هذا الإيذاء بفعل أو بقول أو إشارة، ومن مظاهره مخالفة أمر الوالدين أو أحدهما في غير معصية، أو ارتكاب ما نهيا عنه ما لم يكن طاعة، أو سبهما وضربها، ومنعهما ما يحتاجانه مع القدرة ... وغير ذلك.وقد إجتهد بعض السلف حتى أن ذر بن عمر لما سُئل أبيه عنه قال : ما مشيت قط بنهار وهو معي إلا مشى خلفي, ولا بليل إلا مشى أمامي, ولا رقى سطحاً وأنا تحته؟!!! ( وفيات الأعيان3/443)

نعم اختلت العلاقة بين الوالدين وأبنائهما فعندما نقارن بين الماضي والحاضر نجد أن هناك تفاوتاً بين الأجيال حيث إنهم في الماضي يعيشون في مسكن واحد على عكس ما هو حاصل في وقتنا الحاضر إذ إن العيش يشبه الانفصال لكن السؤال المهم كيف يجرؤ بعض الأبناء على الهجر التام لآبائهم وأمهاتهم وكيف يجرؤون على رميهم في أماكن لا تليق بهم إما في دور الرعاية للمسنين دون علمهم أو في أماكن أخرى للتخلص منهم؟ وتحكي مديرة دار المسنين فى الأردن مريم سركسيان: ولـ (ع) حكاية محزنة حقا فقد احضرتها بناتها على اساس انها سيدة وجدت تحت شجرة وكانت موضوعة في البيك أب في ملابس قذرة جدا كأنها لم تستحم منذ عشر سنوات وقد بقيت في المركز فترة إلى أن توفيت؟؟؟؟

تركت أباك مرعشة يداه *** وأمك ما تسيغ لها شرابا
وإنك والتماس الأجر بعدى *** كباغى الماء يتبع السرابا


خطورة العقوق:
ما الأمر الذي سيحدث للجيل الحاضر؟.. فكل الخوف أن يصبح الأبناء الذين يمارسون العقوق أو الجفوة أو أي شيء من هذا القبيل, يمثلون نماذج لأبنائهم!! وبالتالي الظاهرة تصبح ليس فقط ظاهرة تغيرات اجتماعية وإنما تصبح نموذجاً يشاهدونه نموذجاً عاقاً, وبالتالي يصبح العقوق سمة بارزة في هذا المجتمع فهل نصل إلى هذه الدرجة؟ ولا تعجب إن قلت أنه يلوح فى قلب كل أم وأب, إن لم يكن هاجساً مقلقاً بضع التساؤلات:
هل يجحد أبنائي يوماً عطائي ؟ وتضحيتي ؟ وبذلي لهم ؟!!
ويلقون بنا على هامش الحياة؟؟ وكأننا عبء من أعباء الحياة!!
كالزيارة التى يتنفسون منها الصعداء , وذلك لثقلها على كواهلهم بينما يقضون القسم الأكبر من أوقاتهم بكل نشوة وسعادة!!

الأسباب:
(1) تغير طريقة التربية: إن التربية التى تنتهجها الوالدان في السابق باتت حبيسة الأدراج !! بسبب النظريات الحديثة التى بتنا نلحظ آثارها السلبية وأبرزها جحود الأبناء!! لقد طرحت إحدى الكاتبات في الولايات المتحدة كتاباً وجد انتشاراً واسعاً "من يربى من؟" تقرر فيه الكاتبة هذه الحقيقة ,وترد على النظريات الحديثة فتقول: نحن نُعذب أنفسنا نحن الآباء والأمهات أكثر بكثير مما نستحق من أجل تحقيق أشياء شبه مستحيلة,فيما يتعلق بأطفالنا!! وكثيراً ما نشعر بالذنب لشيئ فعلناه معهم أو إمتنعنا من فعله دون مبرر للشعور بالذنب!! ونضحي بجزء كبير من راحتنا وسعادتنا ,وراحة بالنا من أجل أشياء وهمية تتعلق بأطفالنا" إلى هنا,ولعل هذا التذبذب وعدم وضوح الرؤية كان سبباً فى الخلط بين القسوة والدلال!!بين الحب والانقباض فى نفسيات أبنائنا!!!
(2) ضعف الوازع الدينى سواء في المنزل أو المدرسة.
(3) تهميش وسائل الإعلام لهذا الموضوع وبيان خطورته والفضائيات والسفر وما يُعرض على الفرد في حياته اليومية بشكل دائم وغير منقطع.
(4) اختلاف مصادر التوجيه، حيث إنه في فترة زمنية سابقة كانت مصادر التوجيه هي الوالد فقط وبعد ذلك، الدائرة الضيقة مثل الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة وهكذا، فمصدر التوجيه واحد، مع اتفاق هذه العناصر سواء أكان الوالد أم إمام المسجد أم الجار...
(5) انشغال الأب :وهو تأكيد على أهمية العلاقة النفسية التي تربط بين الآباء وأبنائهم وأهميتها منذ الصغر، وذلك بوسائل مختلفة ومن ضمنها عدم إيكال رعاية الأطفال لغير الوالدين، فتوطيد العلاقة ما بين الآباء وأبنائهم شيء مهم لتنمية الرابط النفسي للابن .
(6) عدم الإنفاق على الأبناء
(7) ضعف الإشباع العاطفي من الوالدين لأبنائهما, إما بسبب الانفصال أو وجود الخلافات بينهما!!
(8) عدم مشاهدة الأبناء للتطبيق العملي: ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوة , فانحدرت صخرة من فوق الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا : إنه لاينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران,وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً, فنأى بي طلب الشجر يوماً , فوجدتهما نائمين, فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً, فلبثت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي!!! فاستيقظا فشربا غبوقهما!!!

هذا الرجل ربىّ أولادة- عملياً - على بر الوالدين فها هم يبكون من شدة الجوع وهو ماضٍ فى منعهم من أجل والدية الكبيرين اللذين قدمهما عليهم!! ويقدم عبد الله عبد المعطى (كيف تكون أباً ناجحاً) , عدّة أسئلة لتربية الأبناء عملياً على البر :
هل تعوّد ابنك أن يخاطبك أنت ووالدته بألفاظ الأحترام مثل : لو سمحت!
هل تعلّم ابنك ألا يحد النظر فى وجه والديه وخاصة عند الغضب؟
هل تعلّم ابنك خفض الصوت عند الحديث مع والديه, وألا يقاطعهما؟
هل تعود ابنك أن يعتدل فى جلسته عند دخول أحد الوالدين عليه أو جلوسه معهما؟
هل تربّى ابنك على تلبية نداء والديه مهما تكن الظروف؟
هل تُعوّد ابنك ألا يمشى أمام والديه؟
هل تعوّد ابنك على أنه إذا رأى أحد والديه يحمل شيئاً أن يسارع فى حمله؟
هل تعود ابنك على عدم الدخول على والديه في حال النوم إلا بعد الأستئذان وعلى عدم إيقاظهما؟
هل تعود ابنك على تقبيل يدي والديه؟
هل تربى ابنك على عدم الأكل قبل والديه؟

العلاج:
(1) الدعاء للأبناء بالصلاح والتوفيق،: «إذا مات بني آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له..» فإذا الولد لم يكن صالحاً فإنه لا يدعو لنفسه ولا لوالده،
(2) تقوية الوازع الدينى في مؤسسات المجتمع كلها وليس للفرد فقط، فعند دخول الطفل إلى المدرسة أو البيت أو إلى أي مكان آخر يجب أن يجد الجو المناسب الذي ينمي لديه الوازع الديني ولا يكون ذلك بمعزل عن بقية أقرانه.
(3) وتقديم النموذج الجيد للأبناء من خلال ذكر رعاية الآباء لأجدادهم، فقد حكى أحد المربين : قمت بزيارة بعض دور الملاحظة ودور التوجيه وجدت أن بعض الآباء هو السبب في انحراف ابنه، إذ أن واحداً من الآباء كان يُجلس ابنه معه والأب يتناول الخمر مع أصدقائه، وأب آخر يرسل ابنه لاحضار الدخان وخلاف ذلك.
(4) تكاتف وسائل الأعلام فى التربية العامة للمجتمع، إذ لا بد أن يكون هناك نوع من التوجيه والتأكيد على ذلك لوضع ثوابت معينة تحكم الجميع,
(5) اتفاق الوالدان على طريقة التربية, فمتى ما شعر الأبن بتذبذب وتناقض الوالدان عدّه نوعاًّ من الضعف.
(6) الإشباع العاطفي والمادي للأبناء.


كتبته فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة النبوية.
om.sofian@hotmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فوزية الخليوي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط