صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







همّ العيال

فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

 
عندما شرّع الله -عز وجل- الإنجاب تكثيراً لسواد الأمة لم يجعل هذه الذرية تضيع سُدى بل نصّ النصوص وقعّد القواعد لحفظ الذرية: كالتكسب لهموالتوسيع عليهم وإطعامهم حتى يشبّوا أناساً صالحين تقرّ بهم أعُين والديهم فهذا نبيّ الرحمة يوجّه بالإنفاق على من تعول بدءاً بالزوجة وانتهاءً بالذرية حتى بعد الموت، فكفل لهم حقهم من الإرث!!
فقال صلى الله ليه وسلم:" دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به، ودينار أنفقت على أهلك أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك".
رواه مسلم وقال: " مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر فيها حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك"، وحتى بعد ممات الفرد ألزمه أن يعُد العدّة فقال: " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة".
وهكذا دأب السلف الصالح:* فقال سفيان الثوري:"عليك بعمل الأبطال؛ الكسب من الحلال والإنفاق على العيال".
*وقال حويطب بن عبد العزى بعدما باع داراً له فقيل له: ما على رجل له أربعون ألف دينار؟ قال: وما أربعون ألف دينار لرجل له خمسة من العيال!!
إلى أن دخل نقص التوكل على الله في جلب الرزق من جهة الأعراب وضعيفي الإيمان!! فتذمروا من الذرية والإنفاق عليها!! فهذا أعرابي يطوف بالبيت فيقول:
يا رب حسبي بنياتي حسبي
أذهبن مخي وأكلن كسبي
إن زدتني أخرى قطعت قلبي
فسمعه عمر بن الخطاب فقال: كم بناتك؟ قال: أربع يا أمير المؤمنين! فأمر له عمر بأجر درهمين في اليوم!
*وها هو أعرابي آخر يضجر من كثرة العيال مع الفقر فبلغه أن الوباء بخيبر شديد!! فخرج إليها بعياله يُعرّضهم للموت فقال:
قلت لحُمّى خيبر ا ستعدي *** هاكِ عيالي واجهدي وجدّي
وباكري بصالبٍ وورد  *** أعانك الله على ذا الجندِ
فأخذته الحُمّى فمات وبقي عياله!!

* وقيل لأحدهم : ما المال؟ قال: قِلّة العيال!
* وقال سفيان الثوري: كانت لنا سنّورة لا تكشف لنا قدراً ولا تسرق لنا جاراً فولدت وكشفت القدور وسرقت من الجيران!!
وأما إن كانت ذريته من البنات فناهيك عن التذمر والتأسف لحاله من قبل الآخرين!! *حتى إن أحدهم رأى معاوية بن أبى سفيان وبين يديه بُنيّة له فقال له: من هذه! قال: بُنيّة لي! قال: نحّها عنك! فو الله إنهن ليلدن الأعداء ويقربن البُعداء!!
* وجاء نصيب إلى عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ِسنّي ورقّ عظمي وبُليت ببنيّات نفضت عليهن من لوني فكسدن عليّ!! فرّق له عمر وأمر له بصلة!
ولقد صدق الشاعر الحُطيئة عندما تشّفع إلى الخليفة عمر بن الخطاب بهذه الأبيات لإخراجه من السجن بذريّته فصادف قوله هذا قلباً رحيماً عند عمر:
ماذا تقول لأفرخ بذي مرخ *** زغب الحواصل لاماء ولا شجرُ
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة *** فارحم عليك سلام الله يا عمرُ
فيجب على الإنسان ألا يدع هذا الخوف يسيطر عليه فهو من مداخل الشيطان على العبد ليحزنه!! ويسعى في الأرض طالباً للرزق قانعاً بالأجر, وليعلم أن الله تكفّل بحفظ الولد والذرية قال تعالى:
(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذُرّيةٌ ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً) [النساء:9].
ولما ذكر الله تعالى قِصّة اليتيمين في سورة الكهف وبيّن حفظه لكنزهما, بقوله:(وكان أبوهما صالحا) [الكهف:82] * قال ابن عباس: حُفِظا بصلاح أبيهما، ولم يُذكر عنهما صلاح. الزهد لابن المبارك.
*ولقد بلغ من خوف أحدهم على ابنه من دواهي الزمان ما حكاه العالم أبو بكر بن يعقوب بن شيبة عن أبيه لما ولد, فإنه دخل على زوجته فقال: إذا حسبت مولد هذا الفتى فلو عاش كذا وكذا من السنين وقد حسبتها أياماً وقد عزمت أن أعدّ له لكل يوم ديناراً مُدّة عُمره؟!
فإن ذلك يكفي الرجل المتوسط له ولعياله، فأعدّ له حباً "برميلاً" وملأه بالدنانير وتركه في الأرض ثم قال لها: أعدّي برميلاً آخر أجعل فيه مثل هذا يكون له, وآخر قال: وما نفعني ذلك مع حوادث الزمان، وقد احتجت إلى ما ترون!! ورأيناه فقيراً يجيئنا بلا إزار نقرأ عليه الحديث ونبرّه!!
ولهذا كان من النافع دعاء الله بالبركة كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إذا أتُي بالزّهو: "اللهم بارك لنا في مدينتنا ومُدّنا وصاعنا" بركة مع بركة ثم ناوله أصغر من يليه من الولدان "رواة مسلم,وهذه البركة لا تكون إلا في المال الحلال, و بتعاهد الصبي منذ ولادته بإطعامه الحلال كما كان من أبو المعالي الجويني!! فقد كان ينسخ بالأجرة، ويتكسب وينفق على زوجته الصالحة وابنه الرضيع, وكان قد أوصى زوجته ألاّ تمكّن أحداً من إرضاعه، فدخل مرّة وقد أخذته إحدى الجارات فرضع قليلاً!! فما كان منه إلا أن أدخل إصبعه في فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى قاء جميع ما شربه وهو يقول: يسهل علىّ أن يموت ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير أمه!!
وكذلك فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أُتى بتمر الصدقة فأخذ سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما- تمرة منها وجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ ليطرحها ثم قال: أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة"!!رواة البخاري.
قال العلامة العيني" وفي الحديث أن لأولياء الصغار الحول بينهم وبين ما حرّم الله على عباده ألا يرى أنه استخرج تمر الصدقة من فم الحسن وهو طفل لا تلزمه الفرائض ولم تجر عليه الأقلام؛ فبان بذلك أن الواجب على وليّ الطفل والمعتوه إذا رآه يتناول خمراً يشربها أو لحم خنزير يأكله أ و مالاً لغيره يتلفه أن يمنعه من فعله ويحول بينه وبين ذلك!!
وعلى الأم العاقلة ألاّ تغضّ الطّرف عن ابنها عندما تجد في أدواته المدرسية أشياء كأقلامٍ وغيرها مما ليس له من أغراض زملائه, بل تلحّ عليه في إعادتها وتشدّد في العقوبة, وكذلك ما يحدث دائماً عند الزيارات العائلية عندما يقوم الأبناء بأخذ الألعاب من بيوت الناس! فلا يمنعنها بكاء الطفل عندئذ وإصراره من التسامح في هذا الأمر؛ لأنه البذرة الأولى في الاستيلاء على أغراض الآخرين!! ومعلوم قِصّة الشاب السارق عندما أرادوا قطع يده! فنادى القاضي وقال: اقطعوا يدّ أمي لأنني وأنا صغير سرقت بيضة فتهلل وجهها وضحكت لي؟!
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فوزية الخليوي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط