صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطوة واثقة .. تحت الأضواء !

إكرام الزيد

 
" توطئة " ..
هناك .. في طرف المدينة ..
بيت شعبي الطراز .. يحوي ثلاثة شبان تتنازعهم مذاهب شتى .. وأمَّـاً مستسلمة لكلّ شيء .. وأربع أخوات .. ثلاث متشابهات في كلّ شيء .. والرابعة/ الكبرى .. بثينة!
بثينة .. ذات الخمسة والثلاثين ربيعاً " أو خريفاً كما تقول" .. الحنطية البشرة .. العربية الملامح .. السوداء الشعر .. التي تثنّي جمال خَلقها بخلقها حين صارت خفيفة النفس .. باسقة الخلق .. مهذبة الحديث .. حيية ..
صديقتنا بثينة .. التي أنهت دراستها الجامعية في تخصص الفيزياء .. لتدرسه في مدرسة أهلية .. أي فضاء يحتوي قلبها الكبير ؟

" 1 "

يرتفع فنجان خزفي منقوش بلون أحمر .. ترتشف منه الأم قهوة عربية عابقة برائحة الهيل .. كانت صبيحة خميس هادئ .. وعقارب الساعة تشير إلى الثامنة وأربعين دقيقة .. بثينة منزوية في جانب صالة الدار .. ممسكة مصحفها متمتمة بالآيات .. إحدى الأختين تمسك بالدلة .. الأخرى تتناول تمرة وتلوكها ببطء ساهمة .. الثالثة لا يفتقدها المكان رغم غيابها .. أشلاء محاورة تدور بين الأم وابنتيها تبدو كثرثرة سخيفة .. تبدأ بالافتتاحية الشهيرة (ما أكثر الزواجات هذا الصيف!)..
- أهناك غير أسماء؟
- بل هناك خبر جديد .. سلطانة ..
- حقاً .. من ستتزوج؟
- ابن عمتها .. يقولون!
- إيه .. فرج الله همنا كما فرج همهم عاجلاً غير آجل ..
تهمس الاثنتان: آمين .. ترفع بثينة رأسها عن المصحف وتصيح: أمي !!

" 2 "

مساء الاثنين، هدوء يخيم على المنزل .. الأم تدير قرص الهاتف وهي ترفع صوتها بالأرقام .. تضع السماعة على أذنها وتصلح جلستها تمهيداً لثرثرة طويلة .. يأتي على الطرف الآخر صوت الجارة !
- والله لقد تعبتُ يا أم سعد، ليتني أعيش لأرى ذلك اليوم الذي تذهب فيه هؤلاء البنات!
- ......
- أعرف أنّ المزوج بالسماء .. لكنّ الناس قد نهشوا لحمنا وأكلوا وجوهنا بحديثهم.
تقبل بثينة في يدها مجلة .. تصفعها الجملة الأخيرة .. تتوجع .. تتكئ على الجدار .. تنظر إلى أمها بعتب .. تتظاهر الأم بعدم رؤيتها وتكمل: لا أعرف .. شروطها صعبة، ونحن لا نزوج الصغرى قبل الكبرى..
- ......
- صدقتِ .. عجّل الله علينا بالفرج، المهم ما أخبار أم عبد العزيز؟
تجرّ بثينة خطاها إلى غرفة " البنات " .. تجدهنّ يتبادلن أخبار مدارسهن .. تجفل من الحديث .. تظل تحدّق في غلاف المجلة .. ودمعها ينهمر !

" 3 "

كانت تقلّب صفحات رواية تاريخية، لا تبدو مثيرة لكنها أفضل من لا شيء .. كثيراً ما تؤكد بثينة لنفسها أنها قنوعة .. يرتفع صوت أختها: بثينااااة .. هاتف لكِ !
من يا ترى؟ تساءلت .. والاستغراب يشتت ذهنها .. إنها لم تتعود على اتصالات هاتفية ثرثارة .. ربما هي من دار التحفيظ ؟ .. لم أعطِ رقمي أحداً حين درست! لم ترغب في ترك روايتها .. كادتْ أن تطلب من أختها أن تعتذر للمتحدثة بانشغالها .. تناديها أختها: إنها منال ! .. حقاً ؟! .. منال ؟! صديقة الكلية التي جاورتها أربع سنوات دراسية .. منال التي مضت بها الأيام .. وما زالت تتواصل معها مرة كل بضعة أشهر .. تهرع مسرعة .. وتمسك السماعة بلهفة ..
جاءها صوت منال الرخيم الهادئ .. هو صوتها نفسه .. لم يتغير رغم بعد العهد .. صاحت بها .. منال كيف حالك ؟؟؟
- أنا رائعة .. أنتِ ما أخبارك ؟
- لا جديد .. غير بضع مشاريع دعوية صغيرة في مصلى المدرسة..
- رائع .. ما زلتِ معطاء كما كنتِ في مصلى الكلية، أتذكرين تلك الأيام؟
- ومن ينساها ؟
- صدقتِ .. لقد أثمرت باستمراركِ في درب الدعوة والعمل..
- الحمد لله، أسأل الله الإخلاص ..
- والنصيب .. ألم يطرق الباب بعد ؟
النصيب؟!! .. تسترجع أحداث الرواية .. تتذكر بيتاً جميلاً ..
تقفون والفلك المحرك دائر ........ وتقدّرون، فتضحك الأقدارُ
تتنهد: لا يا منال .. ليس بعد ..
- وما لكِ تقولينها بتوجع ؟
- لقد رضيت بالقدر .. لكني تعبتُ من كثرة الحديث حولي .. من يُطيق يا صاحبتي؟
- بثينة .. لستِ أنتِ من تُعلّم .. انظري من حولكِ .. ستجدين حياة حافلة.. أنتِ فيها داعية .. ومعلمة .. وصديقة .. لكِ ثقافتكِ .. وصداقاتك .. وعملكِ .. وأهلكِ .. لكِ حياة رائعة حتى لو لم يحصل لكِ النصيب .. أليس كذلك ؟!
- بلى .. ولكن ؟
- لكن ماذا يا صديقتي؟ أعياكِ كثرة خوض الخائضين؟
- هو ذاك!
- لا بد أن تشعري بوحشة .. لكن الحياة لم تتوقف بعد ..
- نعم .. لكني بتّ لا أجد لنفسي خطوة واثقة !
- اصنعيها يا بثينة .. اصنيعها بكل ما فيكِ من بهاء وعطاء و .. إيمان !

" 4 "

زواج إحدى القريبات .. مائدة مستديرة مغطاة برداء أحمر .. عليها حافظات الشاي والنعناع والقهوة .. شوكولاتة أيضاً .. وفطائر منوعة .. تطل بطاقة صغيرة من بين ذلك ببيتي شعر ركيكين عن الحفل .. هناك شمع وورد .. علبة مناديل مزينة .. تتأمل بثينة وهي جالسة مع أمها وأخواتها حول هذه المائدة الحافلة .. بعض القريبات/ البعيدات يشاركن في الجلوس عليها .. تعود للتأمل .. أضواء خاطفة .. النساء متحليات بأردية براقة .. بعضهن يسلم .. أخريات يبتسمن .. وواحدة ترتشف القهوة مجيلة نظرها في التصاميم .. صوت ضاربة الدفوف يثير صخباً بهيجاً .. تتسلل إلى داخلها بهجة .. تلفتها زينة إحداهن فتذكرها زينتها .. تلتفت إلى أخواتها هامسة .. تهز الأخوات رؤوسهن ويقمن معها .. توجهن إلى المرايا .. وقفت أمام المرآة .. نظرت بسعادة .. ابتسمت لنفسها وأبعدت خصلة شعر عن وجهها .. ماذا تريد هذه ؟ تتساءل في سرها وامرأة أربعينية تحدق فيها .. تقترب المرأة.. ترفع صوتها بنبرة متشككة: يبدو أنّي رأيتكن قبلاً ..؟ تكسي وجوههن حيرة .. تبتسم بثينة بتساؤل .. تزداد اقتراباً .. تمتطي نبرة نزقة: أنتن بنات أم علي؟ أجابت الكبرى: نعم نحن ..
تجيل فيهن عينين صغيرتين بنظرة فاحصة .. وبمكر: ما أخباركن؟ ألم تتزوجن بعد ؟
يخفضن رؤوسهن .. تسري همهمات .. وتعلقت الأنظار ببثينة .. كادت أن تخفض رأسها وجعاً .. جال في ذهنها خاطر سريع .. الخطوة الواثقة .. الآن!! .. رفعت رأسها عالياً .. نظرت بكبرياء .. أخذت نفساً عميقاً ثم ابتسمت قائلة:
مكاتيب الله .. ما لنا فيها سبيل !


تمت

16 – 5 – 1425 هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
إكرام الزيد
  • مـقـالات
  • قصص
  • قصائد
  • أفكار دعوية
  • ردود وتعقيبات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط