بسم الله الرحمن الرحيم

اعتزوا بدينكم ، ولا تدسُّوا أنفَكم في التراب ..!


الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدّين ، وبعد:
كتاب الله فرقان بين حزب الله ، وحزب الشيطان .
ولكل حزب أولياء ومناصرون
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71].
{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:56].

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [الأنفال:73].
{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19].

فاختر لنفسك ما شئت ، والموعد يوم الجزاء والحساب .

{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40].

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج:17].

ففي يوم الحساب يفرق الله تعالى بين حزبه وحزب الشيطان ، بين أهل الاعتصام بحبل الله وأهل الفرقة والإعراض ، بين الناجين والهالكين .

قال جل شأنه:
{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الحج:69].
وقال تبارك اسمه:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87].

اللهم يا ربَّ العالمين
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ }.

إخوة الإسلام .. يا من أنعم الله عليكم بنعمة الإسلام تذكروا أن الله تعالى لا يرضى منكم ملة غير ملة الإسلام ، وأنه سبحانه جعل كتابه العظيم فرقانا بين أهل الإسلام ، وأهل الإلحاد والشرك والأوثان والصلبان .
قال تعالى:
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].

فالزموا أصل دينكم وتولوا أهله ، وابرؤا وانفروا ونفِّروا من الشرك وأهله .
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52].
{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:18].

يا من أنعم الله عليكم بنعمة الإسلام تذكروا أن النصر والعزة بيد الله وحده ، وأن الله هو المنجي وحده ، وأن كل شيء بيده وحده . فلا تغرنكم قوى الكفر ، ولا تركنوا إليهم بل اركنوا إلى من بيده كل شيء
{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:88].

فأقبلوا على الله وانصروه ينصركم ،
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].

فاصدقوا مع الله ولبُّوا نداءه يحقق لكم وعده ، ووعده الحق .

يا من أنعم الله عليكم بنعمة الإسلام ، لا تتخذوا أعداءَ الله أولياء ، ولا تركنوا للقوم المجرمين
{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:139].

{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:144].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:57].

قال أحدُ الأئمة الأعلام(1) رحمه الله تعالى: [ اعلم ]« أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُوْلَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوْزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَرِيْبٍ ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالى :
{لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنْوُن بِاللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ يُوَادُّوْنَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَلَوْ كَانُوْا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخِوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِيْ قُلُوْبِهُمُ الإيْمَانَ . وَأَيَّدَهُمْ بِرُوْحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا اْلأَنْهَارُ خَالدِيْنَ فِيْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الْمُفْلِحُوْنَ} » .

وفي شرح هذا الكلام العظيم قال أحد العلماء(2) : « والولاء ، والبراء أصلٌ عظيمٌ ، جاءت فيه النصوص الكثيرة ..." إلى أن قال: " ولأنَّ موالاة من حاد الله ، ومداراته ، تدل على أن ما في قلب الإنسان، من الإيمان بالله ، ورسوله ضعيف ؛ لأنه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئاً هوَ عدوٌّ لمحبوبه ، وموالاة الكفار تكون بمناصرتهم ، ومعاونتهم على ما هم عليهِ من الكفر والضلال، وموادَّتهم تكون بفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم فتجده يوادهم أي : يطلب ودَّهم بكل طريق، وهذا لا شكَّ ينافي الإيمان كله أو كماله ، فالواجب على المؤمن معاداة من حاد الله ، ورسوله ، ولو كان أقرب قريب إليهِ ، وبغضه والبعد عنه ولكن هذا لا يمنع نصيحته ودعوته للحقِّ ».

ومما يغيظُ قلبَ المؤمن أن يرى بعضَ المنتسبين لهذا الدين يرفعون شعارات أهل الكفر ، موالين لهم ومناصرين !ومن ذلك ما نشرته بعضُ الصحف حيث نشرت صورةً لأحد الدهماء من الكويت وهو يرفع العلمين البريطاني والأمريكي ابتهاجاً ببدء الحرب على العراق !

نكأت الأحداثُ الأخيرة جرحَهم القديم ، فلم يروا بدا من إذلال أنفسهم برفع شعارات الصليبيين المعتدين ، ولو أنهم اتقوا ورجعوا إلى دينهم لكفروا بالكفر كله ، وطلبوا العزة من الله العزيز الجبار وحده لا شريك له ولا ربّ سواه ، ولا ند له.

لسنا ندعوهم لرفع رايات حزب البعث الكافر ! بل ندعوهم للرجوع إلى الله عز وجل ، والاعتصام بكتابه القويم ، وعدم الركون إلى الذين كفروا بالله العظيم .

ندعوهم إلى أن يكون ولاءهم في الله ، وعداءهم في الله ، وليس لمصالح أو قوميات أو مواقف وأحداث . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: « على المؤمن أن يعادي في الله ، ويوالي في الله ،فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه ـ وإن ظلمه ـ فإنَّ الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية » قال تعالى :
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: من الآية9]. وقال رحمه الله تعالى: « فأهل السنة والجماعة ـ إذن ـ يوالون المؤمن المستقيم على دينه ولاءً كاملاً ويحبونه وينصرونه نصرة كاملة ، ويتبرءون من الكفر والملحدين والمشركين والمرتدين ويعادونهم عداوة وبغضاً كاملين. أما من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فيوالونه بحسب ما هو عليه من الشر ، وأهل السنة والجماعة يتبرءون ممن حادَّ الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ».

ندعوهم أن يحرروا قلوبهم من الرق لعباد الصليب ، وألا يمرغوا أنوفهم بالتراب تعظيما لأولئك الكلاب.

ندعوهم أن يلزموا الحقَّ وهم كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام على فهم صفوة الأمة السلف الصالح رضي الله عنهم ، وأن لا يغتروا بالشعارات البراقة ، والدعاوى الكاذبة ، وألا يكونوا همجاً رعاعا يتبعون كلَّ ناعق ويميلون مع كلِّ ريح فهذا شأن من لا دين له(3) .

زعم عباد الصليب أنهم حماة للسلام ! وحربٌ على الإرهاب !

كذبوا قاتلهم الله !

كذبوا والقرآن شاهد : حيثُ
{قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة:73].
وأعظِم بها من فرية !

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34].

كذبوا وخانوا وتجبروا والتاريخُ شاهد ..

لقد سطَّر النصارى في الأندلس تاريخاً مليئاً بالدماء وهتك الأعراض وقتل النفوس وسبي النساء.
{لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة:10].

يقول جوستاف لوبون في "حضارة العرب": « إنَّ الراهب بليدا أبدى ارتياحه لقتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة كانت مؤلفة من 140 ألف مهاجر مسلم حينما كانت متجهة إلى إفريقية ».

في عام: 897هـ حاصرت جحافل النصارى غرناطة ، ونقضوا كلَّ العهود والمواثيق ، وضيقوا الخناق على المسلمين حتى اضطروا إلى تسليمها ، ليدخل المسلمون تحت ظلم وعسف وجور محاكم التفتيش بعد ذلك بسنين.

ثم كانت محاكم التفتيش مضرب المثل في الظلم والقهر والتعذيب ، ولقد ارتكبت في حق المسلمين ما تقشعر منه الأبدان وتشيب من هوله الولدان .

فمثلا إذا عُلِمَ أنَّ رجلاً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقِّه حكماً بالموت ، وإذا وجدوا رجلاً لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيصدر في حقه الإعدام.

ولقد استخدموا في تعذيب المسلمين وقتلهم أنواعا من الآلات الغريبة والمفزعة فمنها آلات لتكسير العظام ، وأخرى لسحق الجسم ، وآلات لسل اللسان ، ولتمزيق أثداء النساء وسحبها من الصدور بواسطة كلاليب فظيعة ومجالد من الحديد الشائك لضرب المعذّبين وهم عرايا حتى يتناثر اللحم عن العظم وغيرها مما تقشعر منه الجلود(4) ..
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: من الآية30]. {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً} [النساء: من الآية84]. {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طـه: من الآية127].

وفي القرن الخامس الهجري وعلى أرض الشام وبيت المقدس « ضرب الصليبيون مثالاً للحقد على الإسلام والمسلمين ، فاتسم الغزو بروح التعصب والانتقام ، فقد سفكوا الدماء في الرها ، وانطاكية ، وطرابلس ، وبيت المقدس ، وسفكوا دماء سبعين ألف مسلم أو يزيد في ساحة المسجد الأقصى من المجاورين ، والعلماء ، والطلاب ، والعباد ، والزهاد ، وخاضت خيولهم بدم الضحايا من الرجال ، والنساء ، والأطفال.
وأذكر ما رواه الراهب روبرت أحد الصليبين المتعصبين ، وشاهد عيان لما حدث في بيت المقدس واصفاً سلوك قومه: ( كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل ، وذلك كاللبؤات التي خُطفت صغارها ، كانوا يذبحون الأولاد والشباب ، ويقطعونهم إرباً إرباً ، وكانوا يشنقون أناساً كثيرين بحبلٍ واحد بغية السرعة. وكان قومنا يقبضون على كلِّ شيء يجدونه ، فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية ، فيا للشره ، وحب الذهب ، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث ... ) (5) » .

ماذا فعل الأمريكيون في الفلبين ؟!
في الفلبين « حاول الأمريكيون تنصير المسلمين واستخدموا الإكراه ، فلم يتغير موقف المسلمين ، وقاوموا بالقوة ، واستمر القتال (38) عاماً قُتِلَ فيها عدة آلاف من المجاهدين ، وتمادى الغزاة فشنوا على المسلمين ( حرب الجراثيم ) فاجتاحت أوبئة الكوليرا والجدري والطاعون جزيرة منداناو وأرخبيل صولو في وقت واحد سنة 1321هـ ، وتساقط الناس بالمئات والألوف ، وانتقل الوباء إلى جزر مجاورة ، وبلغ عدد ضحايا الأوبئة أكثر من 200ألف على حساب التقارير الغربية نفسها ، وأهمها تقرير لجنة تافت ، وأدركت أمريكا عبث المحاولات فلانت وعقدت معاهدة مع المسلمين..»(6) وهذا مثال لأمثلة كثيرة لجرائم الصليبين في الفلبين.

أما شأن الصليبيين مع مسلمي الهند « فقد أعلن الحاكم البريطاني اللورد النبرو: ( إنَّ العنصر الإسلامي في الهند عدو بريطانيا اللدود ، وأن السياسية البريطانية يجب أن تهدف إلى تقريب العناصر الهندوكية إليها ، لتساعدهم في القضاء على الخطر الذي يتهدد بريطانيا في هذه البلاد ).
فاشتد الإنجليز في هجمتهم على المسلمين بعد إنهاء الثورة ، واستولوا على أراضيهم ، ففقد المسلمون أملاكهم الواسعة ولم يبق لهم سوى 5% من أراضيهم التي كانوا يملكونها من قبل ، وسدت في وجههم أبواب الرزق في الدواوين وصودرت أملاكهم. وأخذ الانجليز جانب الهندوس والسيخ ، وأطلقوهم يهزأون بالمسلمين وبدينهم ، ويسمونهم سوء العذاب. فكانت المذابح التي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين ، وتفشت الطائفية وكثرت المصادمات الطائفية ، والهدف إفناء المسلمين بالمذابح. كما حاول الانجليز تعميق الفوارق بين المسلمين أنفسهم فقسموهم إلى: سادة أو مغل أو باتان أو مشايخ ، وأجبروهم على تسجيل أنفسهم كذلك »(7) .

هذه أمثلة قليلة لجرائم ( أدعياء السلام ) الكثيرة ، وتلكم جرائمهم ولا عجب فهم « المثلثة ، أمة الضلال ، وعباد الصليب ، الذين سبّوا الله مسبة ما سبّه إيَّاهم أحدٌ من البشر ، ولم يُقَرُّوا بأنه الواحد ، الفرد الصَّمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ولم يجعلوه أكبر كلَّ شيء ، بل قالوا فيه ما: ( تكاد السَّموات يتفطرن منه وتنشقُّ الأرض وتخرُّ الجبال هدَّا ) فقل ما شئتَ في طائفةٍ أصل عقيدتها: أنَّ الله ثالثُ ثلاثة ، وأنَّ مريم صاحبته ، وأنَّ المسيح ابنه ، وأنه نزل عن كرسيِّ عظمته والتحم ببطن الصاحبة(8) ، وجرى له ما جرى إلى أن قُتِلَ ومات ، ودفن ، فدينها: عبادة الصلبان ، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر ، والأصفر في الحيطان ، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا ، واغفر لنا وارحمينا ! فدينهم: شرب الخمور ، وأكل الخنزير ، وترك الختان ، والتعبد بالنجاسات ، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة ، والحلال ما حلَّلّهُ ( القِسُّ ) والحرام ما حرَّمه ، والدِّين ما شرعه ، وهو الذي يغفر لهم الذنوب ، وينجيهم من عذاب السَّعير »(9) .

فهذا دينهم ، وتلك فعالهم ، فتباً لهم ، وعياذا بالله من طريقهم .

فيا من اغتر بحضارتهم ، وشعاراتهم ، ودبابتهم وصواريخهم .. أبهؤلاء ترضى ولياً ؟! ولتلك الأباطيل تنتصر ؟! فبئس المولى وبئس النصير !.

ويا من كسرت نفسَه قوةُ العدو اعلم أن النصر بيد الله
{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].
واعلم أن الله يمهل ولا يهمل ، ولأن مكرت أمريكا وبغت وطغت فإن الله أشد مكراً وهو القوي العزيز الجبار.
{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} [الجـن:24].

قال تعالى:
{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت:15].

« فهل تستطيع أمريكا أن توقف الزلزال ، أو توقف الفيضانات المائيَّة ، أو تستطيع أن توقف المطر ؟ بل لم تسطع أهون من هذا ، وهو علاج مرض ( الإيدز ) وعلاج الأمراض الحديثة.
وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير ».
(10)
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك:20].

ألا إنَّ النصر بيد الله العلي القدير ، ولينصرن الله من ينصره
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

« كيف يأتي نـَصرُ اللهِ ؟
من المُتـَّفـَق عليه دونَ خِلافٍ ـ ولله الحَمد ـ بين المُسلمين أنَّ مَعنى { إنْ تَنْصرُوا اللهَ } ، أي: إنْ عملتُم بما أمَرَكُم به : نصَرَكُم اللهُ على أعدائكُم .

ومِن أهمِّ النُّصوص ِ المُؤيِّدَةِ لهذا المَعنى مِمَّا يُناسِبُ واقعَنا الذي نعيشُه تماماً ، حيثُ وَصْفُ الدَّواء ِ والعلاج ِ معاً ؛ قولهُ صلى الله عليه وسلم :
(( إذا تبايَعتُم بالعِينَة ، وَأخَذتُم أذنابَ البَقـَر ، وَرَضيتُم بالزَّرع ، وَتركُتم الجهادَ ، سَلَّطَ اللهُ عليكُم ذُلاً لا يَنزعُهُ عَنكُم حتى ترجِعوا إلى دينكُم )).
سَببُ ( مَرَض ) المُسلمين :
هوُ إهماُلهُم العَمَل بأحكام ِ الدِّين ؛ كتاباً وَسُنَّة ً .
فقولُه صلى الله عليه وسلم :
(( إذا تبايَعتُم بالعِينَة )) ؛ إشارة ٌ إلى نَوع ٍ مِن المُعامَلات الِّربَويَّة ذات التحايُل على الشرع .
وقولهُ صلى الله عليه وسلم :
(( وأخَذتُم أذنابَ البَقـَر )) ؛ إشارَة ٌ إلى الاهتمام ِ بأمورِ الدُّنيا والرُّكون ِ إليها ، وَعَدم ِ الاهتمام ِ بالشريعَةِ وأحكامها .
ومِثُلُهُ قولُه صلى الله عليه وسلم :
(( ورَضيتُم بالزَّرع )) .
وقولهُ صلى الله عليه وسلم :
(( وترَكتُم الجهادَ )) ؛ هو ثمَرَةُ الخلودِ إلى الدُّنيا ، كما في قوله تعالى : {يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا ما لَكُمْ إذا قيلَ لَكُم انْفِرُوا في سَبيل ِ اللهِ اثـَّاقَلْتُم إلى الأرض ِ أرَضيتُم بالحَيَاةِ الدُّنيا مِن الآخِرَةِ فما مَتاعُ الحيَاةِ الدُّنيا في الآخِرَةِ إلا قَليلٌ}.
وقولهُ صلى الله عليه وسلم :
(( ... سَلَّط اللهُ عليكُم ذلاً لا يَنزِعُهُ عنكُم حتى تـَراجعوا إلى دينكُم )) ؛ فيه إشارَة ٌ صريحة ٌ إلى أنَّ الدَّين الذي يَجبُ الرُّجوعُ إليه هو الذي ذكَرَهُ اللهُ عَز وجلَّ في أكثرِ مِن آيَةٍ كريمةٍ ، كمثل ِ قولهِ سُبحانَهُ : {اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دينَكم وأتْمَمْتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِتُ لكُمُ الإسلامَ دينا}.
وفي تعليق الإمام مالكٍ المشهورِ على هذه الآيَةِ ما يُبَيَّنُ المُرادَ ، حيثُ قال ـ رحمه الله ـ : (( وما لم يَكُن يَومئذٍ ديناً فلا يَكونُ اليَومَ ديناً ، ولا يصلُحُ آخِرُ هذه الأمَّة إلا بما صَلَحَ به أوَّلُها )) ».
(11)

فالنصر لمن يستحق النصر ، وكيف يستحق النصر من ملأت الأضرحة والمزارات ديارهم ، وفشت البدع بينهم ، وجاهروا بالعصيان ، ووالوا أعداء الله ، وأعرضوا عن ذكر الله تعالى ؟!

فلن يتحقق النصر من الله إلا بالرجوع إلى الله لأنه تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} « فعلى المسلمين أن يغيّروا ما في أنفسهم من العقائد المنحرفة، والأخلاق السيئة، إن أرادوا حقاً أن يغير اللّه ما نزل بهم »(12) .

هكذا يأتي النصر ، وليس بالمظاهرات ، والانتخابات ، والأناشيد ، وإشعال العواطف ..

قال محمد البشير الإبراهيمي -رحمه اللّه-:
« هل من الصحيح أن التفجيع والتوجّعَ والتظلّم والتألّم والأقوال تتعالى، والاحتجاجات تتوالى، هي كل ما لفلسطين علينا من حقّ؟ وهل من المعقول أن التفجّع وما عطف عليه -مجتمعات في زَمن، مقترِنات في قرن- تنفع حيفاً، أو تفلّ لظلم سيفاً، أو ترُدّ عادية عاد، أو تسفّه حلم صهيون في أرض الميعاد؟! لا... والذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ».

فالنصر لمن نصروا اللهَ ، وجاهدوا في سبيل الله ، والجهاد يتوفر بعد إعداد العدة لا بالحماسات الفارغة والتي سرعان ما تنطفئ ! .

أسأل الله العلي القدير أن يصلح أحوالنا ، ويهدينا سبيل الرشاد ، وأسأله تعالى أن يقيم علم الجهاد ، وأن يعجل لنا النصر ويهزم قوى الكفر والفساد .
اللهم ارفع الذل عن عبادك المسلمين
اللهم دمر المعتدين من اليهود والنصارى والملحدين ، اللهم اجعل تدبيرهم تدميرا عليهم يارب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدّين. والحمد لله رب العالمين.

أخوكم / ناصر الكاتب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وذلك في الأصول الثلاثة.
2 ـ هو العلامة الفقيه محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى ، وذلك في شرح الأصول الثلاثة.
3 ـ تضمين من كلام للإمام البربهاري ـ رحمه الله تعالى ـ من كتابه العظيم ( شرح السنة ).
4 ـ كل ما مضى عن طغيان النصارى في الأندلس مأخوذ من كتاب: ( إعلام أهل العلم والدّين بأحوال دولة الموحدين ـ سقوط الأندلس الإسلامية) ت: علي محمد محمد الصَّلاَّبي.
5 ـ (حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة)[2:64]. ت: جميل عبد الله محمد المصري.
المصدر السابق: [2:368].
7 ـ المصدر السابق: [2:397].
8 ـ تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً.
9 ـ من كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب (هداية الحيران) ، بواسطة كتاب (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان) للشيخ: بكر أبو زيد.
10ـ هذه كلمات للشيخ: مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ ، انظر: ( مجموعة رسائل علمية ) له رحمه الله تعالى: 142 ، 143 .
11ـ انظر رسالة: (سؤال وجواب حول فقه الواقع) للإمام الألباني رحمه الله تعالى. ص: 43 .
12ـ من كلمات للشيخ الألباني رحمه الله تعالى.

الصفحة الرئيسة