بسم الله الرحمن الرحيم

يا معشر الكتاب أمانة أقلامكم في أعناقكم
ندى بنت عبدالعزيز اليوسفي


ينقادون خلفه وكأن السيوف الحادة مصلتة على رقابهم، يتقاذفون بعضهم بالسباب والشتائم وكأنهم قذائف صاروخية مداها بُغض حِِقد بسببه!!..، يُرشق به مشاعر وشعائر وشرائع !!..،إن رصاصاته من نوع فريد تخترق الدماغ فتصيبه بورم خبيث لا تستطيع أكبر المصحات العلاجية علاجه أو مجرد اكتشاف وجوده !!..، نعم.. هذه هي لعبته ..لعبة السلاح التي عمت أقاصي الدنيا ، إنه سلاح عجيب ..لا يباع في السوق السوداء ولا يُهرّب في منأى عن أعين الحراس ، بل تراه في كل مكان و قد يدخل بيتك وقد تحمله أيضاً في جيبك دون أن تدفع في مقابله أي شيء!!..، كم فرق به جماعات وكم أُنزل به من هامات وكم فُضح به من نفوس وكم أزيح به القناع عن وجوه!!..، إنه سلاح خطير في يد من لا يأمن جانبه..،إنه سلاح محظور وقد سُلِّم للأسف لمن لا يكف عن رميه في كل اتجاه ودون وعي !!..، إنه في الوقت ذاته يمكن أن ينصر الأمة ويعز مكانتها و يبصر العمي و يرشد الحائرين..، إنه سلاح ذو وجهين ..، بل و متناقضين..، أحسن البعض استخدامه وأساء الآخرون استغلاله!!..، لا تحكّ رأسك تفكيراً ماذا يكون..لأن ما بين يديك الآن هو من نتاجه الخيّر، ولا شك أنك سمعت عن نتاج له متحرر!!..
نعم هو القلم..ونتاجه الكلمات ، وإذا كان الرازي في مختار الصحاح قد عرف القلم بأنه الذي يكتب به و كان قد فرق بين الكلم والكلام والكلمة ، فإنه لم يذكر أنه من صنوف السلاح المُشاع ولم يذكر أن الكلمة قد تكون صالحة وقد تكون طالحة!!..
أخي في الله..، لقد كان القلم لحقبة مضت هو السيد والرئيس، وكان الأدباء والشعراء والكتاب ندماء الخلفاء والأمراء..، ولم يفقد القلم مكانته اليوم كأداة مؤثرة لكنها غدت كالسحر الذي انقلب على ساحره..، فأصبحت لا تدري مًن مِن الكتاب يكتب لنفسه ومن منهم يُكتب له، وأصبحت لا تستشف في بعض الكتابات انتماءً معيناً فتارة إلى هؤلاء وتارة يضخم هؤلاء وتارة يكال لهم اللكمات والصفعات، وكأني بك قد ضقت ذرعاً بتناقض بعض الكتاب، وطول لسان بعضهم الآخر، ولا شك أنك بت ليلك مفكراً في كيفية تجرأ بعضهم على الخوض في موضوعات متحررة و ذيلوا مقالاتهم بكلمة كاتب مسلم والكفر يقفز من بين سطورهم ونقاط أحرفهم!!..، تقول إحداهن وهي كاتبة تقول أنها مسلمة وفي بلد مسلم ولمجلة تتسمى بأن مؤسسيها مسلمون: (إن كتاباتي ليست مضرة كما تدعي الجماعات المتطرفة (!!!!)..ربما يكون الضرر من وجهة نظرهم في أني امرأة تحريضية ، أناقش قضية الزواج بدون حب، أريد المرأة أن تصرخ ، أريد أن يكون لها كيان واضح، وهذا بالطبع يخيف التيارات الدينية ،إنهم يريدونها نعجة في البيت يرفضون أن تكون نداً لهم أو كفئاً ، إنهم يحاربون كتاباتي ليس لأنها إباحية ولكن لأن بها تحريضاً واضحاً(!!!!))!!..،الله أكبر..لا أدري كيف أضعت حبر قلمي في نقل كلمات هذه النعجة المتصابية!!..، في فكرها أن تكتب رواية إباحية و مقالات تدعو لإشاعة الفاحشة ليست (مضرة) من حق قلمها ومن حق النساء عليها!!..، لم يتوقف هدر أمانة القلم عند هذه فهناك كثر غيرها..رضوا أن يكتبوا القصيدة الإباحية والرواية التي تعتدي على حرمة الله وذاته..والمسرحية التي تستهزئ بأحداث تاريخية إسلامية..والمسلسلة التي تمارس الاستلهام من شخصياتنا التاريخية الثابت خيريتها أحداث مختلقة لا تعدوا عن كونها تخاريف و قصص حب مختلقة!!..، ولم نضيق واسعاً فقد طال الأمر بعض المفتين على علم واتهموا بالرجعية ، وامتدت الألسن إلى الأحكام الشرعية الثابتة ، و أخذت بعض الأقلام تنسج خيوطها على الشباب بقصائد غزيلة هزيلة عارية مكررة، فإن قرأت قصيدة منها فالأخرى نسخة منها، والعجيب أن بعض الأقلام تلقى رواجاً فهي مسلمة وقارءوها مسلمون في أي مكان كانوا وأي زمان!!..
أخي في الله..، هل يعي هؤلاء المتكسبون بأقلامهم فداحة ما اقترفوا ؟!..، وهل يعي أربابهم إثم ما صنعوا؟!..، وهل يعي من دفع لهم قرشاً واحداً أنه اشترى ضرره بماله بل وأضاع إيمانه؟!..، إن القلم يعيش هذه الأيام مرحلة حرجة وأمانة مضيعة من قبل البعض!!..، بعضهم اتخذ قلمه صنعته إن طلب منه أن يحسن أحسن وإن طلب منه العكس صنع ولم يبالي وذيّل مقالاته باسم يكفيه من مقاله أن تقرأه !!..
أخي في الله..، لما فسدت الذمم وضعف الإيمان وابتُعد عن الشريعة الغراء راجت هذه الصناعة ووقع القلم ضحية لها ..، وليس ذلك فحسب بل إن التقليد الغربي والتشبه بهم طال تقليد إعلامهم و أقلامهم ..، وإلى المدعين بضرورة الالتزام بحرية الإعلام أقول أي حرية تطلبون وأي قيود تبطلون؟!..،أي حرية هذه التي تخرج المرء عن دينه وتدعوه إلى التحرر من عقيدته و التحرر من القيم والأخلاق والفضائل؟!..، أي حرية هذه التي تسلب من شبابنا أعز ما يملكون..أوقاتهم و أعمارهم التي هم عنها مسؤولون؟!..، وأسوق لكم قول الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله رحمة واسعة-: ( وكان الواجب على كتابنا من الرجال والنساء أن يتحروا الحق فيما يكتبون وأن يزنوا كلماتهم وأهدافهم بالميزان الذي لا يجور وهو ميزان الشريعة الإسلامية الكاملة المعروف من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن لا يغتروا بالشعارات المضللة والدعايات الجوفاء والأساليب الساحرة التي انتحلها أعداؤهم وقصدوا من ورائها تضليل المسلمين وتلبيس دينهم عليهم ودعوتهم إلى التملص منه والخروج على أحكامه بشتى الأساليب وأنواع المغريات).
نعم أيها الكتاب المسلمون، يا أرباب المحبرة والأقلام، أعلم أنه تسؤ كم حال البعض ولكنكم أنتم البعض الآخر الخيّر المجاهد، لتكن أقلامكم صناعتكم التي لا تربحون منها أرباحاً دنيوية مادية بل الأجر والثواب من الله، ابنوا بأقلامكم قصوراً من الحسنات ، كونوا البلسم الشافي لجراح الأمة، حمّسوا وادعوا وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، سطروا المجلدات في علوم الفقه والشريعة، سطروا الكتيبات في دعوة المسلمين، ابحثوا وقارنوا واقرؤوا واكتبوا كلاماً تلقوه عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون ،أقيموا المؤسسات الصحفية المناهضة لأعداها، تذكروا قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ([ابراهيم: 24]..، وهو القائل: )وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار([ابراهيم:26] ، فأي الكلمتين تختارون؟!..، إني لأستشرف أن تكونوا لأشجاركم الطيبة زارعون و ساقون!!..
يا أرباب القلم.. إن لقلمكم أمانة فاحفظوا هذه الأمانة، ولا تعرضوا أخوتكم وأبنائكم لويلات من ضيعوها، وتذكروا أنكم بكتاباتكم الخيّرة تسهمون في رفع مظلمة أو تضميد جرح، أو دعوة ضال، أو تبصرة أعمى..، وتذكروا أن تلتزموا ما تقولون فلا تكتبوا مالا تفعلون، قيل لأسامة لو أتيت فلانا فكلمته قال إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه ولا أقول لرجل أن كان علي أميرا إنه خير الناس بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا وما سمعته يقول ؟قال سمعته يقول : (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه )!!..
إن أهل الإعلام عن أمانتهم مسئولون فالتزموا الشريعة الغراء وحاربوا وجاهدوا بألسنتكم ما استطعتم وتذكروا وصية الشيخ عبد الله بن باز –رحمه الله- لكم: )وهكذا وسائل الإعلام يجب على القائمين عليها أن يتحروا الخير فيما يوجهونه للناس، وأن يزودوها بالمقالات النافعة البناءة والأحاديث الهادفة والتوجيهات السديدة التي تنفع المجتمع في دينه ودنياه وتأخذ بيده إلى الطريق القويم وتنبهه على أخطائه ومواضع الزلل من سيرته، حتى يرجع عن الخطأ ويستقيم على سواء السبيل. وبذلك تؤدي واجبها وتساهم في الإصلاح الديني والدنيوي ويتحقق بها نفع الأمة وتوجيهها إلى الصالح العام في المشارق والمغارب وتكون بذلك قد استغلت الوقت فيما يفيد وأحسنت سمعة بلدها وأخذت بأيدي مستمعيها إلى أسباب الرقي الصالح والتقدم السليم والحضارة الكريمة التي تصان بها الكرامة وتحفظ بها الحقوق وتزكى بها النفوس وترشد بها العقول إلى طرق السلامة ووسائل البناء والإصلاح والابتعاد عن أسباب الغي والضلال والتخريب والإفساد،...والواجب على المسئولين في وسائل الإعلام ألا يولوا في الإعلام إلا الثقات الذين عندهم علم وبصيرة وأمانة. إن وسائل الإعلام تحتاج إلى رجال يخافون الله ويتقونه ويعظمونه ويتحرون نفع المسلمين والمجتمع كله فيما ينشرون حتى لا يضل الناس بسببهم، ومعلوم أن من نشر قولا يضر الناس يكون عليه مثل آثام من ضل به، كما أن من نشر ما ينفع الناس يكون له مثل أجور من انتفع بذلك، ونسأل الله أن يهديهم ويوفقهم ويصلح أحوالهم)..

للفائدة قصيدة عن القلم

مجلة الدعوة- 1776