صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قرصنة الدماء

حواء بنت جابو آل جدة
@hawwaa1


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


(35) ريالاً هو نصيب كل فرد من قبيلتنا لجمع دية قدرها (7) ملايين فلا تكبروها , إذا اكتفينا بالدية الشرعية تساهل الناس بالدماء: يقتل ويدفع ، " شرع الرفاقة " , " الفرع أحسن من الشرع " , " النار ولا العار" عبارات خطيرة يذكرونها عن مجلس الصلح القبائلي , أكثر من (30 - 40 ) مليون ريال للعفو عن القاتل, " الآن جمعنا دية (20) مليون, والآن دية جديدة (30) مليون طفرنا" .. " ما عليه قبيلة (....) الخير عندها واجد ", عفا عن قاتل ابنه دون مقابل ! ... عبارات تضمّن المقال نقاشًا طال نَفَسُه قليلاً عن موضوع المبالغة في الديات .

المبالغة في الدية حديث يؤرق المجتمع مع تنامي في المبالغ المرصودة لذلك , ولكن قبل الحديث عنها , لا بد من معرفة تكييفها الفقهي , وحقيقة هذا المال الذي يُطلب , فإنه ليس دية , لأن الدية مالٌ مؤدّى للمجني عليه أو وليه بسبب جنايته . وهو مقدر والأصل في تقديره الإبل كما في كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم المشهور عند العلماء من رواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم كتابًا إلى أهل اليمن , وفيه الفرائض والسنن والديات , وقال فيه : وإن في النفس مائة من الإبل " أخرجه مالك برقم (1601) ، وغيره .

وقد صدر قرار بإعادة تقدير الدية بناء على اختلاف سعر الإبل وذلك بموجب الأمر السامي ذي الرقم 43108 والتاريخ 2 /10 /1432هـ القاضي بالموافقة على قرار الهيئة العامة للمحكمة العليا رقم (2) في 14 /7 /1431هـ المتضمن ما يأتي:

" أولاً: أن الأصل في الدية الإبل, وأن دية الخطأ أخماس , ودية العمد وشبهه أثلاث . ويجوز إعادة تقييمها حسب أقيامها في كل زمن.
ثانياً: تكون دية الخطأ (000’300) ثلاثمائة ألف ريال سعودي, ودية العمد وشبهه (000’400) أربعمائة ألف ريال سعودي..." . من تعميم رقم 192/ ت في 9 / 10 / 1432هـ بشأن إعادة تقدير قيمة الدية المجلس الأعلى للقضاء.
أما المبالغات في الأموال المطلوبة فهذا يُعتبر صلحًا عن الدم , أي عوض مبذول مقابل عفو الورثة أو بعضهم عن استيفاء القصاص .

أما أقوال الفقهاء – رحمهم الله تعالى – في جواز الصلح عن الحق في القصاص بأكثر من الدية من جميع الورثة أو من بعضهم بأكثر من حصتهم من الدية ; فثلاثة:

1- لا يصح الصلح عن القصاص بأكثر من الدية , وهو قول الحنفية , ووجه عند الحنابلة . ومن أدلتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي شريح الخزاعي :"من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث : إما أن يقتص ، وإما أن يعفو ، وإما أن يأخذ الدية ، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ، (ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)". أخرجه أبو داود برقم ( 4496) , وغيره . وفي الحديث حصر لحق صاحب الدم في القصاص أو العفو أو الدية , والأمر بالأخذ على يديه إن طلب غيره دل على عدم جواز غير ذلك , ومنه الصلح على أكثر من الدية , ولو كان جائزًا لبيّنه , فتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز, ويُناقش بأن المراد في الأخذ عليه هو من قتل بعد أخذ الدية فإنه يُقتل ولا يُقبل عفو ولا دية . وعدم ذكر الصلح بأكثر من الدية في هذا الحديث ونحوه ليس دليل نفي فقد ذُكر في أحاديث عدة , كما سيأتي ذكرها .

2-
يصح الصلح بأكثر من الدية في القصاص , بشرط أن يكون المال المدفوع من غير جنس الدية , لأنه لو كان من جنس الدية فهو ربا كأنه أخذ مليونًا عن 400000, وهذا قول الشافعية , وقولٌ عند الحنابلة , وأدلتهم عموم ما جاء من الأدلة في جواز المصالحة بأكثر من الدية في القصاص , كما سيأتي . وهذا القول غير مسلّم به , فالعوض المبذول في الصلح ليس مقابل مال وإنما مقابل حق استيفاء القصاص ’ ولم يرد حد لذلك الحق , فلا يُحد العوض عنه.

3-
يصح الصلح بأكثر من الدية في القصاص , سواء كان المال من جنس الدية أو من غير جنسها , وهو المذهب عند الحنفية والمالكية , وقولٌ عند الشافعية , والمشهور من مذهب الحنابلة . ومن أدلتهم : عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ، فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَكُمْ كَذَا وَكَذَا "، فَلَمْ يَرْضَوْا، قَالَ: " فَلَكُمْ كَذَا وَكَذَا "، فَلَمْ يَرْضَوْا، قَالَ: " فَلَكُمْ كَذَا وَكَذَا "، فَرَضُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ، وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ، قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَدَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا، فَرَضُوا، أَرَضِيتُمْ؟، قَالُوا: لَا، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنْ يَكُفُّوا فَكَفُّوا، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ "، وَقَالَ: " أَرَضِيتُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ، وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ "، قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: " أَرَضِيتُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ " .أخرجه أحمد برقم (26000) , وفي الحديث زادهم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من دية قتيلهم . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: " من قتل مؤمنا متعمدا دُفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا أخذوا الدية ، وهي ثلاثون حقة ، وثلاثون جزعة ، وأربعون خلفة ، وما صالحوا عليه فهو لهم ، وذلك لتشديد العقل " أخرجه الترمذي برقم (1387), وقال: حسن غريب. ولم يرد في الأحاديث تقييدالصلح بأكثر من الدية فدل على جواز ذلك .وانظر : فتح القدير للسيواسي (2 : 277), مواهب الجليل للحطاب (6: 231 -233), نهاية المحتاج للرملي ( 7 : 247), المغني لابن قدامة (8 : 289- 297) , أحكام الجناية على النفس وما دونها عند ابن القيم لبكر أبو زيد ص79 , و‏مجلة البحوث العلمية والإفتاء عدد 92 بحث صلح بعض الورثة عن القصاص بأكثر من الدية ، ومشاركة الورثة للمُصَالح فيما يأخذه لعبدالله آل خنين.

وقد قررت هيئة كبار العلماء بالأكثرية برقم ( 204 ‏ ) في 10/5/1422 هـ وفيه : " إن الأصل جواز الصلح وعدم تحديده بحد معين ما لم يشتمل الصلح على إحلال حرام أو تحريم حلال ، ولم يظهر للمجلس ما يقتضي العدول عن هذا الأصل "

وعلى هذا يتقرر جواز الصلح عن القصاص بأكثر من الدية ما دام يحقق المقاصد التي من أجلها شُرع العفو , وشُرعت الدية , ومنها :

1- تخفيف مصاب أولياء المجني عليه، وتعويضهم عن فقد عائلهم، فمهما بولغ في العوض المطلوب فإنه لن يُنسي القتيل .
2- علاج استيفاء القصاص ، والإبقاء على النفس وإحيائها : ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
3- جلب المحبة والتآلف فالقتل يقطع أواصر المحبة خاصة بين الأقارب والمعارف , أما العفو عن دية أو غيرها فيجلب المودة ويحفظ الجميل , بيد أن المغالاة في الصلح على أكثر من الدية يثقل كاهل القاتل وأهله , فيوغر الصدور , ويوجب البغض خاصة بين الأقارب.
4- تعزيز مكارم الأخلاق ككرم النفس ورباطة الجأش وسماحة الطبع, بينما المغالاة الفاحشة في الصلح على أكثر من الدية تعرض أهل القاتل للمهانة , والشحاذة , مما يتنافى وكرم الأخلاق أن يُلجئوا القاتل وأهله لذلك , حتى أن بعضهم يرضى بالقصاص على أن يتسبب في إذلال أهله لتوفير المبلغ , والله تعالى يقول: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْئٌ فَاتّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان ) . المطالبة بالمعروف والأداء بإحسان , فهل من المعروف طلب عشرات الملايين في وقت قصير لا يفي؟ , وهل من المعروف طلب مبالغ كبيرة يعجز عنها القاتل وأولياؤه؟ .
5- التعاون على البر والتقوى , خاصة فيمن قتل وصلح حاله , ولم يكن ممن عرف بالاستهتار بأرواح البشر , أو من أهل الشر وأصحاب السوابق , ففضيلة العفو لا يكافئها إلا كرم الله , ورفعة المعفي , وهو ينافي المغالاة بأموال الصلح عن القصاص .
6- تخفيف عظيم وأجر من الله ( ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) , والمغالاة الفاحشة تنافي التخفيف والرحمة .
7- منع الجريمة فهي لا تقع إلا بعد مفاوضات وصلح وإزالة كل ما يدعو للجريمة , لكن الغلو الفاحش في طلب المال قد يوغر إيغارا ينتهي بجريمة أخرى خاصة إن صاحبها إذلال للقاتل وذويه . ولعلك تراجع: عقوبة الدية ومقاصد الشريعة منها , أ. د. صالح اليوسف .

ومن ثم قد تترتب مفاسد عديدة على هذه المغالاة في الصلح عن الدماء , من أبرزها :

1- إظهار صورة سلبية في المجتمع , جشعة نهمة , وتشويهه أمام المجتمعات الأخرى.
2- تغييب المقاصد الشرعية من العفو والدية , أو بعضها .
3- إرهاق كاهل من لا ذنب له , وهم ذووا القاتل , والتضييق عليهم .
4- إشاعة نمط قد يؤدي للمتاجرة بالدماء فقد يجمع ذووا القاتل أكثر من المال المطلوب , مع أن توصيات الأمر السامي رقم 9869-م ب في 15-12-1429هـ تقضي بمنع جمع التبرعات العشوائية ونصب الخيام , وضرورة تنسيق ذلك مع وزارة الداخلية وإمارة المنطقة , وفتح حساب مشترك يُغلق تلقائيًّا بعد استيفاء المبلغ المطلوب , منعًا للمتاجرة والتكسب بالدماء والرقاب , لكننا نجد في وسائل التواصل الاجتماعي وعبر أشرطة بعض القنوات هذه الصور للجمع العشوائي وبحسابات بعضها ليست رسمية مما يُفاقم الاتجار بها .
5- ظهور وانتشار سماسرة الصلح ( وسطاء الصلح ) , الذين يفرضون نسبة لهم من ثمن الصفقة , فتكون باب تربّح .
6- إذكاء الفتنة ونشر الكراهية , وإثارة النعرات الجاهلية .
7- إحداث قطيعة بين بعض أولياء الدم خاصة إذا صالح بعضهم على أكثر من الدية دون رضى الآخرين , وبعد سقوط حقهم في القصاص , يرفض تسليمهم نصيبهم من مال الصلح , ويكتفي بنصيبهم من الدية الشرعية , فيقود لمشاكل وخيمة .

فإذا كانت تلكم مفاسد بيّنة لظاهرة المغالاة في الصلح عن القصاص , فلماذا انتشرت وصرنا نسمع بالمبالغ الكبيرة جدًّا لحصول فضيلة العفو؟ نجد من أسباب ذلك:

1- رغبة أهل المجني عليه في تعجيز أهل القاتل , وبالتالي استيفاء القصاص , وهذا مخالف للمقاصد الشرعية التي شرع لأجلها العفو .
2- الطمع في مبالغ كبيرة أكبر من الدية الشرعية , خاصة بعد المزايين التي أصبحت النوق والإبل يباع الواحد منها بالملايين.
3- متاجرة الوسطاء وبعض أولياء القاتل .
4- بعض مجالس الإصلاح القبلي ، فإن العديد من القبائل اتفقت أن تقضي عرفيا بين طرفي الجناية ولو قُضي بينهما في المحاكم الشرعية , وهو ما يسمى بجبر الخواطر وامتداد لعادات المثار والجيرة ونحوها , يهدفون إلى ضمانة عدم الأخذ بالثأر بعد الحكم , وإزالة ما علق بالنفوس من شحناء , وقطع الألسن عن الاستهزاء بالإعاقة اللاحقة بالمجني عليه – إن بقي على قيد الحياة – وبموجب ذلك يتنازل المجني عليه عن حقه في الشرطة أو المحكمة " فهم لا يعتبرون حكم القضاء مرضيا لنفوسهم ولا منصفا لحقوقهم التي يرون أنها حق مشروع لهم، بل إنهم يستعيبون القبول بحكم القضاء ويرون أن من قبِل به قد أهان نفسه ولم يستوف حقه ، بل يُعيّر أنه قبِل في دمه بحكم القاضي" . ومن عباراتهم في ذلك: " حكم أعوج ولا شريعة سمحة " أو " شرع الرفاقة " أو " الفرع أحسن من الشرع " أو " النار ولا العار" وغيرها من العبارات الخطيرة المعروفة ". وبعد المشاورات يحددون مشايخ القبايل " العارفين بالسلوم والقوانين القبلية , فيحضر الجميع المجلس ويكون أهل الجاني والوسيط في موقع ذل , وقوف تحت الشمس , وربط للأعناق وحبو على الأرض , وعقل للأرجل، وغيرها من صور التذلل الذي لا يجوز إلا لله !!" وتعزز الأنفة والكبر لدى ذوي المجني عليه , ثم يتحاكمون عند (مقطع حق) وأثناء ذلك يحلّفون أهل الجاني أنهم ما علموا ولا رضوا به وغيره " يبدأ بعدها مشايخ القبائل بمداولات الحكم والمشاورات الخاصة بينهم ، فينظرون في القضية ... ثم يحكمون بأحكام وأيمان ومبالغ مالية، وفق سلومهم وعاداتهم ، وما فيها من تقديرات ، وأحكام قبَليّة سابقة " . " وبعد الحكم وفض النزاع ، فإن من لوازم هذا الحكم القبَليّ ، أن يتحاشى الجاني خصمه !! فلا يجلس الجاني في مجلس فيه خصمه ، ولا يدخل سوقا هو فيه !! تحاشيا للفتنة بزعمهم !! وهذا في حقيقته زرع للفرقة والفتنة والتنافر الذي نهتنا عنها شرائع الإسلام العظيمة."

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في الأحكام القبليّة :

صدرت فتوى لجنة الإفتاء رقم 23211 في 19/2/1426هـ حول هذه العادات والأحكام القبلية .
" إن ما ذكر من الحكم والتحاكم إلى الأحكام العرفية والمبادئ القبَليّة ، كالثارات ودين الخمسة أو العشرة والغرم وغيرها ، كل هذه ليست أحكاما شرعية ، وإنما هي من الأحكام القبَليّة التي لا يجوز الحكم بها بين الناس ، ويحرم على المسلمين التحاكم إليها ، لأنها من التحاكم إلى الطاغوت الذي نهينا عن التحاكم إليه .
وقد أمرنا الله بالكفر به في قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا ) النساء 60 .
ولا يحل لمشايخ القبائل ولا لغيرهم الحكم بين الناس بما تمليه الأعراف والمبادئ القبَليّة السابق ذكرها ، بل الواجب عليهم أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية امتثالا لأمر الله في قوله تعالى : ( وأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) المائدة 49 ، وقوله تعالى : ( ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون ) المائدة 44 ، وقوله تعالى : (ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ) المائدة 45، وقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) المائدة 47 .
وقوله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا ) النساء 65 ، والواجب على الجميع التحاكم إلى شرع الله المطهر ، والله ولي التوفيق " أ . هـ .

فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله في التفريق بيـن الحكم القبلي والصلح الشرعي :

" أما تحكيم القوانين والأعراف القبلية فهذا منكر لا يجوز ، والواجب تحكيم شرع الله، كما قال سبحانه : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " النساء 65 أما الصلح فلا بأس به من غير إلزام ... فإذا أصلح شيخ القبيلة ، أو أحد أفراد القبيلة وأعيانها بين متخاصمين صلحا لا يخالف شرع الله ، بأن أشاروا على هذا بأن يسقط بعض حقه ، وهذا بأن يتسامح عن بعض حقه ، وهذا بأن يعفو ... فلا بأس بهذا .
أما أن يلزموهم بقوانين ترجع إلى أسلافهم وآبائهم فهذا لا يجوز ، أما الصلح بالتراضي على أن هذا يسمح عن بعض حقه ، أو يسمح عن سب أخيه ، أو ما أشبه ذلك ... فهذا لا بأس به ، لقول الله تعالى : " والصلح خير " النساء ١٢٨، ولقول النبي r : " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراما " رواه أبو داود (3594 ) والترمذي ( 1352 ) وهو حديث صحيح ، انظر مجموع فتاوى ابن باز( 4: 29).
وكون مجالس الصلح القبلية أحد أسباب المغالاة والفحش في الصلح عن القصاص أنهم يربطون بين العفو في الرقاب وبين العادات والأحكام القبليّة , فيمارسون الضغوط الاجتماعية على أهل المجني عليه ، " ثم تطبيق العادات والأحكام القبَليّة ، بعد عفو أهل القتيل عن القاتل ، من إقبال بالناس ، وإنهاء الجيرة ، وطلب القبيل ، وتغريم قبيلة القاتل بالفدية ، وإقامة المغارم لذلك". وانظر: القوانين القبلية في جنايات الدماء لناصر بن عايض الدريس .
أما حلول هذه المشكلة , فإن العقلاء يجمعون على أن إحياء فضيلة العفو , وتذكير الناس بذلك , وبالنصوص الحاثة عليه بكل وسيلة تحقق الانتشار والقبول , سيعود بأثر إيجابي كبير . كذلك بذل الجاه والشفاعات للعفو ابتغاء وجه الله أو الرضا بالدية الشرعية , أو الصلح على مال غير مبالغ فيه مبالغة فاحشة . وتفعيل دور لجان العفو وإصلاح ذات البين في المناطق جميعها . وتدخل ولي الأمر في وضع سقف أعلى لا يتجاوز في تلك المصالحات , وهذا من تصرفات الراعي حيث يقع الضرر فيصح له التدخل , كما صح ذلك في التسعير عند الغلاء الفاحش , وتحديد المهور عند الزيادة الفاحشة , وهو إعمال للقاعدة الكبيرة : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح , ثم تفعيل المؤسسات الرسمية في استيفاء المبالغ , وقطع الطريق على محاولات الاتجار بها , وجعل للمحاكم الحق في عدم تصديق وثيقة الصلح المتضمنة شروطًا مبالغ فيها أو يصحبها إذلال ومهانة لأهل القاتل . إعادة النظر مرة أخرى في قيمة الدية .

إيقاف تلك المغالاة خيرٌ من الإيغال فيها .. والتغوّل لتصبح مشكلة قرصنة لديات لا يُعبأ لها , بل قرصنة الدماء! .


حواء بنت جابو آل جدة
@hawwaa1 | تويتر

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مقالات الفوائد

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية