صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وصفة العمر

د. علي بن عمر بادحدح


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
الوصفة عبارة عن مواد وتركيبات علاجية يُوصى بها لعلاج بعض الأمراض، والوصفات العلاجية منتشرة في الأوساط الاجتماعية وخاصة للأمراض الشائعة كالأنفلونزا والسعال والصداع، فما إن يُصاب أحد بشيء من ذلك حتى تنهال عليه الوصفات من المقربين، وأبرز مزايا الوصفات أنها مجربة، فكل من يذكر لك وصفة يقول لك: إنها مجربة ونتائجها مؤكدة، وكثير من الناس إذا أصابهم عارض صحي بحثوا عن الوصفات، وسألوا المُجربين.
وإذا ما جئنا إلى "وصفة العمر" فإن التحدي تظهر ضخامته بوضوح، بل رُبما يراه بعض الناس مستحيلاً، إذ كيف يُمكن أن تُعطي وصفة تصلح للصغار والكبار، والرجال والنساء في سائر الأوقات، وجميع الأحوال؟!، ومثل هذه الوصفة تحتاج إلى مصداقية ضخمة، فلا تكفي فيها تجربة محدودة لأفراد قليلين، بل لابد من تجربة شاملة، ونتائج كاملة، وينبغي أن تكون المستندات أصيلة لا يختلف أو يعترض عليها أحد، وقد قبلتُ هذا التحدي الهائل، وسأقدم هذه الوصفة الفريدة، ذات المصداقية الأكيدة، والتجارب العديدة، والنتائج المفيدة.

نشأة الوصفة:
نشأت فكرة الوصفة في الخمس الأواخر من رمضان، وبدأتُ في كتابتها في الحرم المكي الشريف، فهي وليدة البقاع المقدسة، والليالي الفاضلة، وهي ومضة من أنوار الصلوات، وشعلة من ضياء التلاوات، وقبس من شعاع الدعوات، إنها ثمرة النفحات الإيمانية، وفيض التجليات الروحانية، وهبة التأملات التعبدية، ومن هنا تكتسب أولى مزاياها التي تمنحها القبول.

فكرة الوصفة:
أساس الوصفة أن كثيراً من المسلمين يعتكفون في العشر الأواخر من رمضان إتباعاً للسنة، وطلباً للأجر، ويجمعون في اعتكافهم بين الصيام والقيام والتلاوة والذكر والدعاء ولزوم المسجد، فليلهم بالصلاة مملوء، ووقتهم بالتلاوة معمور، ولسانهم بالذكر مشغول، وقلبهم بالخالق موصول، وفكرهم بالآخرة متعلِّق، وحالهم بالإيمان متألِّق، وفي نفوسهم سكينة، وفي قلوبهم طمأنينة، يشعرون باللذة، ويحسون بالمتعة، ولو سألت أحدهم عن حاله لأجاب بجواب الأولين: « والله إننا في لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف » ، ومن هنا نشأتْ الفكرة، كيف يُمكن تجديد هذه المعاني وتكرار هذه الأحوال ؟!

خلاصة الوصفة:
رمضان لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، ومع ذلك فإننا إذا أردنا تلك النتائج الرائعة والثمار اليانعة فعلينا بتكرار ما سبق، والخلاصة أن تجعل لك في كل شهر يوماً كاملاً تعتكف فيه وتكون في نهاره صائماً، وفي ليله قائماً، وتشغله بالصلوات والدعوات والتلاوات فتُعيد الذكريات، وتُجدد اللذات، وتحقق الأمنيات.

تفصيل الوصفة:
هذه التفصيلات المقترحة تُوضح المطلوب، وتُساعد على التنفيذ:
* اليوم: يفضل أن يكون ذلك في آخر الأسبوع، ويوم الخميس أنسب.
* الوقت: يبدأ من صلاة الظهر أو العصر من يوم الخميس، ويستمر إلى صلاة الفجر أو صلاة الجمعة من يوم الجمعة.

أعمال الوصفة :
* الصيام (صيام يوم الخميس سنة، ويستحب أن يعتكف بصوم).
* الاعتكاف (اعتكاف يوم وليلة صحيح عند جمهور الفقهاء).
* قيام الليل (وهو سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ).
* صلاة الوتر (وهي سنة مؤكدة أيضاً).
* تلاوة القرآن الكريم (التلاوة من أفضل الأعمال وأكثرها أجراً ).
* الذكر والدعاء (وهما مما لازم النبي صلى الله عليه وسلم فعله في كل أحواله وسائر أوقاته).
* الصدقة والإنفاق (والصدقة من العبادات المتعدية التي يُضاعف أجرها وتزداد بركتها).

برنامج الوصفة :
بدء البرنامج بصلاة الظهر يوم الخميس على النحو التالي :
1- أداء فريضة الظهر مع الجماعة، وأداء السنن القبلية والبعدية لها .
2- تلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة ساعة.
3- راحة لمدة نصف ساعة، والاستعداد لصلاة العصر.
4- أداء فريضة تلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة نصف ساعة.
5- أذكار المساء والدعاء قبل المغرب بنحو ساعة أو نصف ساعة.
6- الإفطار وأداء صلاة المغرب وسننها، وتناول قليل من الطعام.
7- صلاة ما تيسر من النوافل ما بين المغرب والعشاء لورود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" فَجِئْتُهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ" رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب، وقال المنذري رواه النسائي بإسناد جيد.
8- أداء صلاة العشاء والسنة البعدية، وتلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة ساعة، والسنن الرواتب وردت في حديث أم حبيبة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ) وفي رواية الترمذي زيادة: ( أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ) .
9- الذكر والدعاء قبل النوم، وأخذ قسط من النوم .
10- الاستيقاظ لقيام الليل قبل الأذان الأول للفجر بساعة، وصلاة ثمان أو عشر ركعات ثم الوتر بثلاث في نحو ساعة ونصف.
11- الذكر والدعاء والاستغفار بعد الصلاة، وأخذ قسط يسير من الراحة والنوم الخفيف قبل أذان الفجر الثاني.
12- الاستعداد لصلاة الفجر وأداء سنتها القبلية، ثم تلاوة القرآن والذكر إلى ما بعد شروق الشمس، ثم صلاة ركعتين .

ملاحظة:
* يمكن أن يبدأ البرنامج بصلاة العصر وينتهي بصلاة الجمعة .
* يمكن الاستفادة في بعض الوقت من القراءة والمدارسة العلمية في بعض العلوم والمسائل الشرعية خاصة مع وجود بعض أهل العلم أو الزملاء من طلاب العلم.

تنفيذ الوصفة:
1- يوم في كل شهر ويقترح أن يكون محدداً بأول خميس أو آخر خميس من كل شهر ليتم تفريغ هذا اليوم والانتظام في البرنامج .
2- يُستحسن تنفيذ البرنامج في كثير من الأوقات بالاشتراك مع الآخرين، فيمكن أن يكون برفقة زملائه في طلب العلم مع مشاركة شيوخه أو أساتذته، وربما بمشاركة زملاء العمل، وربما أحياناً الزوجة والأبناء، ولكل صحبة من هذه هدف ونفع خاص.
3- يُستحسن لمن كان قريباً ومستطيعاً أن يُنفَذ البرنامج في أحد الحرمين الشريفين لفضيلة المكان وأثره النفسي والإيماني، وما يستدعيه من ذكريات العبادة في رمضان، وإن لم يتيسر ذلك ففي أي مسجد من المساجد، وإن تعذر في بعض الأحيان فيمكن تنفيذ البرنامج في معظمه في أحد المساجد وبقيته في الليل يُنفذ البيت إلا أن ذلك يفوت صفة الاعتكاف الذي يُشترط أن يكون في مسجد من المساجد، والغرض من ذلك ألا يوجد ما يمنع من تنفيذ البرنامج وجني ثماره وفوائده .
4- يُستحسن أن تخصص بعض المال لتنفقه صدقة في سبيل الله لتجمع أكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة في هذا اليوم .
5- يُستحسن تخصيص ساعة في هذا اليوم للتأمل والتدبر في حالك والمراجعة والمحاسبة لأعمالك، وتجديد النية وإعلاء الهمة في عمل الطاعات ومجانبة المعاصي والسيئات.

منجزات الوصفة:
1- الصيام والاعتكاف .
2- تلاوة ما بين ثلاثة إلى خمسة أجزاء من القرآن الكريم.
3- مراجعة ما بين جزء إلى جزئين من القرآن الكريم.
4- صلاة السنن الرواتب كاملة .
5- التبكير وإدراك التكبير في جميع الصلوات .
6- المكوث في المسجد وكثرة الذكر والدعاء .
7- قيام الليل والوتر وكثرة النوافل والتطوعات .
8- الصدقة والإنفاق في سبيل الله .

وإضافة إلى ذلك فثمة نفحات إيمانية وثمرات تربوية يُرجى أن تُحصّل من هذا اليوم الحافل من الطاعات والقربات، فلعله أن يكون في ذلك تطهيراً للنفس وزكاة للقلب، ولذة للروح، وزيادة للإيمان، وإحياء للخشوع، وتجديداً للخضوع، وتلذذاً بالمناجاة، وتعلقاً بالطاعة، وإذكاء للحماسة ، وإعلاء للهمة، فاللسان رطب بتلاوة كتاب الله، والقلب مطمئن بذكر الله، والعين دامعة من خشية الله، والأيدي سائلة عطاء الله، والجباه ساجدة لعظمة الله، والأقدام مصفوفة قياماً لله، والعقل متدبر في نعمة الله، والوقت مملوء بطاعة الله، والجهد مستنفذ في مرضاة الله، فما أصدق الوصف القرآني لمن هذا حاله :{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }، وما أظهر الارتباط بالغاية في هذه الصورة { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }.
وهكذا ترون أن هذه وصفة للعمر كله، وللناس كلهم، وللجوارح كلها، وفي الأوقات كلها، وهكذا على مدى الدهر تجدد في كل شهر رمضان، فتكون وصفة العمر « رمضان في كل شهر » .

د. علي بن عمر بادحدح
المشرف على موقع إسلاميات
www.islameiat.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مقالات الفوائد

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية