صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ملتقى النهضة ... العلمانية في عمامة الفقيه

أحمد بن عبدالعزيز القايدي


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


يتفق أكثر النخب في بلداننا الإسلامية على أن واقع امتنا منذ سنوات الخلافة الأخيرة في حالة تراجع متتالية جعلتها في القوائم الأخيرة على لائحة الأمم، ولأن هذا الواقع مؤلم فقد قدم الكثير من الأشخاص والمؤسسات مشروعاتهم ومقترحاتهم التي تقود إلى النهضة:
قدم الليبرالي مشروعا أساسه عزل الإسلام عن الحياة وأحيانا محاربته.
قدم الشيوعي مشروعا أساسه الإلحاد ومحاربة الإسلام.
قدم القومي مشروعا أساسه استبدال العروبة بالإسلام، ومحاربته بها أيضا.
قدم التنويري مشروعا أساسه تغليف العلمانية بالإسلام و تقديمها بثوب جديد
قدم الإسلامي مشروعا أساسه ومنتهاه الالتزام بالإسلام، وتحكيم الشريعة.
هذه باختصار شديد أساسات مشروعات النهضة المطروحة والتي طرحت في عالمنا العربي،

ملتقى النهضة
الملتقى يقام منذ ثلاث سنوات في دول الخليج أقيمت منه نسختان: في البحرين كانت الأولى وفي قطر كانت الثانية، وأقيمت نسخة مشابهة له في الأردن خاصة بالأردنيين، رسالة الملتقى ( نحو شباب واع يصنع النهضة )، يهتم الملتقى بشريحة الشباب 18/30 من الجنسين، ويقيم المشاركون في فندق واحد لمدة يومين أو ثلاثة أيام تقدم فيها ندوات متعلقة بعنوان الملتقى.

مشكلة ملتقى النهضة
ليس في ثقافة المعترضين على الملتقى رفض للنهضة وأهميتها وحاجة أمتنا الأساسية إليها، وكثير منهم يملك مشروعات نهضوية تزيد في حجمها وأشكالها على ملتقى النهضة بمئات المرات، المشكلة في منهج النهضة الذي يسلكه القائمون على الملتقى.
فالمعترض يقول بكل وضوح هذا ليس طريق النهضة الذي علمه الأنبياء، بل هي طريق إلى مزيد من التراجع في ذيل قائمة الأمم، لأنها لا تلتزم الإسلام وشرائعه في طريقها الذي هو عماد النهوض والرقي بالنسبة لنا المسلمين ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام متى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) هذه هي الفلسفة الإسلامية الأولية في طريق النهضة.
المشكلة الرئيسية عند المعترضين أن الملتقى يقدم المشروع العلماني كطريق للنهضة، ويقدمه غشا للفتية على أنه هو الإسلام!!، ولو قدموه على انه فكر علماني لما كان كل هذا الاعتراض لأن العلمانية أصبحت مكشوفة، وهناك مؤتمرات علمانية تقام في كثير من البلاد الإسلامية ولم تواجه كل هذه الاعتراضات لن بيان حقيقة العلمانية للأمة كاف في اسقاط كل تلك المؤتمرات.
لكن ملتقى النهضة يظهر العلمانية كفكر إسلامي أصيل يشرف عليه داعية معروف مع أنه يتردد كثيرا أن مشرفه لا يعرف تفاصيل البرنامج، والله أعلم بالحقيقة !!

كيف يقدم العلمانية؟
حسنا ... حدد المنظمون للملتقى هدفهم من الملتقى بـ ( تعريف المشاركين برواد العمل النهضوي، و اطلاعهم على تجارب ناجحة في هذا المجال )
من رواد العمل النهضوي هؤلاء الذين يقدمهم الملتقى كتجارب ناجحة؟ هنا نتعرف على بعضهم ممن استضافهم الملتقى في برنامجه الأخير، وذلك من خلال أقوالهم:
يقول د.شفيق الغبرا – أحد مؤسسي الجامعة الأمريكية بالكويت - ( ومن الأصلح للشعب أن يبقى الدين جانباً خاصاً في عباداتهم وواجباتهم الشرعية، وأن يُنأى به ويُبعد عن السياسة )
ويقول أيضا ( الفكر الليبرالي منفتح ويؤمن بالآخر وبالعدالة والمساواة، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، في ظل حكم الغالبية، وهو فكر متقدم وضروري ومهم جداً لأي نجاح في أي عملية ديمقراطية ) د.شفيق الغبرا جريدة الجريدة الكويتية 2009/09/23
ويحدد د. خالد الدخيل المخرج من المأزق العراقي بقوله (طريق الخروج واضح: تبني مبدأ علمانية الدولة, وديمقراطية الحكم, ومفهوم المواطنة المستند إلى الحرية والمساواة ) جريدة الاتحاد الاماراتية 22/6/2005
ويقول د.غانم النجار عن الديمقراطية ( المفروض ما يصير فيها أحزاب دينية ... لأن الدولة الحديثة الأولوية فيها للمواطنة وليس للدين ... أحزاب دينية ما يصير ) د. غانم النجار بقناة اليوم - برنامج توك شوك 2011/11/30
رفض قيام الأحزاب على أساس ديني هو أحد أشكال العلمانية المتطرفة.
وهالة الدوسري تطالب على قناة الحياة التنصيرية بـ ( فصل الدين عن التشريعات العامة )، وتدعو إلى أي تفسير كان للنص ليتوافق مع المبادئ العلمانية .. قناة الحياة – برنامج بلا قيود.
وما تقدم مجرد نماذج، وليس استقصاء
يبدو واضحا أن مشروع الشخصيات المتحدثة في الملتقى أساسه عزل الإسلام، ومع كل أسف فهؤلاء عند منظمي الملتقى رواد العمل النهضوي !!
هذا بالنسبة لتصورات رواد النهضة الذين سيقودون شباب النهضة إلى طريق النهضة، أما المحاور فعنوان الملتقى في نسخته الثالثة "المجتمع المدني .. الوسيلة والغاية" ومفهوم "المجتمع المدني" من حيث النشأة والتداول قائم على الليبرالية الغربية، وهناك ندوة بعنوان "المجتمع المدني ومفهوم المواطنة" و "مفهوم المواطنة" هو أحد مفاهيم العلمانية، ويقدم هذه الورقة شخصية علمانية.
وقد تحدث د. عزمي بشارة عن المجتمع المدني في نفس الملتقى في العام الماضي وقرر فيه انه قائم على نزع أي روابط دينية وجعل الرابطة هي المواطنة القائمة على الحرية، ولم يكن هناك أي اعتراض من شباب النهضة وإنما مجرد أسئلة وتعلم واستفادة وربط لكلام بشارة ببلدانهم، وليس هناك أي حوار او مناقشة أو نقد يذكر.
وهناك ورقة أخرى في هذا العام بعنوان " تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية" و"تمكين المرأة" مفهوم أممي تقدمه هيئة الأمم في مؤتمراتها الدولية كوسيلة لدعم تحرير المرأة، وهو ذو حمولة علمانية، ويقدم هذه الورقة شخصية نسوية علمانية.
سئل أحد المنظمين عن تجليات المشكلة هذه هل نظر فيها المنظمون من زاوية الشريعة؟ فقال في حسابه بتويتر ( نعم فكر فيها القائمون على الملتقى ويرون أن ما يفعلونه شرعي ) !! فأي شرعية لتقديم العلمانيين كموجهين ومعلمين لشباب المة؟!
وهذه هي المشكلة عند المعترضين على الملتقى : تقديم الفقيه للمشروع العلماني كنموذج رائد في النهضة!! هناك اشكالات أخرى ولكن هذا الإشكال حجمه كبير جدا لدرجة يؤخر معها كل الإشكالات الأخرى.

لماذا العلمانية ؟

يدافع المنظمون للملتقى عن ملتقاهم بعدد من الأجوبة نناقشها فيما يأتي:
أولا: لا وجود للعلمانية أو الدين في الملتقى، فالمشاركون متخصصون ومهنيون يقدمون رؤاهم في قضايا لا دخل للدين فيها مثلها مثل هندسة السيارات، ودوائر الكهرباء وسباكة المياه، ولو أردنا موقف الدين لذهبنا نبحث عن الشيخ في المسجد.
وهنا نتساءل هل الذي يقدم هذا الدفاع قرأ عناوين الأوراق وعنده معرفه بالملتقى؟! فبالتالي عنده تصور كاف عما يدافع عنه أو أن القضية تحزب واصطفاف؟! فعناوين أوراق الملتقى بعضها يذكر مفردة "الدين" ومفردات متعلقة بها، ومن العناوين كما هو معلن في جدول الملتقى المنشور ورقة بعنوان ( مقاربات المجتمع المدني والديني ) يقدمها الليبرالي خالد الدخيل وأيضا ( الإسلاميون والمجتمع المدني ) يقدمها المستشرق ستيفان لاكروا.
هنا طرفة متعلقة بموضوع التخصص، إحدى المشاركات في الملتقى تقدم ورقة بعنوان ( تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية ) تخصص المتحدثة كما تقول عن نفسها في ( الأبحاث والخدمات الصحية )، و يستمر في الصورة المقابلة هذا التناقض بين الواقع والدفاع الذي يقدمه المنظمون، فنجد في قائمة المشاركين شخص تخصصه أصول فقه يقدم ندوة عن المجتمع المدني!!
وبعض المدافعين عن الملتقى ذكر أن الملتقى لا علاقة له بالسياسة فلسنا بحاجة إلى استضافة شيخ وداعية ليقرر الموقف الشرعي في السياسة، العجيب أن هناك أربعة متحدثين حاصلين على درجات عليا في السياسة وثلاث منهم أكاديميين يدرسون في كلية السياسة منذ سنوات طويلة، ولكنهم يدرسونها من خلال نظرياتها الغربية، وليس من خلال السياسة الشرعية !!
إذا تجاوزنا البحث في تخصصات المشاركين وعلاقتها بالملتقى، ننتقل إلى التصور الخطير الذي يطرحه المدافع هنا وهو : المجتمع المدني قضية لا علاقة لها بالدين مثلها مثل الطيران والإبحار وصناعة السيارات.
المجتمع المدني: هو وصف يطلق على التنظيمات الأهلية التطوعية التي تعمل خارج سلطة الدولة، يدخل في ذلك النقابات المهنية والعمالية، والجمعيات الخيرية، والاتحادات الطالبية، والأندية الرياضية والاجتماعية، والغرف التجارية والصناعية، ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية، والصحافة الحرة ومؤسسات الإعلام والنشر، ومراكز البحوث والدراسات والتجمعات الثقافية.
إن تصور هذه التجمعات والمؤسسات وهي تعيش حياة متكاملة خارج إطار الإسلام بالكلية هو عين المفهوم الليبرالي لهذا المصطلح، وهو جواب موافق لصورة نشأة المصطلح في الغرب.
يقول عزمي بشارة ( كان مجرد تعبير عن انتقال مبدأ السيادة من السماء "الحكم بالحق الإلهي" إلى الأرض على أساس العقد الاجتماعي ) المجتمع المدني دراسة نقدية، ص 12
ويقول راشد الغنوشي ( ظهرت فكرة المجتمع المدني مقابلاً ونقيضاَ للسلطة الدينية المسيحية ولنموذج الدولة الشمولية . ولقد نشأ هذا المفهوم في مناخات الصراع مع الكنيسة وأنموذج الدولة الشمولية تواصلاً مع مفهوم الديمقراطية وحرية الفرد وتشجيعاً لمبادراته باعتبار الأصل ، وحدأ من تمدد الدولة والكنيسة معاً بعد أن تم تحرير الدولة باعتبارها نشاطاً دنيوياً محكوماً بالعقل والقانون ، وبعد أن انتقلت فكرة السيادة المطلقة التي كانت للكنيسة باعتبارها تجسيداً للمسيح الذي تجسد فيه الرب ). مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني، ص54.
واستضافت الملتقى ثلاث شخصيات ليبرالية جامعية تدرس في كلية السياسة وتحمل رؤى علمانية مناقضة للإسلام - سبق نفل كلامهم - لبحث موضوع المجتمع المدني وهو بهذه الصورة في الفكر المعاصر كما في النصوص السابقة = يشير إلى أن منظمي الملتقى لديهم توجه بتقرير المصطلح والمفهوم كما هو في صورته الليبرالية، والتخصص الذي يتحدثون عنه هو التقرير الليبرالي للمصطلح، ومحاضرة بشارة في الملتقى السابق دليل واضح.

هنا تظهر المشكلة عند المعترضين على الملتقى؛ فهو يقدم العلمانية في عباءة الإسلام، ويريد أن يقنعنا في ذات الوقت أنه ملتزم بالإسلام لكون فقيه وشيخ يشرف عليه، وهذا انحراف مع تناقض واضطراب عجيب!!
ثانيا: يدافع القائمون على الملتقى بأن الهدف هو خلق جو حواري قريب من الشباب فعصر التلقين والحق المطلق وثني الركب عند المشايخ قد انتهى فهناك آراء ومصادر متعددة للمعرفة ولا بد أن نبصر الشباب بهذه الآراء ونخلق نقاش حر حولها.

حسنا ... سنوقف عجلة النقد الشرعي لهذا الانحراف في التعامل مع الآراء وننتقل مباشرة للبحث في مصداقية هذا الدفاع في النقاط الآتية:
1-في الحقيقة لا يوجد هناك حوار حول القضايا المطروحة فالملقي يجلس على المنصة ويتحدث لمدة ساعة أو أقل ثم تطرح عليه أسئلة استرشادية - وليست نقدية أو حوارية - في مدة لا تتجاوز 2/3 دقائق ثم يجيب عنها الملقي ويختم اللقاء و لا يناقش و لا يحاور و لا تتلاقح الأفكار!!
2- الشباب المشارك لا ينظر إلى الشخصيات المشاركة كحالة قابلة للدرس أو النقد، وإنما يتعامل الشاب مع الجو العام في الملتقى على أنه حالة معرفية مفيدة وناجحة يستفاد منها وهذا ما أشير إليه في أهداف الملتقى حيث ذكر أن المحاضرين رواد في النهضة وأصحاب تجارب ناجحة، وليسوا شخصيات منحرفة يتم مناقشتها !! هنا نموذج نستدل به على هذه الحالة الذهنية التي يفكر بها الشاب المشارك في الملتقى.
يقول أحد الشباب الكرام – وهو من أصدقاء المنظمين ومن نفس مدرستهم الفكرية – قبل أن يوجه سؤاله إلى عزمي بشارة ( أشكر الدكتور عزمي بشارة باسمي واسم كل من ثنى ركبه أثناء الثورات في متابعة الدرس اليومي الذي تقدمه لنا على قناة الجزيرة )
3- عندما يخرج أحد الشباب عن إطار توجهات الملتقى العامة لا يفتح له المجال للحوار والنقاش كما يقول المنظمون بل يمارس عليه ضغط حتى ينهي مداخلته، حصل هذا مع فتاة بحرينية قدمت نقد مؤدب وغير مباشر لرؤية عزمي بشارة قاطعها مقدم الندوة بحجة الوقت!!
4- الحوار والنقاش يكون بين أشخاص يحملون رؤى مختلفة حول القضية محل الدرس، أما في الملتقى فلا يوجد هذا الخلاف على نطاق جذري وقد يوجد في التفصيلات أما العناوين العريضة في الحرية والمساواة والديمقراطية والمدنية فالكل متفق عليها، وما اجتمعوا وتعايشوا وانفتحوا إلا عليها.
بعد الحديث عن عدم مصداقية المشاركين في مقصد الحوار ، وان دعوة المنحرفين في العقيدة هدفه النقاش نعود ونحدد طريقة المنهج الشرعي الأولية في التعامل مع أصحاب الآراء الضالة
يقول تعالى: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معه حتى يخوضوا في حديث غيره ) [ النساء 140].
ويقول سبحانه: ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) [الأنعام 68].

في هذه الآيات ينهانا الله سبحانه وتعالى عن مجرد القعود معهم ويرتب على القعود معهم عقوبات وأوصافا شديدة، فكيف بالذي يصدرهم في المجالس ويقدمهم كرواد للنهضة؟!! ولا يشكل على هذا الجلوس معهم لنصيحتهم أو دعوتهم أو مناظرتهم، وهو أمر لا يفعله المنظمون في الملتقى، ويسخرون بمثل هذه الأهداف، لأنهم يرون في أصحاب الأوراق قامات فكرية ثرية يجب الانتفاع بها، فدعوى الحوار والنقاش إنما تقال لدفع الانتقاد لا أكثر. خاصة ان المشاركين فتية صغار سن غير مؤهلين لفعله، والضيوف كهول متمرسون على الاقناع، ومؤثرون في النقاش.
يبرر بعض المنظمين للملتقى صنيعهم هذ بقولهم ( الفكر لا يواجه إلا بالفكر ) وهذا كما سبق ليس الذي يحدث في الملتقى فالحال حال تلقي من رواد النهضة، فلا ردود ولا مواجهة، وهذه العبارة فيها نوع إدانة للمنظمين؛ فإذا كنت تعتقد بأن المحاضرين من فكر آخر يستحق الرد والمواجهة فلماذا تعتبره رائدا من رواد النهضة وتجعله يحاضر في مجموعة من الفتية؟!!
ثم إن القول السابق غير صحيح في ميزان الشريعة فالفكر المنحرف يواجه بالنصيحة والاحتساب والقضاء وغير ذلك من مراتب إنكار المنكر.
والحقيقة أن المناقشة والرد الذي يفضي إلى إسقاط الإلحاد والكفر من الحالة الثقافية ليس هدفا في حسابات الاتجاه التنويري، بل على العكس من ذلك؛ فإن تمكين الضلالة من الانتشار هو أحد معاني الحرية المطلوبة عندهم، والتي يجب على الدولة حمايتها، دليلنا هنا: حادثة تطاول كشغري على النبي صلى الله عليه وسلم، وتشكيكه في الله تعالى فقبل الحادثة جميع رموزهم كانوا شركاء له في منبر واحد مكن هو وغيره من استخدامه لاستقطاب الشباب، ولم يسعوا إلى منعه بل دافعوا عن بقائه، وبعد الحادثة انتصروا له واصطفوا معه وبعضهم اختار السكوت والتعبير عن موقفه من خلال اقراره بنشر كلامهم، فالرد ليس واردا عندهم بل بقاء هذه الأفكار الضالة وانتشارها هو أمر صحي ودليل على التعايش السلمي والتنوع الفكري الذي يدعون إليه وأحد أشكال المدنية وأحد مظاهر المجتمع المدني، وكل هذا الانحراف هو أحد مظاهر العلمانية في الحرية التي يقدمها هؤلاء هنا بلسانهم وممارستهم وليس من خلال الآخرين كما هو الحال في تقديم العلماني كرائد للنهضة.
وعموما فإن إطلاق هذا المنهج (الفكر لا يواجه إلا بالفكر) كقاعدة كلية مطلقة صورة حالمة لاوجود لها في الوقع فكل مجتمع له سقف لا يسمح بتجاوزه ويعاقب عليه.
أيضا هو مسلك فاسد وانحراف في المنهج ويشكل عليه أصول إسلامية عديدة كالجهاد وحد الردة والتعزير، وينقضه حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- في مسلم الذي هو أصل في باب الرد والإنكار ( من رأى منكم منكر فليغيره بيده ....)

أجوبتهم على المعترضين
في الحقيقة لاوجود لأجوبة لديهم حول نقد وتساؤلات الآخرين بل هي تفسيرات واطلاقات عامة خالية تماما من أي موضوعية نستعرض بعضها :
أولا: التفسير السياسي:
يجيب معظم المنظمين والمدافعين بأن هذا الاعتراض على الملتقى هو شكل من استخدام السياسي للاتجاه الإسلامي في قمع مشاريع الإصلاح أو كما قال بعضهم (محاربة الوطن)، وهذا التفسير فيه تخوين واتهام للعلماء والمحتسبين بالخيانة والعمالة لجهات ترفض الإصلاح وهي لغة سيئة لا تليق بمدعي الإصلاح، وهي أيضا اختزال لمشاريع الإصلاح والوطن كله في عدد بسيط من الأشخاص، وهذا الاختزال هو منطق الطغاة العرب الذين قضوا في الثورات.
وهو أيضا تفسير قائم على مغالطة فظيعة فالمعترض عليهم لم ينتقد معارضتهم للسياسي ولم يذكرها بالكلية في اعتراضه، بل لو اكتفى المشاركون بمعارضة السياسي لما انتقدهم أحد، بل سوف يثني عليهم ويحمي عرضهم ويدافع عنهم، و هم لم يستهدفوا السياسي في ملتقاهم ولم يعترضوا عليه وكل أحاديثهم ذات بحث نظري لا ممارسة فيها، وهذا أكثر ما يسعد السياسي فهو بذلك يدرك أن المعترض عليه صاحب أقوال وأحاديث ومغامرات في تويتر والفيس بوك وربما يتطور ويصل لفنادق الخمس نجوم بشكل موسمي ، هذه قد تزعجه ولكنها لا تؤثر عليه بشكل جذري ومباشر، وخطابهم كله خالي من اسم السياسي أصلا فكيف يعتبرون أنفسهم معارضين حقيقيين له يحرك السياسي أدواته لقمعهم!!
ثم بالله عليكم منذ متى والسياسي في عالمنا العربي يرسل أدواته الصوتية فقط على معارضيه ليسكتهم كليا، السياسي يسحبهم من أحضان زوجاتهم وأمهاتم وأطفالهم ويرمى بهم في السجون و لا يبالي بهم، ولكن المنظمون وضعهم مختلف فهم يسافرون ويسيحون في بلاد الثورات ويحاضرون عن الثورات ويتحدثون بصوت عال وهم طلقاء أحرار، في حين أن المنكر عليهم – هذا الذي يتهمونه بأنه أداة للسياسي – لو تعرض للسياسي ولو بالخاطر ونقده بربع نقدهم لغاب دهرا!!
ثم هذا السياسي أمامكم تفضلوا وانتقدوه وصبوا غضبكم عليه وامطروه بأقذع الأوصاف وشنوا حربكم عليه، لماذا تراوغون وتلتفتون إلى الأداة؟!! اتجه مباشرة إلى من يحركها وارتاح إذا كنت جادا!!
ومن الغريب انهم يعتذرون لوزارة الداخلية الكويتية، ويهاجمون الدعاة وطلاب العلم!!، لماذا تسكت عن المستبد وتهاجم الناقد؟! ومن طرائفهم أنهم يرون أن السلفيين قاموا بالتحريش، ويتركون من بيده السلطة !!

ثانيا: التفسير الأخلاقي:
يرى المنظمون أن الاعتراض عليهم هو مجرد صور متكررة من الاسفاف والشتائم والسباب والعبارات غير الأخلاقية، والمعترضون عليهم فيهم علماء كبار وأساتذة جامعات ودعاة وعاملين في الوسط الإسلامي، وإتهام كل هؤلاء بقلة الأدب هو في الحقيقة قلة أدب وتهور، وهم ليس عندهم مثال واحد لعالم او طالب علم فيه سب او شتيمة، ويحاولون أن ينسبوا كل من يكتب في الانترنت بأسماء وهمية او مجهولين غير معروفين للخطاب الشرعي، وهذا من الخداع الظالم، فليأتوا بالأمثلة والعبارات غير الأخلاقية إن كانوا صادقين !!

ثالثا: الدرع الجامي:
في فترة التسعينات نشأ اتجاه غال جدا في مهاجمة الدعاة جهلا وبغيا، هذا الهجوم استجلبه بعض المنظمين كدرع حامية يضعها في وجه أي معترض على مشروعاتهم فأي انتقاد لهم صاحبه جامي!!، وأي رفض يسجل ضدهم فصاحبه جاهل وباغ!! وهو من الجاميين الجدد!!، وهكذا بهذه الطريقة يشكلون نوعا من الكهنوت والقداسة على مشروعاتهم، فتصبح غير قابلة للنقد، وهم بهذا يقفزون على أي نقد موضوعي يوجه لهم و لا يجيبون عليه، وهذا فعلا الذي حدث فحتى الآن لم تقدم أجوبة حقيقة على الاعتراضات غير البكائيات واللطميات.
وإذا نظرت للحقيقة تجد أنهم أكثر الناس اسقاطا للعلماء بزعم أنهم يرسخون الاستبداد والغفلة والتشدد ... وغيرها من الشتائم.

رابعا: مشكلة الجديد
يفسر بعض المدافعين رفض الدعاة لهذا النوع من الملتقيات بأنه رفض للجديد سرعان ما سيتغير الموقف منه بفاعل الزمن والإصرار على تكراره حتى يصبح واقعا، وفي الحقيقة لا يدرى ما هو الجديد هنا هل هو الملتقيات؟ التي يعرفها المنكر عليهم ويقيمها ويشارك فيها قبل أن يعرف المنظمون للملتقى الثقافة وربما قبل أن يولد بعضهم، أو هل الجديد هنا عند المنظمين الرؤى والأفكار التي تطرح في الملتقى؟ وهذه أيضا ليست بجديدة فهي تطرح منذ عشرات السنوات في عالمنا العربي ونقدها المعترض وغيره.
نعم الجديد في ملتقى النهضة هو تقديم العلمانيين والرافضة كموجهين للشباب، واعتبارهم روادا للنهضة، وتقديم نسخة جديدة من العلمانية تمرر من تحت عمامة فقيه.
وفقنا الله إلى نهضة أمتنا على منهاج النبوة، ملتزمين بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل عمل – حتى لو سماه صاحبه نهضة أو إصلاحا – ليس عليه أمر الرسول فهو مردود على صاحبه، وغير مقبول منه.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مقالات الفوائد

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية