صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لو كان النَّحْوُ رجلاً لَقَتَلْتُه!!!

أحمد محمد حربه


(لو كان النَّحْوُ رجلاً لَقَتَلْتُه) هذه العبارةُ وجدتها في أَحَدِ المنتدياتِ على شبكةِ الإنترنت كَتَبَها أَحَدُ الشبابِ المُعَقَّدِين من مادةِ النحو وهو يشتكي من صعوبتِها وثِقَلِها عليه.
وهذا حالُ كثيرٍ من الطلاب في هذه الأيام تجدهم يشمئزون من مادةِ النحو ويستصعبونها ويستثقلونها ويشتكون منها، فهم لا يفهمون قواعدَها، ولا يكادون يعربون جملةً واحدةً إعرابًا كاملاً وافيًا شافيًا صحيحًا (هذا هو الغالب).
وقد سألتُ أحدَ الطلاب: أيهما أصعب: النَّحْوُ أم الإنجليزي؟ فأجاب قائلاً: النَّحْوُ أصعبُ من الإنجليزي، الإنجليزي سهل.
وقد سألتُ كثيرًا من الطلاب وحاورتُهم حولَ هذا الموضوع فوجدت الكثيرَ منهم يظهرون صعوبةَ مادةِ اللغةِ العربية بشكلٍ عام، وأحسنهم حالاً يقول: اللغةُ العربيةُ سَهْلَةٌ إلا النَّحْو!!! ولا يُنكِرُ أَحَدٌ أَنَّ أَيَّ عِلْمٍ في بداية تَعَلُّمِه يكونُ صعبًا ولكنْ بالجُهْدِ والاستمرار يصبح سهلاً ولذيذًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( وإنما العلم بالتَّعَلُّم ))، ولا أنسى أبدًا تلك الصعوبَةَ التي عانيناها في تَعَلُّمِ علمِ النحو خاصةً، وقد حصلت لي كثيرٌ من المواقفِ المُحْرِجَةِ أثناءَ دراسةِ النحو وذلك في بداية الطلب.
واعترافًا بالفضلِ والجَمِيلِ فإنني لا أنسى فضل شيخي العلامة الشيخ الفاضل الفقيه الأصولي اللُّغَوِي المُتَفَنِّن / محمد يوسف حربه - رحمه الله وأسكنه فسيحَ الجِنان – فهو الذي حَبَّبَ إِلَيَّ عِلْمَ النحو وقد كان من أصعب العلوم لَدَيَّ.
فإنني أذكر في بداية طلبي للعلم على يديه عام 1995م أننا بدأنا في كتاب ( الإعراب عن فن الإعراب – مختصر الكفراوي)، وقد كنت مُعَقَّدًا من مادتين بالأخص وهما: النحو والفرائض، فقلت له: النحو والفرائض علمان صعبان لا يمكن أن أفهمهما كأنهما نار لا أستطيع الاقتراب منهما، فصاح بي قائلاً: هما سهلان جدًّا ، النَّحْوُ سهل، فأعدت كلامي السابق فصاح مُغْضَبًا قُلْ: سَهْل ، فقلت: سَهْل، خوفًا منه عندما اشتاطَ غضبًا.
واكتشفتُ فيما بعد أنَّ ذلك الموقفَ وذاك الكلامَ كان بمثابة البرمجة اللغوية العصيبة لي فأحببتُ النحوَ خاصة وقد كان - رحمه الله - يهتم في دروسه بالأمثلة والتطبيقات ويجعل الطلاب يتنافسون في الإجابة والحَل.
ولا أنسى تلك العبارةَ الجميلةَ التي قالها أستاذُنا المصري/ عربي كمال – أستاذ اللغة العربية – عندما كنا في صف أول ثانوي، وكان بعضُ الطلاب يشمئزون من مادة النحو ويستصعبونها فقال – رعاه الله بالخير – : اعْشَقْ تَنْكَحْ، ما تتزوج وأنت ما تحب. عليكم أن تحبوا مادةَ النحو فإذا أحببتموها فستفهمونها.
وأعتذر عن سَرْدِ هذه المواقفِ – فأنا أعلمُ أنني لستُ بِصَدَدِ كتابةِ سيرتي الذاتية – ولكنَّ المقامَ اقتضى ذلك.
والسؤالُ الذي يَطْرَحُ نفسَه الآن هو: كيف نجعلُ الطلابَ يحبون مادةَ النحو؟
هذا السؤال تحتاج الإجابةُ عنه إلى وُرَشِ عَمَل وندوات ومؤتمرات حتى نصلَ إلى الإجابةِ الصحيحةِ والدقيقةِ والواقعية.

ولكنني سأجتهدُ لِأَضَعَ بعضَ الحُلول والمقترحات التي أرى أنها ستساعدُ في تسهيل مادةِ النحو وتبسيطِها وتَحْبِيبِها لدى الطلاب فأقول:

أولاً: لا بد من إعادةِ صياغةِ المنهج المدرسي المُقَرَّر بأسلوبٍ يتناسبُ مع الواقع ومع أفهام وطاقات وقدرات ومستويات الطلاب.
يَتِمُّ فيه مراعاةُ بعضِ الأمور، ومنها:
1- صياغةُ القواعدِ والتعريفاتِ بأسلوبٍ سَهْلٍ واضحٍ مُيَسَّر، ولا يُشْتَرَطُ الإبقاءُ على الصِّيَغِ القديمة، أَوْ على الأَقَل يَتِمُّ شَرْحُ الصِّيَغِ القديمةِ - إن ذُكِرَتْ وَوُجِدَتْ - بأسلوبٍ أكثرَ وضوحًا ويُسْرًا وسهولة.
2- الإكثار من الأمثلةِ والشواهدِ والتطبيقاتِ الإعرابيةِ.
وأقترحُ هنا أن يَتِمَّ إعدادُ كتابٍ خاصٍّ مُسْتَقِلٍّ عن الكتابِ المَدْرَسي ويكون مصاحبًا له يَحْوِي إعرابَ جميعِ الأمثلةِ والشواهدِ الموجودةِ في الكتابِ المَدْرَسي؛ لِيَسْتَفِيدَ منه المُدَرِّسُ والطالبُ.
ثانيًا: إقامة دوراتٍ للمدرسين في أساليبِ وطُرُقِ تدريسِ مادةِ اللغةِ العربية. وقد تستغربون لو قلتُ بأنَّ بعضَ مُدَرِّسِي مادةِ اللغةِ العربية يحتاجون إلى دوراتِ تقويةٍ في اللغةِ العربية، ولكنَّ الواقعَ يشهدُ بذلك.
ثالثًا: أن يُرَكِّزَ مُدَرِّسُوا اللغةِ العربية على الجانبِ التطبيقي ويهتموا به أكثرَ من الجانب النظري، ولكن ليس على حسابه.
فمن الملاحظ أن بعضَ المُدَرِّسِين لا يهتمون بهذا الجانبِ ولا يُلْقُون له بالاً فلا يكادون يعربون جملةً واحدةً خلالَ تدريسِ المنهج بل كَأَنَّ مسؤوليتَهم أن يلقوا القواعدَ على الطلاب والتطبيق بعد ذلك مِن مسؤوليةِ الطلاب، وهذا نقصٌ وضَعْفٌ وخللٌ كبير، بل إنه يدلُّ على ضَعْفِ المُدَرِّسِ وعَدَمِ تَمَكُّنِه من المادة.
رابعًا: أن يتم الاهتمامُ أيضًا بطريقة الخارطة الذهنية في تدريس النحو. وهناك كتاب يُعِينُ على ذلك وهو ( أطلس النحو العربي) وهو منتشرٌ في المكتبات.
خامسًا: لماذا لا يَتِمُّ استخدامُ الوسائلِ الإيضاحيةِ والمساعدةِ على توصيلِ المعلومةِ بسرعةٍ وسهولة كالخرائطِ وأشرطةِ الكاسيت وعَرْضِ البروجكتر وغيرها؛ لأننا نجد بعضَ مُدَرِّسِي اللغةِ الانجليزية يستخدمون هذه الوسائلَ وغيرَها أثناءَ التدريس (خاصة في معاهد التأهيل والتدريب).
سادسًا: التزام الكلام باللغة العربية الفصحى أثناء تدريسها. ومن الغريب والعجيب أن تجد مدرسَ اللغة العربية يشرحُ قواعدَ النحو باللهجةِ العامية!!!
ولا يبالي باللَّحْنِ أثناءَ الإعراب!!!
ونجد في المقابل بعضَ مُدَرِّسِي اللغة الانجليزية لا يتحدث أثناء تدريسها إلا بها ويفرض ذلك على الطلاب!!!
فلماذا لا نستفيد من هذه الطريقةِ في تدريس اللغة العربية فإنها تساعد على التمكن والإتقان.
سابعًا: لماذا لا تكون هناك برامجُ تلفزيونية وإذاعية خاصة باللغة العربية يَتِمُّ فيها شرحُ وتيسيرُ قواعدِها والتواصلُ مع المشاهدين والمستمعين واستقبالُ أسئلتِهم واستفساراتِهم والإجابةُ عنها عبر استضافة المختصين المتمكنين في اللغة العربية؟.
ثامنًا: تدريس قواعد اللغة العربية للمذيعين في الإذاعة والتلفزيون، وتدريبهم على استخدامها حتى يصلوا إلى درجةِ الإجادةِ والإتقانِ. فإنَّ هذا يَخْلُقُ جَوًّا يجعل المستمعين يحبون اللغةَ العربيةَ، ونحن أَحَقُّ بذلك من إذاعة لندن.
تاسعًا: إقامة مسابقاتٍ في اللغة العربية كتابةً ومحادثةً وذلك في مختلف المدارس، وتكون هناك مسابقة عامة كُبْرَى على مستوى الجمهورية تتبناها وزارةُ التربية والتعليم.
عاشرًا: تشجيع الطلاب المتميزين في اللغة العربية والمحبين لها، وذلك بالجوائز المختلفة، ومساعدتهم على إكمال دراستهم العليا في هذا المجال، وطبع ونشر إنتاجهم اللغوي حتى توجد قدوات في المجتمع تكون حافزًا ودافعًا للآخرين حتى يسلكوا هذا الطريق.
تلك عشرة مقترحات كاملة أضعها بين يدي المسؤولين والمختصين والتربويين لعلهم يجدون فيها ما يفتح الآفاق ويشجع على دراسة هذا الموضوع وإعطائه حَقَّه ومُسْتَحَقَّه.
وفي الأخير لا يفوتني أن أؤكد على أهمية القراءة والمطالعة في الكتب التي اهتمت بتيسير النحو، فَلْتَقْرَأْ أيها الطالب سواء فهمتَ أم لم تفهم؛ فإن الاستمرار والإكثار من القراءة يجلب الفهم ويلقح الذهن ويقوي الذاكرة.
ولو شئتُ لاقترحتُ في هذا المقام عددًا من الكتب التي ينبغي قراءتها في علم النحو نظرًا لفائدتها ويُسْرِها وسهولتِها، ولكني أترك الاختيارَ والانتقاءَ للمدرسين والطلاب والموجهين والمربين والقراء فالمكتباتُ مليئةٌ بالكتب ، والأذواقُ مختلفة.
وإنني أتمنى أن أدركَ اليومَ الذي تتحقق فيه هذه الآمالُ والطموحاتُ، ونرى الطلابَ وهم يستمتعون ويتلذذون بمادة اللغة العربية وخاصةً النحو.
ونسمع ونرى ذلك الشابَّ المُعَقَّدَ من النحو يُغَيِّرُ رَأْيَه في النحو ويقول – كما قال الإمام السيوطي – رحمه الله - في (الأشباه والنظائر في النحو): كُلُّ العلومِ مفتقرةٌ إلى علم النحو.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مقالات الفوائد

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية