صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الأزمة المالية العالمية


الدلالات الفكرية للأزمة الماليّة العالمية ... عبدالرحيم بن صمايل السلمي

الأزمة المالية العالمية: هل هي نهاية النظام الرأسمالي ؟!! .. محمد حسن يوسف

اللهم دمر اقتصادها! ... عيسى بن سعد بن مانع

سببان للأزمة المالية ... د. مهران ماهر عثمان

كيف تحولت البنوك إلى مسالخ ؟! .. د. خالد الشايع

هل لا زال الربا مقبولاً في النظام الرأسمالي؟ .. د. خالد الشايع

هذه عاقبة الظلم يا أمريكا !!! .. إبراهيم بن محمد الهلالي

الاختلافات الاقتصادية بين الإسلام والرأسمالية .. الدكتور عدنان علي رضا النحوي

خبير أمريكي : وول ستريت تتابع نجاح ( أسلمة ) الاستثمارات المصرفية !

كتاب غربيون: الشريعة تنقذ اقتصاد العالم  ... محمد النوري

عدوى الأزمة المالية ..هجر الدولار يمنع الانتقال  ... د. أشرف محمد دوابه

الرأسمالية تترنح ... د.يوسف بن أحمد القاسم

الأزمة المالية.. من يدفع الفاتورة أمريكا أم العرب؟  ..  أسامة نبيل

الاقتصاد "المستمد من السماء" أمان من الأزمات  .. د. يوسف القاسم

اقتصاد إسلامي في مواجهة الأزمة المالية! ... علي الشهابي

حقيقة الأزمة المالية العالمية  ... د. عبد الحميد الغزالي

قراءة مغايرة للانهيار الاقتصادي الأمريكي .. سمير العركي

عطست أمريكا فأصيب العالم بالزكام! .. ياسر الزعاترة

أزمة أمريكا الاقتصادية.. وسياستها الاستعمارية ... محمد هزاع

تجاعيد على وجه الرأسمالية .. عيد بن مسعود الجهني

خطة إنقاذ أمريكا  .. ترجمة/ سعد بن أحمد

الآثار السياسية للكارثة الاقتصادية الأمريكية .. د. عصام العريان

الأزمة المالية العالمية...تأملات وتساؤلات ... د. ياسر سعد

الأزمة المالية وتهافت الرأسمالية ... د. محمد يحيى
 



الدلالات الفكرية للأزمة الماليّة العالمية
13-10-2008
عبدالرحيم بن صمايل السلمي


يُعدّ الانهيار الاقتصادي لسوق المال الأمريكي من أكبر الانهيارات الاقتصادية في تاريخ الاقتصاد الغربي المعاصر، فقد أفلست أكبر البنوك الأمريكية مثل بنك ليمان براذرز الاستثماري في 15/9/ 2008, وخلّفت وراءها دماراً هائلاً لا تزال تداعياته مستمرة إلى الآن.

وفي هذا المقال لست معنياً بتتبع توصيفات الأزمة، والتحليلات الاقتصادية المهنيّة المرتبطة بها، ولكنني سوف أشير إلى بعض الدلالات الفكرية في هذه الأزمة، والتي سيكون لها آثار كبيرة على صعيد الفكر الاقتصادي العالمي.

والراصد لتاريخ الفكر الغربي المعاصر يجد أن الاضطرابات وردود الأفعال والانكسارات الحادة من أبرز سماته وتطبيقاته، فهو يتغير ويتقلب حسب تقلبات السوق، وهذا يؤكد الارتباط التاريخي بين الطبقة التجارية (البرجوازية) والفكر الليبرالي الذي أسس للنظام الرأسمالي المعاصر.

سقوط الليبرالية الجديدة ووهم العولمة

اعتمد الفكر الاقتصادي الغربي بعد الثورات الكبرى -التي أسقطت الاقطاع- على النظام الرأسمالي، وهو نظام الاقتصاد الحر، ويقوم هذا النظام على "الليبرالية" كقاعدة فلسفية وفكر مؤسس يبرر له كافة تصرفاته.

وترى "الليبرالية الاقتصادية" ضرورة حرية السوق وعدم التدخل فيه بأي شكل من الأشكال، وأن الدولة يجب أن تكون "محايدة" و"محدودة" في التعامل مع الأسواق، والعمل بقاعدة "دعه يعمل، دعه يمر"، وأن في السوق "قوّة خفيّة" أو "يداً خفيّة" -كما يرى آدم سميث- قادرة على تنظيم السوق ذاتياً دون أدنى تدخل من الدولة.

وهذا التصور الليبرالي الخيالي لم يطبق بصورته الكاملة لأنه غير قابل للتطبيق، وقد كان أقوى صعود لهذا الفكر الحدي في القرن التاسع عشر, فكانت نتائجه كارثية في النصف الأول من القرن العشرين حيث وقع الكساد العظيم (1929م)(1)، ووقعت الحرب العالمية الأولى والثانية.

ثم حصل تحول فكري في الفكر الليبرالي الرأسمالي على يد المفكر الاقتصادي جون ماينارد كينز(2), قَلبَ الفكرة القائلة بأن كثرة العرض تولد كثرة الطلب وهي المعروفة (بقانون ساي للأسواق), فقال: بأن تدخل الدولة ضروري جداً لحفز الاقتصاد من خلال الدعم الاجتماعي للناس، وهذا بدوره سيولد كثرة الطلب، بالإضافة إلى تنظيم الاقتصاد والسعي إلى مايسمى "بدولة الرفاة"،وهذا التحول لم يدم طويلاً فقد صعدت الليبرالية مرة أخرى في أواخر السبعينات من خلال "مدرسة شيكاغو"(3), والتي تسمى "الليبرالية الجديدة"، وهكذا أقنع علماء الاقتصاد في شيكاغو زعماء أكبر الدول الصناعية بتبني النظرية الليبرالية المتوحشة، فتبنتها بريطانيا (التاتشرية)، وأمريكا (الريجانية).

وهذه الكوارث على الصعيد الفكري ليست نتيجة أزمة الرهن العقاري؛ بل هي ممتدة إلى ما قبل ذلك وإلى السبعينات تحديداً عند صعود نجم الليبرالية من جديد.

ومع أن الفترة من السبعينات إلى الآن مرت بكوارث وانهيارات مثل "أزمة النمور الآسيوية"، و"أزمة المكسيك" وغيرها إلاّ أن هذه الأزمة هي الأكبر والأشمل.

ودلالة سقوط الليبرالية الجديدة في هذه الأزمة, مأخوذة من كذب دعوى أن السوق ينظم نفسه بنفسه، فأين "اليد الخفية" التي زعمها آدم سميث عن "وول ستريت" لتنظيمه والمحافظة عليه من الانهيار؟

وكذلك فإن تسليم ملف سوق المال للشرطة الفيدرالية (FBI), يدل على أن سوق المال تحول إلى منطقة أمنية خطرة ممتلئة بالعصابات والمجرمين والوحوش العابثة، وهي بذلك تجاوزت تحريم الليبرالية لتنظيم الاقتصاد إلى إدخال الاقتصاد مخافر الشرطة للتحقيق الجنائي معه, وهذا بلا ريب يصفي الوجود الفكري لليبرالية بالكامل، ويدل على المخاطر الكبرى من إهمال الأسواق دون رقابة.

والفكر الغربي -البعيد عن الهدي الرباني- لا يعرف إلاّ فتح الأسواق لكل أنواع المعاملات المحرمة, أو التدخل الظالم في السوق ومنع الناس من العمل في أموالهم، وكبت حرياتهم، فهو لم يعرف المنهج العادل الذي جاء به الإسلام، المتمثل في أن الأصل حرية التعامل في حدود المشروع، ومنع كافة أشكال الظلم والاحتيال والعبث بالسوق, مع الرقابة على السوق لإيقاف كافة التجاوزات غير الشرعية وغير الأخلاقية.

وهذه الأزمة تدل بوضوح على أن الأسواق إذا تركت انقلبت إلى غابة متوحشة يأكل فيها القوي الضعيف، ولهذا تفتقت الذهنية الرأسمالية عن حزمة من المعاملات الغريبة والمعقّدة كانت نتيجتها السقوط والانهيار.

ومن الغريب أن بعض دعاة الليبرالية الجديدة لا زال يدافع عن فاعلية اقتصاد السوق الحر, ويعتذر عن هذه الانهيارات، ويطالب بالحذر من التدخل في الأسواق، وترك المجال لآليات السوق لتؤدي دورها!!(4)، والأغرب منه دفاع بعض دعاة التغريب في بلاد المسلمين عن الرأسمالية, والمطالبه مع هذه الأزمات بتطبيق نموذج للاقتصاد الحر بصورته الغربية!!

ضرورة التحرر الاقتصادي للأمة الإسلامية

لقد تَمّ دمج اقتصاديات البلاد الاسلامية بعد مرحلة الاستعمار في الاقتصاد الرأسمالي للدول الصناعية الكبرى(5)، كما تم دمجها سياسياً في المنظومة ذاتها من خلال هيئة الأمم المتحدة, وأصبحت الأمة تعاني من "تبعيّة" مقيتة، وضعف في إدارة نفسها بنفسها، ولهذا فإن هذه الأزمة ستؤثر عليها ولابد، والأمة الإسلامية تملك مقومات القوّة الاقتصادية إذا تحررت من "التبعيّة"، وهذا بحاجة إلى إرادة قوية، ووعي ثاقب ينظر إلى الحاضر والمستقبل، وأمانة تستشعر المصالح العليا للأمة.

ضرر الربا والديون (الائتمان)

لقد أعطت هذه الأزمة برهاناً ساطعاً على خطر الربا، وهو دليل واقعي يراه الانسان بعينه، وهي من الدلائل التي يستأنس بها لايقاظ من لم تردعه النصوص الشرعية، والتحذيرات الإيمانية من هذا "الوباء الاقتصادي" فالله تعالى يقول :{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}. (سورة البقرة 276)

وقد نهى الرسول عن الربا وهو في مجتمع قروي صغير, فبانت آثاره الآن في المجتمعات الصناعية المعقّدة، كما أنه حذّر من التوسع في الدين المباح فكيف بالديون المحرمة؟

ولهذا جاء في صحيح مسلم: " يغفر للشهيد كل ذنب إلاّ الدين", ولم يصلّ على من مات وعليه دين تعظيماً لخطره.

صعود "النظام الاقتصادي الاسلامي"

لقد كشفت أزمة "وول ستريت" عن عقم النظم الاقتصادية الغربية, التي خرجت من عقول بشرية لا تهتدي بهدي الله تعالى، ولا تعظم دينه، وهذا ما دعى كثيراً من الكتّاب والمفكرين الغربيين إلى المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي والمالي, لوضع حدّ لهذه الأزمة التي تعصف بأسواق المال العالمية من جراء الربا والائتمان (الديون) والمضاربات الوهمية وغيرها(6).

وهذه الأزمة سوف تغيّر الفكر الاقتصادي الغربي، وقد أثبتت الأزمات السابقة أن الفكر الغربي كلّما وقعت له كارثة بسبب أفكاره المادية المتطرفة, قام بتعديل أفكاره وتحويرها وتخفيف العمل بها أو يرتد عليها.

وهذه فرصة لإبراز"النظام الاقتصادي الإسلامي" بصورته الشاملة المتضمنه للإلتزام بالمنهج الرباني، والسلوك الأخلاقي، والتكامل البنائي، وليس المقصود من ذلك الدعوة إلى تطبيق آليات الاقتصاد الإسلامي في الغرب, وإنما دعوتهم إلى الله تعالى من خلال إبراز هذا المجال وتوافقه مع العقل والفطرة والسنة الجارية، وإظهار شمول الاسلام وعدله، واشتماله على مصالح الدين والدنيا، وهذا دليل قاطع على أن هذا الدين من عند الله تعالى.

انتهاء الهيمنة الأمريكية الاقتصادية

أنهت هذه الأزمة أماني الولايات المتحدة في السيطرة على الاقتصاد العالمي، تلك الأمنية التي من أجلها شنّت الحروب المتواصلة في الخليج والبلقان، وهذه النتيجة اعترف بها أصلب المدافعين عن "المحافظين الجدد"، والذين جعلوا (الليبرالية) نهاية التاريخ الإنساني ومن أبرزهم فرانسيس فوكوياما في مقاله "انهيار الإقتصاد الأمريكي"(7)، وقد اعترف فيه بانهيار الليبرالية وتراجع الدور الأمريكي، وفيه إعلان ضمني لسقوط نظريته المسماه (نهاية التاريخ).

وكذلك اعترف فريد زكريا بمضاضة بانتهاء الهيمنة الأمريكية حيث يقول "فتاريخ الرأسمالية حافل بأزمات الائتمان وحالات الهلع، والانهيارات المالية والركود، هذا لا يعني نهاية الرأسمالية لكنه قد يعني من ناحية ما, نهاية سيطرة الولايات المتحدة على الأسواق العالمية"(8), ويقول: "ستكون التداعيات الحقيقيّة للأزمة المالية فقدان النفوذ الأمريكي لشرعيته"(9).

وهذا يعني التغيّر في المعادلة الدولية، وانتهاء عصر القطب الواحد، وهو بدوره سيؤثر على المجموعات التغريبيّة في البلاد العربية والإسلامية, التي ربطت مصيرها بمصير أمريكا، وتطاولت على الثوابت الإسلامية والاجتماعية، وظنت أن الهيمنة الأمريكية فرصة سانحة لتغيير عقائد الناس وأخلاقهم وقيمهم -ولو بالقوة-، والاعتماد على الضغوط الأمريكية على الحكومات العربية الهزيلة في فرض أنماط التغريب على المجتمع, من خلال قرارات سيادية في المجتمع الإسلامي, مثل إلغاء التحاكم إلى الشريعة الإسلامية، وتغريب المرأة، وتغيير المناهج، ومحاصرة العمل الخيري وغير ذلك.

{وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}

إن هذه الأزمات من الآثار المعَجَّلة للذنوب، فالذنب له آثاره الدنيوية مثل الهلاك العام، والأمراض، ونقص الأموال والثمرات كما قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (سورة طه 124)، وجاء في مسند الإمام أحمد: "إن أحدكم ليحرم الرزق بالذنب يصيبه", وعندما يهتدي الانسان بهدي الله تعالى يحصل له الخير والفلاح والرزق الواسع، يقول تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (سورة الجن 16).

وقد وصلت الجاهلية الغربية إلى مستوى خطير من الإلحاد ومحاربة الله تعالى ودينه، وجمعت كل مالدى الجاهليات القديمة من المحادة لله تعالى، ومن الطبيعي أن تحصل لهم مثل هذه العقوبات، {وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (سورة طه 127).

هذه بعض الدلالات المأخوذة من تداعيات هذه الأزمة الكبرى، ولا يزال هناك الكثير، سوف نتحدث عنه في مناسبة أخرى بمشيئة الله تعالى.

----------------------
الهامش:
(1) انظر: مجلة الأهرام الاقتصادي، العدد (718)، 11أكتوبر 1982م ص2-22, دراسة: أزمة النظام الرأسمالي, د/ رمزي زكي.
(2) تسمى نظرية كينز في الاقتصاد (النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقود)، انظر: حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها, عبدالرحيم السلمي, ص249.
(3) تكونت هذه المدرسة من أساتذة الاقتصاد في جامعة شيكاغو, الذين رمموا الليبرالية وأعادوا إنتاجها، وأشهرهم (ميلتون فريدمان) توفي 26م وخاصة في كتابه (الرأسمالية والحرية) مترجم ومطبوع، وتسمى أيضاً (المدرسة النقدية) لأنها أعطت النقود دوراً مؤثراً في النمو الاقتصادي.
(4) انظر كنموذج لذلك مقال: "أزمة الرأسمالية" (فادي حدادين) في موقع (مصباح الحرية), وهو اللسان الناطق بالعربية لمعهد كاتو في واشنطن، وهو معهد ينشر فكر الليبرالية الجديدة، ويبشر به.
(5) انظر: حقيقة الليبرالية وموقف الاسلام منها, عبدالرحيم السلمي ص438.
(6) إسلام أون لاين: كتاب غربيون: الشريعة تنقذ اقتصاد العالم.
(7) النيوزويك، الثلاثاء 14/1/2008م.
(8) عصر بلومبيرغ, فريد زكريا, النيوزويك الثلاثاء 14/1/2008م.
(9) المصدر السابق.
 


اللهم دمر اقتصادها!
عيسى بن سعد بن مانع


إن أزمة الرهن العقاري هي أزمة متوقعة لمخالفة منهج الله في الأرض, وهي نتاج طبيعي للإعراض عن الحق. فكل مخالفة للحق تشبه رمي كرة مطاطية بقوة في اتجاه الحائط, والذي يحدث أن هذه الكرة تعود بسرعة لترتطم بوجه راميها!
وهذه القانون الفيزيائي أكاد أجزم أنه ينطبق على المعنويات كما انطبق على المشاهدات. فإن من يخالف الحق يفعل فعلاً يخالف الفطرة ومسيرة الحياة وجريان الكون, فالذنب له أثر ملموس على حياة العاصي, ويظهر في وجهه, ويكون سبباً في ضيق رزقه, وكذلك في حلول الظلمة والوحشة في قلبه.

ومن هذه الأزمة يمكن لي أن أتحدث عن بعض العبر والفوائد التي يطالب بها المؤمن:
1- أن حرب الله من أعظم المصائب التي يمكن تحل بإنسان. والتعرض لهذه الحرب يجعل المرء المحارب لله في موقف عصيب حيث أنه يؤتى من حيث يتوقع النصر.
2- أن خطورة "الربا" تكمن في أنه لا يساهم في بناء الحياة فعلياً وبشكل مباشر, فالمرابي جشع يدير الأموال كما يتحكم في رقاب الخلق, ولا ينتج للناس منتجاً حقيقياً يباشر حياتهم. بعكس "البيع" الذي يوجد فرص ومنتجات فعلية محسوسة في واقع حياة البشر ويساهم مساهمة مباشرة في رقي المعيشة وعمارة الأرض, قال تعالى:" وأحل الله البيع وحرم الربا".
3- خطورة الذنوب وشؤمها, فهذا الذنب ألا وهو الربا فعلوه في أمريكا وفي مصارف غربية؛ وأثره شق الآفاق وتجاوز الحدود ليصيب دولا ومؤسسات وأفرادا وخرب بيوتا وجوع أفواها لا تعرف الفرق بين الدولار والدينار, وهي تبعد عن أولئك المرابين آلاف الكيلو مترات, ولهذا أمرنا الله بمفارقة بيئة الذنوب والابتعاد عنها وعن شؤمها.
4- فداحة ظلم الناس وقتل الأبرياء, فكم قتلت أمريكا وزمرتها من الغرب والشرق؛ كم قتلوا من بريء وكم انتهكوا من أعراض وكم استحلوا من دماء وكم حرموا من جوعى وفقراء ومعدمين لا يقوون على الكلام فكيف بالصراخ حرموهم من لقمة العيش بإقفال ومحاصرة الجمعيات الخيرية. وعندما رأيت "أمريكا" تأمر وتنهى ولم ينكر عليها أحد؛ تذكرت قوله تعالى: " الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)" فكانت النتيجة: " فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)" وتذكرت قوله عز وجل في الحديث القدسي: ( يقول الله اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري ) رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ( ضعيف ) وذكره الألبانى في ضعيف الترغيب والترهيب 1351.وقال: ضعيف.
5- بلاهة من انبهر بالرأسمالية وظن أنها ستقوم وتدوم وهي مخالفة لمنهج الله القوي العزيز, ونسي أنها قامت على نهب ثروات الأمم المسحوقة وسرقة مقدراتها.
6- على الدعاة والعلماء اهتبال هذه الأزمة واستغلالها في تبيين عظمة الإسلام وكشف زيف الرأسمالية وخطورة التبعية للغرب.
7- نهضة الأمة المسلمة تكون بضعف أعدائها, وقيام أبنائها بواجبهم نحوها, والنهضة قريبة بشكل لا يتصوره كثير منا, والسؤال هل ستساهم في هذه النهضة أم ستكون من المتفرجين؟
8- قوة الدعاء الهائلة وعظمة التوجه إلى الله,هل تذكرون منذ زمن ونحن ندعو جبار السماوات والأرض على أمريكا ونقول: اللهم دمر اقتصادها! آمين.

* كاتب إسلامي.
 



خبير أميركي لـ «الشرق الأوسط»: «وول ستريت» تتابع نجاح «أسلمة» الاستثمارات المصرفية وقدرة تأقلمها مع الأسواق المضطربة

علي خان: أزمة النظام المالي العالمية فرصة مواتية لتعضيد التمويل الإسلامي
الثلاثـاء 07 شـوال 1429 هـ 7 اكتوبر 2008 العدد 10906
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: مصرفية إسلامية
طارق محمد

«لنسمها عواقب عمليات الغزو الاميركية غير المسؤولة، أو الحماس غير العقلاني للبائعين على المكشوف، أو كارثة القروض مرتفعة المخاطر، أو سوء إدارة المنتجات الممولة بقروض، أو حمّل المسؤولية عنها كيفما تشاء، ولكن الأسواق الاميركية تواجه انهيارا غير مسبوق، والمتشائمون لا يرون أي بصيص أمل في حزمة الإنقاذ الاقتصادي الفيدرالية».. هكذا وصف أستاذ قانون في إحدى الجامعات الاميركية حال الأزمة التي تعانيها الأسواق الأميركية. وأكد البروفيسور علي خان، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة ووشبيرن في توبيكا بولاية كانساس الاميركية، في حوار مع «الشرق الأوسط» في أبو ظبي أن الفرصة مواتية لتعضيد التمويل الإسلامي، خاصة أن «وول ستريت» لاحظت أن الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، حققت نجاحا أكبر في الأسواق المضطربة، حيث نمت الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في الأسواق الغربية، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى أكثر من نصف تريليون دولار. وقال أستاذ القانون إن المستثمرين المسلمين لهم كل الحق في مطالبة المصرفيين الاستثماريين الغربيين بابتكار أنواع استثمارات ومنتجات استثمارية تتجنب مخاطرة الميسر والربا، مضيفاً أنه رغم تميز النموذج الإسلامي ببساطته، إلا أن الشركات الغربية مستغرقة في الربا بشدة لدرجة أنه يصعب علينا أن نجد شركة لا تتقاضى أو تدفع فائدة، داعيا المستثمرين المسلمين إلى الاستثمار في الشركات الغربية، التي تبذل جهدا صادقا من أجل تجنب الربا والمقامرة.

وأشار خان إلى أن خطة الإنقاذ الأميركية قد توفر علاجا مؤقتا، وهو في الأساس علاج نفسي، ومن الممكن أن يعزز ثقة المشترين المفقودة، في حين أن الإنقاذ الاقتصادي لن يؤتي ثماره، ما لم تكن الأصول المعنية ذات قيمة، مضيفا أن الخطة التي تروج لها إدارة بوش على أنها علاج سريع لكافة المشكلات لن تزيد سرطان الدين المغل للفائدة إلا سوءا. إلى نص الحوار: > ما الذي يجري في الأسواق المالية الأميركية؟ ومن المسؤول عما يحدث؟

ـ سمّها عواقب عمليات الغزو الاميركية غير المسؤولة، سمّها الحماس غير العقلاني للبائعين على المكشوف.. سمّها كارثة القروض مرتفعة المخاطر، سمّها سوء إدارة المنتجات الممولة بقروض.. حمّل المسؤولية عنها كيفما تشاء، ولكن الأسواق الاميركية تواجه انهيارا غير مسبوق، والمتشائمون لا يرون أي بصيص أمل في حزمة الإنقاذ الاقتصادي الفيدرالية.

الأسواق الاميركية تواجه حاليا حالة من اللايقين نتيجة الانخفاض في قيمة أصول تساوي مليارات الدولارات، ويوجد بائعون ولكن لا يوجد مشترون لهذه الأصول. ومعظم هذه الأصول عبارة عن أوراق مالية ناشئة عن الرهونات العقارية. فالمصرفيون الاستثماريون يراكمون العديد من الرهونات العقارية في سلة واحدة، ويحولون هذه السلة إلى أوراق مالية. ويتحدد سعر الورقة المالية بقسمة قيمة السلة على عدد الأسهم التي تتضمنها. لنقل مثلا إن القيمة الإجمالية للسلة هي 500 ألف دولار، فإذا تم إصدار 50 ألف سهم لبيع السلة بأكملها، فإن كل سهم سيتم تسعيره بمبلغ 10 دولارات، وسوف ترتفع قيمة الورقة المالية وتنخفض حسب قيمة السلة. فإذا ارتفعت قيمة الملكية العقارية، ارتفعت معها قيمة السهم، وبالمثل فإذا انخفضت قيمة السلة، فسوف يتأثر سعر السهم بالسلب.

ومن هنا بدأت أزمة السوق عندما تعرضت آلاف من الرهونات العقارية لفقدان قيمتها؛ نظرا لأن الرهونات العقارية المعنّية فشلت، اما لأن ملاك العقارات تخلفوا عن الإيفاء ولم يستطيعوا سداد الرهن العقاري، أو لأن قيمة العقار المرهون انخفضت انخفاضا حادا. في أي من الحالتين، انخفض سعر السهم في الأوراق المالية المستندة إلى الرهونات العقارية، حيث تعرضت هذه الأوراق لمشكلات كثيرة لدرجة أن المشترين رحلوا عن السوق. أما حملة هذه الأوراق المالية القائمة على الدين فقد تورطوا في خسائر فادحة؛ لأن سعر السهم انخفض ما بين 50 إلى 80 في المائة. ونظرا لأن حَمَلَة هذه الأوراق اقترضوا أيضا أموالا لشراء هذه الأوراق المالية، فهم صاروا مدينين بمبالغ طائلة للمقرضين. ويجد المقرضون أنفسهم في ورطة عندما لا يكون لدى المقترضين أموال لسداد القروض. علاوة على ذلك، يعرض المقرضون عن إقراض المزيد من الأموال؛ لأنهم يخشون من فقدان المزيد من المال. وبالتالي فإن الأسواق المالية تعاني من مجاعة ائتمانية. وستتطلب خطة الإنقاذ الاقتصادي الفيدرالية من الحكومة الاميركية شراء أوراق مالية قائمة على الدين، وبالتالي تدخل الحكومة السوق كمشتر للأصول التي لا يريد أي شخص آخر شراءها. ويراهن مؤيدو هذه الخطة على أنه ما إن تنتهي حالة الخوف هذه، سوف يعود المشترون إلى السوق بحيث يمكن للحكومة أن تبيع الأصول المسماة بـ«السامة» وتحقق ربحا لدافعي الضرائب.

> كيف ترى مستقبل التمويل الإسلامي في خضم هذا البحر من النكبات الاقتصادية، وماذا عن وجهة انظر الإسلامية فيما يتعلق بأزمات الأسواق الاميركية؟

ـ هذه فرصة ممتازة لتعضيد التمويل الإسلامي، فالأمر المثير للسخرية أن وول ستريت لاحظت أن الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ـ والتي تتجنب المخاطر القمارية والجشع المثقل بالديون ـ حققت نجاحا أكبر في هذه الأسواق المضطربة. ففي السنوات القليلة الماضية، نمت الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في الأسواق الغربية إلى أكثر من نصف تريليون دولار.

كما أن الإسلام يحرم نوعين من المخاطر، أولا يحرم المخاطرة القمارية والتي يطلق عليها اسم (الميسر)، وبناء على ذلك فإن أي استثمار يبدو في صورة لعبة من ألعاب الحظ هو حرام. فخيارات الأسهم المكشوفة، وخيارات الفائدة، والعقود الآجلة تنطوي على قدر كبير جدا من المقامرة ولا تجوز كاستثمارات إسلامية، رُغم الزعم بأنه تم تصميمها لتحويط الاستثمارات. فكثير من هذه المنتجات المالية يجتذب المضاربين على أمل تحقيق ربح سريع. وعندما يلجأ مديرو الصناديق الموثوق بهم ـ تحت الضغوط المؤسسية لإظهار الربح ـ إلى المخاطرة القمارية، تتحول استثمارات التحوط إلى استراتيجيات انتحارية للدمار المالي.

ونتيجة للطمع والسعي وراء الإثارة، افتقدت الاستثمارات المستقيمة في الشركات الضالعة في أنشطة مفيدة اجتماعيا جاذبيتها، بل وصارت مملة، نتيجة لمعدل عائدها الذي يفترض أنه منخفض، وهي في الأغلب نبوءة تحقق ذاتها. فهناك مليارات من الدولارات التي يتم الإلقاء بها في الشركات التي تعد بأرباح طائلة من دون أن تنتج شيئا. وفي حين أن الإسلام يبيح المخاطرة بالاستثمارات في المشروعات البحثية المفيدة اجتماعيا، إلا أنه يحرم الاستثمارات في الشركات التي تبيع الكحول أو التبغ أو المواد الإباحية أو الديْن أو الأسلحة، وهي المنتجات التي تدمر صحتنا وتودي بسلامتنا.

كما أن الإسلام يحرم الاستثمارات الخالية من المخاطر، إذ يتضمن الربا الاستثمارات الخالية من المخاطر والتي لا ينخرط فيها المقرض في تجارة، بل يريد تحقيق الربح من دون تعريض استثماراته لأية مخاطرة. وبين هذين الحدين ـ وهما الاستثمارات القمارية والاستثمارات الخالية من المخاطر ـ يطرح الإسلام فكرة التجارة، من شراء وبيع، حيث يمضي المسلمون في مشروعات حلال لإنتاج سلع وخدمات مفيدة للمجتمع. أما الاستثمارات في صناعات تنتج الكحوليات والمواد الإباحية والأسلحة فهي إما حرام أو مكروهة. وهذه الأسواق المباحة ليست خالية من المخاطر ولا عرضة لمخاطر غير مسؤولة. ورغم أن هذه الأسواق مبتكرة وأصلية، إلا أنها متشربة بقيم النزاهة والشفافية والأرباح المسؤولة، كما أنها خالية من الممارسات اللصوصية التي تفسد المعاملات بالجشع وتتسبب في خلق صعوبات أمام الفقراء وكبار السن والمبتدئين. وعلى ذلك، فإن المستثمرين المسلمين لهم كل الحق في مطالبة المصرفيين الاستثماريين الغربيين بابتكار أنواع استثمارات ومنتجات استثمارية تتجنب المخاطرة القمارية والربا. ورغم أن النموذج الإسلامي يتميز ببساطته، إلا أن الشركات الغربية مستغرقة في الربا بشدة، لدرجة أنه يصعب علينا أن نجد شركة لا تتقاضى أو تدفع فائدة. إذن فمن الناحية العملية يمكن للمستثمرين المسلمين الاستثمار في الشركات الغربية التي تبذل جهدا صادقا من أجل تجنب الربا والمقامرة.

> في رأيكم، كيف يمكن للولايات المتحدة أن تخرج من هذه الأزمات؟ وهل يقدم التمويل الإسلامي أي حل؟


ـ نعم.. أعتقد أن الإسلام لديه الكثير مما يقدمه للأسواق الاميركية في ظل جملة من المسببات. أولا سوف يؤدي الاستهلاك الأعمى في النهاية إلى فشل النظام. فأي افتتان دائم بالاستهلاك دائم التزايد تم تسويقه على أنه أساس ازدهار الرأسمالية. فالناس والشركات وحتى الحكومة جميعهم يقترضون المال من أجل الإنفاق والاستهلاك. وقد بلغت دورة الاستهلاك غير المسؤولة هذه حدودها. والإسلام يعلم المؤمنين الاعتدال في الاستهلاك، ويجب أن تحترم الأسواق الاميركية الاستهلاك المعتدل وتتوقف عن السعي وراء فكرة الاستهلاك غير المحدود بناء على الاستدانة، وهي فكرة فاسدة أخلاقيا. ومن ثم فإن الاستهلاك المبني على الاستدانة مرفوض في الإسلام؛ لأنه ينتهك اثنتين من قواعد الشريعة، وهما القاعدة التي تمنع الإفراط في الاستهلاك، والقاعدة التي تمنع الربا.

وعلى هذا يجب أن تعيد الأسواق الاميركية النظر في فكرة البيع على المكشوف، وهو نوع من أنواع الاستثمار يزدهر عندما تنهار الشركات وتغلق أبوابها ويفقد العاملون بها وظائفهم ويقضى على صناديق المعاشات نظرا لتراجع سهم الشركة. إن البائعين على المكشوف يحققون أرباحا عندما تنهار الشركات وتغلق أبوابها. فبقلب المنطق التقليدي للاستثمار رأسا على عقب، يتمنى البائعون على المكشوف أن تنهار الشركات، لا أن تزدهر؛ نظرا لأنهم يحققون أرباحا أكثر عند إفلاس هذه الشركات.

إن مثل هذه الاستثمارات التي تخدم المصالح الشخصية تتعارض مع المبدأ الإسلامي الذي يشجع الاستثمار في ازدهار الشركات لا في خرابها. ويوصف البيع على المكشوف بأنه قوة مفيدة تحقق التوازن، ولكنه يبدأ في نشر السلبية والسيكولوجية اللصوصية في السوق. وفي أوقات الشدة نجد أن البيع على المكشوف يزيد الوضع تفاقما. ولكن حتى في أوقات الرخاء، فإن البيع على المكشوف فكرة فاسدة أخلاقيا ترفضها الشريعة الإسلامية.

> هل تعتقد أن خطة إنقاذ النظام المالي الأميركي سوف تحل المشكلات التي تواجه الأسواق الاميركية؟

ـ ربما توفر حزمة الإنقاذ الاقتصادي الفيدرالية علاجا مؤقتا. وهو في الأساس علاج نفسي، ومن الممكن أن يعزز ثقة المشترين المفقودة. ولكن الإنقاذ الاقتصادي لن يفلح إلا إذا كانت الأصول المعنية ذات قيمة. فإذا أخذنا في اعتبارنا قيم العقارات المتضخمة بشدة، نجد أن معظم الرهونات العقارية عبارة عن قروض رديئة مبنية على تفكير في أن قيم العقارات سوف تستمر في الارتفاع. ومن غير المحتمل أن تزداد قيمة هذه العقارات، بل من الممكن أن تنخفض أكثر منذ ذلك، فتغرق الأموال التي تستخدمها الحكومة لشراء هذه الأصول. أو ربما تزداد قيمتها ولكن بدرجة قليلة، فتحتجز الأموال الفيدرالية في أصول عديمة الفعالية. ولا أظن أن الحكومة سوف تحقق ربحا، وعلى الأرجح أن الحكومة ودافعي الضرائب سوف يخسرون أموالهم. إن حزمة الإنقاذ الاقتصادي الفيدرالية التي تروج لها إدارة بوش على أنها علاج سريع لكافة المشكلات لن تزيد سرطان الديْن المغل للفائدة إلا سوءا. ومن غير المحتمل أن يؤدي ضخ المزيد من المال إلى إصلاح المؤسسات والشركات المبنية على طبقات من الدين المغل للفائدة. فعندما يستغرق الأفضل والأذكى في إيجاد طرق لكسب المال بالمال ولا شيء أكثر من ذلك، فإن النظام قد يبدو مبتكرا وذكيا، ولكنه يسير في اتجاه الدمار المشترك.
 


كتاب غربيون: الشريعة تنقذ اقتصاد العالم
محمد النوري


باريس- دعت كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا التي تنادي دولها بالعلمانية (فصل الدين عن الدولة) لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي كحل أوحد للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم.
ففي افتتاحية مجلة "تشالينجز"، كتب "بوفيس فانسون" رئيس تحريرها موضوعا بعنوان (البابا أو القرآن) أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية.

فقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرا إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية.

وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم من موقف الكنيسة ومستسمحا البابا بنديكيت السادس عشر قائلا: "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود".

وفي الإطار ذاته لكن بوضوح وجرأة أكثر طالب رولان لاسكين رئيس تحرير صحيفة "لوجورنال د فينانس" في افتتاحية هذا الأسبوع بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.

وعرض لاسكين في مقاله الذي جاء بعنوان: "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟"، المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية.

استجابة فرنسية


وفي استجابة -على ما يبدو لهذه النداءات، أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية -وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك- في وقت سابق قرارا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي واشتراط التقابض في أجل محدد بثلاثة أيام لا أكثر من إيرام العقد، وهو ما يتطابق مع أحكام الفقه الإسلامي.

كما أصدرت نفس الهيئة قرارا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في السوق المنظمة الفرنسية.

والصكوك الإسلامية هي عبارة عن سندات إسلامية مرتبطة بأصول ضامنة بطرق متنوعة تتلاءم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية.

البديل الإسلامي


ومنذ سنوات والشهادات تتوالى من عقلاء الغرب ورجالات الاقتصاد تنبه إلى خطورة الأوضاع التي يقود إليها النظام الرأسمالي الليبرالي على صعيد واسع، وضرورة البحث عن خيارات بديلة تصب في مجملها في خانة البديل الإسلامي.

ففي كتاب صدر مؤخرا للباحثة الإيطالية لووريتا نابليوني بعنوان "اقتصاد ابن آوى" أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي.

واعتبرت نابليوني أن "مسئولية الوضع الطارئ في الاقتصاد العالمي والذي نعيشه اليوم ناتج عن الفساد المستشري والمضاربات التي تتحكم بالسوق والتي أدت إلى مضاعفة الآثار الاقتصادية".

وأضافت أن "التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي الذي يشبه الاقتصاد الإسلامي بالإرهاب، ورأت نابليوني أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني".

وأوضحت أن "المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية، فمع انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولايات المتحدة فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدعا ويحتاج إلى حلول جذرية عميقة".

ومنذ عقدين من الزمن تطرق الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد "موريس آلي" إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة "الليبرالية المتوحشة" معتبرا أن الوضع على حافة بركان، ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة).

واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%. وهو ما يتطابق تماما مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي.

وأدت الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي إلى إفلاس عدد من البنوك كان آخرها بنك "واشنطن ميوتشوال" الذي يعد أحد أكبر مصارف التوفير والقروض في الولايات المتحدة.

وتأثر ميوتشوال -الذي يعتبر سادس مصرف في الولايات المتحدة من حيث الأصول- بالأزمة العقارية وتدهورت أسهمه في البورصة إلى الحد الأقصى.

ويعتبر هذا المصرف أحدث مؤسسة عملاقة في عالم المال الأمريكي تنهار بسبب الأزمة في أقل من أسبوعين بعد مصرفي الأعمال ليمان براذرز، وميريل لينش، إضافة إلى مجموعة التأمين إيه آي جي.
 


عدوى الأزمة المالية ..هجر الدولار يمنع الانتقال
سياسة الارتباط بالدولار في الخليج تحتاج إلى وقفة للوقاية من عدوى المرض الأمريكي ( وإحصائيات صندوق النقد تؤكد ) ..
د. أشرف محمد دوابه
 

يعيش العالم أزمة اقتصادية مصدرها النظام الرأسمالي النفعي، وفي ظل كون الأسواق المالية القطرية جزءا من الأسواق العالمية التي أصبحت كسوق قرية صغيرة بات من المؤكد أن تلك الأزمة لن يفلت من تأثيرها المباشر أو غير المباشر أحد، وإن كانت درجة التأثير تختلف وفقا لطبيعة الارتباط بذلك السوق، وسبل العلاج.
وسوق النقد جزء من أسواق المال، وفيه تتداول الأدوات المالية قصيرة الأجل وفي مقدمتها العملات، وهذا السوق أكثر عرضة للتأثر من غيره بالأزمة الاقتصادية العالمية، فالدولار الأمريكي من أهم العملات المتداولة فيه، ولكن الدولار الآن يعيش مرضا مزمنا من آثار الأزمة الاقتصادية، والتي بلا شك ستفقد أمريكا ولايتها الاقتصادية التي فرضتها -سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة- على الأنظمة الاقتصادية في غالبية دول العالم.
فمنذ اللحظة الأولى لتطبيق خطة الإنقاذ الأمريكية تهاوى الدولار في جولة من جولات التهاوي المتكررة والمستمرة بعد أن تعافى بعض الشيء، وقد كان هذا التعافي وليد ضخامة الطلب على السيولة الدولارية في أسواق النقد في الآونة الأخيرة، وما لبث أن تهاوى نتيجة استفحال الأزمة، وما ترتب عليها من خسائر فادحة للاقتصاد الأمريكي تصل في بعض التقديرات إلى تريليون دولار، وما نتج عن ذلك من زيادة معدلات البطالة الأمريكية بصورة فاقت التوقعات -حيث بلغت نسبة 6.2% وهو المعدل الأعلى منذ 9 سنوات- وانخفاض العجز المزمن المتنامي والمتوالي في الميزان التجاري الأمريكي منذ العام 2001 والمتوقع أن يبلغ 788 مليار دولار خلال هذا العام، وتنامي المديونية الأمريكية والتي من المتوقع أن تبلغ نحو 62.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام، فضلا عن الضغوط المتنامية على الموازنة العامة الأمريكية لعوامل سياسية، وعوامل عسكرية نتيجة مستنقع حرب أفغانستان والعراق المتوقع أن تصل تكلفتهما ما بين‏2.4‏ و‏4.5‏ تريليون دولار حتى عام‏2017.

النفط يدفع ثمن الارتباط
وفي ظل هذه المعطيات فإن السياسة النقدية التي تقوم على الارتباط بالدولارفي دول الخليج العربي -عدا الكويت التي فكت ارتباطها بالدولار- تحتاج إلى وقفة للوقاية من عدوى المرض الأمريكي وتفحله.
فإذا كانت هناك مبررات تم قبولها من قبل لعدم فك الارتباط الكاثوليكي بين العملات الخليجية والدولار باعتبار أن الولايات المتحدة من أهم الحلفاء التجاريين والسياسيين لدول الخليج، وأن تداول النفط الذي يمثل الجزء الأكبر من الصادرات الخليجية يتم بالدولار، وأن إيرادات ونفقات الحكومات الخليجية تقدر بالدولار، وأن الجانب الأكبر من الأصول العامة مقومة بالدولار وما يترتب على هذا التحول من خسائر اقتصادية كبيرة، فإن الواقع يفرض على الدول الخليجية أهمية الخروج من هذا الارتباط بطريقة إدارية هادئة، فقد ألقى تراجع الدولار واستمراره في ذلك بظلاله على الاقتصاد الخليجي، فانخفاض سعر صرف الدولار له تأثير مزدوج على اقتصاد الدول الخليجية المرتبطة بالدولار، نتيجة لهذا الارتباط من جهة، وبسبب تسعير النفط من جهة أخرى.
فانخفاض سعر الدولار يسهم بصورة أخرى في ارتفاع قيمة كل من اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني؛ وينتج عن ذلك زيادة في قيمة الواردات الخليجية التي تأتي غالبيتها من تلك الدول مما يسهم في ارتفاع معدلات التضخم المستورد، وهو جانب منظور خلال العامين الماضيين.
كما أن النفط يمثل الأولوية في صادرات دول الخليج، وليس لديها من المنتجات غير النفطية ما يمكن أن تستفيد منه عند انخفاض قيمة عملاتها من خلال زيادة الصادرات من تلك المنتجات غير النفطية، فضلا عن أن النفط باعتباره المصدر الأكبر للإيرادات قد شهد انخفاضا مع بدء تطبيق خطة الإنقاذ الأمريكية، وحتى بفرض استمراره في الارتفاع فإن انخفاض الدولار وارتباط حصيلة مبيعات النفط به يحول دون تحقيق مكاسب صافية من ارتفاع أسعار النفط، وقد كشف تقرير منظمة أوبك عن شهر يوليو 2007 أنه على الرغم من تسجيل أسعار النفط أسعارا قياسية في يونيو من العام 2007 فإنه عند احتساب معدلات التضخم والتغير في أسعار الصرف العالمي فإن أسعار النفط الحقيقية انخفضت مقارنة بأسعار 2006.

الدولار يدفع للهاوية
كما أن ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي قد أدى إلى تبني السلطات النقدية في الدول الخليجية المرتبطة بالدولار نفس مسار الدولار الأمريكي، ففي حالة انخفاض سعر الفائدة على الدولار يتم خفض الفائدة تلقائيا على العملات الخليجية، رغم اختلاف طبيعة البنيان الاقتصادي الخليجي عن الأمريكي، فالاقتصاد الخليجي لا تعاني جنباته من أزمة ولا يشكو من تباطؤ أو ركود، بل ينطلق نحو النمو بعكس الاقتصاد الأمريكي الذي يسير نحو الهاوية ويفقد هيمنته العالمية تدريجيا.
فهذا المنحى في السياسة النقدية إن كان يناسب الاقتصاد الأمريكي المتعثر فإنه لا يناسب الاقتصاد الخليجي، بل إنه يزيد من معدلات التضخم -نتيجة زيادة عرض النقود- الذي يعد أهم مشكلة تواجه الاقتصاد الخليجي، كما أنه يؤدي إلى انخفاض قيمة احتياطيات الدول الخليجية في مقابل العملات الأخرى، وهو ما يعني خسارة المليارات من العملات المحلية بسبب تراجع الدولار.
وتشير إحصائيات صندوق النقد الدولي في هذا الشأن إلى أن العملات الخليجية فقدت ما بين 20 و30 في المائة من قيمتها خلال السنوات الخمس الماضية بسبب الارتباط بالدولار.
إن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار بات محتما، فأسباب انخفاض سعر الدولار تتفاقم ولا تلوح في الأفق نهاية لها، فاحتلال العراق وأفغانستان يزيد من فاتورة الأمريكان، وأزمة الرهن العقاري تنتقل للأسواق العالمية كالنار في الهشيم، والخطة الأمريكية للعلاج لن تفعل الكثير في ظل تصدع النظام الرأسمالي الذي لا يهمه إلا نفسه، وأوشك بفعل هذه السياسة النفعية أن يقضي على نفسه!.
كما أن فك الارتباط ليس بدعا، فدولة الكويت رغم علاقاتها الإستراتيجية بالولايات المتحدة فكت ارتباط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي في 20 مايو 2007، واعتمدت تحديد سعر صرف الدينار الكويتي على أساس سلة من العملات العالمية الرئيسة على النحو الذي كان متبعا قبل الخامس من يناير 2005.

فرصة سانحة
إن استشراف المستقبل الخليجي يؤكد أهمية البدء في الوقت الحالي في الارتباط بسلة عملات بديلا عن الارتباط بالدولار مع القيام في الوقت نفسه بإعادة تقييم بسيطة لتعويض الخسارة الناجمة عن الانخفاض الحاد في قيم العملات المحلية، حتى خروج الوحدة النقدية بين دول الخليج إلى أرض الواقع كما هو مقرر لها بحلول عام 2010، والتي تقوم على تبني كافة دول المجلس -عدا عمان التي ارتأت عدم المشاركة- عملة موحدة مقابل العملات العالمية، وتبني سياسات نقدية ومصرفية موحدة، والاحتفاظ باحتياطيات من العملات الأجنبية يديرها بنك مركزي واحد، وتحقيق تقارب اقتصادي معقول.
إن الوضع الراهن الملبد بغيوم الأزمة الأمريكية يشكل فرصة سانحة للارتباط بسلة عملات في الأجل القصير، مع الاعتماد على هيكلة وتنويع الاقتصاد في الأجل الطويل.
فالعملات الخليجية في ظل هذا الوضع سوف تأخذ مكانتها وقيمتها العادلة والحقيقية، وتكون في منأى من التأثر المطلق بتقلبات أسعار صرف الدولار عالميا، وتعزز من قيمتها مقابل عدد كبير من العملات الدولية، ومن ثم خفض تكلفة الاستيراد من هذه الدول لاسيما دول الاتحاد الأوربي، فضلا عن تعديل قيم الصادرات النفطية المبيعة بالدولار وإيرادات الاستثمار الأجنبي لاسيما الأصول الخليجية الموظفة بالعملة الأمريكية، وتخفيض تكلفة السياحة، لاسيما أمام الدول الأوروبية المتعاملة باليورو.
أضف إلى ما سبق أن فك الارتباط يسهم في السيطرة على التضخم، خاصة في ظل ترشيد الإنفاق العام، والأهم من كل ذلك هو تجنب ويلات الأزمة العالمية، وغلق السبل أمام انتقال عدواها.

-------
أستاذ التمويل والاقتصاد المساعد، كلية المجتمع جامعة الشارقة الإمارات العربية المتحدة
 


الأزمة المالية.. من يدفع الفاتورة أمريكا أم العرب؟
أسامة نبيل

تسببت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة في سقوط مدوي للاقتصاد والبورصات العالمية، وتعرضت العديد من البنوك إلى الإفلاس ولعل أهمها كان بنك "ليمان براذر" رابع أغنى بنك في العالم والذي يعود إنشاءه لعدد من اليهود قبل أكثر من خمسة عقود، ووصل الأمر لحد إعلان صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو انكماش يمكن أن يُعرض أكبر اقتصاد في العالم إلى ضغوط خلال معظم عام 2009.
وبحسب خبراء تعود جذور تفاقم الأزمة المالية الحالية في أمريكا إلى سياسات تحرير الأنظمة البنكية وخفض معدلات الفائدة، والتي قام بها مجلس الاحتياطي الفيدرالي بقيادة رئيسه السابق ألان جرينسباد بعد تهاوي أسعار أسهم التقنية، وهو الأمر الذي شجع على انخفاض تكاليف الإقراض وساهم بشكل كبير في تكون أزمة العقارات في الولايات المتحدة والتي بدورها تفاقمت لتطيح بالاقتصاد الأمريكي ككل.
وقد حظيت هذه الأزمة باهتمام خاص في الدول العربية والإسلامية، فمنهم من اعتبرها حلقة أخرى من حلقات استخدام أمريكا لهيمنة الدولار وكونه عملة الاحتياط "بدلا من الذهب" من أجل أن يعيش الأمريكي في رفاهية على حساب العالم أجمع بلا استثناء، ومنهم من اعتبرها أزمة حقيقة تنبئ بسقوط مدوي للإمبراطورية الأمريكية، فيما رأى طرف ثالث أن التعاملات الربوية للبنوك والبورصات العالمية هي السبب الأساسي فيما حدث.

مؤامرة مدبرة


ويرى المؤمنون بنظرية المؤامرة أن سبب الأزمة يعود إلى عملية نصب كبيرة يخطط لها اللوبي الصهيوني والمحافظون المتشددون في واشنطن، ويقولون: إن الأموال التي سوف يتم بها شراء الشركات الخاسرة والأصول المتهالكة لن يتم أخذها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين ولا من صناديق المعاشات، إنما هي مدخرات عربية من الأموال البترولية. وتسعى الدول الاستعمارية وخاصة الولايات المتحدة، لافتعال أزمات اقتصادية دولية للسيطرة على ما تبقى من هذه الأموال في البنوك الأمريكية والأوروبية عن طريق تجميدها.
ويؤيد هذا الرأي الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب المصري، والذي عمل لفترة ليست بالقصيرة في الدبلوماسية المصرية وله باع طويل من العلاقات القوية والجيدة مع الإدارة الأمريكية، ويقول: إن أحداث 11 سبتمبر التي هزت العالم لم يدفع فاتورتها إلا العالم العربي والإسلامي، وهو ما يتكرر اليوم في سبتمبر 2008، ولكن في ظل أطر اقتصادية تنذر بوضع جديد وعالم مختلف.
ويضيف قائلاً: إن نظرية المؤامرة تلوح حول ما يحدث للاقتصاد الأمريكي، والهدف منها احتواء أموال العرب وابتلاع أرصدتهم وخلق مناخ جديد من الابتزاز الاقتصادي بعد الابتزاز السياسي، وتلك هي العقلية الغربية المتفوقة التي تحصد ما يزرعه غيرها، وتستولي على ما ليس من حقها، في ظل شعارات براقة وأفكار مستحدثة ورؤًى خادعة، لذلك -بحسب قوله- فإن الارتباط يبدو واضحًا بين أحداث سبتمبر 2001 وأحداث سبتمبر 2008.

انهيار أمريكي

ويختلف آخرون مع ما قاله الفقي من أن الأزمة حقيقية وأن أمريكا تعيش أحلك عصورها على الإطلاق وارتفاع مستويات البطالة لمعدل خطير، كما أن نظام التأمين الاجتماعي بات غير قادر على تغطية كل طلبات المساعدات المالية للمواطنين، هذا غير أنه بعد الإعصار الأخير الذي ضرب جنوب أمريكا ارتفعت أسعار "البنزين" وقل بصورة كبيرة جدًا، وبالطبع قلت حركة التسوق، وتفشى الركود على حركة البيع، وهي أمور كلها تدور في فلك واحد، ألا وهو انهيار محتمل لأمريكا قريبًا.
أصحاب هذا الرأي ينتقلون إلى التأثير السياسي للأزمة المالية الطاحنة ويقولون: إن العالم بدا وكأنه يتخلى عن واشنطن، فها هي فرنسا حليفة واشنطن، تعيد الاتصال بفنزويلا، عدوة أمريكا اللدود، وأيضًا أعلنت التشيك وقف العمل في الدرع الصاروخي، مما حدا بروسيا لأن تتحرك لتحصل على اتفاقيات جديدة بدول منطقة القوقاز، هذا غير المطامع الصينية في بترول الشرق الأوسط وارتفاع صادراتها لأوروبا والمنطقة العربية، كما بدأت كوريا الشمالية تسرع من خطاها لإعادة تشغيل مفاعلها النووي في مجمع يونج بيون، أما بالنسبة لإيران، فقد فشلت واشنطن في ردعها والضغط عليها لوقف تخصيب اليورانيوم من خلال فرض عقوبات جديدة عليها، حيث تعمدت روسيا إفشال اجتماع للدول الست الكبرى كانت واشنطن تسعى خلاله لإقرار عقوبات جديدة على طهران.. كل هذه أمور تجعل من الحديث عن حقيقة الأزمة أمرًا واقعيًّا، وأنها مجرد أيام ليشهد العالم سقوط الإمبراطورية الأمريكية.

الربا وانهيار البنوك

فريق ثالث يذهب بعيدًا عن التفسيرات الاقتصادية، ويُرجع الأمر إلى سبب ديني بحت، ألا وهو الربا الذي تتعامل به البنوك، ومن ثم البورصات العالمية، وأن الله تعهد بمحاربة المرابين في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ» [سورة البقرة]، ويعتبر هؤلاء أن التعاملات الاقتصادية بالربا لابد أن يكون لها حد نهائي وفاصل، وهو ما يحدث عندما دارت عجلة الرهن العقاري في أمريكا، وانتقلت إلى باقي التعاملات ومنها إلى خارج الولايات المتحدة لتلحق الأذى بكافة البورصات العالمية التي تهاوت لمستويات متدنية لم تحدث من قبل، مثلما حدث في الاثنين والثلاثاء "الأسودين" السادس والسابع من أكتوبر 2008.
وأشار هؤلاء إلى تصريح لإحدى خبيرات المال في أوروبا وهي سواتي تانيجا، المديرة في "مؤتمر منتدى التمويل الإسلامي"، والتي قالت: إن الأزمة المالية بأمريكا تعطي فرصة ذهبية للاقتصاد الإسلامي المنافي للتعاملات الربوية، وأشارت إلى أن المنتجات المالية الإسلامية تتجنب تمامًا أساليب المضاربات، وهو ما يبحث عنه المستثمرون في الفترة الحالية، خاصة بعد تراجع البورصات العالمية في أعقاب الأزمة الائتمانية الأخيرة، موضحة أن العاملين في القطاع المالي الإسلامي يسهمون في تأكيد الثقة بقوة واستدامة النموذج المالي الإسلامي، حتى أن البعض يلمح إلى أن المنتجات الإسلامية تعتبر ملاذًا آمنًا خلال الأوقات الصعبة التي تشهدها أسواق المال. كما رأى خبير أمريكي آخر هو البروفيسور علي خان، أن الفرصة مواتية لتعضيد التمويل الإسلامي، خاصة أن وول ستريت لاحظت أن الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية حققت نجاحًا أكبر في الأسواق المضطربة.
بين التفسيرات الثلاثة: هل هي "نظرية المؤامرة" أم أنها "أزمة حقيقية" أم يعود السبب لـ"التعاملات الربوية"؟.. لكن يبدو أن كل التفسيرات تصب في مجرى واحد، ألا وهو أن العالم العربي بات يحركه غيره، ولا يحرك هو ساكنًا، وبالتالي فلو كان ما يحدث فرصة ذهبية للاقتصاد الإسلامي، فهل سنستغله ويعود العالم مرة أخرى تحت إمرة المسلمين، أم أن الفرصة سيغتنمها غيرنا كالعادة ونظل فقط مساندين لهم؟.
 


الاقتصاد "المستمد من السماء" أمان من الأزمات
د. يوسف القاسم


شتان ما بين اقتصاد يستمد قوته من السماء, وبين اقتصاد يستمد قوته من طينة الأرض, والفرق بينهما كالفرق بين الأعمى والبصير, والظلمات والنور(هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). [الزمر:29]. ولهذا كان من الطبيعي أن يتعرض الاقتصاد البشري لهزات عنيفة, وضربات موجعة, تفقده السيطرة على نفسه, ليترنح في أسواقهم المالية, وشركاتهم ومؤسساتهم البنكية, ويغدو في صورة من يتخبطه الشيطان من المس(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا). [البقرة: 275], أما الاقتصاد السماوي فهو كشجرة طيبة, أصلها ثابت وفرعها في السماء, ولهذا سيبقى شامخاً أبد الدهر- ما دام لم يشوَّه بيد أبنائه- لأنه يرتكز على مبادئ وأصول تنأى به عن التعرض لهزات, وتجعله في مأمن من الوقوع في أزمات, ومن تلك المبادئ والأصول التي يرتكز عليها:
* أن الاقتصاد السماوي لا يعارض الفطرة البشرية, ولا يصادم الغريزة الإنسانية, وإنما يرسم على منوالها, وينسج على منهاجها, ولهذا نجد الإسلام قد سمح للمسلم بالتملك, واعتبره من الحقوق الطبيعية للفرد, في الوقت الذي نجد فيه النظام المالي الشيوعي حين حارب فطرة التملك في شعور الإنسان ووجدانه, ولم يسمح له بالتملك إلاّ في حدود ضيقة جداً, حينذاك وجدناه قد فشل فشلاً ذريعاً, وسقط في مدة وجيزة, وتتابعت- إثر ذلك- سقوط دوله الشيوعية واحدة بعد أخرى كلعبة الدومينو, كما يُقال!
* أن الاقتصاد السماوي جاء مراعياً لقيم العدل والإنصاف, دافعاً للظلم بكل أشكاله القديمة والمستجدة, ولهذا نجد النظام المالي في الإسلام يكرِّس العدل في كل معاملاته, ويحفظ حقوق الفرد والجماعة, وحقوق الأغنياء والفقراء على حد سواء, ومن هنا حرَّم الإسلام- مثلاً- كل ما يضر بالغير كالغش, وبيع المسلم على بيع أخيه, وبيع الغرر"مجهول العاقبة", وبيع ما لا يقدر على تسليمه, وبيع ما لا يملك, ومنع من كل ما فيه ابتزاز لأحد المتعاقدين, أو استغلال لظرف من ظروفه, ولهذا حرّم القرض بالفائدة, ومنع بيع المكره, والفضولي, وقيّد بيع الصغير...الخ. أما النظام الرأسمالي فإنه أبعد ما يكون عن تحقيق هذا المبدأ, وقد أنطق الله تعالى رئيس روسيا بكلمة حق حين قال: "لقد انتهى عصر الهيمنة الأمريكية على النظام المالي, نريد نظاماً مالياً أكثر عدلاً"، وهذا التصريح لم يجانف الحقيقة, ولم يجانب الواقع- وإن كان قد جاء من سياسي ينتمي إلى دولة تمثِّل نداً لأمريكا- فإنه لم يعد خافياً على أدنى متابع أن النظام الرأسمالي نظام غير عادل؛ لأنه يكرس الطبقية في المجتمع عبر تمكين الأغنياء من رقاب الفقراء, وعبر تمكين رجال الأعمال من جيوب البؤساء- فضلاً عن تكريس الطبقية بين الدول الغنية والفقيرة- كما أنه لم يعد خافياً على أحد أنه يحترم المال على حساب الآدمي, وهي معادلة مقلوبة على أم رأسها..! ولهذا يسمح هذا النظام الأقل عدلاً (الظالم) بإلقاء المنتجات الزراعية في المزابل؛ من أجل أن تحافظ شركاتهم الزراعية على قوى العرض والطلب, ولو تضوّر الفقراء جوعاً, ولو بحثوا عن كسرة الخبز في صناديق النفايات, بل ولو بحث عنها النساء الحسناوات من كد...! "أستغفر الله"!
* أن الاقتصاد السماوي يراعي المصلحة العامة, ويقدمها على المصلحة الخاصة عند التعارض, ويرتكب أدنى المفسدتين في سبيل دفع أعلاهما, ولهذا حرم الإسلام العديد من المعاملات التي تجر منفعةً للفرد إذا كانت تضر بالمجتمع, أو بالاقتصاد العام, ومن هنا جاء تحريم الخمر؛ لأنه وإن حقق ربحاً للبائع, فإنه يحقق مفاسد كبيرة للمجتمع بكل شرائحه, وحرَّم الربا, والقرض بالفائدة؛ لأنها تكرس الطبقية في المجتمع, وتشحن الجو المجتمعي بحب الذات والأنانية المفرطة, ومنع من بيع السندات؛ لأنه يسهم في تقنين الربا, وتعليبه في قوالب ورقية, وتوزيعه على أكبر قدر ممكن من أفراد المجتمع, ليتلطخ الجميع بأوضاره وأوساخه, وليتحول المجتمع بمؤسسته وشركاته وأفراده إلى مدينين, لبعضهم البعض! كما حصل في هذه الأزمة الأخيرة؛ إذ أصبح الجو الأمريكي مشحوناً بالدين, ولهذا توالى الإعسار بالدين, وتدحرجت كرة الثلج, وتوالت حوادث الإفلاس! وكذا منع الشارع الحكيم من الاحتكار؛ لأنه ينزع اللقمة من أفواه الناس, ويؤدي إلى رفع الأسعار على العامة, ومنع من بيع ما لا يملكه البائع, ومن المقامرة على فروق الأسعار في سوق المال بأرقام خيالية لا تعبر عن حقيقة واقع الشركة, لتجنيب السوق من عمليات وهمية...الخ, وكذا منع من تلقي الركبان؛ لأنه يضر بالسوق, حيث يؤدي إلى التحكم في العرض, ما يؤثر سلباً في الأسعار, وارتفاعها, كما يمثِّله في عصرنا الحاضر وكلاء الامتياز...الخ- مع بعض الفروق التي هي محل نظر- وهذا بخلاف النظام المالي الرأسمالي الذي يوسع من هامش حرية الفرد على حساب المجتمع، وإن منع بعض الصور التي منعها الإسلام كبعض صور الاحتكار مثلاً, لكنه يغض الطرف عن كثير من المعاملات الأخرى التي تلحق الضرر بالعامة كالبيع على المكشوف, وبيع السندات, والأقساط الشهرية المعلقة على الفائدة البنكية المتغيرة- مما زاد الديون ضغثاً على إبالة- فأضرت باقتصاد البلد ككل, وجعلت الرئيس الأمريكي يطل على شعبه ويقول محذراً, ومتوسلاً للكونجرس الأمريكي: "اقتصادنا في خطر!!" وهذا أمر طبعي؛ لأن التشريع إذا كان من الخلق, فإنه سيقع حتماً في التناقض والاختلاف(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً). [النساء: 82].
* أن الاقتصاد السماوي قد جعل من أصوله العامة حل المعاملات, ولم يحرم منها إلاّ ما استثني, وبالتالي فهو وسّع من هامش الحلال, ولكنه في الوقت ذاته حرَّم بعض المعاملات التي فيها ربا, أو ضرر, أو غرر, أو تغرير..., وعليه فإنه لا يوجد في الإسلام "سوق حرة", وهذا بخلاف النظام الرأسمالي الذي فتح السوق على مصراعيها, ورفع شعار "السوق الحرة" وهاهم اليوم يعيشون أزمة خانقة بسبب هذه النظرية البائسة! ويطالبون علناً بضرورة إعادة صياغة نظامهم المالي؛ ليكون أكثر أمناً وعدلاً!
* أن الاقتصاد الإسلامي يرتكز على "الاقتصاد المنظم" لا "الحر", ولهذا نجد الشارع الحكيم قد وضع شروطاً للبيع, وأخرى للسلم, والإجارة, والرهن, والحوالة, وضوابط للشركة...الخ, وهذه الشروط والضوابط لم توضع من أجل تقييد حرية المتعاقدين, وإنما وُضعت لتحقيق مصلحة الطرفين, والنأي بهما عن الوقوع في إشكالات تضرّ بهم في الحال أو في المآل, واليوم -ومع وقوع الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا- أصبحنا نسمع من ضفتي المحيط الأطلسي مَن يطالب بتحويل "الاقتصاد الحر" إلى "اقتصاد منظم"- كما أشرت إليه سلفاً- حتى تنأى بلادهم المتحضرة عن مثل هذه الأزمة المالية, والتي أضرت بالشركات والبنوك فحوّلتها إلى جدران صامتة خاوية من النقود, وأضرّت بآلاف موظفي تلك الشركات والبنوك المنهارة فحولتهم إلى عاطلين, وأضرّت بمودعي الودائع البنكية فأدخلت في نفوسهم الهلع خوفاً من تبخر أرصدتهم في البنوك المنهارة, وأضرّت بالاقتصاد العام للبلد فمهدت له طريق الكساد أو الركود! ومهما حاولوا إعادة هيكلة "اقتصادهم الحر" ليكون "اقتصاداً منظماً" فإنه لن يكون أبداً بمستوى "الاقتصاد المنظم من عند الخالق عز وجل"(أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ). [النحل:17].
وأخيراً, فإن اقتصاداً يحترم الفطرة البشرية, ويراعي العدالة الاجتماعية, ويحقق المصلحة الخاصة والعامة, ويدرأ المفسدة الراجحة, ويوسع من هامش الحلال, ويضيق من دائرة الحرام, ويرتكز على سوق مالي منظم من عند خالق البشر.
إن اقتصاداً بهذه المقومات والمبادئ, لهو جديرٌ بأن يحقق الخير والرفاه للفرد والمجتمع, وحقيقٌ أيضاً بأن ينأى بأفراده وبشركاته وبنوكه عن الأزمات, وذلك متى التزم أفراد المجتمع, وشركاته, وبنوكه, ومصارفه, تعاليم الخالق الحكيم العليم(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). [الملك:14], أما إن تنكبوا الطريق, وضلّوا السبيل, واستدبروا تعاليم الخالق سبحانه, واستقبلوا شطر الذين صنعوا الطائرة والبارجة والدبابة وعجزوا عن خلق الناموسة والنملة والذبابة, فسيتسلل إليهم ما تسلل إلى غيرهم.
(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
 



اقتصاد إسلامي في مواجهة الأزمة المالية!
علي الشهابي


نشرت «الحياة» في 4/10/2008 مقالة للسيد عيد بن مسعود الجهني، رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية، بعنوان «تجاعيد على وجه الرأسمالية» يتحدث فيها عن الكساد الاقتصادي الرأسمالي الراهن، الذي بدأ كأزمة مالية في الولايات المتحدة. ويرى أن هذا الكساد لن يقتصر على الولايات المتحدة، بل سيشمل اقتصادات العالم برمته بنسب مختلفة. وسيطال، أكثر ما يطال، تلك الدول المرتبطة عملاتها بالدولار، بما فيها الاقتصادات العربية، وفي مقدمتها اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي التي تستثمر أرقاماً فلكية في الاقتصاد الأميركي. ويستغرب كيف أن البنوك العربية، باستثناء البنك المركزي في الإمارات العربية المتحدة الذي ضخّ 50 مليار درهم، لا تحرك ساكناً للتصدي لآثار هذه الأزمة، إلاّ مجرد التأكيد على أن الدول العربية بمنأى عن هذه الأزمة، وعلى أن ارتباط عملاتها بالدولار مستمر.
إذاً بعد سقوط الاقتصاد الشيوعي في نهاية الثمانينات، والترنح الحالي لاقتصاد السوق الرأسمالي الذي ينذر أيضاً بسقوطه، يسأل الأستاذ الجهني: لماذا تستسلم الدول العربية وتسلّم قيادة اقتصادها لدول أخرى؟ ولماذا لا تتبنى الدول العربية والإسلامية نظرية اقتصادية إسلامية تجعلها في مأمن من التأثير السالب لتلك الاقتصادات المتهاوية، وقد أثبت الإسلام في كل العصور أن نظريته الاقتصادية هي أعدل النظريات وأقدرها على الثبات أمام التغيرات العاتية، وكل ما نحتاج إليه سلامة وعدالة التطبيق!
لا شك في أن السيد الجهني محق في انتقاده لامبالاة العرب، وخصوصاً بلدان مجلس التعاون الخليجي، في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية. فطالما أن هذه الأزمة تؤثر عليهم مباشرة، وخصوصاً على استثماراتهم المباشرة في الولايات المتحدة، فيجب عليهم التحرك كي لا تظل هذه الاستثمارات في مهب الريح. وبديهي أن المخول باجتراح الحلول هم الأكاديميون وخبراء المال والمستثمرون االخليجيون الذين يشغّلون هذه الأموال، أو يشرفون على تشغيلها عن كثب، والذين يعتبر السيد الجهني واحداً منهم طالما أنه «رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية».
والحلول، بحكم طبيعتها كحلول، ينبغي أن تكون مفهومة حتى تكون قابلة للتطبيق العملي. فمثلاُ يمكن لمن يريد أن يقدّم حلاً أن يقول: إن الأزمة المالية الراهنة التي بدأت في الولايات المتحدة ستنعكس في كل البلدان الصناعية المتطورة على شكل ركود اقتصادي مديد، وقد بدأت نذر هذا الركود تلوح في الأفق. صحيح أن هذا الركود قد يتردد صداه لاحقاً في كوريا الجنوبية والصين وباقي بلدان جنوب شرق آسيا، كما يرى مدير صندوق النقد الدولي في رسالته إلى صحيفة «الحياة»، في 23 أيلول (سبتمبر) الماضي. لكن هذه النذر لمّا تلح في هذه البلدان. وبالتالي يمكن للاستثمارات الخليجية القابلة للتحويل أن تتحمل بعض الخسائر، التي ما زالت طفيفة، وتنتقل إلى هذه البلدان بانتظار ما يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة.
ويمكنه أيضاً مطالبة بلدان مجلس التعاون الخليجي بفك ارتباط عملاتها بالدولار، طالما أنه لا يمكن الاعتماد عليه لا على المدى المنظور ولا المتوسط، وخصوصاً أنها سائرة على طريق توحيد عملاتها. وإن شاء، يمكنه الإشارة إلى أن هاتين الخطوتين، اللتين تشدان الاقتصاد الأميركي المتعثر إلى الوراء، قد لا يجرؤ المعنيون على الإقدام عليهما، وخصوصاً فك ارتباط العملة بالدولار. لذا على الخليجيين الضغط على حكوماتهم للقيام بها.
لهذه الحلول، بصرف النظر عن مدى صحتها، لغة واضحة يمكن النقاش فيها وحولها اتفاقاً أو اختلافاً. وبالتالي تمتاز بأنها لا تسمح لاثنين بتفسيرها كلٍ على هواه، طالما أنها ليست «حمّالة أوجه». وبنفس الوضوح تقريباً هناك مفاهيم مثل «اقتصاد السوق، الاقتصاد المركزي المخطط الذي سمي «إشتراكياً»، وملكية الدولة لوسائل الإنتاج». هذه المفاهيم، عندنا بها معرفة مباشرة وملموسة حتى أنه قلما يختلف ببعض تفاصيلها مهتمان بالاقتصاد. وعندما نسمع الحكومات الأوروبية الأربع، التي اجتمعت في باريس في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، تعلن أنها «ستحاول تغيير قواعد الرأسمالية المالية»، تتشكل عندنا فكرة مبهمة عن مضمون الإطار العام لما قد تفعله هذه الحكومات طالما أننا نعرف أن رأس المال المالي، الذي نتج عن اجتماع رأس المال الصناعي ورأس المال التجاري، في الوقت الذي شرع يمولهما أخذ يستقل عنهما شيئاً فشيئاً، ووصل إلى آلية في العمل مستقلة تماماً حتى صار يمول رأس المال الائتماني ويتمول منه. باختصار، إن رأس المال المالي هذا، صارت له آلية عمل ستحاول الحكومات الأوروبية تغييرها... وسنرى كيف.
هذه هي الفكرة المبهمة التي تتشكل عندنا لدى سماعنا التصريح المذكور. لكن هذه الفكرة، بالغموض الشديد الذي يكتنفها، أشد وضوحاً من «النظرية الاقتصادية الإسلامية» التي يتكلم عنها السيد الجهني، والتي يرى أن تبنيها يحل المشكلة الاقتصادية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. لذا، إن كان عنده مفهوم واضح لهذه النظرية الحديثة، فإنني أدعوه لعرضها لنا مشكوراً عسى أن نقتنع بها معه لنباشر العمل على تطبيقها. أما إن لم يكن عنده هذا المفهوم، واكتفى بالاستشهاد بما قاله فلان وفلان و/أو بالقول «لننظر كيف عاش المسلمون في القرن كذا» فهنا الطامة الكبرى. فأوباما مثلاُ يأخذ على بوش أنه يريد خوض الصراع في القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن العشرين، مما يعني أن تفكير بوش بات بالياً مع أنه لم ينقض على ذاك القرن إلا سبعة أعوام. وبالتالي أتمنى ألاّ يريدنا السيد الجهني أن نحل المشكلات الاقتصادية لعصرنا بعقلية القرن كذا.
 


حقيقة الأزمة المالية العالمية
د. عبد الحميد الغزالي


لا شك أننا نعيش الآن بوادر أزمة مالية عالمية، والتي بدأت بشكل حاد في التجربة الأمريكية، ثم بصورة أقل حدةً في التجارب الأوروبية المرتبطة بها، ثم التجربة اليابانية وتجارب دول جنوب شرق آسيا، ثم الصين وروسيا، وأخيرًا بقية دول العالم، وهي الدول النامية.
ولكي نتفهَّم حقيقة هذه الأزمة ومدى خطورتها، يتعين أن نتعرف على بعض الحقائق الأساسية المرتبطة بها، وهي:

أولاً: يقوم النظام الرأسمالي على مبدأ الحرية الاقتصادية، والدولة الحارسة، أي التي تقوم أساسًا بالخدمات العامة الرئيسة، وهي: الدفاع والأمن والقضاء، ولا تتدخل بصورةٍ مباشرة في النشاط الاقتصادي.
أما ما يحدث الآن فهو تدخل شديد الوضوح؛ ليس من السلطات النقدية- أي البنوك المركزية- وإنما من رأس الأنظمة الرأسمالية ووزارات ماليتها أو خزانتها.
والدليل على ذلك أن خطة الإنقاذ الأمريكية سُمِّيت باسم وزير الخزانة الأمريكي، وهي خطة "بولسون".

ولذلك وقَّع أكثر من 50 اقتصاديًّا أكاديميًّا أمريكيًّا على وثيقة ترفض هذا التدخل، وترفض هذه الخطة على أساس أن النظام الرأسمالي من وجهة نظرهم لديه المقومات التي تُصحح مساره بدون تدخلٍ حكومي.

ثانيًا: أن بنك الاتحاد الفدرالي- أي البنك المركزي الأمريكي- لم يقم بدوره كبنك مركزي في مراقبة جادة للنظام المصرفي، واكتفى باستخدام سعر الفائدة كأداةٍ لإدارة النشاط الاقتصادي بعامة، وهذا الجهاز بخاصة.
بينما نجد أن كثيرًا من وحدات هذا الجهاز أخذت تعمل خارج الطريقة النظامية؛ أي ما يُسمَّى بالنشاط خارج الميزانية، أي بعيدًا عن ميدان الرقابة.
وهذا النشاط الخارجي يعادل 6/7 من مجمل النشاط المصرفي الأمريكي، أي إن 1/7 فقط من هذا النشاط هو الذي يراقبه البنك المركزي، بينما بقية النشاط خارج نظام الرقابة، ويُقدَّر هذا النشاط بـ600 تريليون دولار، ولعل هذا هو مكمن الأزمة الحالية.

ثالثًا: إدارة النظام المصرفي بصفةٍ عامة تتلخَّص في كفاءة إدارة- أي تنفيذ- السياسات المصرفية، وهي: إدارة السيولة والربحية، وإدارة مخاطر الائتمان، وإدارة كفاية رأس المال.
ونجد أن السبب الرئيس للأزمة الحالية يتمثَّل في أن وحدات الجهاز المصرفي الأمريكي ثم الأوروبي ثم بقية الأجهزة في العالم لم تتقيَّد بهذه السياسات بشكلٍ كافٍّ، أو بالمرة.
ذلك لأنها ركَّزت على الربح السريع الضخم عن طريق الإقراض غير المسئول وغير المنضبط بالقواعد المصرفية المعروفة، خاصةً في قطاع العقارات، أي التمويل العقاري.
ومن ثم أهملت في الوقت ذاته- ولا أقول أهدرت- اعتبار السيولة أو الثقة، ولم تقم بإدارة رشيدة لمخاطر الائتمان أو كفاية رأس المال.
هذا بجانب أن الربح السريع والضخم صاحبه فسادٌ في قمة إدارة هذه المؤسسات؛ فمثلاً بلغت مرتبات ومخصصات الرئيس التنفيذي لبنك "ليمان براذرز" 486 مليون دولار في العام الماضي (2007م).

رابعًا: أن خطة الإنقاذ وما سبقها من محاولات إنقاذ وحدات مصرفية، مثل شركة التأمين العالمية الأمريكية، وصلت إلى ما يقرب من تريليونَي دولار، وتحديدًا 1.8 تريليون دولار؛ منها بالطبع 700 بليون دولار كخطة إنقاذ مباشرة.. هذا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
هذه الخطة في الواقع لا تعالج الجذور ومسببات الأزمة، وإنما تعالج مظاهر الأزمة، وبالتالي لم ولن تُحدث الأثر المطلوب على الأقل في فترةٍ وجيزة.
ونعني بالجذور دراسةَ قواعد عمل الوحدات المصرفية في الجهاز الأمريكي، وأيضًا دراسة أدوات الرقابة على هذه الوحدات، وقبل ذلك وبعده محاسبة المسئولين عن هذا الانهيار.
ثم بعد ذلك العودة- إن أمكن قبل الانهيار الكبير الذي قد يحدث- إلى سياسات مصرفية منضبطة حول السيولة والعائد، وإدارة مخاطر الائتمان، وكفاية رأس المال.
ونحن هنا لا نتكلم عن "بازل 1 أو بازل 2"، وإنما نتكلم عن بازل جديد تمامًا، وليكن بازل 100، أو حتى سويسرا 100، أي ترتيبات جديدة تضمن إدارة جيدة للجهاز المصرفي في أية دولة.
ولعل القمة الأوروبية المُصغَّرة التي عُقدت 4/10/2008م بباريس، والتي نادت بعقد مؤتمر دولي عاجل لوضع أسس مجابهة هذه الأزمة، يشير إلى هذا الاتجاه الذي ذكرناه حالاً.

خامسًا: إذًا هناك بوادر انهيار؛ حيث إن الثقة- وهي أساس التعامل في مجال المال- تكاد تكون مفقودةً الآن في الاقتصاد الأمريكي عمومًا، وفي سوق المال بصفة خاصة (وول ستريت)؛ بدليل انخفاض مؤشر (داو جونز) بعد إقرار خطة الإنقاذ من ناحية، وارتفاع مؤشرات الركود من ناحية أخرى؛ حيث سجَّل شهر سبتمبر فقط فقدان 160 ألف فرصة عمل بالاقتصاد الأمريكي.

سادسًا: وصل النظام المصرفي الأمريكي إلى حالة التجمد الائتماني؛ فلا يوجد إقراض يُذكر لقطاع الأعمال أو المستهلكين، ومن ثَمَّ توجد حالة شلل يكاد يكون كاملاً في التيارات النقدية التي هي بمثابة الدم في جسد الإنسان بالنسبة للاقتصاد، خاصةً إذا أضفنا إليها إحجام المستهلك عن الإنفاق تخوفًا من المستقبل، وهذا هو بداية الانهيار الكبير؛ ليس في سوق المال فقط، وإنما في أساسيات الاقتصاد.

سابعًا: النظام الرأسمالي لا شك- كما أكدنا في بداية هذا المقال- قد دخل جو الأزمة؛ ليس في الاقتصاد الأمريكي فقط، وإنما من خلال التشابك بين دوله؛ في الاقتصاد الأوروبي والياباني واقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، وأخيرًا الدول النامية.
وعملية الخروج من هذه الأزمة بمجابهتها بإجراءاتٍ جادة لن تحتاج إلى شهور، وإنما قد تستغرق عددًا من السنوات.

ثامنًا: فقَد الاقتصاد الأمريكي في يومَي الإثنين والثلاثاء- أي 29-30/9 فقط في (وول ستريت)- تريليون دولار في صورة هبوط في قيمة الأوراق المالية المتداوَلة.
وعمليات الإنقاذ في التجربة الأمريكية والعالم تجاوزت حتى الآن رقمًا غير مسبوق، وهو 3 تريليونات دولار؛ اثنان منها في التجربة الأمريكية كما سبق أن ذكرنا.
تاسعًا: النظام الرأسمالي الآن يعد استمراره محل جدل كبير، بل شك أكبر، لدرجة أن أحد الاقتصاديين الغربيين قال: "يتعين أن نُطلق على الولايات المتحدة الأمريكية (الولايات المتحدة الأمريكية الاشتراكية)؛ بسبب التدخل الحكومي الذي جاء في الواقع متأخرًا للغاية، وبسبب شلل الأجهزة الرقابة العادية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي؛ أي البنك المركزي الأمريكي".

عاشرًا: ما العلاج؟:

يمكن أن نجيب عن هذا التساؤل الصعب بالخطوات التالية:
1- وقف المضاربات؛ أي المقامرات، وبالذات التعامل في المشتقات، وهي: الخيارات والمستقبليات والتحوطات لتغيرات سعر الفائدة.
2- محاسبة المسئولين عن الجهاز المصرفي بعامة والوحدات التي انهارت بخاصة.
3- تشديد رقابة السلطات النقدية؛ وعلى رأسها البنك المركزي، في ممارسة العمل المصرفي بعامة وضخ الائتمان بخاصة.
4- اعتماد السياسات المصرفية بحزم وصرامة، خاصةً فيما يتصل بإدارة السيولة والربحية وبإدارة مخاطرة الائتمان وبإدارة كفاية رأس المال.
5- الاستمرار في ضخ سيولة في شرايين الاقتصاد؛ حتى لا تنهار أساسيات القاعدة الإنتاجية، وندخل في كساد عالمي عظيم.
6- أخيرًا وليس آخرًا.. التفكير الجاد من قِبل المُنظِّرين الغربيين ومتخذي القرار في الغرب في دراسة تطبيق النظام الإسلامي البعيد عن سعر الفائدة الربوية، والقائم على معدل الربح كأداة لإدارة النشاط الاقتصادي المعاصر، والذي يستند- أي هذا النظام- على استثمار حقيقي لتوسيع القاعدة الإنتاجية، وليس على أساس استثمار مالي قوامه المضاربات؛ أي المقامرات والمغامرات والاستغلال والفساد.
 



قراءة مغايرة للانهيار الاقتصادي الأمريكي
سمير العركي


"الموت أو الهلاك" هذه هي الصيحة التي أطلقها محافظ البنك المركزي الأمريكي معبرًا عن عمق الأزمة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي قاطرة الاقتصاد العالمي .. وتركته مترنحًا بالكاد يقف على قدميه بعد أن كان جامحًا جشعًا لا يلوى على شيء ...
بداية الأزمة الجديدة كانت في "وول ستريت" مع إعلان مؤسسة مالية عملاقة هي "ليمان براذرز" عن إفلاسها الوقائي، وهذه كانت بداية رمزية خطرة، لأن هذه المؤسسة العريقة كانت من الشركات القليلة التي نجت من مذبحة الكساد الكبير في عام 1929، وتعتبر من أقدم المؤسسات المالية الأمريكية، التي تأسست في القرن التاسع عشر..
وهو ما حذر منه الاقتصادي ألن غرسيبان، رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي السابق، عندما قال : إن مؤسسات مالية كُـبرى جديدة ستسير على درب "ليمان براذرز".
لكن ما أسباب هذه الأزمة؟ وهل هي عابرة سببها اضطراب سوق العقار؟ أو انفصال الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي؟ أو انخفاض ثم ارتفاع أسعار الفائدة؟ أو "مجرّد حركة تصحيحية في الأسواق المالية" كما قال الرئيس الأمريكي بوش قبل يومين؟ أم أنها معضلة بنيوية (كما ترى "فاينانشال تايمز" الرأسمالية) سببها الأعمق العولمة النيو ـ ليبرالية المُنفلتة من عقالها والفجوة التي لا تنفك تتوسّع في داخل الدول بين الفقراء والأغنياء، والتضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة؟

أنصار الرأسمالية الليبرالية يعتقدون جازمين ـ في محاولة منهم لتخفيف وقع الصدمة ـ بأنها أزمة عابرة ويتساءلون: ألَـم يشهد النظام الرأسمالي مرات عديدة طيلة المائتي سنة الماضية من عمره، سلسلة أزمات دورية كان يخرج منها دومًا، ليس فقط سالمًا، بل أقوى؟ أليست الأزمات تعبيرًا عن السرّ الكبير الذي يمنح النظام الرأسمالي طاقته الهائلة على التجدّد والانبعاث من جديد .
كل هذا قد يكون صحيحًا، لكن الصحيح أيضًا أن الأزمة الرّاهنة قد لا تشبه تمامًا الأزمات السابقة. كيف؟ فمنذ سبعينات القرن العشرين بدأت مرحلة انتقالية ضخمة انتقلت بموجبه المراكز التصنيعية من الدول الرأسمالية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة إلى مراكز جديدة فى الصين والهند وشرق آسيا .. وتفرغت تلك المراكز الرأسمالية للمضاربات المالية ..
وهو ما جعل البعض يعزى أسباب الأزمة الحالية إلى جذور أخلاقية متمثلة فى انتشار المضاربات والتي باتت أشبه شيء بطاولات القمار .. فليندن لاروش ـ وهو أحد كبار المفكرين السياسيين والاقتصاديين الأمريكيين ـ يرى أن المجتمع الأمريكي تحول من مجتمع منتج إلى مجتمع "استهلاكي" طفيلي .. وكان قد حذر فى مؤتمر فى الفاتيكان عام 1995 من ارتفاع حجم المضاربات المالية، وكمية النقد المتداول في النظام المالي العالمي ، دون أن يرافقه أي نمو في الإنتاج المادي الفعلي للاقتصاد ..
ويجب علينا ألا ننسى أن معظم اقتصاد العالم اليوم بات مركزًا في يدي حفنة قليلة من البشر ؛ فقد أشارت أحد الدراسات أن هناك الآن خمس شركات عملاقة تُسيطر على 50 % من الأسواق العالمية في مجالات صناعات الفضاء والمكونات الإلكترونية والسيارات والطائرات المدنية والفولاذ والإلكترونيات.

ـ وهناك خمس شركات أخرى تسيطر على 70 % من السلع الاستهلاكية ذات الديمومة.
ـ وثمة خمس شركات غيرها تهيمن على 40 % من النفط والعقول الإلكترونية الخاصة والإعلام، و51 % من أكبر الاقتصاديات في العالم اليوم هي شركات لا دُول.
ـ مبيعات 200 شركة، تمثّل 28.3 % من الإنتاج الخام العالمي .
أرقام مخيفة .. تعني ببساطة أن السوق العالمي الموحّـد ومعه القرية العالمية وحتى مفهوم الحضارة العالمية الواحدة، سيكون عمّـا قريب "مِـلكية خاصة" لحفنة من البشر قد لا يتجاوز عددهم عدد مجالس الإدارة في واحدة من الشركات الخمس المذكورة أعلاه.
ولكن .. خلف كل هذه الأسباب المتقدمة تكمن أسباب خفية هي أقوى من كل ما تقدم نجملها فى الآتي :
• أولاً : النظام الربوي الذي يقوم عليه اقتصاد اليوم ، والذي يمثل عدوانًا صارخًا على مفهوم الإنسانية وما يتفرع منها من قيم التسامح والتكافل .. فهذا النظام محكوم بالفشل حتى وإن حقق نجاحات جزئية وقتية ، لأن الله تعالى تكفل بإفشاله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [٢٧٨] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [٢٧٩]} [البقرة] ؛ والمجتمعات الرأسمالية بيان واضح للظلم الناشئ من النظام الربوي السائد .. وأوضح مثال على ذلك تعثرات السداد فى مجال القروض العقارية فى أمريكا ، وتلك التعثرات جاءت نتيجة زيادة الأعباء المالية على المقترضين مما دفعهم إلى التوقف عن السداد .. ناهيك عن المثالب العديدة التي يحتويها النظام الربوي ..
• ثانيًا : حروب الولايات المتحدة فى العراق ومن قبلها أفغانستان .. وهو الأمر الذي توقعناه تمامًا منذ أن بدأت الولايات المتحدة توسعها الإمبراطوري على حساب الدول الإسلامية .. فالتوسع يقابله استنزاف للموارد والإمكانيات .. ولم تترك المقاومة العراقية الفرصة لبوش وإدارته لالتقاط الأنفاس وتعويض مصاريف الغزو من نفط العراق وخيراته .. وهو الأمر الذي تسبب في إرهاق الخزانة الأمريكية .. فحرب العراق تستنزف مليارات الدولارات شهريًا، وقد وصلت تكلفتها خلال العام 2008 إلى نحو 12 مليار دولار شهريًا، وذلك بحسب الخبير الاقتصادي الأمريكي البارز "جوزيف ستيجليتز". وانتهت دراسة أعدها "جوزيف ستيجليتز"، الحائز على جائزة نوبل، إلى أن تكلفة الحرب في العراق يمكن أن تُقدر بـ 3 تريليون دولار على الأقل !!
• ثالثاً : الحرب الضروس التي شنتها الولايات المتحدة على المؤسسات الخيرية الإسلامية مما تسبب فى إغلاق العديد منها وتوقف أعمالها الخيرية مما أدى إلى حرمان الآلاف من الجائعين والمحتاجين من الطعام والكساء .. فكان أن ضربها الله فى اقتصادها {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [الأنفال].
وبعد فإن أهم آثار الانهيار الاقتصادي الأمريكي هو دخول الولايات المتحدة مرحلة الانكماش السياسي والعسكري .. فلن تقوى فى القريب المنظور ـ على الأقل ـ في الدخول في مغامرات عسكرية جديدة كتلك التي قامت بها فى أفغانستان والعراق .. بل إن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بسحب تدريجي لقواتها العاملة فى العراق تخفيفًا لضغط النفقات ، وهو ما سيعنى ببساطة وأد فكرة الشرق الأوسط الجديد وتخلى أمريكا عن أحلام الغزو والتوسع .. خاصة وأن هذه الأزمة قد تضعف من فرص المرشح الجمهوري "ماكين" للوصول إلى البيت الأبيض مما سيؤدى بدوره إلى تراجع اليمين المحافظ وتراجع أطروحاته اللاهوتية ...
وأخيرًا .....
فإن هذه الأزمة الاقتصادية ـ إضافة إلى نتائج حرب القوقاز الأخيرة ـ ستؤدى إلى تشكيل عالم جديد مغاير لعالم ما بعد 11 سبتمبر .. فهل سيستطيع النظام العربي الإقليمي تعظيم استفادته من هذه التغيرات ؟!
وهل سيتمكن من التملص من الضغط الأمريكي الخانق عليه وبناء استراتيجية موحدة تراعى مصالحه وتحقق آماله ؟! أكبر ظني ... لن يحدث ذلك !! لأن الكثيرين ـ ببساطة شديدة ـ لا يريدون !!!
 



عطست أمريكا فأصيب العالم بالزكام!
ياسر الزعاترة


طَوَال الأيام الماضية عاش العالم أزمةَ المال الأمريكية، وما من بيتٍ يقرأ الصحف، ويتابع الأخبار، إلا تابَعَ حكايةَ خطة بوش المالية التي رفضها مجلس النواب، ثم مَرَّرَها مجلس الشيوخ بعد إجراء تعديلات عليها، قبل أن يوافقَ مجلس النواب عليها من جديد.
وبينما كانت المعركة بين روسيا وجورجيا إشارةً فهمها العالم على أن زمن الهيمنة الأمريكية السياسية والعسكرية المطلقة على النظام الدولي قد ولّي إلى غير رجعة، وأنّ زمن تعدُّدِيَّةٍ قطبيةٍ يلوح في الأفق، فقد أدرك العالم أيضًا بعد مسلسل الأزمات المالية الأمريكية الأخيرة أنّ الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد الدولي ينبغي أن تنتهي هي الأخرى، ليخرج من تحت ركامها نظامٌ "أكثر عدلًا" بحسب تعبير الرئيس الروسي ميديفيدف.
وحين يتحدث صديقُ واشنطن الحميمُ في قصر الإليزيه (ساركوزي) عن اقتصاد السوق بوصف محضَ وهم، وعن ضرورة نشوء نظام ماليٍّ دوليٍّ آخر، فلذلك ما له من دلالة، فكيف حين تسنده آراء يَصْعُب حَصْرُهَا، لخبراء هنا وهناك، تتحدث عن ضرورة إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية الدولية بِرُمَّتِها، تلك التي نتجتْ عن اتفاقية بريتون وودز عام 1944، وبالطبع كنتاجٍ لميزان القوى الذي تسيّدته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
ولما كان ميزان القوى السياسيّ والعسكري آخذًا في التغير، فلا بد أن ينسحب ذلك على ما تَرَتَّبَ على الميزان القديم من أنظمة وسياسات تَمَسُّ العالم، وعلى رأسها سياسة رَبْطِ العالم كله بالاقتصاد الأمريكي وعملته الدولار.
لم يَعُدْ بوسع الناس في طول العالم وعرضه أنْ يعيشوا أزماتِ الاقتصاد الأمريكي كما لو كانوا مواطنين أمريكيين، أي أن يتحملوا الغُرْمَ بينما يُحْرَمُون من الغُنْمِ.
فحين كانت أموال العالم تتدفَّقُ على سُوقَيِ النازداك ووول ستريت خلال التسعينات، وعاشَ المواطن الأمريكي أعلى درجات الرَّفَاهية، لم ينسحب ذلك على بقية البشر، اللهم إلا قطاعات طفيلية، تستفزُّ الغالبية، وتستخف بهمومها اليومية.
في نظامِ ما بعد العولمة، صار العالم صالةً ضخمةً للقمار، كما أشرنا في مقالٍ ها هنا قبل أسبوعين، وتراجَعَ الإنتاج الحقيقي لصالح طاولات المضاربة والقمار التي تُسَمَّى زورًا أسواقًا وبورصات، وقد آن الأوان كي يُعَادَ النظر في هذه اللعبة القذرة التي تصنع طبقاتٍ من ذوي الثراء الفاحش؛ بينما تهبط بالغالبية الساحقة من البشر إلى أسفل سافلين، وذاك لَعَمْرِي هو رِبَا الأضعاف المضاعفة (الفرق بين قيمة الأسهم الحقيقية وأسعارها في البورصة نموذجٌ حَيٌّ لذلك)، وليس فقط ربا البنوك الذي لا يصل بحالٍ حدودَ العشرة في المئة.
عندما يرفض الإسلام بَيْعَ السلعة بعد البيع الأول دون تَسَلُّمِها من قِبَلِ صاحبها، فإنّ ذلك هو ما يحول دول لعبة المضاربة التي تَرْفَعُ الأسعار على نحو جُنُونِيٍّ، بصرف النظر عن مدى الحاجة إليها، ومع ذلك تَجِدُ من بعض الشيوخ مَنْ يُفْتِي بهذا النوع من المعاملات؛ بما يعكس جهلًا كاملًا بروحية الإسلام في التعاطي مع شئون المال والتجارة.
يومًا فيومًا سيقترب العالم من روحية الإسلام في التعاطي مع الشأن الاقتصادي، ليس عودةً إلى الاشتراكية، ولكن على قاعدة الزكاة التي تَدْفَعُ المال نحو السوق؛ لكي لا تآكل، فيكون النُّمُوّ وخَلْقُ فُرَصِ العمل، وبروحيةِ أنْ لا يكونَ المال "دُولةً بين الأغنياء"، والتي تعني حمايةَ الطبقات الفقيرة، ومنع الاحتكار والمضاربة التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار دون وجه حق.
الخطة المالية الأمريكية التي اقترحها بوش هي ضربة لاقتصاد السوق، بما انطوتْ عليه من تَدَخُّلٍ من قِبَلِ الدولة في توجيه السوق، وكل ذلك سيؤدي بالعالم إلى التمرد على هذا النظام الظالم، وذلك بعد نهايةِ الزمن الذي كان بوسع واشنطن أن تفرض فيه على العالم ما تشاء من سياساتٍ، الأمْرُ الذي وَقَعَ بسبب مقاومة هذه الأمة، من العراق، إلى أفغانستان، إلى لبنان، وفلسطين.
 



أزمة أمريكا الاقتصادية.. وسياستها الاستعمارية
محمد هزاع


الاقتصاد الأمريكي بِرُمَّتِه في خطر.. هكذا اعترف مُؤَخَّرًا الرئيس الأمريكي، مُحَذِّرًا من احتمال تَعَرُّضِ قطاعات مالية رئيسية للانهيار. وربما دخول البلاد في حالة ركودٍ، وصفه بأنه مؤلم، وطالب جميع الحلفاء والأصدقاء داخليًّا وخارجيًّا بسرعة مَدِّ يَدِ العون لأمريكا حتى تستطيع الخروج من ورطتها!!
الغريب أن يكون الحلفاء والأصدقاء العرب هم الأسرع في الاستجابة لنداء "بوش"؛ حيث أشارت بعض المصادر العربية والأمريكية إلى أن بعض الدول العربية الإسلامية أبدت استعدادها لضخ نحو 1000 مليار دولار...!! -نعم.. ألف مليار- لمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية عللا الخروج من ورطتها، رغم أن عددًا لا بأس به، يُقَدَّرُ بالملايين من العرب والمسلمين، يموت جوعًا وعطشًا، ولا يجد ولو واحدًا على الألف من هذا السخاء "الحاتمي"، مهما قيل عن وجود روابط اقتصادية، ومصالح مالية، تدفع هذه الدول للتصرف بهذا الشكل "المستفز"، وخاصة إذا ما كان الأمريكان أنفسهم يحملون إدارة بوش المسئولية بسبب الحروب التي خاضتها، وكان للدول العربية النصيب الأوفر منها. في العراق مباشرة، ثم في لبنان، وفلسطين، والصومال، والسودان بالوكالة!!
والأغرب أن الإدارة الأمريكية ذاتها لا تزال تُصِرُّ على مواصلة تلك الحروب، وترفض رفضًا باتًا مجرد الحديث عن سقفٍ زمني لانتهائها. فهل معني ذلك ببساطة شديدة: أن بعض العرب والمسلمين مستعدون لتمويل الحرب ضد العرب والمسلمين إلى ما لانهاية؟!
ومع أن ما أشرنا إليه بخصوص الكرم العربي تجاه أمريكا يحتاج إلى وقفةٍ، خاصة إذا ما تزامن مع ممارسة واشنطن لسياسات عدائية إلى أقصى حد ضد العرب والمسلمين. فلنترك المزيد من الحديث عن هذه الجزئية لنسأل: كم قدمت إسرائيل لأمريكا في محنتها، ولو على سبيل المساعدة الرمزية؟!
الإجابة هي: لا شيء!! والسبب أن إسرائيل تأخذ فقط.. وأما العرب والمسلمون فيدفعون فقط، حتى لو كان ما يدفعونه يُسْتَخْدَمُ في الحرب ضد مصالحهم!!
والمؤكد أن هذا التصرف ربما يدخل في نطاق المرض النفسي، ولا يشفع فيه القول بأن ذلك التصرف يصدر من البعض ضد البعض الآخر، وليس من الكل ضد أنفسهم!!
الجدير بالذكر أن ما يجري للاقتصاد الأمريكي الآن ليس منفصلًا عما يجري في بقية القطاعات الأخرى، بل هو استمرار له؛ حيث تأكد حتى لدي الأمريكان أنفسهم أن هذه الإدارة حققت فشلًا ذريعًا في معظم القطاعات، إن لم يكن كلها، نتيجةً لفشل الاستراتيجيات والسياسات العليا نفسها.
فعلى المستوي النظري كان الظن أن إشعال حروب ما في مناطق مختلفة من العالم قد يضمن لشركات تصنيع السلاح رواجًا، ما يحقق لها أرباحا خيالية، فضلًا عن إخراجها من حالة الركود التي أصابتها بدرجة نسبية بعد انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينيات، ولكن هذا لم يحدث؛ حيث أثَّرَتْ هذه الحروب على مجمل الحالة الاقتصادية لأمريكا، وهو الأمر الذي عاد ليؤثر سلبًا على شركات تصنيع السلاح.
وعلى المستوي النظري أيضًا كان المفترض أن يكون الاستيلاء على نفط العراق بمثابة فتح جديد لشركات البترول الأمريكية، ولكن الذي حدث أن عملية الاستيلاء على هذا الكنز -وقد فشلت على أية حال بدرجة أو أخرى- كلَّفَت أمريكا أكثر مما جنت، على الأقل حتى الآن.
ولاشك أن اشتعال حروب كثيرة لتشغيل شركات ما، كشركات السلاح والبترول، أثَّرَ بالسلب على شركات أخرى، كشركات المقاولات وما يتصل بها؛ حيث فشلت خطة أمريكا التي يمكن تلخيصها في عبارة: "اهدم هذه الدولة، ثم أعد بناءها لتشغيل شركاتك، وكله على حسابها.. أي الدولة المقصودة"! وذلك لأنها نجحت في الهدم، ولكنها حتى الآن لم تجني ثمار البناء الذي لم يتم.
ولاشك أن سياسات أمريكا الخارجية وضعتْ في البداية استجابةً لمطالب السياسة الداخلية ولكن الذي حدث أنّ فَشَلَ هذه السياسات الخارجية عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا أثَّر بصورة سلبية جدًّا على السياسات الداخلية، وذلك بسبب رعونة إدارة بوش التي ستذهب غير مأسوف عليها إلى مزبلة التاريخ، وربما يكون فيما ارتكبته من أخطاء دروسٌ للإدارة الجديدة.. وسنري!!
 


تجاعيد على وجه الرأسمالية
عيد بن مسعود الجهني


شهد العالم في القرن الماضي كوارث كبرى، وفي مقدمها حربان عالميتان حصدتا أكثر من 60 مليون قتيل، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمعوقين، ناهيك عن الدمار الشامل الذي لحق بأوروبا والعالم، والذي لا تزال آثاره ظاهرة حتى اليوم.
إن النظام الرأسمالي الذي يقوم على وجود قانون سوق حرة ومنافسة حرة، تعرّض لتحديات جسام كادت أن تطيح برأسه وعلى وجه الخصوص منذ ان انطفأت نار الحرب العالمية الأولى وتنفّس العالم الصعداء. هذه الصدمات التي توالت على النظام الرأسمالي لم تطح به، ولا يزال بعض رجال الاقتصاد يتفقون مع آدم سميث على أن النظام يمثل عالماً بهيجاً للمنافسة الحرة فيه القدح المعلى، بل إن المصلحة الخاصة على المدى الطويل تؤدي إلى ما فيه مصلحة الجماعة.
هذه الصورة الوضاءة التي رسمها عملاق الاقتصاد سميث وتلقفها رجال الاقتصاد بعده في التطبيق الذي كان حرفياً في بعض الأحيان وعلى رغم ما يكتنفها من أخطاء بل ومظالم بحق المجتمعات، هذه الصورة الجميلة وُصفت بالقاتمة والمتشائمة من عمالقة اقتصاد آخرين مثل مالتس وريكاردو، على رغم أنهما لم يدعوا إلى إلغاء النظام الرأسمالي الذي بقي صامداً يصد الرياح العاتية التي تهب عليه.
وبقي النظام الرأسمالي الذي تلقى ضربات عدة أهمها كساد عام 1929 الذي قال عنه البعض إنه كان بمثابة مرض عضال، واعتماداً على هذا المفهوم جاء مينارد كينز وتبنى أفكاراً تؤدي على حد قوله إلى التغلب على المرض بالفعل على رغم كل الضربات التي تلقاها النظام، وزاد مؤكداً أن رجال النظام الرأسمالي مسؤولون بشكل اكبر بعد أزمات الكساد عن حاضرهم ومستقبلهم، وفي هذا تحكم في مصير مجتمعهم الاقتصادي. وانتشل مشروع مارشال (برنامج الإصلاح الأوروبي) سنة 1947 اقتصاد أوروبا من الانهيار، وعلى رغم الحروب والصراعات التي أدارها القطبان الاتحاد السوفياتي (السابق) والولايات المتحدة ومنها الحرب الكورية وحرب فيتنام، بقي النظام الرأسمالي واقفاً على قدميه.
اليوم وبعد السقوط المدوي للنظام الاقتصادي الشيوعي، يشهد النظام الاقتصادي الرأسمالي كساداً عظيماً، فمن أين بدأ هذا الكساد؟ بدأ من أرض اكبر دولة تتزعّم النظام الرأسمالي، أميركا صاحبة اكبر اقتصاد، إجمالي ناتجها القومي أكثر من 14 تريليون دولار، وهي صاحبة اكبر استهلاك عالمي، وفي مقدمه استهلاك النفط (25 في المئة). هذه الإمبراطورية الاقتصادية والعسكرية الضخمة اقتصادها معرّض للانهيار، فهي ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه الاتحاد السوفياتي (السابق)، تمدّد هنا وهناك في قارات العالم فانهار.
وبعد ان اعتقدت الإدارة الأميركية أنها القطب الأوحد راحت تصول وتجول وتشنّ الحرب تلو الحرب حتى غرقت في بحر من الديون، كأكبر دولة مدينة في العالم، وتعاظم العجز في موازناتها وبلغت موازنة الدفاع وحدها نحو 700 بليون دولار لعام 2007، وبلغ ما أنفقته على حروبها في أفغانستان والعراق حتى اليوم أكثر من 800 بليون دولار وما خفي أعظم والحبل على الجرار.
وجاءت اللحظة الحاسمة. أفاق الاقتصاد الأميركي الكبير على كارثة فقاعة الرهن العقاري التي تفجرت منذ نحو العام لتواجه أميركا أقسى وأسوأ أزماتها الاقتصادية، وتدخل في أتون كساد مخيف قد يطيح بعرش اقتصاد الإمبراطورية العظمى، وبدأت سلسلة السقوط الرهيب لقطاع العقار في ذلك البلد، فعجز المقترضون الذين اقترضوا لبناء مساكن أو شرائها عن الوفاء لسداد ديونهم، وهبّت الحكومة الأميركية للاستحواذ على المؤسسات المترنحة لتمنع انهيارها. واعتقدت أنها قضت على المرض، لكن بعد فترة ليست بالطويلة برزت أعراض المرض الحقيقية على الجهاز المصرفي الأميركي، وسارعت الحكومة الأميركية مرة أخرى الى الوقوف إلى جانب بعض البنوك الكبيرة لتمنع انهيارها، وعلى رغم هذا التدخل المستمر من حكومة أميركا، إلا أن المجموعة الأميركية العالمية للتأمين التي تعتبر اكبر شركة تأمين أميركية أعلنت انهيارها لتتوقف عمليات الإقراض، لتحدث شرخاً عميقاً في الاقتصاد الأميركي، خصوصاً أن نحو ثلثي الاقتصاد الأميركي يعتمد في تحركه على عمليات الإقراض.
وبحثاً عن حل عادت الحكومة الأميركية لتشمّر عن سواعدها لتواجه هذا الكساد، فأعلنت ما أطلقت عليه خطة الإنقاذ المالي لمواجهة المرض الخطر الذي أصبح علاجه صعباً، وهرعت السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية تطالب باعتماد مبلغ 700 بليون دولار لتلك الخطة العاجلة التي تعد الأكبر في تاريخ أميركا!
وعلى رغم هذا المبلغ الفلكي إلا أن العارفين باقتصاد الولايات المتحدة والتزامات ذلك البلد والنفق المظلم الذي دخلت فيه سياسات الإدارة الأميركية على المستوى الدولي، يدرك أن الخطة على رغم طموحها لن يكون بمستطاعها وقف زحف أزمة الكساد وتداعياتها، فالأزمة لا تزال في مراحلها الأولى، وستخرج من رحمها مفاجآت كبرى تنكأ جرحاً عميقاً في جسد الاقتصاد الأميركي، وستلقي بظلالها الكئيبة على اقتصادات العالم برمّته، خصوصاً تلك الدول المرتبطة عملاتها بالدولار الذي أصبح يترنح بين الحياة والموت.
فعندما تجاوبت البورصات الأميركية سلباً مع الانهيارات التي شهدتها بعض المصارف وشركات التأمين والإقراض الأميركية، دبّ الذعر في أسواق الأسهم والسندات الأميركية وتعرضت لخسائر فادحة، وامتد الأثر إلى بعض دول أوروبا وبورصات الشرق الأوسط والأقصى وبالطبع البورصات الضعيفة في الوطن العربي!
وهذا كلّه يؤكد أن تراجع الاقتصاد الأميركي او انكماشه يترك أثره على الأسواق المالية الأخرى وهذا ما حدث بالفعل، فقد امتدت أزمة الرهن الى بعض دول أوروبا وأول الضحايا بنك «برادفورد آند بينغلي» البريطاني، بل إن الدول المنتجة للنفط بدأت تتخوف مع انهيار سعر صرف العملة الأميركية التي يسعّر بها النفط ووطأة التضخم الجامح، من ان تلجأ الولايات المتحدة إلى خفض استهلاكها من النفط، وباعتبارها أكبر مستهلك له، فتتأثر أسعاره هبوطاً.
المهم أن الولايات المتحدة تواجه كارثة اقتصادية قد تطيح بالنظام الرأسمالي، والعالم اليوم يهتز اقتصادياً من أقصاه إلى أقصاه، يترقب ماذا سيحدث للاقتصاد الأميركي والنظام الرأسمالي برمّته. ولو أن كارل ماركس ما زال على قيد الحياة لصفّق فرحاً وطرباً وهو يرى الرأسمالية تغرق في حال كساد رهيب، ولو أن آدم سميث وزملاءه الذين أسسوا قانون السوق الحرة ما زالوا أحياء لأصيبوا بالكآبة ولأشفقوا وذرفوا الدموع على هذا النظام الذي خرج عن طريقه المرسوم فاصطدم بالواقع المرير الذي قد يكتب نهايته.
هذا لأن الأفكار والرؤى والنظريات التي نادى بها العمالقة الأوائل في الاقتصاد والرأسمالية، لم يلتزم بها من جاء بعدهم فجاءت الفرصة ليكتب التاريخ بدء مسيرة تواري النظام الذي نادوا به في زمن عجز النظام الرأسمالي عن مجاراة التطور المذهل الذي يشهده عالم اليوم!
من خلال الاستعراض السابق لاحظنا أن الحكومة الأميركية سارعت في محاولة لمعالجة الكارثة، لشراء الديون السيئة أو الميتة، وسبق لها من قبل شراء الرهون الميتة بل وشراء مصارف، على رغم تطبيقها للنظام الرأسمالي، أما في الوطن العربي فلم نسمع صوتاً واحداً ينادي بالتصدي لآثار الأزمة التي ستطول من دون شك الاقتصادات العربية وفي مقدمها اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي التي تدير صناديق سيادية تستثمر أرقاماً فلكية في عروق الاقتصاد الأميركي، والمصارف العربية هي الأخرى ليست بمنأى عن استثمارات أميركا التي دخل اقتصادها الكساد الكبير، هذا إذا استثنينا الإمارات، التي قرر بنكها المركزي ضخ 50 بليون درهم في النظام المالي لتخفيف مشكلات السيولة المحلية.
أما سوى ذلك، فلم نسمع تعليقاً اقتصادياً مقنعاً من البنوك المركزية لهذه الدول سوى القول إن الدول العربية بمنأى عن هذه الأزمة، وأن ارتباط العملات بالدولار مستمر على رغم أن هذه الصناديق السيادية تخطط لاستثمار أكثر من 750 بليون دولار في الدول الغربية خصوصاً في سوق العقار.
وعلى رغم ما قيل ويقال حول عدم تأثر اقتصادات الدول العربية بكارثة الاقتصاد الأميركي، إلا أن المنطق يقول إن دول المجلس ليست بعيدة عن تأثر اقتصادها لأسباب منها أن بعض المصارف والمؤسسات المالية في الخليج تمتلك سندات في الرهن العقاري أو تستثمر في عقود التزامات الديون المرتبطة بتلك السندات، ناهيك أن بعض البنوك الخليجية لها استثمارات تدار عن طريق بنوك استثمارية أميركية تأثرت بالأزمة وتحقق خسائر كبيرة، إضافة إلى تأثر القطاع الائتماني في دول المجلس.
والسؤال: لماذا تستسلم الدول العربية وتسلّم قيادة اقتصادها لدول أخرى، وتترك أمواج التغيير في تلك البلاد تلعب بسفن اقتصادها وتعرضها للخطر بل للغرق؟ إن النظريات الاقتصادية المطروحة في العالم، إذا كانت شيوعية أو رأسمالية أثبتت أنها غير قادرة على الاستمرار، فقد سقط بعضها وبعضها آيل للسقوط، فلماذا إذاً لا تتبنى الدول العربية والإسلامية نظرية اقتصادية إسلامية تجعلها في مأمن من التأثير السالب لتلك الاقتصادات المتهاوية، وقد أثبت الإسلام في كل العصور أن نظريته الاقتصادية هي أعدل النظريات وأقدرها على الثبات أمام التغيرات العاتية، وكل ما نحتاج إليه سلامة وعدالة التطبيق!
 



خطة إنقاذ أمريكا
ترجمة/ سعد بن أحمد
اكلير جاتينوا


على الرغم من مصادقة الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم الجمعة 3 أكتوبر على خطة الإنقاذ التاريخية بكلفة 700مليار دولار، والتي يفترض أنها ستوقف انهيار النظام المالي في الولايات المتحدة ، إلا أن شبح الأزمة الاقتصادية والمالية التي شهدها العالم عام 1929 مازال حاضرا بقوة هذه الأيام في الأسواق المالية الأمريكية والغربية بوجه عام .
وكان الكونجرس الأمريكي قد شهد طيلة الأسبوع الماضي نقاشا ساخنا حول خطة الإنقاذ المقترحة وذلك قبل مصادقة مجلس النواب عليها بأغلبية 263 مقابل 171 ، بعد يومين من حصولها على تزكية مجلس الشيوخ .
وفي تعليقه على مصادقة الكونجرس على خطة الإنقاذ المالي قال الرئيس بوش " لقد اتسم رد فعلنا بالشجاعة ..حرصا منا على تجنب أن تمتد أزمة سوق المال في (وول استريت) لتشمل باقي البلاد . لقد برهنا للعالم أجمع أن في مقدور الولايات المتحدة المحافظة على توازن الأسواق المالية ، والقيام بدورها كرائدة للاقتصاد العالمي ".
ورغم نبرة بوش التفاؤلية هذه فقد نبه إلى أنه يتعين الانتظار لبعض الوقت قبل رؤية نتائج الإجراءات المتخذة تتحقق على أرض الواقع بالنسبة للاقتصاد الأمريكي والعالمي .
وفيما بدا بوش حذرا في توقعاته بشأن انتعاش الاقتصاد الأمريكي بعد المصادقة على خطة الإنقاذ تعهد كاتب الدولة الأمريكي للخزينة هنري بولسن "بالتحرك السريع" ، مؤكدا أنه في وضع أفضل الآن، خاصة أنه كان يخشى الانعكاسات الكارثية لإخفاق جديد ، بعد رفض مجلس النواب لخطته السابقة 29 سبتمبر "نظرا لكلفتها العالية وعدم فعاليتها " . وهو الرفض الذي تسبب في انهيار تاريخي لأسواق المال في "وول ستريت" بنيويورك .
ورغم أن المصادقة على خطة الإنقاذ الاستثنائية هذه تتيح للخزينة الأمريكية إعادة شراء الأصول المالية للبنوك باعتبارها كانت السبب المباشر للأزمة الحالية ، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لطمأنة الأسواق المالية وتبديد المخاوف من تكرار الأزمة ، حيث تراجع مؤشر داوجونز يوم الجمعة بمعدل 1.5% .
وبالنسبة للمستثمرين فإن اعتماد خطة الإنقاذ المالي هذه قد لا يكون كافيا خاصة بعدما بدأت نتائج انعكاسات الشلل الذي أصاب أسواق الائتمان تنتشر بشكل خطير في الاقتصاد الفعلي .
ويوم الخميس الماضي حذر حاكم ولاية كاليفورنيا "آرنولد شاورزينجر" من أنه قد يلجا لطلب 7 مليار دولار كعون استعجالي ، في حين شهد يوم الأربعاء الماضي تجميد صندوق دعم للجامعات ، مما اضطر 1000 مدرسة وكلية إلى البحث عن بدائل أخرى لتسديد رواتب مدرسيها ، حسبما ذكرت صحيفة "وول استريت جورنال" في عددها ليوم الجمعة الأخير.
وبسبب أزمة الائتمان فقد اضطر الأمريكيون لخفض مصروفاتهم بشكل كبير، بينما تتجه أسواق السيارات للانهيار، في حين اضطرت غالبية المؤسسات والمصانع إلى خفض كلفة إنتاجها، مما زاد من معدلات البطالة.
وخلال شهر سبتمبر لوحده قضى الاقتصاد الأمريكي على 179000 فرصة عمل ، وهو مستوى غير مسبوق منذ عام 2003 . بينما وصل معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 6.1% تعلما بان ولاية ميتشجن تحتل المرتبة الأولى في معدلات البطالة بنسبة 8.9 % ، تليها ولاية كاليفورنيا بنسبة تقارب 8%.

أزمة على الطريقة اليابانية

وحتى بعد المصادقة على خطة الإنقاذ المسماة " Paulson " نسبة لكاتب الدولة للخزينة ، فإن البعض يخشى من تكرار سيناريو الأزمة المالية عام 1929 . ويرى كل من المديرة الناشرة لأسبوعية the Nation اليسارية كاترينا فاندن ، ومؤلف كتاب Fast Food Nation أريك كلوسير في مقال نشرته صحيفة وولد استريت جورنال ، أن تصريحات الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت تصور واقعنا اليوم بكل دقة رغم أنها قيلت قبل 80 سنة من الآن " لدينا بنوك في حالة سيئة ، وبعض القائمين على البنوك يتصرفون بطريقة تدل إما على جهلهم وعدم كفائتهم ، أو أنهم لؤماء . لقد استخدموا الأرصدة التي تم ائتمانهم عليها في المضاربات ، والقيام بقروض غير معقولة ".
ويرى محللون آخرون أن على الولايات المتحدة أن تخشى من تكرار التجربة اليابانية أواخر الثمانينيات ، أي بمعنى آخر : نظام مصرفي يعاني من الفشل التام طيلة عشر سنوات . ويعتقد العديد من الخبراء الماليين أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد نجت من تكرار سيناريو 1929 فإنها لن تسلم من تراجع اقتصادي حاد ، مرجحين أن تلجأ السلطات الأمريكية " لتدخل سريع آخر " للتعاطي مع الأزمة . على اعتبار أن خطة Paulson " ليست سوى البداية" ، كما ترى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي .
----
الإسلام اليوم
 


الآثار السياسية للكارثة الاقتصادية الأمريكية
د. عصام العريان


فرضت الكارثة الاقتصادية التي لحقت بالأسواق المالية الأمريكية نفسها علي العالم أجمع.
ومازالت تلك الكارثة غير المسبوقة والتي سماها المراقبون «أزمة القرن» تؤثر في أسواق العالم أجمع خاصة تلك الأوروبية والآسيوية التي ترتبط بأمريكا بحبل سري وبسبب هيمنة أمريكا اقتصاديا وسياسيا علي العالم وفرضها سياسات «العولمة» علي الجميع.
ورغم إقرار الكونجرس الأمريكي خطة الإدارة الأمريكية بعد تعديلها وبأغلبية كبيرة بسبب حجم الكارثة ولدواعي الانتخابات القادمة بعد شهر ومعارضة المواطن الأمريكي العادي الذي خسر حتي الآن أكثر من ثلث مدخراته خاصة أصحاب المعاشات إلا أن قدرة تلك الخطة علي إنعاش الاقتصاد وحل الأزمة مازالت محل شك كبيرا لدي المحللين والمراقبين.
ويتداعي القادة الأوروبيون لقمة اقتصادية وسط اتهامات غير مسبوقة لأمريكا وسياستها الاقتصادية، وتنهال الاتهامات أيضا من روسيا وكندا ويجمع الجميع علي أن ما بعد الكارثة لن يكون كما كان قبلها اقتصاديا وكذلك سياسياً.
ومنذ سنوات طويلة ارتبط الاقتصاد بالسياسة وأصبح تأثير القدرة الاقتصادية في النفوذ السياسي واضحا لا لبس فيه، فهل سيكون لتك الكارثة آثار سياسية علي قدرة أمريكا في العالم وقيادتها الأحلاف العسكرية وهيمنتها المطلقة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي منذ عشرين سنة؟
أول تداعيات «الكارثة» انهيار فكرة «العولمة» التي روج لها مبشرون كثيرون والتي رتبطت الاقتصاد بالثقافة والسياسة! فقد كان السبب الرئيس في الكارثة هو «الليبرالية المتوحشة» والأفكار المتعلقة بحرية السوق بعيدا عن الرقابة الحكومية وحزمة الأفكار والسياسات التي روج لها «المحافظون الجدد» والتي عرفت بـ«العولمة».
لقد ظهرت العولمة كغطاء ناعم للاستعمار الأمريكي الجديد الذي فرض نفوذه في أرجاء العالم.
وقد ربط جميع المؤرخين صعود الامبراطوريات العالمية في التاريخ بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، وها هي سنن الله تنطبق علي الامبراطورية الأمريكية، فالانهيار الاقتصادي الحالي ضرب معظم جوانب الاقتصاد والحياة الأمريكية في «التوظيف» وفقدان الوظائف، وفي الاستهلاك والقدرات الشرائية، وفي الاستثمار والشركات الإنتاجية ولم يقتصر فقط كما يظن البعض علي «الأسواق المالية» الخاصة بالأسهم والسندات والقطاع المالي كالبنوك وشركات التأمين بعد انهيار سوق الرهن العقارية، وهذا الانهيار سيؤدي لا محالة إلي ضعف القدرات الاقتصادية الأمريكية ومن ثم سينعكس علي «المجمع الصناعي العسكري» ولن تنقضي بضع سنوات إلا وستضعف القدرة العسكرية الأمريكية وستعود إلي سيرتها الأولي قبل بروز فكرة الهيمنة الامبراطورية والسيطرة العسكرية علي العالم وشن الحروب الاستباقية في أكثر من مكان.
أما أوروبا التي عاشت خلال أكثر من نصف قرن تابعة لأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية والتي فرضت النفوذ الأمريكي العسكري والسياسي عليها فبدأت تتململ من السياسات الأمريكية.
وإذا برزت أوروبا كقطب مستقل عن الهيمنة الأمريكية فإن ذلك يعني تنافساً عالمياً جديداً أو استعداداً لوراثة العهد الأمريكي وعودة إلي قيادة أوروبا للعالم من جديد لكن مع وجود منافسين عالميين آخرين خاصة روسيا والصين والهند.
أوروبا اختلفت مع أمريكا خلال السنوات الماضية في عدة ملفات كان أبرزها الحرب علي العراق والموقف من الملف النووي الإيراني والسياسات العدوانية تجاه روسيا.
لقد اهتزت ثقة أوروبا وقياداتها في القيادة الأمريكية للقطار الغربي الرأسمالي واهتزت ثقة الجميع في قدرة أمريكا علي قيادة الاقتصاد العالمي ومن ثم قدرتها علي رسم السياسات في العالم، وبالتالي ستنفصل المصالح الأوروبية عن تلك الأمريكية وهنا سنصبح أمام تبلور نظام عالمي جديد.
هل ستعود روسيا إلي نظام اقتصادي مختلف بعد التأثيرات الضخمة للكارثة في اقتصادها وفي أسواقها المالية الناشئة؟ سؤال يفرض نفسه لكن علي الأقل سياسيا فقد تدعم موقف روسيا الجديدة التي يقودها «بوتين» ويريد لها نفوذاً عالمياً مستقلاً.
أما الصين التي تراقب من بعيد فلا أخبار ولا تحليلات عن مدي الخسارة التي لحقت بها وبأسواقها واقتصادها خاصة أنها من أكبر المستثمرين في السوق الأمريكية المنهارة، والظاهر أنها لن تتأثر كثيراً بسبب دور الحكومة في الرقابة والقيادة الاقتصادية والحذر الصيني المعهود، وبالتالي سيتعزز نفوذ الصين السياسي في العالم.
هنا قد يتكون محور جديد آسيوي بعيدا عن التهديدات الأمريكية والأوروبية، وبسبب انشغال الغرب بمشاكله الاقتصادية.
ماذا عن منطقتنا العربية والإسلامية؟
لقد عاشت المنطقة محلاً للنفوذ الاستعماري الغربي، الأوروبي، ثم الأمريكي وتجاذبتها آثار الحرب الباردة خلال الخمسينيات والستينيات قبل أن تعود إلي الحظيرة الأمريكية في الثمانينيات وحتي الآن.
فهل نتحرر من النفوذ الأمريكي إذا ضعفت القدرات الأمريكية؟ أم أن اعتياد نخبتنا السياسية والاقتصادية التبعية سيجعلهم يبحثون عن راع جديد وصاحب نفوذ أقوي؟ أم ستضرب الفوضي في المنطقة وهناك من العوامل والأسباب الداعية إليها الكثير؟ أم ستنهض قوي المقاومة والممانعة بعد الكارثة التي ألمت بأمريكا وأوروبا؟!
المشكلة الرئيسة أن «الربا» والسياسات الاقتصادية المتعلقة به من «خلق النقود» الوهمية، والائتمان الذي لا يعتمد علي أسس واقعية بل علي مجرد الثقة والنفوذ المالي، وتنامي النزعة الاستهلاكية، والبحث عن الربح الحرام من أي طريق، هذا الربا الحرام في كل الشرائع السماوية سيطر علي مفاصل الاقتصاد العالمي ولا يقدر المسلمون علي تقديم البديل الإسلامي في اللحظة الراهنة بسبب حال الضعف السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري الإسلامي رسميا وشعبيا ونخبويا.
ستنهار الامبراطورية الأمريكية وبعدها ستتحلل الدولة الأمريكية نفسها كما انهارت وتحللت قوي كبري عالمية من قبل، وسيعود الاتزان إلي الساحة العالمية، وقد يكون ذلك مناخاً مواتياً لصعود قوة إسلامية واعدة تحقق للمسلمين مكانة تليق بهم وبرسالتهم التي جعلها الله رحمة للعالمين.
 


الأزمة المالية العالمية...تأملات وتساؤلات
د. ياسر سعد


شغلت الأزمة الاقتصادية, التي زلزلت النظام العالمي المالي وألقت بعلامات استفهام عليه وعلى مستقبله, العالم. وأثارت الكثير من النقاشات والمداولات الفكرية والسياسية والمالية, وكانت محورا للكثير من المقالات والتحليلات. سأتوقف عند بعض التداعيات والوقفات وحتى التساؤلات التي أثارتها الانهيارات المتداعية في الأسواق العالمية.

- تفجرت الأزمة في سبتمبر الماضي, أي قبل أسابيع من نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش لتساهم وتشارك مع الأزمات السياسية والانتكاسات العسكرية في وداع أسود لرئيس ولغ بدماء المسلمين وسبب معاناة إنسانية لملايين منهم.

- أمريكا قادت العالم في الانهيار المالي كما فعلت في حروبها ضد ما أسمته "بالإرهاب", متزعمة العالم في نسج الأكاذيب وفي التداعي الأخلاقي والقيمي.

- هناك حملة كبيرة من إعلاميين وسياسيين غربيين على رجالات البنوك والاقتصاد وجشعهم البالغ رغم الخسائر الكبيرة، والتي منيت بها الأسواق والمستهلكين. الحديث عن طمع العقول الاقتصادية يظهر فقدان البعد الأخلاقي للنظام الرأسمالي واستغلال أصحاب النفوذ مكانتهم على حساب عملائهم ومساهميهم.

- تدخل الحكومة الأمريكية والعديد من الحكومات الغربية لإنقاذ مؤسسات مالية في بلدانها, يضع علامات استفهام على فلسفة السوق الحرة في الوقت الذي كانت فيه مؤسسات دولية مثل البنك الدولي تفرض شروطا وقيودا على القروض المقدمة لدول فقيرة تمنعها من التدخل ودعم المواد الأساسية في أسواقها ولو كانت النتائج الاجتماعية مأساوية.

- (الرئيس الفرنسي) نيكولا ساركوزي اعتبر أن ما جرى يضع نهاية للسوق الحرة, كما ارتفعت الأصوات التي تنادي بإعادة النظر في القوانين الرأسمالية. سقوط الخيار الرأسمالي بعد السقوط الشيوعي يجعل من الحل الإسلامي خيارا مهما وأساسيا أمام الإنسانية الحائرة.

- انتشرت كتابات ومقالات لمفكرين واقتصاديين غربيين تنادي بتطبيق بعض أحكام الشريعة الاقتصادية لضبط حركة الأسواق. ترى ماذا كان الموقف العالمي لو أن هناك دولا إسلامية تتبني الأحكام الإسلامية في معاملاتها الاقتصادية وتقدمها للعالم نموذجا ومثالا؟؟ الدعوات الغربية تشكل انتصارا معنويا للإسلام والذي يمتلك قوة ذاتية برغم العبء الكبير والذي يشكله تخلف المسلمين وتبعيتهم.

- التبعية الاقتصادية للدول العربية للغرب لها أثمان باهظة, فدولنا تكتفي من النظام المالي العالمي بالغرم دون الغنم. الخسائر العربية من الأزمة المالية غير معروفة تماما وإن كانت تقدر بمليارات الدولارات بسبب الاستثمارات العربية الكبيرة في الأسواق المالية الأمريكية والغربية. العديد من الدول العربية عدلت في السنوات الأخيرة من إجازاتها الأسبوعية لتصبح الجمعة والسبت بحجة أنها تريد أن تواكب الأسواق المالية الدولية, ولعل نتائج تلك المواكبة كانت مزيدا من الكوارث والخسائر.

- التقدم الصيني والآسيوي المالي والاقتصادي عالميا جاء من خلال المثابرة والمصابرة. انتقال المصانع الأمريكية والغربية للدول الآسيوية ذات العمالة الرخيصة نقل الثقل الاقتصادي الحقيقي إليها, فيما اكتفى الاقتصاد الأمريكي إلى حد كبير بدور المضاربات والبورصات والذي يهوي بالاقتصاد عند الأزمات كبيوت الورق. من المؤسف أن معظم المليارات ولاستثمارات العربية تصب إما في سوق العقارات أو أسواق المال أو الأندية الرياضية, وهي استثمارات أساساتها واهنة ولا تتحمل الهزات والأزمات. الاستثمار الحقيقي والذي يمكن للأجيال القادمة أن تستفيد منه هو في تكوين قاعدة صناعية وأساسات العلمية والتي تقف على أرض الواقع راسخة وثابتة.

- هل شكلت الأزمة الاقتصادية سببا أم نتيجة للغزو الأمريكي للعراق؟ بمعنى آخر هل سببت الخسائر الأمريكية هناك وصلابة المقاومة العراقية عامل استنزاف إضافي للموارد الأمريكية, أم أن الأوضاع الاقتصادية الأمريكية المترنحة هي التي دفعت بصانع القرار الأمريكي لشن حربه على العراق والتي كانت محطة أولى في توسع أمريكي لم يكتب له النجاح؟

- هل تكون دول عربية الخاسر الأكبر من التراجع الأمريكي مع انعدام مقومات القوة الذاتية عندها؟؟ هناك عدة سيناريوهات محتملة منها أن تنكمش أمريكا على نفسها جراء خسائرها العسكرية والاقتصادية وعندها قد يجد من يحتاج الحماية الأمريكية بوجه الطموحات الإيرانية أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه. أما السيناريو الآخر, فهو أن تجد أمريكا في سيطرتها المباشرة على المقدرات العربية وسيلة لبقائها قوة عالمية مهيمنة وذلك بالتحكم في مصادر الطاقة العالمية, وبالتالي فهل سنشهد عودة للاستعمار المباشر كحل للمعضلة الأمريكية؟؟ الذرائع دائما موجودة كدعم الإرهاب أو التعويضات الخيالية من جراء أحداث سبتمبر وما شابهها.

العالم كان وسيبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها ساحة للصراع والتدافع, وما لم يمتلك العرب أسباب القوة والتي مكمنها الأساسي العودة لمنابع الدين والتي من خلالها فقط سطر العرب في التاريخ أمجادهم, واحترام المواطن وكرامته وحقه في المشاركة السياسية, والتخطيط الاستراتيجي علميا وسياسيا واقتصاديا, ونبذ ثقافة التملق والنفاق فإنهم سيبقون الخاسر الأكبر في الأزمات بل وحتى في الانفراجات العالمية.
 


الأزمة المالية وتهافت الرأسمالية
د. محمد يحيى


في نفس اليوم الذي كان فيه الإعلان عن انهيار بعض أكبر المؤسسات المالية الأمريكية، وقف مسئول في إحدى البلاد العربية ليعلن ضرورة إتباع النهج الرأسمالي الكامل، والذي وصفه في بعض جوانبه باللامركزية في كل جوانب الحياة، وهنا يثور تساؤل معين، لماذا هذا الإلحاح على النهج الرأسمالي في نفس الفترة التي بدت فيها عيوب هذا النهج عند أصحابه في البلاد الغربية إلى حد أنهم هناك الآن وبعد أن كانوا يقدسون ما أسموه بحرية السوق الكاملة، وعدم تدخل الدولة في إدارة هذا السوق أو توجيهه وفق أي معايير يعودون عن هذا الصنم المقدس ويرجعون إلى أفكار أشبه ما يكون ببعض ما كان يتردد داخل المدارس الاشتراكية المختلفة أو مدارس الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي.
لقد تراجع عتاة الفكر الرأسمالي في أقصى اليمين الأمريكي وعلى رأسهم الرئيس بوش أو على الأقل تراجعوا في الظاهر مهما كان ما يبطنونه عن هذا النهج الشرس، ولم يكونوا هم وحدهم بل سمعنا معهم الرئيس الفرنسي مثلاً يعلن أنه لا يريد النمط الرأسمالي المنفلت بل ويريد رأسمالية كما أسماها منضبطة ومحكومة كما سمعنا وزير المالية الألماني يعلن عن رأيه بأن النظام الرأسمالي قد ظهرت عيوبه وأن المكانة الأمريكية الرائدة في هذا المجال سوف تزول سريعًا، وإن على فترات وبالتدريج، وسمعنا كذلك من بين المعلقين الأمريكيين من يستنكرون محاولة بوش إنقاذ النظام الرأسمالي من خلال تدخل الحكومة بقولهم بأنه إذا كان هذا النظام قد فشل وتسبب في ضحايا لا حصر لهم من بين المواطنين العاديين فلا يجب إنقاذه من أموال دافعي الضرائب من بين هؤلاء المواطنين الأمريكيين العاديين الذين ادخروا نقودهم التي عملوا بها وكدحوا بها ولم ينفقوها في ثورة الاقتراض من البنوك والتي أدت في نهاية الأمر إلى انهيار عدد من المصارف الكبرى وشركات الرهن العقاري والإقراض لبناء المساكن.
وإضافة إلى ما يحدث في أمريكا وإلى تصريحات كبار المسئولين فإن المرء الذي يطالع ما يكتبه المحللون، إن المحللين في الغرب يتحدثون الآن عن انهيار فقاعة الاقتصاد الرأسمالي والتي بدأ انهيارها مع انهيار المصارف الكبرى، وإذا كان هذا هو الحال في الغرب فلماذا نجد عندنا مسئولين صغارًا أو كبارًا يستمرون على الإصرار بالأخذ بالنهج الرأسمالي المنفلت والصريح والخالي من أيه رقابة، ويصرون في نفس الوقت على إنهاء مفاهيم مثل التكافل الاجتماعي والرعاية الاجتماعية من جانب الدولة من المواطنين وما أشبه ولماذا نجد ذلك الإلحاح على تنفيذ إدخال النهج الرأسمالي، ليس فقط إلى جوانب الاقتصاد والأسواق والتجارة والمال بل إلى كافة جوانب الحياة، والإصرار على إدخال قيم هذا النهج الرأسمالي في التعاملات بين الناس وفي حتى مجال الأحوال الشخصية الذي ينظم علاقات الأفراد داخل الأسرة، وذلك كله على حساب سيادة القيم الإسلامية الأصيلة وعلى حساب وجودها في المجتمع.
وفي الواقع فإننا نضع إصبعنا على موطن الداء، إن التفسير الوحيد الذي نجده الآن لذلك الإصرار الذي أسميه بالمريض والغريب والمريب على تنفيذ النهج الرأسمالي بحذافيره وفي صوره الشرسة والمنفلتة بكامله على كل جوانب الحياة في بعض المجتمعات العربية والإسلامية والإصرار على ذلك في وقت اتضحت فيه عيوب هذا النظام بالكامل فالغرب يقول ان هذا الإصرار لا يعبر إلا عن شيء واحد فقط وهو أنه إصرار يتم لا حبًا في ذلك النظام الرأسمالي وإنما كراهة في القيم الإسلامية وتصورًا بأن الإلحاح على التنفيذ الحرفي للرأسمالية الشرسة والمنفلتة على كل جوانب الحياة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إنما سوف يؤدي إلى المزيد من التدهور والانهيار في منظومة القيم الإسلامية والتراثية الأصيلة التي ظلت تهيمن على حياة هذه الأمة وتوجهها منذ مطلع الإسلام والتي يراد الآن هدمها بأي ثمن، ذلك لأن الذين يريدون الرأسمالية بأي سبيل لا يريدونها كما هو واضح الآن لأنها نافعة للمجتمع أو لأنها تصلح لحل مشكلاته بل لأنها في تصورهم هي سبيل أمثل لإعمال يد الهدم والتخريب في القيم والمثل والنماذج الإسلامية في هذا المجتمع.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مقالات الفوائد

  • المقـالات
  • الصفحة الرئيسية