صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تطلُّعاتٌ نحوَ عملٍ سلفيٍّ معاصر *

محمد بن عبد الله الدويش

 
حقق التيار السلفيّ في هذا العصر منجزات لا تخفى على من يتأمل الواقع الدعويّ، وحين نتحدث عن العمل السلفيّ فنحن نتحدث عن تيار في الأمة، وهو أوسع من مجرد كيان عضويّ؛ فالكيانات العضويّة، سواء كانت جمعيات أو مؤسسات، لا تمثل إلا جزءًا من هذا التيار.

والحديث عن منجزات العمل السلفيّ حديث يطول، ولا تتسع له سطور هذه المقالة، فتكتفي بالإشارة لأهمها، والتي تتمثل فيما يلي، وهي:
1- إيجاد تيار دعويّ يتبنى منهج الفرقة الناجية.
2- الاعتناء بالعلم الشرعي وإحياؤه.
3- الالـتزام الشرعيّ والانضباط السلوكيّ، على مستوى الأفراد والمؤسسات.
4- إحياء السنة وإماتة البدعة.
5- تعظيم النصوص الشرعية والوقوف عند حدودها.
ومهما عظمت الإنجازات وعلت، فستبقى تطلعات الأمة نحو هذا العمل عالية، وهو مطلب شرعيّ وطبيعيّ ينبغي ألاّ تعوقنا عنه المبالغة في الدفاع عن المنهج والحرص عليه، بل الحرص ينبغي أن يقود للجرأة على المراجعة والصراحة في تقويم الواقع.
وفيما يلي أهم التطلّعات المنتظرة من هذا التيار.

الأول: الجرأة على المراجعة والتقويم:
إن جهدنا لا يعدو أن يكون عملاً بشريًا ليس له عصمة؛ فالعصمة للمنهج؛ أما البشر من غير الأنبياء فليس لهم عصمة، ومن هذا المنطلق فنحن بحاجة إل مراجعة مسيرتنا في العمل السلفيّ مراجعة شاملة وكاملة، وبحاجة لتقييم دقيق وصادق، يقوم على الجرأة في نقد الذات ومراجعة النفس من أجل إصلاح الأخطاء التي تؤخّر مسيرتنا في العمل.
وحتى تحقق هذه المراجعة ثمرتها فلابد أن تكون علميّة وجادّة، دون أن تكون عفويّة، أو أن تقف عند مجرد محاسبة النفس على السلوك الشخصيّ؛ فهذه المحاسبة -وإن كانت أمرًا مطلوبًا- لكن الأمر الذي نريده ونطمح إليه أشمل وأوسع من ذلك.

إننا بحاجة لتقييم ومراجعة تتيح لنا أن نسأل أنفسنا بصدق:
- ما أهدافنا التي نسعى إلى تحقيقها؟
- ما برامجنا ورؤيتنا الواضحة لتحقيق هذه الأهداف؟
- هل هذه الأهداف والبرامج تتلاءم مع التحدّيات المنوطة بهذا العمل الدعويّ؟
والجرأة على المراجعة والتقويم تدعونا إلى أن نفتّش عن أخطائنا من خلال تأمّل الذات، ومن خلال إتاحة المجال للنقد والتقويم داخل صفنا، وأن نستفيد من النقد الذي يُوجّه إلينا من خارج إطارنا، فإن من مصلحتنا أن نسمع كل كلمة تُقال بعيدًا عن خلفية صدورنا، وعن قائلها وتصنيفنا له وموقفنا منه.
حين يتحدث عنا الآخرون -ولو كانوا أعداءً- فسيحرصون على ما يقنع الناس، ومن ثم فهم أقدر وقوفًا على الأخطاء والعيوب، ولا ننكر أنهم قد يبالغون، وقد يضخّمون، وقد يكذبون، لكنهم أيضًا قد يصدقون، وهذا على فرض أن كل منتقد لنا إنما هو عدو وخصم لدود؛ فكيف وفيهم من يتفق معنا في الأصول، ويختلف معنا في بعض المواقف والتطبيقات؟

الثاني: الفصل بين المنهج وبين الكيانات العضويّة:
شهد النبي –صلى الله عليه وسلم- بالجنة لطائفة واحدة، ووصفها بوصف واضح وجليّ، وهو التـزام ما كان عليه هو وأصحابه؛ فمن تحقّق فيه هذا الوصف استحقّ أن يكون من هذه الطائفة.
ومع انتشار العمل الإسلاميّ ونموه نشأت مؤسسات وتيارات وتنظيمات تتبنى المنهج السلفيّ وتدعو له، وقد كتب الله على يديها الخير الكثير لهذا المنهج.
ومع تقديرنا لجهد هذه الكيانات والمؤسسات؛ فمن الخطأ أن نحصر القضية السلفيّة في الكيان العضويّ أو الإطار المؤسسيّ الذي ننتمي إليه أيّا كان الشكل التنظيميّ أو القالب الذي تتخذه؛ فمنهج الفرقة الناجية أوسع من أن يحتويه إطار تنظيميّ أو كيان عضويّ؛ فضلاً عن أن تحتويه مدرسة محددة فكريًا داخل هذا الإطار؛ فالحق أوسع من أن يحتويه إطار ضيّق.
وفي المقابل قد توجد كيانات ينتشر في إطارها خلل في بعض الجوانب، لكن ربما نجد داخلها منْ يتسم بصفاء المعتقد وسلامته، وشدة الحرص على التـزام السنة بما يفوق حرص بعض المنتمين للكيانات السلفيّة، ولا شك أن هذا الصنف أقرب إلى المنهج الذي نحمله من غيره ولو ممن ينتمون عضويًا للكيانات السلفيّة.

الثالث: التفريق بين المنهج وبين من يحمله وطريقة حمله:
لقد بيّن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن منهج الطائفة الناجية منهج معصوم، لا زيْغ فيه ولا انحراف، لكن على الرغم من هذه الشهادة النبوية؛ فإننا يجب أن نعلم أن الله –جل وعلا- قد كفل العصمة للمنهج فحسب، ولم يكفل العصمة لحملته من الأشخاص –اللهم إلا الأنبياء- وهذا يعني أننا حينما نحمل هذا المنهج فليس من المستبعد أن نقع في خطأ أو تقصير؛ لأننا غير معصومين، وهذا يعني أيضًا ألاّ نحكم على من ينتقدنا أو يخالفنا بأنه مخالف للمنهج ومنتقد له؛ فمن العدل أن نفرق بين العداء للسنة والعداء لأشخاصنا؛ فهما قضيتان منفصلتان، ولكل قضية منهما أسبابها ومنطلقاتها الخاصة.
وثمة فئة ليست بالقليلة ترفض الاستجابة للدعوة السلفيّة لا تأصلاً للبدعة فيها، ولا كرهًا للسنة؛ لكن لأنها حملتها بطريقة غير مقنعة، فمن يحمل الحق فقد لا يؤدّيه بصورة صحيحة، بل قد يؤديه بصورة تشوّهه.
إذًا فسلامة منهجنا لا تعني سلامة أشخاصنا، ولا يعني سلامة ذواتنا، ولا تعني أننا حملنا المنهج بطريقة صحيحة وسليمة؛ وهذا يقودنا إلى النقطة التالية.

الرابع: ضرورة الأخذ بأسباب النجاح:
حين نفصل بين المنهج وبين من يحمله وطريقة حمله؛ فإن هذا يقودنا إلى النظر إلى جهدنا ومشروعاتنا في نشر المنهج على أنه جهد بشريّ لا يكتسب العصمة بمجرد انتمائه للمنهج؛ فالعصمة في المنهج لا فيمن يحمله.
وهذا يقودنا إلى تحمّل مسؤوليتنا في الأخذ بأسباب النجاح الدعويّ، في كافة المراحل: تخطيطًا، وتنفيذًا، وتقويمًا، وتطويرًا، دون الاتكاء على عصمة المنهج.
وقد يُوفق في الأخذ بأسباب النجاح من لا يحمل صفاء المنهج، بينما يخلّ الآخر بهذه الأسباب، فيخفق الثاني وينجح الأول، وهذه سنّة الله في الحياة، وحينها على من يخفق أن يتحمل مسؤولية إخفاقه وفشله، لا أن ينشغل عنه تضخيم الذات واتهام المدعوّين.

الخامس: الانفتاح على الآخرين والاستفادة من التجارب الناجحة:
تمتلئ الساحة بالدعاة والعاملين للإسلام، وهم فئات وطوائف شتى ومدارس متنوعة، ولدى الكثير من هؤلاء صور متميزة من النجاح، وبالأخص في التأثير على الآخرين، والتواصل مع المجتمع.
وقد لا يخلو بعض هؤلاء الناجحين من قصور أو خلل؛ فهل هذا الخلل يوجب إهدار ما لديهم من تجارب ناجحة؟ بل هل سلامة المنهج تقتضي التخلي عن الاستفادة من هذه التجارب؟
لقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة في شأن الشيطان: "صدقك وهو كذوب" رواه البخاري (3275)، فإذا كان هذا في شأن الشيطان المطرود من رحمة الله –تعالى- فكيف بإخواننا الدعاة الذين يشاركوننا في ساحات الإصلاح والعمل الإسلاميّ؟
وحين أحاطت قريش وأحلافها في غزوة الخندق ما كان من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلاّ أن أخذ برأي سلمان الفارسي، وقد أشار عليه بحفر خندق, فجاء بمكيدة لم تصنعها العرب –كما قالت قريش-.
إن التيار السلفيّ بحاجة إلى الانفتاح على الآخرين والسماع منهم والاستفادة من تجاربهم؛ وحينها سيجد دعاةً ناجحين، ونماذج متفوّقة في العمل والأداء.
وحين يفوقنا الآخرون في استقطاب الناس أو التأثير على العصاة والفساق أو في إيقاظ الوعي في الأمة فليس مردّ ذلك التفوق عائدًا بالضرورة إلى تساهلهم، وليس مرد تخلفنا هو بالضرورة غربة الحق وأهله، وليس تقصير الآخرين مسوّغاً للتخلي عن الإفادة من تجاربهم.

السادس: إعادة النظر في أساليب التعامل مع المخالفين:
كان لأئمة السلف جهد في محاربة البدع والوقوف في وجه دعاتها، بل اقتضى المقام في أحوال عدة الإغلاظ عليهم وهجْرهم. هذا وجه.
والوجه الآخر: أنهم أرحم الخلق بالخلق، وهو ما ورثوه عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع الناس برّهم وفاجرهم، وهما وجهان لا يتعارضان ولا يتناقضان؛ فالرحمة والرفق هي الأصل؛ إذ الرفق ما كان في شيء إلا زانه. والإغلاظ والهجر –عقوبة- مناط استخدامهما إفضاؤهما للمصلحة الشرعية، ولا يسوغ أن يتحوّلا إلى خلق أو شعار يُوصم به أتباع المنهج السلفيّ.
كما يجب إعادة النظر في افتراض التلازم بين الغيرة على المنهج السلفيّ وبين الحرص على توسيع دائرة إخراج الناس من هذا المنهج، والسعي للحكم على الناس والتنقيب وتحليل أقوالهم لاكتشاف ما يسوّغ الحكم بإخراجهم من دائرة المنهج.

السابع: توسيع دائرة تقديم العلم الشرعيّ للناس:
لقد كان من أهم منجزات التيار السلفيّ إحياء العلم الشرعي في الأمة بعد أن كادت سوقه أن تكسد، وعلى الرغم مما قُدم من جهد في نشر العلم الشرعيّ وإحيائه فلا تزال هناك تطلّعات عدة، ومنها:
-توسيع دائرة نشر العلم الشرعيّ؛ إذ لا يليق أن تبقى الاهتمامات بهذا العلم محصورة في إطار طلبة العلم الشرعيّ؛ فالحاجة للعلم الشرعيّ حاجة عامة وإن تفاوتت درجة هذه الحاجة.
- ومطلب توسيع دائرة نشر العلم لا ينتهي بمجرد الاقتناع النظريّ، بل هو يتطلب مراجعة أدوات نشر العلم وتقديمه لتحقق الانتشار الملائم، لا أن تجمد وفق أطر محددة يُطلب من الآخرين أن يتكيّفوا معها.
الاعتناء بتبسيط العلم الشرعيّ وتقريبه لغير المختصين؛ سواء ما يتّصل بالتدريس والتعليم، أو ما يتّصل بالتأليف، أو ما يتّصل بالبرامج الإعلاميّة؛ إذ النمط السائد قد لا يلائم إلا طلبة العلم المدركين للغة العلميّة الشرعيّة المتخصصة.
- توسيع نشر العلم الشرعي داخل التيارات الإسلاميّة الأخرى؛ فلا يليق أن يبقى التيار السلفيّ يرفع وتيرة نقد الآخرين بعدم اهتمامهم بالعلم الشرعيّ، بل لا بد أن يأخذ بمسؤوليته في تقديم هذا العلم للآخرين مراعيًا ملاءمته لهم أسلوبًا ومضمونًا.

الثامن: الارتقاء بالوعي:
تضم ساحات العمل السلفيّ فئاتٍ من الصالحين الورعين الخيرين ممن لديهم علم شرعيّ، وممن يتّسمون بحسن السّمت والانضباط المنهجيّ، لكن قد نرى بعض هؤلاء يعيش خارج عصره؛ فهو لا يدرك متغيرات الواقع ولا حجم تحدّياته، ولا يملك الوعي الذي يؤهله للنجاح المرجوّ في التغيير والإصلاح.
وما لم يَعٍ القائمون على المنهج السلفيّ أنهم أمام مشروع ضخم يستهدف تغيير واقع الأمة وإصلاح واقعها، وما لم يدركوا تقصيرهم في تحصيل الوعي اللازم لإنجاح هذا المشروع، فسوف يتعثر مشروعهم الإصلاحيّ.
لقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- مثالاً حيًا للداعية الواعي بما في عصره من أحداث وتحدّيات؛ فقد قال لأصحابه حين أرادوا الهجرة للحبشة: "إن بأرضها ملكًا لا يُظلم عنده أحد" واعتنى بمتابعة الصراع الدائر بين الفرس والروم، وتمنّى المسلمون آنذاك أن ينتصر الروم؛ لأنهم أقرب للمسلمين من الفرس.
والوعي المنتظر من الدعاة إلى الله يتجاوز الإغراق في تصور المؤامرات والكيد من الأعداء إلى إدراك الموقف السياسيّ والموقف الاجتماعيّ والاقتصاديّ والفكريّ بعناصره، ومواقف كل عنصره، ونقاط الضعف والقوة، وإلى إدراك الفرص والتحدّيات والعقبات، وإلى امتلاك طاقات فرديّة ومؤسسيّة تعي الواقع وتقدّم الحلول والآراء.

التاسع: الحضور في المجتمع ومؤسّساته:
من واجب التيار السلفيّ أن يتساءل: أين موقعنا في المجتمع؟ وأين موقعنا في المؤسسات التي تمارس مهمة التوجيه، فيسمع لها الناس وينصت لها المجتمع؟
وحين نقول للآخرين: إن الإسلام هو المخرج من أزمات الحياة المعاصرة؛ فلا بد أن يرَوْا منا الاهتمام والقدرة على الاعتناء بمشكلاتهم وتقديم الحلول لها.
لقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يعيش مع المجتمع في السرّاء والضرّاء، فيحمل الكلّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، وينتصر للمظلوم، وها هو يشهد حلفًا في الجاهلية من أجل نصرة المظلوم؛ فعن عبد الرحمن بن عوف عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام؛ فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه" رواه أحمد (1658).
كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يتفاعل مع قضايا المجتمع ويتصدى لعلاج مشاكله الاجتماعية، للإصلاح بين امرأة وزوجها كما في قصة بريرة ومغيث، ويعالج مشكلة اقتصاديّة كما في قصة من اجتووا المدينة، والدافة التي دفت المدينة.
والحضور الاجتماعيّ والاعتناء بمشكلات الناس الذي نتطلع إليه لا بد أن يتلاءم مع الواقع ومتغيراته؛ فالاعتناء بمشكلات الناس الاقتصاديّة على سبيل المثال ينبغي ألاّ يكون محصورًا في تقديم الزكاة والصدقة لمجموعات الفقراء والمساكين حينما يأتون بحثًا عنها، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى تقديم دراسات اقتصاديّة، ومشروعات تساهم في حل مشكلات البطالة والكساد، وحلول إسلاميّة للتنمية والتمويل ومعالجة الفقر، وإنشاء مؤسسات اقتصاديّة واستثماريّة تساهم في النهوض بمجتمعات المسلمين، وهكذا في الميدان الاجتماعيّ والصحيّ والتربويّ والسياسيّ.

العاشر: الارتقاء بالحسّ والذوق الحضاريّ:
من خلق الصالحين التواضع والتبسط؛ لكن ممارسة طائفة من المنتسبين إلى التيار السلفي أدّت إلى الظهور بمظهر لا يراعي الذوق والحسّ الحضاريّ؛ وقد يعطي ذلك رسالة للآخرين أن من مقتضيات التدين والالتـزام بالمنهج التخلي عن الذوق والحسّ اللائق بمن يعيش في هذا العصر.
إن الله جميل يحبّ الجمال، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- حريصًا على أن يعطي الناس صورة إيجابيّة عنه وعن أتباعه، حين ترك قتل المنافقين لئلا يتحدّث الناس أنه يقتل أصحابه. رواه البخاري (3518)، وحين ترك الحبشة يلعبون في المسجد معلّلاً ذلك بقوله: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة؛ إني أُرسلت بحنيفية سمحة" رواه أحمد (24334).
وهذا يتطلب منا أن نعطي الناس صورة إيجابيّة عن أشخاصنا ومؤسساتنا؛ لا رغبة في الاستعلاء والتميز، فالتميز السلبي هو مذموم أيضًا.

الحادي عشر: التلاؤم مع المرحلة الجديدة وتغيرات العولمة:
مع عصر العولمة والتغيّرات الهائلة في العالم بأسره –ونحن جزء منه نتأثر ونؤثر فيه- يبدو سؤال مهم يحتاجه التيار السلفيّ كغيره من قوى الساحة الدعويّة والفكريّة: ما تصوّرنا للتعامل مع هذا التحدي؟ وهل هيأنا أنفسنا للارتقاء بعملنا ورؤيتنا لمواجهة متغيّرات عصر العولمة: في تربيتنا لأولادنا، في تقديمنا الحق للناس، في تصوّرنا للمشكلات التي ستواجه الناس، في تقديمنا للحلول والعلاج؟ هل نملك وعيًا بواقع المجتمع بدرجة جيدة؟ هل حاولنا أن نستنتج إلى أين سيتجه مجتمعنا بعد عشر سنوات أو بعد عشرين سنة؟ هل نعرف ما هي قوى التغير المؤثرة في المجتمع؟ وإلى أين تسير اتجاهات القوى هذه؟ وما حجم كل اتجاه؟ ما هي رؤيتنا المستقبليّة لواقع مجتمعاتنا في ظل هذه المتغيّرات؟ وما مدى رؤيتنا لما ينبغي أن نكون عليه؟
هل لدينا رؤية واضحة لمستقبل تياراتنا الدعويّة؟ وهل حاولنا أن نقرأ المستقبل بناءً على معطيات الحاضر حتى نعدّ العدة؟ إنّ مهمتنا قد كبرت وتضخّمت، ومجريات الحياة قد تعقّدت؛ فهل يليق بنا أن نتعامل مع عصر الإنترنت وثورة الاتصالات بالعقليّة نفسها التي تعاملنا بها فيما مضى؟
إن هذه التساؤلات تفرض علينا المراجعة لأهدافنا وبرامجنا وأدواتنا؛ لنتأقلم مع متغيرات العصر، وإلا فسيتجاوزنا القطار، ونفقد مواقعنا في التأثير.
إنها طموحات وتطلعات لا تعدو أن تكون رؤى شخصيّة يأمل صاحبها أن تكون مثار بحث ونقاش وتقويم ومراجعة.


----------------------------------------
* نقلاً عن مجلة البيان – العدد (223) – ربيع الأول 1427هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية