صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الدعاة . . . والحاجة للتربية الإيمانية

أبو أحمد ( مهذب )

 
* تمهيد :
قال الله تعالى : ( ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ..)
يستوقفك هذا التوجيه الرباني الذي نزل على خير البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، الذي يعتبر هو أول مخاطب بهذا الأمر والتوجيه !!
فتعجب لذلك .. ثم تعجب حين توقن أن هذا التوجيه حتماً قرأه الصحابة وكانوا هم معنيين بهذا الخطاب ..!!
ترى .. كم كان بين إيمانهم ،وبين نزول هذا التوجيه ؟!
يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين ! !
آية .. وموقف يدعو المؤمن حقاً أن يتأمل - وربي - في هذه الآية .. وهذا الموقف !!
أربع سنين .. !!
ترى هل هي فترة كافيه أن يغفل المسلمون أو تقسو قلوبهم .. وهم على حالة يرتشفون فيها نبع الإيمان وصدق الأحاسيس والأنس بالله ويتذوقون طعم الحياة في ظل الإيمان...!!!
فهل ترى أنهم حقاً حانت منهم غفلة أو قسوة ؟!
لكنها تربية القرآن ...
تربية القرآن التي تربي في المسلم تيقظ الحس ..
وتيقظ الضمير .. مهما طال في الإسلام عمره ، وشاب مفرقه في صلاة وسجود وجهاد .!!
التربية الإيمانية ، وإيقاظ الحس والضمير .. تربية لا تعترف بفوارق الزمن طال أم قصر !!
إنها تربية تربط قلب المؤمن وحسه دوماً بربه على كل حال وفي كل مقال ومآل !!
التربية الإيمانية .. نور وضاء في جبين الداعية ..
التربية الإيمانية .. علامة الصدق ، وأمارة القبول ..
إنها شرط النصر والتمكين .. ( الذين إن مكنّاهم في الأرض اقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) ..
- أقاموا الصلاة .
- أتوا الزكاة .
- أمروا بالمعروف .
- نهوا عن المنكر .
صلاح الباطن يصدقه الظاهر ..
صلاح الذات وإصلاح الآخرين .

دواعي طرح الموضوع
لقد صرنا إلى زمن صار توضيح البيّنات فيه من الواجبات ، وما ذاك إلا لبعد الناس عن المعين الصافي والنبع الرائق .. وانشغالهم بأمور دنياهم ، وتكالب الفتن عليهم .
حتى صرت تجد الحليم في الناس من تراه يقبض على دينه وكأنه يقبض على جمرة قد احمرّت بلهيبها تحرق كفّه مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم :
( يأتي على الناس زمان القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر ) !
ومن هذا الباب غفلة خيار الناس عن هذا الجانب من التربية وترقيق القلوب ، ويمكن أن الخص في نقاط جوانب وظواهر مهمّة تبيّن لكل ذي عقل أهمية هذه التربية
- وبخاصة في حق الدعاة والمربين - فمن أسباب دواعي طرح هذا الموضوع :
1 - أن صلاح القلب وصفاؤه ينعكس إيجابا على سلوك الداعية والمربي ، والعكس بالعكس .
2 - أن عبادات القلب أعظم أجراً وأثراً من عبادات الجوارح ، لأن عبادات القلب أصل عبادات الجوارح .
عن يوسف بن أسباط قال : قال لي سفيان بعد العشاء : ناولني المطهرة أتوضأ !
فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خدّه وبقي متفكراً ، ونمت ثم قمت وقت الفجر فإذا المطهرة في يده كما هي !!
فقلت : هذا الفجر قد طلع !
فقال : لم أزل منذ ناولتني المطهرة أفكر في الآخرة حتى الساعة ..نزهة الفضلاء 1 584
ثم إن عبادة القلب وصفاءه وتزكيته يضخم عمل الجوارح ، قال ابن المبارك : رب عمل صغير تكثره النيّة ، ورب عمل كثير تصغّره النية !! نزهة الفضلاء 1 / 657
3 - ظاهرة الإكتفاء الذاتي .
فإنك صرت ترى من بعض المربين والدعاة انصرافهم عن مجالس التذكير والوعظ والرقائق ، وانصراف مناهج تربيتهم ودعوتهم عن هذا الجانب ، وذلك بحجة الإكتفاء
الذاتي ، وأن تربية المواعظ والرقائق قد جاوزوا قنطرتها ، فالموعظة والترقيق إنما هي لأولئك المبتدئين في الإلتزام أو على عتبة باب الدعوة !!
أما هم فهم أرفع من أن تقع عليهم تربية .. إنما هم مربون !!
وهذي مهلكة عظيمة وقاصمة للظهر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أطهر خلق الله واشرفهم على الإطلاق لم يكن يظن في نفسه هذا الظن بل كان يقول  ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) !
وصحابته الكرم من بعده الذين هم أشرف الخلق بعد الأنبياء يعاتبهم الله تعالى بقوله ( ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) !!  إيقاظاً لهم ، وتزكية لنفوسهم .
وقد كان السلف من بعدهم كذلك ، يقول سعيد بن جبير رحمه الله : لا يزال الرجل عالماً ما تعلم ، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون !! المجموع شرح المهذب للنووي ص 1 / 49
4 - تكالب الفتن وانتشارها ، وكثرة المتساقطين في الطريق .
وحين تنتشر الفتن وتدلهمّ المصائب ، فإنه لا يثبت على قدم الحق والتحقيق إلا من نوّر الله له بصيرته ، وتعلّق قلبه بخالقه .
5 - أول ما يُنزع من الأرض !
أن هذه التربية الإيمانية والتي أظهر ما يظهر فيها جانب ( الخشوع ) يكاد يصدق عليها - بل صدق - إخبار الصادق المصدوق بأنه أو علم يفقد من الأرض .
6 - جنوح كثير من المناهج التربوية والدعوية إلى الجانب العلمي أو النظري البحت ، فإنك ترى اليوم كيف أن الذي يدرّس الطلاب ويعلمهم اسماء الله تعالى وصفاته
أنه يغرق في الكلاميات والردود الفلسفية التي صار الإغراق فيها يخرج المقصود من تعلّم أسماء الله تعالى وإحصاءها .
إذ المقصود الأعظم من ذلك أن يكون لها اثرا ظاهرا في سلوك الناس ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) - هذا مثال واحد في جانب ظاهرة متفشيو ! -
وثالثة الثافي نبت في الأوانة الأخيرة اتجاهاً - منبهراً - بعلوم الغرب ( الإنسانية ) أو قل : فنون الإدارة وتنمية الذات ، فصرت ترى وتسمع عن قيام الدورات والأطروحات
التي تقدّر بالأثمان باهضات الثمن ، انبهاراً مخزياً ، أبعد كثيرا من مناهج التربية عن جادّتها !!
لهذا وذاك كان من الأهمية بمكان إعادة الطرح والطرق حول قضية التربية الإيمانية وضرورتها للدعاة والمربين في مثل هذا الزمن .
7 - أن التربية الإيمانية من أهم وسائل الثبات على الدين ولزوم الحق عند الهرج والمرج ، واختلاط الأمور .

ماهي التربية الإيمانية ؟!
التربية الإيمانية هي تلك التربية التي تعلق القلب بالله ، وتخلّصه من عوالق الدنيا وزخرفها وقوتها وحولها إلا بالله ..
التربية الإيمانية ..هي تلك التربية التي تطهر القلب وتزكيه فلا يكون لع تعلق بمال أو جاه أو سلطان أو رفعة أو مكانة أو شهرة ..
التربية الإيمانية ..التي ترسم على خد الداعية خطان أسودان من حرارة دمع الخضوع واللجوء لله جل وتعالى ..
التربية الإيمانية ..التي تكبح النفس عن جماح شهواتها ولذاذاتها ..
إنها التربية التي تعُنى أكثر ما تُعنى بإصلاح القلب واستقامته ، وتحقيق عبودية القلب لله جل وتعالى .
فإن صلاح القلب لازمه صلاح السلوك ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) .
ومع هذا فهي تربية شاملة تطهر القلب وتُزكّي السلوك ... وكم يتعجّب المتعجّب حين يقرأ في سيرة أحد السلف فيجد عبارة ( .. إذا رأيته تذكر الله ! )
أو ( رؤيته تذكر بالله ..! ) ونحو هذه العبارات .. وما هذا إلا اثر واضح لهذه التربية الإيمانية التي تظهر آثارها وأنوارها على الواقع ..
ومن هنا ندرك سر وصف عائشة رضي الله عنها لخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها : ( كان خلقه القرآن ) .

حاجة الدعاة والمربين إلى هذه التربية !!
يقول سيد : إن هذا القلب البشري سريع التقلب ، سريع النسيان ، وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور ، ويرف كالشعاع ؛ فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلّد وقسا
وانطمست إشراقته ، واظلم وأعتم !
فلابد من تذكير هذا القلب حتى يذكّر ويخشع ، ولابد من الطرق عليه حتى يرق ويشف ؛ ولابد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلّد والقساوة .. أ.هـ الظلال 7 / 3489
والدعاة إلى الله والمربون هم أحوج ما يكونون إلى هذه التربية وتلذيع النفس وتقريعها بالرغائب والرقائق والإشراق بنور الإيمان .. ليشرق الإيمان في دعوتهم ، في
أفعالهم وأقوالهم .. بل حتى هيئتهم وسمتهم .
أعربي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيراه متبسماً فتشرق نفسه بالإيمان وحب هذا الرسول الكريم الذي أشرقت ابتسامته بنور الإيمان
( يهد الله لنوره من يشاء ) ..!
وقد سبقت الإشارة إلى أهم أسباب طرح هذا الموضوع ، والتي تبين من خلالها شدة الحاجة لهذه التربية .

آثار التربية الإيمانية .

- حسن التأثير .
فصاحب الإيمان الذي يظهر اثره على سلوكه أقوى تأثيرا في الجمهور من ذلك صاحب الهيئة والبزّة ( المتحذلق المتمذلق ) !!
وكم تجد نفسك منساقاً متأثراً بكلام خطيب أو محاضر وأنت تسمع له من خلال ( مذياع ، أو تقرأ له في مكتوب ) من غير أن تراه فتشعر بصدق كلماته ، وكيف أنها تخالج
القلب فتجد إليه سبيلاً !
ترى هل ذلك من بلاغة اللفظ وجزالته ؟!
أم تراه لجودة الخط وحرفه ؟!
لا أجدك إلا أن تقول أنك تقرأ الصدق في كلماته ، وتشعر بنور الإيمان ينبثق من كلماته ورجعات صوته .!
وإنس سائلك : ألم يكن في زمن العرب أقوام كانوا على دين إبراهيم من مثل : قس بن ساعدة وغيره ممكن كان لهم عزوف عن أفعال وقومهم وانتقادهم لها من خلال اشعارهم ومواقفهم وكلماتهم !
فهل ترى لكلماتهم أثراً في القوم ؟!
وانظر لمّا بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ، واقرأ كيف كان لكلماته الأثر الواضح في القوم !
وإني أذكر هنا مقولة الخليفة الإمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال : ق .. هي : ق ! لكن القارئ غير القارئ !! - يعني بذلك سورة ق - .

- الإنجاز .
فإن صاحب التربية الإيمانية .. لا يؤمن بالتأجيل .. فهو يوقن ان الحياة لحظات إذا فاتت لحظة فاتت أختها .. فهو دائم العمل والإنجاز .
قال الله تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
انظر كيف جمعت هذه السورة العظيمة التربية بشقيها 0 ( العلمية والعملية ) !
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : ...الإنسان مطالب بتكميل ذاته ، وكمال الذات في ثلاث :
1 / تكميل القوة العلمية .
2 / تكميل القوة العملية .
3 / تكميل الغير ، وذلك بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر ؛ وقد تضمنت سورة العصر على قصرها هذه الأركان الثلاث في تكميل الذات .
ولنتأمل حكمة افتتاح السورة بالإقسام بالعصر الذي هو محل الأحداث ! ونتلمس في ذلك الإشارة إلى أهمية استغلال الأوقات وأن أصحاب الإنجاز الذين يعرفون قيمة الوقت
والزمن هم أولاء الذين كانت هذه صفتهم .

- الإتقان ( الإحسان ) .
وهو ما يمكن أن نعبر عنه بـ ( الجودة ) فهو ينجز انجازا متقناً .. لأنه لا ينتظر أجرا دنيوياً ، ولا ثناء عطراً ، ولا مكانة مرموقة .. إنما ينتظر وعد الله ، فهو يبني لآخرته
لا لدنياه .. ومن هنا تراه متقناً محسناً . لأنه مؤمن مصدق بـ ( إن ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) !
ولن الإيمان خالط بشاشة قلبه فهو لا يرضى بأجر عاجل فيسارع الإنجاز من غير إتقان ليحوز أجرته !!
إنما يخطو الخطى واثقاً بالله .. ولو كانت أعماله في نظر الآخرين لا تذكر !! فرب درهم سبق ألف درهم !

- سرعة التأثر .
فإن صاحب القلب المؤمن ، صاحب حس مرهف ، ونفس شفافة ..
تتأثر بالموقف والكلمة ..
وتعرف معاني الأمر والزجر .. فتأتمر وتنزجر ...
( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ) !
نفس تعطف على الصغير ..
وتحنو على الضعيف ..
إذا ذُكّر ذكر ، وإذا نسي استغفر !!

- الثبات والدوام على العمل .
فبرغم اشتداد أعاصير الفتن ، ومدلهمات الظُلم .. فهو لا يزال ثابتاً راسخاً .
من حوله يتساقط الأدعياء .. وهو كالنخلة الشمّاء في يوم عاصف !!
ثم هو لا يكتفي بالثبات .. بل يزيد الثبات دواماً واستمراراً دؤوباً في العمل .
جاء في صفة الغرباء : ( أنهم الذين يصلحون إذا فسد الناس ) ( ويُصلحون ما أفسد الناس ) !
شعارهم شعار الصدّيق : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت !!
فما أحوج الدعاة في زمن الفتنة إلى مثل هذه التربية التي تورّث ثباتاً يوم تتهافت شعارات الأدعياء ، ويسقط الدعيّ المتحذلق !

* القرآن والتربية الإيمانية .
من أسلوب القرآن الكريم أنه كان ينمي جانب الإيمان والعاطفة الإيمانية عند المسلمين في أي أمر من أمور الشرع ....
فنجد في القرآن كيف أن الله كان يعقّب بعد آيات الأحكام بقوله ( إن كنتم مؤمنين ) .. اقرأ هذا مثلا في حد الرجم ..
واقرأه في آيات الجهاد ..
واقرأه في أيات الأمر بالصلاة والزكاة ...
ولاحظ الآيات التي بدأها الله تعالى بقوله ( يا أيها الذين ءامنوا ) ...
تجد أنه قد جاء بعدها من الأوامر والتوجيهات أو الزواجر والتنبيهات ...
وهكذا كان منهج القرآن أن يثير في النفس ويربي فيها هذه التربية الإيمانية ، ويستثير فيها هذه العاطفة الإيمانية ...
ومن هنا نعلم ايضا أهمية الحرص على غرس هذه التربية في نفوس الأفراد ، لأن استثارتهم من خلال هذه العاطفة أقوى من استثارتهم بالعقليات المجردة .!

* السنة تركز على قضية التربية الإيمانية .
جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ..)
وهكذا ورد مثل هذا في غير ما موضع من السنة . يؤكد ويركز على قضية الإيمان قبل الأمر أو النهي .
ولنقف مع حدث في التاريخ ، وننظر أثر استثارة هذه العاطفة الإيمانية التي تربى عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
في يوم حنين لمّا أعطى رسول الله تلك العطايا لقبائل قريش وطائفة من العرب ، وجد الأنصار في أنفسهم موجدة ، فجاء سعد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فجمّع الأنصار في حظيرة وخطب فيهم
صلى الله عليه وسلم تلك الخطبة التي جاء فيها :
( يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وحِدّة وجدتموها عليّ في أنفسكم ؟!
ألم آتكم ضلاّلا فهداكم الله !!
وعالة فأغناكم الله !!
وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟!!
أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذوباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ... )
إلى آخر القصة ..
المقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ يستثير فيهم عاطفة الإيمان ، ويخاطبهم بها ( أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى اسلامكم ؟..)
فكانت هذه الاستثارة الإيمانية حلاًّ لمشكلة تواجه القائد في دعوته مع أفراده بل خواص أفراده .
وهكذا نجد أن الصحابة كانت تؤثر فيهم هذه الأوامر الربانية والنبوية لأنهم كانو على قدر من التربية الإيمانية ....

* السلف والتربية الإيمانية .
كان السلف رضي الله تعالى عنهم من أحرص الناس على تربية أنفسهم وغيرهم على هذه التربية الإيمانية ... لن أطيل في ذكر مواقفهم إنما أشير إلى موقف واحد وصورة معبرة من صور تربية السلف :
أتى رجل إبراهيم بن أدهم - رضي الله عنه – فقال: يا أبا اسحق، إني مسرف على نفسي
فاعرض على ما يكون لها زاجرا ومستنقذا ؟
فقال إبراهيم: إن قبلت خمس خصال ، وقدرت عليها لم تضرك المعصية ؟
قال : هات يا أبا اسحق
قال : أما الأولى فاذا اردت ان تعصي الله تعالى ، فلا تأكل من رزقه
قال : فمن أين آكل وكل ما في الأرض رزقه ؟
قال : يا هذا افيحسن بك ان تأكل رزقه وتعصيه ؟
قال : لا ، هات الثانيه
قال : واذا اردت ان تعصيه فلا تسكن في شيئا من بلاده ؟
قال : هذه اعظم ، فأين أسكن ؟
قال : يا هذا أفيحسن بك ان تأكل رزقه ، وتسكن بلاده وتعصيه ؟
قال : لا ، هات الثالثه
قال : اذا اردت ان تعصيه ، وان تأكل من رزقه ، وتسكن بلاده ، فانظر موضعا لا يراك فيه فاعصه فيه ؟
قال : يا ابراهيم ما هذا ؟ وهو يطلع على ما في السرائر ؟
قال : يا هذا أفيحسن بك أن تاكل رزقه ، وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به وما تكتمه ؟
قال : لا ، هات الرابعه
قال : فاذا جاءك الموت ليقبض روحك ، فقل له أخرني حتى اتوب توبة نصوحا ، وأعمل لله صالحا
قال : لا يقبل مني؟
قال : يا هذا فأنت اذا لم تقدر ان تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه اذا جاءك لم يكن له تأخير ، فكيف ترجو وجه الخلاص ؟
قال : هات الخامسه
قال : اذا جاءتك الزبانيه يوم القيامه ، ليأخذوك الى النار ، فلا تذهب معهم ؟
قال : انهم لا يدعونني ، ولا يقبلون مني
قال : فكيف ترجو النجاة اذن ؟
قال : يا ابراهيم ، حسبي ، حسبي ، استغفر الله وأتوب اليه
فكان لتوبته وفيا , فلزم العباده , واجتنب المعاصي حتى فارق الدنيا .

* صوارف ...
هذه جملة من الصوارف التي قد تصرفنا عن العناية بالتربية الإيمانية للذات وللآخرين :
- التصوف .
ارتبطت الرقائق بالتصوف ارتباطاً وثيقاً منذ فترة بعيدة ، وصارت جل كتب الرقائق شارحة للتصوف سارة لقواعده ، حتى طال العهد فامتزجت هذه الرقائق بشيء من البدع والخرافات والتخليط ..
ولما شاعت الصحوة وانتشرت في السنوات الأخيرة ، وجدت من يقف لهذه البدع ويدحضها .
إلا أنه نشأ عن ذلك بعدٌ سحيق عن الرقائق الإيمانية تخوّفاً من الوقوع في بدع التصوف ، فنتج عن ذلك جفاف العاطفة وصحراوية روحية .. كل ذلك بسبب الخوف من الوقوع في بدع التصوف ومحاربة التصوف .
وهذا داء عضال وصارف من تلبيس ابليس على الدعاة والمربين ...
بل التربية الإيمانية هي أصل التربية ...
وحين ينشأ الفرد على الإيمان ومعرفة الله جل وتعالى ، عابدا متعبدا مستغفرا ذاكراً فإنه ينشأ حين ذاك قوي الإرادة والعزيمة .
- التعمق في المسائل والخلافات العلمية !
تعمقاً يكون معه انشغال عن تلذيع النفس وتربيتها على الرقائق والإيمانيات التي تجعلها أكثر تعلقاً بالله .
الخلافات الفقهية قد تجعل في القلب قسوة ، يجدها من عاش هذا الحال ..
فإنه حين يرد على فلان وفلان ، ويفند دليله وحجته .. ينسيه ذلك أو يشغله عن الاهتمام بتزكية نفيه وتربيتها تربية إيمانية جادة ...
وقد فطن لمثل هذا السلف رحمهم الله تعالى ، من مثا هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة عبدالرحمن بن شريح رحمه الله : قال هانئ بن المتوكل حدثني محمد بن عبادة المعافري قال : كنّا عند أبي شريح فكثرت المسائل
غفال : قد درنت قلوبكم ، فقوموا إلى خالد بن حميد المهري استقلوا قلوبكم ، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق ؛ فإنها تجدد العبادة وتورث الزهادة ، وتجر الصداقة ، وأقلّوا المسائل فإنها في غير ما نزل
تقسّي القلب وتورث العداوة !
قال الذهبي رحمه الله صدق والله ..! فما الظن إذا كانت مسائل الأصول ولوازم الكلام في معارضة النص ؟!
فكيف إذا كانت من تشكيكات المنطق وقواعد الحكمة ودين الأوائل ؟!!
فكيف إذا كانت من حقائق الإتحادية ، وزندقة السبعينية ، وفرق الباطنية ؟!!
فوا غربتاه ، وياقلّة ناصراه .. آمنت بالله ولاقوة إلا بالله !! السير 7 / 183
فكيف إذا كانت مسائل خلاف بلا هدى ، ونزاع طيش على هوى ، وحب غلبة ورغبة استعلاء ، وإرادة خفض للآخرين .!!!
يهدّم بعضنا بعضاً ويمشي : : : أواخرنا على هام الأولي !
ولذلك حين تربى السلف أهل العلم والفقه والبصيرة في الدين على مثل هذه التربية التي جمعت بين العلوم وترقيق القلوب ، خرج لنا جيل فريد ، ومواقف فذّة تُقتدى ..
إقرأ أثر هذه التربية الإيمانية الجادة في قول الشافعي رحمه الله ( ما جادلت أحدا إلا وددت أن يجري الله الحق على لسانه ) هذا الإمام صاحب المذهب والمناقشات والمجادلات .. ومع هذا فإن ذلك لم يشغله عن
أن يربي في نفسه الإيمان الذي جعله يفرح بجريان الحق على لسان خصمه ...
- البيئة والوسط .
فإن الإنسان مدني بطبعه ...
ولذلك من الواجب على الدعاة أنيحرصوا على أن يكونوا أو يكوّنوا بيئة إيمانية تعينهم على الطاعة ...
- كثرة الشهوات والملهيات والفتن .
- طول الأمل .
- الانشغال بعيوب الآخرين وتتبع سقطاتهم .
- كثرة المخالطة بلا هدف أو فائدة .
- الذنوب والمعاصي ، والتسويف في التوبة .

طرق تحصيل التربية الإيمانية
من أعظم ما ينمي هذه التربية عند المؤمن :
- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته .
ودراسة هذه الأسماء والصفات دراسة غيمانية بعيدا عن مهاترات الفرق والطوائف الضالة .
وللأسف أن كثيرا ممن يدرسون التوحيد حين يتعرضون لقضية الأسماء والصفات فإنهم إنما يتعرضون لها من جهة سرد الخلافات وأقوال الفرق الضالة الكلامية وغيرها في ذلك ، مما لا يولّد عند الدارس أو القارئ شعوراً بأثر هذه السماء في واقع سلوكه ..
وحقيقة يعتبر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه ( مدارج السالكين ، مفتاح دار السعادة ) من أعظم من ركّز على قضية الثر الإيماني والسلوكي لأسماء الله تعالى وصفاته ... ولولا خشية افطالة لذكرت لكم نموذجاً من ذلك .

- قراءة القرآن والتدبر في آياته .
فإن قراءة القرآن من أعظم ما ينمي هذا الجانب في نفس العبد ويزكيها ويطهرها ، ولقد سمّآ الله تعالى هذا الكتاب روحاً ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا )
فهو روح تحيا به النفوس حياة حقيقية .
والوقوف عند معاني الآيات وأسباب نزولها ومعرفة أحداث التنزيل مما يؤثر أثر إيمانيا في النفس .
ولذلك يتبين لنا سر التربية التي يذكرها غير ما واحد من الصحابة بقولهم ( كنّا لا نجاوز العشر آيات حتى نعلمها ونتعلمها ونعمل بها .. يقول : فتعلمنا الإيمان قبل القرآن ) ..

- القراءة في سير السلف .
فإن القراءة في سيرهم يبعث في النفس قوة وإيماناً .

اسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا لذكره ، وأن يغفر لنا ذنبنا .. وأن يصرف عنّأ صوارف الطاعات ، وأن يثبّتنا على الحق ويرزقنا الباقيات الصالحات .
والحمد لله رب العالمين .

أخوكم : أبو أحمد ( مهذب )
منتديات ناصح للسعادة الأسريـــة
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
زاد الـداعيـة
  • شحذ الهمم
  • زاد الخطيب
  • فن الحوار
  • فن الدعوة
  • أفكار إدارية
  • معوقات ومشكلات
  • رسائل ومقالات
  • من أثر الدعاة
  • الصفحة الرئيسية