صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قبل أن نندفع خلف ( مؤتمرات الحوار بين الأديان ).. ورسالة لخادم الحرمين

سليمان بن صالح الخراشي

 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الدعوة إلى الحوار بين الأديان - في زماننا - تأتي من أحد شخصين : ( مريد الخير ) ، أو ( مريد الشر ) .

1- مريد الخير : - وهذا الظن بخادم الحرمين وفقه الله - يريد بها تهدئة الأوضاع ، وكف شر المتطاولين على الإسلام و نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتهيئة الأجواء لنشر دعوته - دون معوقات قد تعترضه - . ولكن يبقى السؤال : على ماذا سيكون الحوار ؟ - وسيأتي التوضيح - .


2- مريد الشر ، وهو من لايهمه أمر الإسلام ، إنما تهمه دنياه وأهواؤه ، ولو تنازل في سبيلها عن دينه أو شيء كثير منه - إما رغبة أو رهبة - ؛ وهؤلاء قال الله عنهم : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يُسارعون فيهم يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة ) ، وقال عنهم : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نُتخطف من أرضنا ) . فلاحرج عند هؤلاء من لبس الحق بالباطل ، أو تصحيح أديان الكفار ، أو غير هذا من الوقوع في الكفريات والانحرافات - نعوذ بالله من حالهم - . والحل مع هؤلاء : نُصحهم ، وتخويفهم أن يخسروا دينهم بسبب هذه التنازلات والمداهنات ، وتحذير المسلمين منهم ، وأن عاقبة تنازلاتهم ستُضيع الدين والدنيا ؛ لأن الكفار كلما تنازلت لهم كلما طالبوك بأكثر .. كما قال تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، وقال : ( ولئن اتبعتَ أهواءهم من بعد ماجاءك من العلم إنك إذًا لمن الظالمين ) .

ومع إرادة الشخص الأول للخير من هذه الدعوة إلا أنه لابد من تذكيره بالنتائج التي جناها المسلمون منها عبر عشرات السنين ، وعشرات الحوارات . وقد أحببتُ أن يكون هذا التذكير من  فارس من فرسان هذه الحوارات واللقاءات ؛ هو الدكتور محمد عمارة ؛ الذي كان في يوم ما مخدوعًا بها ، مؤملا عليها آمالا كثيرة ؛ إلى أن اكتشف في النهاية أن آماله تتبخر مثل السراب بعد كل مؤتمر يحضره أو يشارك فيه .
ولعل في نشر اعترافه - الذي يشهد لشجاعته - عبرة لمن يؤمل أن يجني من الشوك العنب .


يقول الدكتور في مقدمة كتيبه " مأزق المسيحية والعلمانية في أوربا " ( ص 5-14) :
( مع كل ذلك، فتجربتي مع الحوارات الدينية -وخاصة مع ممثلي النصرانية الغربية- تجربة سلبية، لا تبعث على رجاء آمال تُذكر من وراء هذه الحوارات التي تُقام لها الكثير من اللجان والمؤسسات، وتُعقد لها الكثير من المؤتمرات والندوات واللقاءات ، ويُنفق عليها الكثير من الأموال.

وذلك أن كل هذه الحوارات التي دارت وتدور بين علماء الإسلام ومفكريه وبين ممثلي كنائس النصرانية الغربية، قد افتقدت ولا تزال مفتقدة لأول وأبسط وأهم شرط من شروط أي حوار من الحوارات ؛ وهو شرط الاعتراف المتبادل والقبول المشترك بين أطراف الحوار، فالحوار إنما يدور بين "الذات" وبين "الآخر"؛ ومن ثم بين "الآخر" وبين "الذات"، ففيه إرسال وفيه استقبال، على أمل التفاعل بين الطرفين، فإذا دار الحوار -كما هو حاله الآن- بين طرف يعترف بالآخر، وآخر لا يعترف بمن "يحاوره"، كان حواراً مع "الذات"، وليس مع "الآخر"، ووقف عند "الإرسال" دون "الاستقبال"، ومن ثم يكون شبيهاً –في النتائج- بحوار الطرشان! ..

موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين هو موقف الإنكار، وعدم الاعتراف أو القبول،
فلا الإسلام في عرفهم دين سماوي، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء، حتى لتصل المفارقة في عالم الإسلام إلى حيث تعترف الأكثرية المسلمة بالأقليات غير المسلمة، على حين لا تعترف الأقليات بالأغلبية!

فكيف يكون، وكيف يثمر حوار ديني بين طرفين، أحدهما يعترف بالآخر، ويقبل به طرفاً في إطار الدين السماوي، بينما الطرف الآخر يصنفنا كمجرد "واقع"، وليس كدين، بالمعنى السماوي لمصطلح الدين؟!

ذلك هو الشرط الأول والضروري المفقود، وذلك هو السر في عقم كل الحوارات الدينية التي تمت وتتم رغم ما بُذل ويُبذل فيها من جهود، وأنفق ويُنفق عليها من أموال، ورُصد ويُرصد لها من إمكانات!

أما السبب الثاني لعزوفي عن المشاركة في الحوارات الدينية -التي أُدعى إليها-
فهو معرفتي بالمقاصد الحقيقية للآخرين من وراء الحوار الديني مع المسلمين، فهم يريدون التعرّف على الإسلام، وهذا حقهم إن لم يكن واجبهم، لكن لا ليتعايشوا معه وفقاً لسنة التعددية في الملل والشرائع، وإنما ليحذفوه ويطووا صفحته بتنصير المسلمين!

وهم لا يريدون الحوار مع المسلمين بحثاً عن القواسم المشتركة حول القضايا الحياتية التي يمكن الاتفاق على حلول إيمانية لمشكلاتها، وإنما ليكرسوا -أو على الأقل يصمتوا- عن المظالم التي يكتوي المسلمون بنارها، والتي صنعتها وتصنعها الدوائر الاستعمارية التي كثيراً ما استخدمت هذا الآخر الديني في فرض هذه المظالم وتكريسها في عالم الإسلام.

فحرمان كثير من الشعوب الإسلامية من حقها الفطري والطبيعي في تقرير المصير واغتصاب الأرض والسيادة في القدس وفلسطين والبوسنة والهرسك وكوسوفا والسنجق وكشمير والفلبين .. إلخ .. إلخ .. كلها أمور مسكوت عنها في مؤتمرات الحوار الديني.

بل إن وثائق مؤتمرات التدبير لتنصير المسلمين التي تتسابق في ميادينها كل الكنائس الغربية، تعترف –هذه الوثائق- بأن الحوار الديني –بالنسبة لهم- لا يعني التخلي عن "الجهود القسرية والواعية والمتعمدة والتكتيكية لجذب الناس من مجتمع ديني ما إلى آخر" بل ربما كان الحوار مرحلة من مراحل التنصير!

وإذا كانت النصرانية الغربية تتوزعها كنيستان كبريان، الكاثوليكية، والبروتستانتية الإنجيلية، فإن فاتيكان الكاثوليكية –الذي أقام مؤسسات للحوار مع المسلمين، ودعا إلى كثير من مؤتمرات هذا الحوار- هو الذي رفع شعار: "إفريقيا نصرانية سنة 2000م"، فلما أزف الموعد، ولم يتحقق الوعد، مد أجل هذا الطمع إلى 2025م !!

وهو الذي عقد مع الكيان الصهيوني المغتصب للقدس وفلسطين معاهدة في 30-12-1993م تحدثت عن العلاقة الفريدة بين الكاثوليكية وبين الشعب اليهودي، واعترفت بالأمر الواقع للاغتصاب، وأخذت كنائسها في القدس المحتلة تسجل نفسها وفقاً للقانون الإسرائيلي الذي ضم المدينة إلى إسرائيل سنة 1967م!!

بل لقد ألزمت هذه المعاهدة كل الكنائس الكاثوليكية بما جاء فيها، أي أنها دعت وتدعو كل الملتزمين بسلطة الفاتيكان الدينية –حتى ولو كانوا مواطنين في وطن العروبة وعالم الإسلام- إلى خيانة قضاياهم الوطنية والقومية!

وباسم هذه الكاثوليكية أعلن بابا الفاتيكان أن القدس هي الوطن الروحي لليهودية، وشعار الدولة اليهودية، بل وطلب الغفران من اليهود، وذلك بعد أن ظلت كنيسته قروناً متطاولة تبيع صكوك الغفران !

أما الكنيسة البروتستانتية الإنجيلية الغربية، فإنها هي التي فكرت ودبرت وقررت في وثائق مؤتمر كولورادو سنة 1978م:

"إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً وسياسياً، إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مخططة تخطيطاً يفوق قدرة البشر، ونحن بحاجة إلى مئات المراكز تؤسس حول العالم بواسطة النصارى، للتركيز على الإسلام ليس فقط لخلق فهم أفضل للإسلام وللتعامل النصراني مع الإسلام، وإنما لتوصيل ذلك الفهم إلى المنصِّرين من أجل اختراق الإسلام في صدق ودهاء"!!

ولقد سلك هذا المخطط -في سبيل تحقيق الاختراق للإسلام، وتنصير المسلمين- كل السبل اللا أخلاقية- التي لا تليق بأهل أي دين من الأديان- فتحدثت مقررات هذا المؤتمر عن العمل على اجتذاب الكنائس الشرقية الوطنية إلى خيانة شعوبها، والضلوع في مخطط اختراق الإسلام والثقافة الإسلامية للشعوب التي هي جزء وطني أصيل فيها، فقالت وثائق هذه المقررات:

"لقد وطّدنا العزم على العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصارى والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي، إن النصارى البروتستانت في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، منهمكون بصورة عميقة ومؤثرة في عملية تنصير المسلمين. ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها، وتقتحم بعزم جديد ثقافات ومجتمعات المسلمين الذي تسعى إلى تنصيرهم، وعلى المواطنين النصارى في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمل معاً، بروح تامة من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصير المسلمين".

فهم يريدون تحويل الأقليات الدينية في بلادنا إلى شركاء في هذا النشاط التنصيري، المعادي لشعوبهم وأمتهم !

كذلك قررت "بروتوكولات" هذا المؤتمر تدريب وتوظيف العمالة المدنية الأجنبية التي تعمل في البلاد الإسلامية لمحاربة الإسلام وتنصير المسلمين، وفي ذلك قالوا:

"إنه على الرغم من وجود منصرين بروتستانت من أمريكا الشمالية في الخارج أكثر من أي وقت مضى، فإن عدد الأمريكيين الفنيين الذين يعيشون فيما وراء البحار يفوق عدد المنصرين بأكثر من 100 إلى 1، وهؤلاء يمكنهم أيضاً أن يعملوا مع المنصرين جنباً إلى جنب لتنصير العالم الإسلامي، وخاصة في البلاد التي تمنع حكوماتها التنصير العلني"!

كذلك دعت قرارات مؤتمر كولورادو إلى التركيز على أبناء المسلمين الذين يدرسون أو يعملون في البلاد الغربية، مستغلين عزلتهم عن المناخ الإسلامي لتحويلهم إلى "مزارع ومشاتل للنصرانية"، وذلك لإعادة غرسهم وغرس النصرانية في بلادهم عندما يعودون إليها، وعن ذلك قالوا:

"يتزايد باطراد عدد المسلمين الذين يسافرون إلى الغرب؛ ولأنهم يفتقرون إلى الدعم التقليدي الذي توفره المجتمعات الإسلامية، ويعيشون نمطاً من الحياة مختلفاً –في ظل الثقافة العلمانية والمادية- فإن عقيدة الغالبية العظمى منهم تتعرض للتأثر.

وإذا كانت "تربة" المسلمين في بلادهم هي بالنسبة للتنصير "أرض صلبة، ووعرة" فإن بالإمكان إيجاد مزارع خصبة بين المسلمين المشتتين خارج بلادهم، حيث يتم الزرع والسقي لعمل فعال عندما يعاد زرعهم ثانية في تربة أوطانهم كمنصرين"!

بل إن بروتوكولات هذا المؤتمر التنصيري لتبلغ قمة اللا أخلاقية عندما تقرر أن صناعة الكوارث في العالم الإسلامي هي السبيل لإفقاد المسلمين توازنهم الذي يسهل عملية تحولهم عن الإسلام إلى النصرانية! فتقول هذه البروتوكولات:

"لكي يكون هناك تحول إلى النصرانية، فلابد من وجود أزمات ومشاكل وعوامل تدفع الناس، أفراداً وجماعات، خارج حالة التوازن التي اعتادوها. وقد تأتي هذه الأمور على شكل عوامل طبيعية، كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية، كالتفرقة العنصرية، أو الوضع الاجتماعي المتدني. وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة، فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية .. إن تقديم العون لذوي الحاجة قد أصبح عملاً مهماً في عملية التنصير! وإن إحدى معجزات عصرنا أن احتياجات كثير من المجتمعات الإسلامية قد بدلت موقف حكوماتها التي كانت تناهض العمل التنصيري ؛ فأصبحت أكثر تقبلا للنصارى " !

فهم -رغم مسوح رجال الدين- يسعون إلى صنع الكوارث في بلادنا، ليختل توازن المسلمين، وذلك حتى يبيعوا إسلامهم لقاء مأوى أو كسرة خبز أو جرعة دواء! وفيما حدث ويحدث لضحايا المجاعات والحروب الأهلية والتطهير العرقي –في البلاد الإسلامية- التطبيق العملي لهذا الذي قررته البروتوكولات، فهل يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي ومثمر مع هؤلاء؟!

تلك بعض من الأسباب التي جعلتني متحفظاً على دعوات ومؤتمرات وندوات الحوار بين الإسلام والنصرانية الغربية، وهي أسباب دعمتها وأكدتها "تجارب حوارية" مارستها في لقاء تم في "قبرص" أواخر سبعينيات القرن العشرين، ووجدت يومها أن الكنيسة الأمريكية -التي ترعى هذا الحوار وتنفق عليه- قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين، "قاعدة" ومقراً لإدارة هذا الحوار ؟!

ومؤتمر آخر للحوار حضرته في عمّان -بإطار المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية- مع الكنيسة الكاثوليكية في الثمانينيات وفيه حاولنا –عبثاً- انتزاع كلمة منهم تناصر قضايانا العادلة في القدس وفلسطين، فذهبت جهودنا أدراج الرياح!
على حين كانوا يدعوننا إلى "علمنة" العالم الإسلامي لطي صفحة الإسلام كمنهاج للحياة الدنيا، تمهيداً لطي صفحته -بالتنصير- كمنهاج للحياة الآخرة !

ومنذ ذلك التاريخ عزمت على الإعراض عن حضور "مسارح" هذا "الحوار ) ! .
انتهى كلام الدكتور عمارة .


قلتُ : فرسالتي إلى خادم الحرمين - وفقه الله -  أن يجعل حواره الأول معهم عن : مدى اعترافهم بالإسلام - كدين سماوي - ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم كرسول من الله  ؟

فإن امتنعوا .. فكيف يكون حوارٌ مع من لايعترف بدينك ولا نبيك ؟!

ويحسن بالقارئ لمعرفة المزيد عن زيف مؤتمرات حوارات الأديان أن يطلع على رسالة قيمة مطبوعة في أربعة مجلدات للدكتور أحمد القاضي بعنوان " دعوة التقريب بين الأديان " . وكذا رسالة " تسامح الغرب مع المسلمين في العصر الحاضر - دراسة نقدية في ضوء الإسلام " . وعلى هذا الرابط : يجد رسالة ( الإبطال لنظرية الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان ) للشيخ بكر أبوزيد - رحمه الله - :

http://saaid.net/Warathah/bkar/index.htm


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية