بسم الله الرحمن الرحيم

مفاسد المنافسات الرياضية

 
لقد انحرفت الرياضة في هذه العصور المتأخرة من كونها وسيلةً صحية تربوية إلى مجموعة من المخالفات الشرعية والصور الجاهلية، وإلى لون من ألوان المسخ الفكري والانحراف الخلقي، وفيما يلي بيان لبعض هذه المخالفات، وكشفٌ لمعالم هذا المسخ والانحراف:

المفسدة الأولى: وقوع حب الكافر ومودته وتعظيمه وتبجيله في قلب المسلم.
من أخطر مفاسد هذه المنافسات كسرُ الحاجز الديني بين المسلمين والكفار، ألا وهو حاجز البراء الذي هو من أوثق عرى الإيمان.
فترمي هذه المنافسات ـ فيما ترمي إليه ـ إلى أن لا يبقى في قلوب المسلمين بغضٌ للكفار من أجل الله تعالى، ولا كراهيةٌ لهم لأجل ما هم عليه من الكفر والدين الباطل ومحاربةِ الحق وأهله بشتى الطرق والوسائل، وأعظم من ذلك أن يقع في قلب المسلم حبُّ الكافر وتبجيله، وأن يجري على لسانه مدحه والثناء عليه، وأن ينظر إليه نظر التعظيم والإعجاب، فيحمل صورته على صدره وفي سيارته ويعلقها في بيته، ويغضب له إذا نيل منه وطُعن فيه، ويسعى جاهدا في الوصول إليه لمصافحته وأخذ قميصه أو توقيعه، وكثيرا ما يبلغ الأمر إلى أن يُحمَلَ هذا الكافر بالله من لاعبٍ أو مدرب أو مسؤول على أكتاف المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله، قدم عائذ بن عمرو رضي الله عنه يومَ الفتح مع أبي سفيان بن حرب على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الصحابة: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعزُّ من ذلك، الإسلام يعلو ولا يُعلَى))([1]) قال الحافظ ابن حجر: "وفي هذه القصة أن للمبدأ به في الذكر تأثيرا في الفضل لما يفيده من الاهتمام"([2])، فإذا كان هذا في مجرد التقديم في اللفظ فكيف بالمدح والثناء والتعظيم؟! ثم كيف بالرفع على الأكتاف والوقوف للأعلام؟!

المفسدة الثانية: تضليل المسلمين عن قضايا أمتهم وشغلهم عن التفكير في الاستعداد لجهاد أعدائهم.
استطاع أعداء الإسلام أن يغرقوا المسلمين في هذه المنافسات، وأن ينسوهم قضايا الأمة الكبرى ومهمتها العظمى في تبليغ هذا الدين، وأن يميتوا فيهم الحس الإسلامي، فتجد كثيرا من المتابعين لهذه المنافسات لا يكترث ولا يأبه بما يحدث لإخوانه المسلمين المستضعفين في شتى بقاع العالم، من تشريد وتقتيل وتعذيب وتنكيل، وانتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات، بل شغلهم الشاغل تقصي أخبار المنافسات وتتبع نتائج المباريات والشغف بمعرفة وضعية اللاعبين المادية والاجتماعية، إلى غير ذلك من السفاسف والمهازل.
قال الشاعر واصفًا حالهم أمام المباريات:

أمضى الجسور إلى العلا     بزماننا كرة القـدم
تحتل صـدر حيـاتنا         وحديثها في كل فم
وهي الطريق لمن يريد      خميلة فوق القمـم
أرأيت أشهرَ عندنـا       من لاعبي كرة القدم
أهم أشـدُّ توهجـاً       أم نار برقٍ في علم؟!
لهم الجباية والعطـاء      بلا حدود والكـرم
لهم المزايا والهبـات     وما تجود به الهمـم
كرة القدم
الناس تسهر عندهـا      مبهورةً حتى الصبـاح
وإذا دعا داعي الجهاد     وقال حي على الفلاح
غطَّ الجميـع بنومهم       فوزُ الفريق هو الفلاح
فوز الفريق هو السبيل     إلى الحضارة والصلاح
كرة القدم
صارت أجلَّ أمورنا      وحياتَنا هذا الزمن
ما عاد يشغلنا سواها      في الخفاء وفي العلن
واللاعب المقدام تصـ      نع رجله مجـدَ الوطن
عجباً لآلاف الشباب      وإنهم أهـل الشـيم
صرفوا إلى الكرة الحقيـ      ـرة فاستبيح لهم غنم
دخل العـدو بلادهم      وضجيجها زرع الصمم
أيسـجل التاريخ أنـا      أمـة مسـتهتـرة؟!
شهدت سقوط بلادها        وعيونها فوق الكرة([3])

المفسدة الثالثة: صرف همم المسلمين عن الاشتغال بمقاصد الشرع ومعالي الأمور، وشغلُهم بالسفاسف والمهازل.
إن هذه المنافسات هي في الحقيقة معول هدم في بناء الأمة الإسلامية؛ استخدمها أعداء الإسلام وشجعوا عليها للقضاء على الهمم وإماتتها وتحقيرها في نفوس المسلمين، ومما يؤكد ذلك ما جاء في البروتوكول الثالث عشر من برتوكولات حكماء صهيون وهذا نصه: "ولكي تبقى الجماهير في ضلال لا تدري ما وراءها وما أمامها ولا ما يراد بها، فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج والمسليات والألعاب الفكهة وضروب أشكال الرياضة واللهو... ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية ورياضية"([4]).

المفسدة الرابعة: تضليل المفاهيم ونكس المعايير.
وهو ما يمكن أن يطلَق عليه اسم: حرب المصطلحات، فإن من أخطر أسلحة أعداء الإسلام وأفتكها في محاربة الإسلام والمسلمين تغييرَ الأسماء وتزييف الحقائق، فيسمون الحق بالأسماء الشنيعة الوضيعة المنفِّرة، ويسمون الباطل بالأسماء الجميلة الحسنة المرغوبة، وما أكثر ذلك في هذا العصر العصيب.
وفيما يخص هذا الموضوع نجد التلاعبَ بالألفاظ على أشُدِّه، فهم يسمون اللاعب الذي يكفيه حِطةً أنه يلعب ويلهو، يسمونه بطلا ونجمًا وصانعَ تاريخ ومحققَ أمجاد، ويسمون غلبةَ أحد المتنافسين نصرا ونجاحا وفوزا وفلاحا، وما كانت العرب تقول قبل الإسلام ولا بعده إلا: سابقه فسبقه، وصارعه فغلبه، ونحو ذلك، عريًّا عن ألفاظ النصر والنجاح والفوز والفلاح التي يموَّه بها في هذا العصر، ويسمون احترام المنافِس وتقديره روحا رياضية تملُّصًا من الاعتراف بأن ذلك من المطالب الدينية وهربًا من اللغة الشرعية، ويسمون المشجعين المتفرجين المضيعين لأوقاتهم أنصارا، وليت شعري أين هم من أنصار المهاجرين؟! ثم ليت شعري أين هم من أنصار الدين؟! ويسمون الأصوات القبيحة والأفعال المنكرة التي تصدر منهم علاماتِ فرحٍ بريء ومظاهرَ عرس بهيج، ويسمون مباريات القمار مبارياتٍ رسميةً والأخرى يسمونها مباريات ودِّية أو حبية ولو كانت مع ألد أعداء الدين والإنسانية، إلى غير ذلك من التحريف والتزييف الذي يروِّجون به لباطلهم ويحاربون به الحق وأهله.

مفسدة الخامسة: تقديم القدوة السيئة الدنيئة للطفل والشاب المسلم.
إن التربية بالقدوة من أعظم الوسائل التربوية تأثيرا في النفس، وقد أرشد إليها القرآن الكريم فقال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ} [الممتحنة:4]، وقال سبحانه: {أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِه} [الأنعام:90]، واعتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا فمن ذلك قوله: ((اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكر وعمر))([5]).
وإن من أهداف هذه المنافسات غرس القدوة السيئة والأسوة الدنيئة في أذهان النشء، والحيلولة بينهم وبين القدوات الزكية التي ينبغي أن تُتَّخذ. ومن وسائلهم في تحقيق ذلك تكثيف اهتمام أجهزة الإعلام بأولئك الرياضيين، وتتبع أخبارهم وما يتعلق بهم من صغير أو كبير، ووصفهم بالأبطال والنجوم والأسود وغير ذلك من الألفاظ النافخة، مما يجعل الطفل والشاب لا يهتم بعلم ولا عمل، وليس له في تحقيق العزة والتمكين همٌّ ولا أمل، بل همُّه الوحيد وأمله الفريد أن يصبح بطلا من الأبطال ونجما من النجوم!! وقد بلغ الأمر بكثير من الشباب إلى حد تقليد أولئك الذين لا خلاق لهم والتشبه بهم، بل ربما اقتدوا بهم في عاداتهم وحركاتهم الخبيثة والكفرية.

المفسدة السادسة: الصدُّ عن ذكر الله تعالى وعن الواجبات الشرعية.
كثير من المتابعين لهذه المنافسات تصدُّهم عن ذكر الله تعالى وأعظمُ ذلك الصلاة، وهذا أمر معروف عند الناس عامتهم وخاصتهم، لا ينكره إلا مكابر، وتعاطي ما يصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة حرام. فكم من أناس ممن يتابعون المباريات يسهرون إلى النصف الأخير من الليل ليشاهدوها ثم تفوتهم صلاة الفجر، وكم منهم من يتخلف عن الجماعة بسبب الجلوس أمام الشاشات، بل منهم من لا يحضر الجمعة لأجل ذلك، أضف إلى ذلك ما يقع من كثير من الغارقين في أوحال هذه المنافسات من تضييع لحقوق الوالدين والأولاد والأرحام، بحيث يقدمها على مصالحهم وحقوقهم.
قال الله تعالى: {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأنصَابُ وَٱلأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ l إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة:90، 91]، قال القرطبي رحمه الله: "فكل لهو دعا قليله إلى كثير وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه وصد عن ذكر وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حراما مثله. فإن قيل: إن شرب الخمر يورث السكر فلا يقدر معه الصلاة وليس في اللعب بالنرد والشطرنج هذا المعنى، قيل له: قد جمع الله تعالى بين الخمر والميسر في التحريم، ووصفها جميعا بأنهما يوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة، ومعلوم أن الخمر إن أسكرت فالميسر لا يسكر، ثم لم يكن عند الله افتراقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم لأجل ما اشتركا فيه من المعاني، وأيضا فإن قليل الخمر لا يسكر كما أن اللعب بالنرد والشطرنج لا يسكر، ثم كان حراما مثل الكثير، فلا ينكر أن يكون اللعب بالنرد والشطرنج حراما مثل الخمر وإن كان لا يسكر، وأيضا فإن ابتداء اللعب يورث الغفلة فتقوم تلك الغفلة المستولية على القلب مكان السكر، فإن كانت الخمر إنما حرمت لأنها تسكر فتصد بالإسكار عن الصلاة فليحرم اللعب بالنرد والشطرنج لأنه يغفل ويلهي فيصد بذلك عن الصلاة والله أعلم"([6]).

المفسدة السابعة: استعباد النفس والسيطرة على المشاعر.
لا يستطيع أحد أن ينكر أفاعيل كرة القدم المؤثرة على نفسية اللاعب والمتفرج على حد سواء، ولا أدل على ذلك مما يعرض لبعض المتفرجين من أزمات قلبية تؤدي للوفاة غالباً، بسبب تتبع المباريات بنفس منقبضة وأعصاب متوترة وعضلات متشنجة، وهذه الصور تعكس ارتداد ونكوص الرياضة عن دورها الصحيح في تهذيب الروح وبناء الجسم إلى سلاح زعاف يفتك بالأنفس والأرواح، وما أقبح موتَ من يموت في الملعب أو على مدرجات الملاعب أو يموت في سبيل فريق كرة، وما أسوأ مبعثه، فإن المرء يبعث على ما مات عليه، نسأل الله تعالى حسن الختام.
وهذا مثال حي نشرته صحيفة (الأخبار) المصرية([7]) حيث جاء فيها: "مات رئيس مجلس إدارة شركة النصر لمنتجات الكاوتشوك بالسكتة القلبية عندما سجل (الجارم) هدف الفوز للاتحاد في مرمى الأهلي في مباراة كأس مصر، كان… يتابع المباراة أمام الشاشة الصغيرة بين أفراد أسرته في منزله، وعندما أحرز الأهلي هدفه الأول قفز من مكانه واحتضن ابنته وابنه تعبيراً عن فرحته، واستمر يتابع المباراة بحماس إلى أن سجل الاتحاد هدف الفوز، وقبل نهاية المباراة بثوان وعندما فقد الأمل في التعادل انسحب من أمام التلفزيون، ودخل غرفته متعباً لينام بعد انتهاء المباراة، ودخلت زوجته إلى الغرفة فوجدته قد فارق الحياة، ويده على قلبه".

المفسدة الثامنة: إفساد العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية.
إن هوس هذه المنافسات قد اقتحم بيوتات كثير من الناس، ودخلها من غير استئذان، وعثا فيها بالإفساد وزرع الشقاق والخلاف، فكم من طلاق وقع كان سببه هذه المباريات، تجد الزوج يتعصب لفريق معين، فإذا انهزم فريقه صبَّ جام غضبه على زوجته وربما ضربها من فرط الغضب، وكم حصل بين الإخوة من مشاجرات ومضاربات بسبب اختلافهم في الفريق الذي يشجعونه([8]). وهذا ما يطمع إليه أعداء الدين لكي يتصدع كيان الأسرة المسلمة، وتحل بالأمة النقمة.

المفسدة التاسعة: الوقوع في سب الوالدين ولعنهما.
كثيرا ما تثير هذه المنافسات السب والشتم واللعن المتبادلَ في سعار يمس بعقيدة الشاتم والمشتوم معا، فلقد اعتاد كثير من المشجعين بذاءة اللسان، ووقاحة العبارة، والتخاطب بالفحش من قذف ولعن وسباب، تارة في اللاعب، وتارة في الحاكم، وتارة فيما بينهم، مما يوقع الإنسان حتما في سب والديه، وهذا من كبائر الذنوب كما قال رَسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلّم: ((إنَّ مِن أَكبرِ الكَبائرِ أن يلعنَ الرَّجلُ والِدَيه))، قيل: يا رَسولَ اللَّه، وكيفَ يلعنُ الرَّجلُ والديه؟! قال: ((يَسُبُّ الرَّجلُ أبَا الرَّجلِ فيسُبُّ أباهُ، وَيَسبُّ أمَّه فيسبُّ أمَّه))([9]). فيا لله كم من لعنة عادت على صاحبها!!.

المفسدة العاشرة: إثارة الكراهية والبغضاء والعداوة والشحناء.
زعموا أن هذه المنافسات الرياضية وسيلة حضارية لتمتين العلاقات وتعميق مشاعر التآلف والاندماج وإقامة جسور التواصل والتعايش، ولكن التاريخ يشهد والواقع يشهد بأنها ما كانت إلا مِسعر حرب ووقود فتن وفتيلاً لإشعال نيران العداوة والبغضاء، سواء بين اللاعبين أو بين مشجعي الفرق المتنافسة، بل إن ضحايا ومآسي هذه المنافسات أضعاف ما يحصل من جراء تناول الخمور والمخدرات، مما يريح الصادق في معرفة حكم هذه المنافسات من عناء التأمل والنظر وجمع الأدلة، ولا يتحرج أدنى حرج من إلحاقها بحكم الخمر والميسر بجامع إثارة العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة.
والدليل على هذا من ذاكرة التاريخ:
في (16 تموز 1950م) اضطرَّ منظمو المباراة لكأس العالم ـ التي أقيمت في البرازيل بين (البرازيل والأورغواي) ـ إلى حفر حفرة طولها ثلاثة عشر مترا، وعرضها أكثر من متر ونصف لتحمي اللاعبين من الجمهور.
في (23 مايو 1963م) خلال مباراة تصفية للدورة الأولمبية في (ليما) بين البيرو والأرجنتين نشب خلاف على صحة هدف تسبب في حدوث اصطدامات بين المشجعين، أدى إلى مصرع 320 شخصاً وإصابة ألف آخرين بجراح وكسور مختلفة.
في (17 سبتمبر 1967م) قُتل 48 شخصاً وأصيب 600 خلال مشاجرات بين أنصار فريقين في (قيصرى) بتركيا إثر خلاف على صحة هدف.
في (25 يونيو 1969م) في (كيركلا) بتركيا نشب عراك عنيف بين المتفرجين بعد هدف اختلف في صحته، مما أدى إلى مقتل 15شخصاً وجرح 102 آخرين.
في (16 أغسطس 1980م) قتل 18 شخصاً وأصيب مائة آخرين في مدينة (كلكتا) الهندية عندما قام الحكم بطرد اثنين من اللاعبين لارتكابهم مخالفات في الملعب.
في (18 نوفمبر 1982م) قتل 24 شخصاً وأصيب 210 آخرين في مدينة (كالي) في كولومبيا نتيجة عراك نشب بين مشجعين مخمورين.
في (29مايو 1985م) قتل 39 شخصاً وأصيب 600 بجروح وكسور مختلفة إثر أحداث عنف نشبت بملعب (هيسل) ببروكسل بين مشجعي فريق إنكليزي وآخر إيطالي([10]).
فهذا غيض من فيض من تلك المشاهد التي تتكرر والتي ستبقى وصمة عار وانحدار في جبين هذا العصر على مدى العصور والأزمان([11]).

ولم يقتصر العنف على ملاعب كرة القدم فحسب، بل تجاوز هذا المجال ليصل إلى زعزعة العلاقات الدولية التي تربط بين دولتي الفريقين المتنافسين وتعريضها للقطيعة، وربما في بعض الأحيان إلى حرب ضارية يسقط فيها آلاف القتلى فداء لروح الفريق الوطني ونصرةً لسمعته الكروية، كما حدث بين دولة الهندوراس ودولة السلفادور حيث قامت بينهما حرب شاملة سنة 1969م أطلق عليها حرب كرة القدم بسبب النزاع على نتيجة مباراة دولية بينهما، وقد استمرت الحرب سبعة أيام، وقتل فيها ما يزيد على ألفين من الجانبين([12]).

المفسدة الحادية عشرة: تبذير الأموال.
من لوازم هذه المنافسات امتصاص الدخل القومي للبلاد، حيث تُصرف الأموال الطائلة في نفقات تجهيز الملاعب، ودعم النوادي، وتأمين تكاليف إقامة المباريات، وإصلاح الأضرار المادية التي تلحق المرافق العمومية وتجهيزات الدولة من جراء تعبير الجماهير عن سخطها وعدم ارتياحها لعطاءات فريقهم، أضف إلى ذلك ما تتطلبه مواجهة الجماهير من تجهيزات أمنية تشكل عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة، ومن المؤكد أن آثار ذلك تنعكس مباشرة على الشريحة الفقيرة في المجتمع.
ومن المؤسف حقاً أن تتصدر بعض الدول الإسلامية والعربية قائمة الدول التي ترصد لهذه الرياضة قدراً مهما من ميزانيتها، بل وبعضها تنفق في هذا المجال ما لا تنفقه في مجال الدين والعلم.
وأدهى من هذا كلِّه وأمرّ أن يُستضاف لاعبٌ واحد بمبالغ خيالية ليشارك في مباراة واحدة، كما حصل للاعب المشهور مثَلِ السوء، وقد فاق كرمُ إحدى دول شمال إفريقيا العربية حدودَ العقل والواقع تجاه مدرب فريقها الوطني الذي يتقاضى شهرياً ما قيمته 25 مليون سنتيم، أي ما يعادل الراتب الشهري لخمسين أستاذاً بالتعليم العالي. وأنكى من ذلك أن إحدى الدول الإسلامية الكبرى استعانت بمدرب نصراني صربي بمرتب كبير لأحد أنديتها، والمسلمون في البوسنة والهرسك يُذبحون ذبحَ الشياه، وتُنتهك آدميتُهم بطريقة بشعة تذهل العقول وتحير الألباب.

المفسدة الثانية عشرة: كونها مرتعا خصبًا للميسر والقمار.
تتيح هذه المنافسات مجالاً واسعاً لمسابقات التخمين والقمار التي جاء الشرع بتحريمها، كالتي يشرف عليها الاتحاد العالمي لفرق كرة القدم الذي يعرف بالفيفا، والتي تقوم بمراهنات أسبوعية لنتائج المباريات لمعظم المدن الأوربية، ويحصل مثل ذلك حتى في بعض الدول العربية تحت اسم (لوتو). وتذهب إيرادات هذا الميسر الضخمة لصالح المتراهنين الفائزين، وللمؤسسات الرياضية، وللقائمين على هذا القمار الآكلين أموال الناس بالباطل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قال لصاحبه: تعال أقامرْك، فليتصدق))([13])، قال الشوكاني رحمه الله: "قوله: ((فليتصدق)) فيه دليل على المنع من المقامرة؛ لأن الصدقة المأمور بها كفارة عن الذنب"([14]).
ولا يخفى على العقلاء ما للقمار من أثر بليغ في تحطيم اقتصاد البلاد، وتعطيل الطاقات والقدرات، وتكثير البطالة والعاطلين، واستنزاف أموال الشعوب، وشحنهم بالحقد والغل والكراهية، وتركيب العقد النفسية فيهم، إلى غير ذلك من المفاسد التي لا تحصى.

المفسدة الثالثة عشرة: ضحايا كوارث الملاعب.
من المضاعفات الخطيرة التي تسفر عنها ازدحامات الملاعب بالمشاهدين وتحميلها فوق طاقتها وقوع كوارث ضحاياها شباب في مقتبل العمر، وأطفال لم يبلغوا الحلم، يلقون حتفهم إما بسبب انهيارات لبعض المدرجات أو لاندفاع الجماهير نحو أبواب الخروج أو لأسباب أخرى، وفيما يلي بعض ما حفظه لنا التاريخ من هذه الأحداث:
في (9 مارس 1946م) قتل 33 شخصاً وأصيب 500 نتيجة تدافع المشاهدين في مدينة (بول تاون) الرياضية.
في (يناير 1966م) قتل 66 شخصاً في (غلاسكو) بأسكتلندا بسبب سوء تنظيم المباراة.
في (23 يونيو 1968م) أدى إطلاق الأسهم النارية في (بيونس إبريس) بالأرجنتين إلى إثارة الرعب في صفوف الجمهور الذي اعتقد أن ثمة حريقاً قد نشب في المدرجات، وقد تسبب ذلك في مقتل 80 شخصاً وجرح 150 آخرين.
في (25 ديسمبر 1973م) في (بياكفو) بالكونغو لقي 27 شخصاً مصرعهم وأصيب 52 آخر بسبب التدافع الذي حصل داخل الملعب وخارجه.
في (17 فبراير 1973م) اقتحم حوالي 80 ألف متفرج ملعب نادي الزمالك القاهري الذي كان لا يتسع لأكثر من نصف العدد، وذلك خلال مباراة ودية ضد تشيكوسلوفاكيا، وقد أدى التدافع إلى دوس 48 شخصاً تحت الأقدام، وإصابة عدد مماثل بجروح ورضوض خطيرة.
في (14 أغسطس 1979م) قتل 24 شخصاً وأصيب 27 آخر بعد مباراة في (لاغوس) النيجيرية، وذلك بسبب قيام المسؤولين على الملاعب بإطفاء الأنوار قبل انتهاء المشاهدين من الانصراف.
في (20 أكتوبر 1982م) بملعب (لينين) بموسكو سجل فريق هولندي الهدف في وقت كان جزء كبير من المشاهدين قد بدأ في الانصراف، وقد تدافع المشاهدون في العودة إلى المدرجات مرة أخرى للتعبير عن فرحتهم بالهدف، ونتج عن ذلك مصرع 20 شخصاً.
في (11 مايو 1985م) في (برادفورد) بإنجلترا شب حريق خلال مباراة محلية أثارت رعباً وفزعاً في صفوف المتفرجين الذين هربوا نحو أبواب الملعب التي كانت مغلقة، وأدى الحادث إلى مصرع 53 شخصاً وإصابة أكثر من مائتين.
في (14 مارس 1988م) في (كتماندو) بنيبال قتل 72 شخصاً وأصيب 27 خلال تدافع المتفرجين إثر انقطاع التيار الكهربائي بفعل عاصفة هوجاء، وغادر المتفرجون مدرجات الملعب نحو الأبواب التي كانت مغلقة.
10ـ في (15 أبريل 1989م) في ملعب (هيلزبر) بمدينة (شيفيلد) الإنجليزية، اجتاحت أفواج من المشجعين المتدافعين بوابة الملعب، واتجهت صوب مدرجات كانت مليئة عن آخرها، ونظراً لكون التدافع والتزاحم على أشدهما تعرض المتفرجون الذين كانوا من وراء الشبابيك الحديدية إلى ضغوط هائلة أدت في ظرف ساعتين اثنتين إلى مصرع 95 شخصاً وإصابة أكثر من مائتين برضوض واختناقات وإصابات مختلفة([15]).

ومع كل هذا العار والشنار عند أولئك القوم تجدهم يستغلون بعض الحوادث في المواسم الدينية لدى المسلمين، فيضخمونها ويُشغلون الإعلام بها ويسوِّدون بها صفحات الجرائد والمجلات ويطيرون بها كل مطار، ويستثمرونها في الطعن في الإسلام والمسلمين، ومن لم يستح يصنع ما يشاء.

المصدر موقع المنبر ولمزيد من التفصيل أضغط هنا

-----------------------------
([1]) أخرجه الدارقطني ومحمد بن هارون الروياني في مسنده من حديث عائذ بن عمرو المزني بسند حسن ورويناه في فوائد أبي يعلى الخليلي. كذا في الفتح (3/220)، وأشار إلى أن القصة عند الخليلي فقط.
([2]) فتح الباري (3/220).
([3]) قصيدة للدكتور وليد قصَّاب نشرها في مجلة (التوحيد) السنة السادسة والعشرون، العدد (الحادي عشر)، ذو القعدة، سنة 1418هـ (ص64).
([4]) بروتوكولات حكماء صهيون (1/258) ترجمة عجاج نويض.
([5]) أخرجه أحمد (22734)، والترمذي في المناقب (3662)، وابن ماجه في المقدمة (97) من حديث حذيفة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".
([6]) الجامع لأحكام القرآن (6/290).
([7]) بتاريخ 12 مايو 1973م.
([8]) انظر: "حينما ننحرف بالرياضة" لأحمد الشرباصي، مجلة الوعي الإسلامي، العدد (106) 24 أكتوبر 1973م.
([9]) أخرجه البخاري في الأدب (5973) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (90) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
([10]) انظر: "حادث شيفيلد الكروي" عزوز شخمان، جريدة الإصلاح المغربية السنة (3) العدد (41) الجمعة 6 شوال 1408هـ / 12 مايو 1989م.
([11]) انظر: فن الكرة، لروحي جميل (ص114)، وقضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية لمادون رشيد (ص323) وما بعدها.
([12]) انظر: "حادث شيفيلد الكروي" عزوز شخمان، جريدة الإصلاح المغربية السنة (3) العدد (41) الجمعة 6 شوال 1408هـ / 12 مايو 1989م.
([13]) أخرجه البخاري في الأيمان، باب: لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت (4860)، ومسلم في الأيمان (1647) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([14]) نيل الأوطار (8/106).
([15]) انظر: "حادث شيفيلد الكروي" لعزوز شخمان، جريدة الإصلاح المغربية السنة (3) العدد (41) الجمعة 6 شوال 1408هـ/ 14 مايو 1989م

الصفحة الرئيسة