صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حكم تداول او نشر الطرائف او النكات الساخرة

رضوان بن أحمد العواضي


بسم الله الرحمن الرحيم


ابتلي الكثير من الناس في زماننا هذا ، وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي ، بنشر الطرائف او النكات الكاذبة ،او الساخرة، ومرام كل واحد من هؤلاء إضحاك الناس، واسعادهم ،كما يظن البعض منهم او يتصور!.

ولكن الأمر بخلاف ذلك ،اذ يحرم على العبد نشر مثل هذه الطرائف، او التفكه بها؛ في المجالس ،او على صفحات التواصل الإجتماعي، وغيرها ، وذلك للوجوه العشرة التالية:

الأول : ورود النهي الصريح الصحيح المقتضي للتحريم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا الأمر.
فقد روى الترمذي ،و أبو داوود ،و أحمد ، وابن ماجة ، وحسنه الألباني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ،ويل له ،ويل له ) .
قال المناوي – رحمه الله - في فيض القدير:( "ويل له ، ويل له"، كرره إيذانا بشدة هلكته ،وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم ، وجماع كل فضيحة ، فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب ويجلب النسيان ويورث الرعونة، كان أقبح القبائح ) أهـ.

الثاني : ان في هذه المنشورات معصية لله جل وعلا ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا بين ؛ لما فيها من الكذب ، الذي نهى الله ورسوله عنه.
قال الله جل وعلا :(يآ أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة:"119"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في الصحيحين:
(إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في مجموع الفتاوى:(المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر عاص لله ورسوله)أهـ.

الثالث :
ان فيها - كما هو الغالب - شيء من السخرية ،وانتقاص فئة من الناس ، وهذا لا يجوز لقوله تعالى :(يآ أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) الحجرات : "11" ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ،كما عند أبي داود، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا "تعني قصيرة" ، فقال:(لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته).
قالت : وحكيت له إنساناً فقال:(ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا
وكذا) صححه الالباني في سنن أبي داود.

الرابع : ان فيها قذف للناس ، وتهمة لهم بما ليس فيهم ؛ كرمي جماعة من الناس ،او بلدة ،او قبيلة ،ونحو ذلك، بالفحش ،او نقص عقل وسوء تدبير، او اتهامهم بفعل قبيح او مهين ،وهم برءاء من ذلك وأمثاله ،وربما كان القائل من فعل ذلك ،ثم يتهم بفعله هذا غيره ممن لا علاقة له به ، وقد حرم الله هذا كله، فقال سبحانه وتعالى ) :إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )النــور :"15".
وقال جل وعز :(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)النساء:"112".

الخامس :
ان فيها غيبة للناس ان كان فيهم ما قيل ،او بهتان مبين ان لم يكن فيهم ما قيل ، وهذا بين ظاهر لمن تأمل ذلك.
فبعض الناس قد يتفكه بما وقع فيه البعض من خطأ ، فيضحك غيره بذلك ، فيأثم ويأثمون جميعا على ذلك.
وهذا عين الغيبة التى نهى الله عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى:(وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) الحجرات:"12".
قال الآلوسي رحمه الله:(كنى عن الغيبة بأكل الإنسان للحم مثله؛ لأنها ذكر المثالب وتمزيق الاعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه، وجعله ميتًا لأن المغتاب لا يشعر بغِيبته)أهـ.
وفي الحديث الصحيح :
قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال:(ذكرك أخاك بما يكره).
قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟
قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) رواه مسلم.
وتزيد خسارة العبد في الغيبة بعدد من اغتابهم ،وفي حديث المفلس ) : من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في
النار) رواه مسلم والترمذي.
والنهي عن الغيبة لا يخص المسلم فحسب، بل ويشمل الذمي أيضا، فلا تجوز غيبته ،كما نص على هذا أهل العلم.

السادس
:ان فيها تعاونا على الإثم والعدوان ، ويظهر هذا في تفكه بعض الناس بهذه الطرائف ،ثم نشرها ،وتواصيهم بذلك، وانتقالها بذلك من شخص لآخر ، ومن بلد الى آخر، وهكذا.
وربنا سبحانه وتعالى قد نهى عن هذا وحذر منه فقال سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب)المائدة :"2".

سابعاً :
ان فيها استطالة في أعراض الناس ،وحرماتهم ، وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الرِّبَا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثل إتيان الرجل أمَّه ، وإن أرْبَى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) صححه الألباني في الصحيحة.
والمراد بها هنا :الوقوع في عرض المسلم بما ليس فيه من قول او فعل ونحوهما.

ثامناً :
ان تفشي مثل هذه المنشورات ، وانتشارها بين الناس ، جعل من السهل لدى الكثير منهم - الا من رحم الله- قبول التفكه والسخرية حتى بآيات الله وشعائره – وهذا مشاهد وملاحظ للجميع ، حتى رأينا من يسخر او يضحك ، او يستهزأ بالصلاة ، فينشر مقاطع لأناس قصدوا بها اضحاك الناس ، والله المستعان .
وفي هذا من الخطورة على دين العبد وإيمانه الشيء الكثير، إذ رتب الله تعالى على فعل هذا الأمر؛ الكفر به وبدينه وبكتابه الكريم .
فقال الله تعالى :(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).التوبة : "65-66".

التاسع :
ان فيها سوء ظن بالمسلمين ، واعتقاد سوء حالهم ، وربما هلاكهم ، وهذا مما نهى الإسلام عنه وحذر منه ، فقال الله تعالى:(يآ أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) ، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :(إيَّاكم والظنَّ؛ فإن الظن أكذب الحديث ) .
قال الخطابي – رحمه الله -:(ليس المراد ترْك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبًا، بل المراد ترْك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به، وكذا ما يقع في القلب بغير دليلٍ)أهـ.
وقال القرطبي - رحمه الله - :(المراد بالظن هنا التُّهمة التي لا سببَ لها)أهـ.
وعند مسلم ،وغيره:(إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم).
قال ابن عبدالبر في التمهيد: (هذا معناه عند أهل العلم : أن يقولها الرجل احتقارا للناس وإزراء عليهم وإعجابا بنفسه : وأما إذا قال ذلك تأسفا وتحزنا وخوفا عليهم ؛ لقبح ما يرى من أعمالهم ، فليس ممن عني بهذا الحديث) أهـ.

العاشر :
أن في هذه الطرائف المحرمة ،أذية للمسلمين والمسلمات ، وهذا ما حرمه الله على عباده، ورتب على فعله العقاب الشديد ،فقال سبحانه وتعالى:
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )الأحزاب58:.

والله أعلم ..

والحمد لله رب العالمين.

الخميس : 14- ربيع الآخر– 1438 هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية