صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







علامة العراق (( د.عبد الكريم زيدان )) حياته وآثاره

د.حذيفة السامرائي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


لا يخلو تاريخ الأمة من بزوغ أنوار علماء أجلاء يجددون أمر الدين ينافحون عنه ويدعون إليه، يشرحون ما استشكل من مغالقه ويفتحون أبواب التغير في الفكر والأخلاق ، ينيرون القلوب ويزيلون ما ران على الأنفس والأرواح من أدران المادة.

وها نحن نقف اليوم على ساحل عالم جليل مجاهد مجتهد نذر نفسه للعلم متخذاً إياه دوراً يهدي به الأجيال إلى طريق الحق والعزة والانعتاق ، متمماً رسالة الأنبياء في التبليغ، وإجلاء الحقائق وخدمتها، مؤدياً بذلك الأمانة الملقاة على عاتقه بكل صدق وصبر، لم يثره قول حاسد ولا افتراء مفتر، وها هو ينتقل باحثاً عن مواطن الرباط ليشد إليها رحاله مترفعاً عن مكاسب الدنيا الفانية ومتاعها الزائل. إنه العلامة الدكتور (( عبد الكريم زيدان رجمه الله )) .

يعد من أعلام الأمة الإسلامية ، ومن بقية جيل من الرواد الكبار ، حيث قضى عمره في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله ، في التدريس والتأليف والتربية ، وعرف بجهوده الفقهية وإسهاماته العلمية الكبيرة ، ورده على أعداء الإسلام .

ولد الدكتور عبد الكريم زيدان بهيج العاني ببغداد سنة: (1917م) ونشأ فيها وتدرج. تعلم قراءة القرآن الكريم في كتاتيب تعليم القرآن الأهلية، أكمل دراسة الأولية في بغداد، دخل دار المعلمين الابتدائية وبعد تخرجه منها أصبح معلماً في المدارس الابتدائية ، ثم دخل كلية الحقوق ببغداد وتخرج منها. ثم التحق بمعهد الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة ونال درجة الماجستير بتقدير: (امتياز) وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة سنة: (1962م) برتبة: الشرف الأولى ، تخصص: الفقه الإسلامي.

تنقل بين مناصب عدة في العراق وخارجها: تولى أستاذية الشريعة الإسلامية ورئيس قسمها بكلية الحقوق، ثم أستاذ الشريعة الإسلامية ورئيس قسم الدين بكلية الآداب جامعة بغداد سابقاً ، كما تولى أستاذية الشريعة الإسلامية بكلية العلوم الإسلامية ببغداد وتولى عمادتها ، ثم بعد ذلك رحل إلى اليمن وعمل أستاذاً للفقه المقارن بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة صنعاء.

نشاطاته: شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الفقهية، وأشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعتي بغداد وصنعاء ، وهو عضو في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وقد نال جائزة الملك فيصل على أثر ظهور كتابه «الموسوعة» ( المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم ) تناول فيه الفقه على المذاهب الإسلامية المتعددة أورده في أحد عشر مجلداً. والمتتبع لإنتاجه العلمي يرى أهمية الموضوعات التي كتب فيها: كمقارنة الأحكام الشرعية بالأحكام الوضعية في كتابه: نظرات في الشريعة الإسلامية مقارنة بالأحكام الوضعية، ثم كتابه المهم: السنن الإلهية في الأمم والأفراد والجماعات الذي أبرز فيه آثار البطر والكفر بنعم الله والظلم والفسق على دمار الأمم ؛ ويأتي ذلك كتنبيه لهذه الأمة مما وقعت فيه الأمم الغابرة التي استحقت غضب الله.

وتجدر الإشارة إلى العمل الفكري الذي تناول به مواضيعه ، حيث أخرج الكثير من مواضيع الفقه من نطاق التجميع إلى ساحة الإبداع وفضائه الرحب مستلهماً روح المعاصرة ومستفيداً من سعة اطلاعه على الأحكام الوضعية ساعده على فضح عوارها وعجزها عن الإحاطة بالقضايا البشرية المعقدة المتغيرة ، وأظهر من خلال ذلك بالحجة والبرهان عظمة التشريع الإسلامي في كل المجالات.

رفد المكتبة الاسلامية بعدد كبير من المؤلفات، منها: أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، والكفالة والحوالة في الفقه المقارن، وأصول الدعوة، والوجيز في شرح القواعد الفقهية ، والشرح العراقي للأصول العشرين، ونظرات في الشريعة الإسلامية، وأثر القصود في التصرفات والعقود، واللقطة وأحكامها في الشريعة الإسلامية، وأحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية، وحالة الضرورة في الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، والاختلاف في الشريعة الإسلامية، وعقيدة القضاء والقدر وآثرها في سلوك الفرد، والعقوبة في الشريعة الإسلامية، وحقوق الأفراد في دار الإسلام، والقيود الواردة على الملكية الفردية للمصلحة العامة في الشريعة الإسلامية، ونظام القضاء في الشريعة الإسلامية، وموقف الشريعة الإسلامية من الرق، والنية المجردة في الشريعة الإسلامية، ومسائل الرضاع في الشريعة الإسلامية.

كان أصولياً فقيهاً قانونياً سياسياً عقيدياً داعيةً ربانياً عالماً عاملاً ، جامعاً بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، مرتبطاً بالأصل ومتصلاً بالعصر، ينظر بعين على نصوص الشريعة، وبالعين الأخرى على تطور الواقع ومجرياته، فجاء فقهه وإنتاجه العلمي حياً نافعاً خالداً، انتفع به الفقهاء، والقانونيون، والأصوليون، والدعاة، والسياسيون، وغير ذلك من تخصصات .

تميزت مؤلفاته: بالعمق العلمي والتأصيل الشرعي والمنهجية الراسخة والتناول العميق والوعي بالواقع، والملائمة بينه وبين الشرع بما لا يخالف الأصول والكليات، فجاءت اجتهاداته متناسبة مع الواقع، متميزة، نافعة مفيدة، إن الدرس المهم الذي نستفاده عالمنا الجليل وداعيتنا الرباني هو: أن نقوم على تنشئة جيل من العلماء الواعين بالشرع والمتصلين بالعصر الذين يجمعون بين فقه النص وفقه الواقع وفقه تنزيل النص على الواقع، حتى يبلغوا الرسالة ويؤدوا الأمانة، ويقوموا بواجبهم نحو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم . .

رحم الله العلامة الكبير د.عبد الكريم زيدان، وأخلف الأمة فيه خيراً، وستظل مؤلفاته الزاخرة وأبحاثه النيرة ومحاضراته تلك الدرر الثمينة نبراساً للأجيال من بعده. توفي رحمه الله يوم الاثنين ( 26 ربيع الأول 1435 ه ) ، الموافق ( 27 / 1 / 2014م ) , في العاصمة اليمنية صنعاء عن عمر ناهز 97 عاماً ، بعد حياة حافلة بالعطاء الفكري والتربوي والتأليف والتدريس. ودفن في بغداد بمقبرة الشيخ معروف الكرخي. رحمه الله واسكنه فسيح جناته


جمع واعداد: د.حذيفة السامرائي
Dr.huthaifa81@gmail.com


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية