بسم الله الرحمن الرحيم

ذكريات تربوية وعلمية .. مع العلامة الأمين ( صاحب أضواء البيان )

 
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فالعلماء الربانيون نور يهتدى بهم في الطريق إلى الله تعالى .. ونبراس يستضاء به في السير إلى الدار الآخرة .. وهم ورثة الأنبياء ، وفضلهم معلوم لكل مخلوق حتى الحيتان في البحر والنملة في جحرها ..
ومن بين أولئك الأعلام ذلك الإمام الفذ ، والعلامة المحرر ، المتفنن في علوم الشريعة محمد الأمين الشنقيطي الجكني ، وقد أحببت التعرف على شخصية هذا العَلم فقرأت عنه ما قاله تلميذه الشيخ عطية سالم وسألت عن سيرته للتعرف أكثر ( وسير العلماء من ألذ ما اشتغل به طلبة العلم ) فكانت هذه المذكرات القصيرة :

( من سيرة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله )

فإنه في يوم الثلاثاء الموافق 19/1/1423 هـ وبعد صلاة العصر التقيت بأحد طلبة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ وكان أحد كتبة هذا الكتاب في فترة من الفترات وساكناً معه في بيته ، وهذا الشيخ هو :
محمد بن محمود بن محمد الإمام اليعقوبي الجكني نسباً المدني وطناً وكان من أول دفعة فتحت بهم الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام 1381 هـ وتخرج في كلية الشريعة عام 1387 / 1388 هـ والتحق بوزارة المعارف بالمملكة في المدينة المنورة في الحقل المتوسط لتدريس المواد الدينية نيفاً وعشرين سنة وله عدد من الكتب المخطوطة والمطبوعة وقد قرأ علي رسالته المخطوطة ( المختصر المفيد في معرفة قطر شنقيط ) وذكر فيه عدداً من علماء ذلك البلد الذين رحلوا من بلادهم وذكر منهم :
( من ذلك العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : محمد الأمين بن محمد المختار وكان معروفاً بالزهد والورع وسعة العلم المزدوج ، كان معلماً في إدارة المعاهد والكليات بالرياض وبعد ذلك نُقل للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ومعلماً في الحرم النبوي يفسر القرآن الكريم وكان من هيئة كبار العلماء بالرياض وكان عضواً في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ، وكان بيته عبارة عن مدرسة لعامة العلوم ، هذا بالإضافة إلى كثرة من يزوره من فطاحل العلماء من جميع أقطار البلاد لحل المشاكل ، فانتشر علمه وكثر طلابه واستفاد الناس من كتبه منها أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن هو في حد ذاته كتاب واحد ولكنه عبارة عن مكتبة مكتملة منوعة في جميع العلوم منهل للبسطاء والعلماء كل يرى مستواه ) أ . هـ .

وقد سألته عدداً من الأسئلة حول الشيخ رحمه الله تعالى ومؤلفه أضواء البيان فأجابني حفظه الله بمعلومات مفيدة والتي أجملها فيما يلي :
ملازمته للشيخ :
ذكر الشيخ أنه حج في عام 1378هـ وأن جدته لأمه عمة الشيخ الأمين وأنه عندما أتى البلاد سكن معه في البيت ولازمه بالرياض حيث كان الشيخ مدرساً بالكلية قال : وأنا في معهد إمام الدعوة ومضيت سنة ونصف ثم فتح المعهد العلمي ونقلت إليه ولما فتحت الجامعة دخلت المسابقة ونجحت فيها في سنة 1381 هـ وتخرجت من الثانوية ثم الجامعة في عام 1387 / 1388 هـ ، وذكر أنه سكن مع الشيخ في بيته وكان ملازماً للشيخ في جميع عُمَرِه وحجاته ، وكان يعرف الشيخ من هناك من البلاد حيث كان تربطه به محبة كاملة ومعرفة كاملة وقرابة نسبية .
وأخبر بأنه كان أحد كتبة الشيخ لأضواء البيان هو وزميل له اسمه محمد الأمين بن الحسين كانا من الكتاب في فترة من الزمن وهناك من كتب قبلهم ومن كتب بعدهم .
وسألته كم عدد الكتاب في المرحلة التي كنتم تكتبون فيها ؟ فقال : اثنين يكتبان وقبلنا جماعة وبعدنا جماعة .
وسألته هل الشيخ هو الذي يغير الكتاب فقال : لا وأخبر أن التغير بسبب الظروف للكاتب .

طريقة كتابة أضواء البيان :
ذكر الشيخ أن للشيخ في كتابة أضواء البيان حالتين :
1- الحالة الأولى : كان هو يكتب بطريقة وكانت الكتابة بعضها على بعض ثم يعطيها الكتاب فيكتبونها بطريقة منظمة للطباعة .
2- الحالة الثانية : أنه لما ضعف بصره رحمه الله أصبح يجمع أمامه مجموعة من كتب التفسير ستة أو سبعة ثم يأمر بقراءة الآية من هذه التفاسير ثم يملي هو على الكتاب من ذهنه بعد سماع تلك التفاسير .

من خصائصه في الإلقاء :
قال من خصائص الشيخ أنه إذا تكلم كأنه يقرأ من كتاب أو هو مكتوب أمامه قال حتى بلغني أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قال : أنتم تقولون إنه ما عنده كتاب يقرأه ؟!! .
قال : ومعروف أنه إذا تكلم كأنه يريد أن يضربك حيث ينفعل انفعالاً كثيراً حتى إن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قال للشيخ ـ على سبيل الفكاهة ـ : يا شيخ إذا جيت تعلمنا أمّنّا بأنك ما تضربنا. وقال له : أنا أعرف أن هذا الانفعال تأتيك معه المعلومات .

وسألته هل الشيخ محمد بن إبراهيم درس على الشيخ ؟
تدارسوا هناك وكان الشيخ الأمين قد جعل درساً في المسجد والناس تأتيه وإذا كانت مناسبة يتكلم كأنه تعليم .
قال : أما الشيخ ابن باز رحمه الله فكان يقرأ عليه المنطق في البيت في أيام مخصصة وكان يحضر الشيخ عطية سالم رحمه الله وغيرهم .وذكر أنه كان يحضر بعض تلك المجالس .

حلم الشيخ :
قال : كان الشيخ معروف بالحلم لم يره أحد غضبان قال : لما أتيت البلاد هنا أوصاني فقال : ( لو ترى أحد يزل عليّ لا ترد عني ) .

إنكار الشيخ :
قال جاء ملك المغرب في زمن الملك فيصل رحمه الله إلى الرياض وأراد أن يعتمر وطلب من الشيخ أن يذهب معه فقال : أنا تحت بيعة ملك ولا نمشي مع أحد إلا بإذنه واستشره فإن أذن ذهبنا معك وإن منع لا نمشي معك ، فطلب ملك المغرب من الملك فيصل رحمه الله فأذن له ولما جاء لمكة جاء المصورون فاشتد غضب الشيخ عليهم حتى نهاهم الملك فيصل رحمه الله .

حرمة مجلس الشيخ :
ذكر أن الشيخ لا يرضى أن يجرح أحد في مجلسه وإذا فعل أحد ذلك يغضب غضباً ليس بمقيس ويرى أن هذا انتقاص له هو ، وإذا كان المتكلم كبير ومعتبر قال له : لا تعطِ الناس حسناتك ، وإذا كان دون ذلك تكلم الشيخ عليه فما يستطيع أحد أن يتكلم على أحد في مجلسه .

وسألته عن ما عرف أن الشيخ لا يدخل المذياع في بيته ؟
فأجاب بأنه كذلك يمنع مثل ذلك إلا في الحروب فكان يؤتى إليه فيستمع الأخبار ثم يخرجه .

وسألته عن حضور الملك فيصل لمحاضرة للشيخ ؟
فأجاب بأن الملك فيصل حضر للشيخ محاضرتين وحضر الأمير عبد المحسن محاضرة ، ولما جاء الملك فيصل للمحاضرة جاؤوا له بكنب فقال الملك : هاتوا مثل الكرسي الذي جالس عليه الشيخ ، قال وفي تلك المحاضرة تعطلت علينا المروحة واشتعلت فيها النار ولم يتغير في المحاضرة شيء فجاءوا وأصلحوها والملك موجود وطالت المحاضرة عن موعدها وتركه الملك حتى انتهى من كلامه .

حفظ الشيخ للمتون :
قال : قال الشيخ : جئت للبلاد هذه وكنا نتعاهد المتون كما نتعاهد القرآن .

قصة في التفسير :
قال لما ذكر الشيخ سبب فتح مكة ومجيء الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول القصيدة الطويلة المؤثرة والتي فيها : قتلونا ركعاً وسجداً . قال بكى الناس كلهم في ذلك الدرس .

قصة عند التوظيف :
لما توظف الشيخ قالوا ما عندك من الشهادات ؟ قال عندي شهادة لا إله إلا الله فذكروا ذلك للملك فأمر أن يعطوه راتب أعلى شهادة .

تفسير الشيخ للرؤى :
قال : كان الشيخ معروفاً بتفسير المرائي وتجيء كما هي . ومن الأمثلة التي ذكرها :
1- كان الشيخ لما ذهب للرياض قد واعدوه بأنه بعد عشر سنين ينقلوه للمدينة ، فجاء أحد الشناقطة في العطلة الصيفية في المدينة للشيخ في بيته فذكر أنه رأى فيما يرى النائم النبي صلى الله عليه وسلم داخل المسجد النبوي وأن الناس تهيأت له فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فأصبح الناس تسأل عن الشناقطة من يدل عليه فرأوا صاحب الرؤيا وطلبوا منه أن يذهب ويحضر الشيخ فلما أراد الخروج من المسجد لمناداة الشيخ قابله الشيخ وهو داخل للمسجد فأتى به للنبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه . انتهت الرؤيا . فقال الشيخ : إن صدقت رؤياك سننقل من الرياض للمدينة . وفي تلك الأيام جاءت برقية باعتماده في الجامعة .
2- وقبل وفاته جاءه أحد طلاب العلم وذكر له بأنه رأى أنه يغسل نبياً وليس بنبي ومعنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال الشيخ وما يدريك أنه نبي ؟ قال : رأيت وجهه وعرفته فأعاد عليه السؤال أكثر من مرة وكان إذا انتهى قال : خير إن شاء الله وتغير وجهه وما بقي بعدها إلا قليلاً وتوفي .
3- كان الشيخ يكره تبادل الذهب بالورَق وكان عنده خادم من جماعته فأعطاه ذهباً عند بداية حلول الشتاء عند فتح المدارس وأمره بشراء بعض الحاجات وقال ما بقي اتركه عند البائع فجاء الخادم وقد أخذ الباقي ووضعه في مكان عند مدخل الباب ، فرأى الشيخ فيما يرى النائم أن النار تشتعل في ذلك المكان فلما استيقظ سال الخادم عما أعطاه من النقود فأخبره بالحقيقة فأمره برد المال والبضاعة لصاحبها ولا يأتي منها بشيء .

وسألته عن الشيخ عطية سالم ؟
فقال قصة الشيخ عطية سالم شيء عجيب : أصله مصري وجاء هنا طفل صغير لا علاقة له بأحد ثم التحق بطبيبة يخدمها ويتعلم منها وفي يوم من الأيام حدث أن لم يرتح معها فضاقت به الحال فذهب للحرم فوجد الشيخ يدرس فتركه حتى انتهى فجاءه فقال يا شيخ أنا أريد انقطع عندك في البيت أقرأ عليك وقص عليه خبره فرضي الشيخ ذلك فأصبح معه في البيت يخدمه خدمة الولد ويطعم معه ويقرأ عليه وبعد ذلك لما ذهب للرياض دخل المعهد ثم الكلية ثم أصبح مدرساً في القصيم ثم بعد ذلك لما فتحت الجامعة كان من المجموعة التي فتحت بها الجامعة فعين مدير إدارة أول ما فتحت الجامعة .. ورب ضارة نافعة .

وفاة الشيخ :
قال هو معه تضايق في الصدر وربو وعند الطواف في الحج تعب ولم يكن معه نقود ولم يرد أن يتأخر عن الطواف فأكمل الطواف محمولاً وأرسل أحدهم لبيته في مكة ليأتيه وتعب تعباً شديداً فأرسل إلى رابطة العالم الإسلامي ليرسلوا له طبيباً وأنبوبة أكسجين فجاءه الطبيب فقال له الشيخ : البنسلين وما يعمل عمله وما يكون فيها نسبة لا تضعوها لي لما عنده من الحساسية فأخطأ الطبيب فجاء طبيب آخر فوجد الحساسية منتشرة في الكبد وغيرها ثم بعدها توفي ودفن بالمعلاة في مكة . وكان ذلك بعد أن حج عام 1393 هـ .

رحمه الله رحمة واسعة .
انتهى مختصراً

تمت كتابته وقرأ على الشيخ وصححه بعد صلاة العشاء في يوم الأربعاء 20 / 1 / 1423هـ
والله تعالى أعلم

فهد بن مبارك الوهبي
كلية المعلمين بتبوك ـ قسم الدراسات القرآنية

الصفحة الرئيسة