صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطورة الإمارة

يحيى بن موسى الزهراني

 
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، له الحمد في الأولى والآخرة ، يحيي ويميت ، وله اختلاف الليل والنهار وهو يتولى الصالحين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة نرجو بها النجاة يوم نلقاه ، شهادة بها نحيا ، وبها نموت ، وبها نبعث يوم الدين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الناصح الأمين ، وقائد الغر المحجلين ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته المؤمنين المتقين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى : " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " ، وقال سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " .

عبادَ الله : إنَّ دينَ المؤمن أحبّ إليه من نفسِه وأهلِه وجميع قرابته ، وإنّما يكون الدّين مع جماعةِ المسلمين، والجماعة لا تكون إلا بإمارةٍ وطاعة، ومسؤولية وشياخة ، وبهذا كلِّه تستقيم أمور الناس الدينيّة والدنيوية ، وتنتظم مصالحهم ، والإسلام قد أكّد على هذه المعاني الهامّة ، وعمّق في القلوب هذه الأصولَ النافعةَ ، فأمر بالاجتماعِ وتوحيد الصفوف ، ونهى عن التفرق وسوء الخلق ، فقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " ، وقال تعالى : " وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ، ونحن في أشد الحاجة إلى هذه الوصايا والتوجيهاتُ الرّبانيّة في كلّ وقت وزمان ، ولا ريب أننا في هذه الآونة أكثرُ ضرورةً وحاجةً إلى الحفاظ على الألفة والاجتماع ، ونبذ الخلاف والخزعبلات ، والأوهام الشيطانية ، والأحلام الإبليسية ، ألا فاعلموا عباد الله أن في تلكم الأباطيل تمزيق للوحدة ، ونخر لجدار العصمة ، واحذروا عاقبةَ التفرّق والاختلاف فقد قال الله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " .

أمة الإسلام : من أعظم أسباب الفرقة والتباغض ، اتباع ذا الوجهين وهو النمام الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه بقصد الإفساد بين الناس ، والوقيعة بينهم لتحصل القطيعة ، ومن يثير النصيحة أمام الناس عياناً بياناً ، جهاراً نهاراً ، فهذا له مآرب أخرى ، وأموراً لا تدرى ، فاحذروا تلك الفئة من الناس ، الذين غاية مرادهم إثارة البلبلة ، وزعزعة الأمن في ربوع البلاد ، والذين لا هم لهم إلا إثارة العباد على العباد ، فهؤلاء لا حظ لهم في الدنيا ولا في الآخرة ، إن مثل تلك الفئة من الناس ينبذهم الخالق جل جلاله ، وينفر منهم رسوله ، ويبغضهم أهل المروءة والعفة ، إن مثل تلك الفئة من الناس هم النمامون ، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، النميمة مرض خطير من أمراض القلوب وأدوائه ، وعامة عذاب القبر منها ـ أعاذنا الله منها ومن عذابها ـ وهي محرمة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع علماء الأمة . قال تعالى : " هماز مشاء بنميم " ، وقال تعالى : " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " [ رواه البخاري ومسلم والترمذي ] . النميمة من كبائر الذنوب التي يستحق صاحبها العقوبة في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة .
أما في الدنيا : إذا عُرف من أفسد بين الناس فينبغي أن يحذر ويُكر بالله ، ويخوف بربه سبحانه ، فإن لم يرجع عن غيه فلابد من قطيعته وعدم تصديقه فيم يخبر به أو يدعو إليه ، وأما عذاب النمام في القبر : فعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مر بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ، بلى إنه كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الأخر فكان لا يستتر من بوله " [ متفق عليه ] . وفي الآخرة : ما رواه حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " [ متفق عليه ] ، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( من نم إليك نم عليك ) . يقول الشاعر :
تنح عن النميمة واجتنبها *** فإن النم يحبط كل أجر
يثير أخو النميمة كل شر *** ويكشف للخلائق كل سر
ويقتل نفسه وسواه ظلماً *** وليس النم من أفعال حر
فالنمام والمفسد بين الناس لا يعرف للشهامة سبيلاً ، ولا للمروءة طريقاً ، النميمة من أكبر المصائب على الأمم ، وأشد الرزايا على المجتمعات ، فكم من أسر تفككت ، وكم من إخوة تنازعوا وتقاطعوا ، وكم من جماعة تفرقوا وتدابروا من أجل النميمة ، فيجب علينا أن نتكاتف ونجتمع على كلمة واحدة ، ونترك الخلافات ، ونعفو عما مضى وفات ، نعوذ بالله من الفرقة وسوء المنقلب .

عباد الله : إن أذية المؤمنين والناس أجمعين بغير حق من أشد المظالم ، وأعظم المآثم ، التي توعد الله أهلها بالوعيد الأكيد ، وتهددهم بالعذاب الشديد ، قال الله تعالى : " وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً " ، وقال تعالى : " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " ، وقال سبحانه في الحديث القدسي الصحيح : " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " ، فاتقوا الله يا من تمشون بين الناس بالنميمة ، واتقوا الله يا من تسعون بالفساد بين الناس ، واحذروا سطوة الله وعذابه يا من تثيرون الفتن ، وتؤججون المحن ، فعاقبة ذلك وخيمة ، وخاتمته سيئة عظيمة ، والعجيب والعجائب جمة إرغام العقول والاستيلاء على أهلها ، وكأن الناس وديعة عندهم ، يهددون ويتوعدون ، ويحرضون ويمنعون وكأنهم أوصياء على الناس ، وإننا والله لنعتب أشد العتب ، ونعيب أسوأ العيب على من وهبه الله العقل والتدبير ، والفهم والتأصيل ، ثم يتتبع أفواه الحمقى والمغفلين ، وأقاويل المفسدين والنمامين ، ويجري وراء سراب خادع ، وعقول فارغة ، وأهواء مضلة ، وعادات قبيحة ، قد أكل عليها الزمان وشرب ، يتخبط أهلها في ظلمات دهماء ، وأفكار غوغاء ، ثم ما يلبث أن ينكشف الضباب ، وتظهر حقيقة السراب ، وتتبين الأسباب ، وحينئذ لا ينفع الندم ، وقد زلة القدم ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وجعلنا جميعاً من المتبعين لهدي سيد المرسلين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب ومعصية ، ومن كل إثم وخطيئة ، فاستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي غفور رحيم .

------

الحمد لله المعزِّ لمن أطاعه واتقاه ، المذلِّ لمن خالف أمرَه وعصاه ، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، لا إلهَ سِواه ، ولا رب لنا غيره نرضاه ، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله ، اصطفاه ربّه واجتباه ، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد وعلى آله وأصحابه ومن والاه . . . أمّا بعد : فاتقوا الله عبادَ الله بامتثالِ أمره ، واجتناب نهيه ، واعلَموا أيها المسلمون أنّكم على أقوالكم وأعمالكم محاسَبون ومجزيّون ، قال الله تعالى : " وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى " .

أيها الناس : لماذا هذه العصبية القبلية ، ولماذا تلكم الحمية الوطنية ، ولماذا هذه الفرقة ، وذاكم التباعد ؟ أمن أجل عرض من أعراض الدنيا ؟ من أجل الإمرة والمشيخة ؟ والله لو تعلمون ما جاء في كتاب ربكم ، وسنة نبيكم بشأن خطورة الإمارة والشياخة والرئاسة ، لما سعى لها أحد ، ولا رُغب فيها أبد ، ألا فاعلموا عباد الله أن الإمارة أمانة ، وأمر الأمانة عظيم ، وخطرها كبير ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " ، وقال تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً " ، قال أبو ذر رضي الله عنه : قلت يا رسول الله : ألا تستعملني ـ يعني ألا تجعلني والياً وعاملاً وشيخاً لك على إحدى المدن أو القبائل ـ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال : " يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها " [ رواه مسلم ] ، نعم يا عباد الله لا يستحق الإمرة وتحمل المسؤولية إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها ، من مراقبة لله تعالى ، وخوف منه سبحانه ، دون محاباة لأحد دون آخر ، ألا وإن من أهم حقوقها مساعدة الأرامل والمحتاجين ، وتفقد أحوال اليتامى والمساكين ، والسعي الحثيث للارتقاء بقريته وأهل بلدته ، وإصلاح ذات البين ، ولم الشتات ، وإجماع الكلمة ، ومسك زمام الأمور ، وتوفير مقدرات الحياة لعشيرته ، من شق للطرق ، وتعبيد للشوارع ، وإسماع الكلمة ، والهيبة والسيطرة ، في شدة من غير عنف ، ولين في غير ضعف ، تلكم هي حقيقة الإمرة والمشيخة ، أما أن تكون الإمرة ختماً يختم به ، أو صوتاً يذاع به ، أو قطعاً للصلات بين الناس ، وإحداث الفرقة ، ومنع الألفة ، والتعصب لفلان دون فلان ، من أجل القرابة أو العلاقة ، أو الرياء والسمعة ، فذلكم مفهوم خاطئ ، وقول تجنب الصواب ، وصاحبه مستحق للعقاب ، فاعتبروا يا أولي الألباب ، ولقد توعد الله جل وعلا من فرط في زمام الأمور ، وتنصل من المسؤولية لمن تولاها بأشد العذاب ، وأنكى العقاب ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة " [ رواه مسلم ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " ويل للأمناء ، ويل للعرفاء ، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا بين السماء والأرض ، ولم يكونوا عملوا على شيء " ، هذه هي الإمارة وهذه هي الشياخة التي يتعارك الناس اليوم من أجلها ، والتي يتقاتل العباد في سبيلها ، يتباغضون ولا يتزاورون ، ويتدابرون ولا يتعارفون ، فويل لمن كان هدفه شتات الكلمة ، واختلاف الرأي ، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ، هذا وصلوا وسلموا على حبيبكم ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل سبحانه : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً ، وخلقاً حسناً ، اللهم ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، اللهم طهر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب ، وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً لعباك المؤمنين ، اللهم اجعلنا اخوة متحابين ، اخوة متعاونين ، إخواناً على سرر متقابلين ، اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين ، اللهم من أراد بنا فرقة أو سوءاً فاجعل كيده في نحره ، اللهم اقطع نسله وأفسد عقله ، وأعظم همه وغمه ، واجعله عرضة للفتن والمحن ، ياذا الجلال والإكرام ، اللهم من سعى بين المسلمين للاجتماع والإصلاح فوفقه لكل خير ، اللهم أعظم بركته ، وبارك له في عمره وماله وولده ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، عباد الله : إن الله أمركم بثلاث ونهاكم عن ثلاث ، فقال سبحانه : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية