صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







طريق إلى الجنة

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


حمداً لك ربي على نعمك ، وشكراً لك ربي على آلائك ، وأشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لا يُعبد أحد بحق سواك ، وأشهد أن عبدك ورسولك محمد خاتم رسلك ، وآخر أنبيائك ، عليه الصلاة والسلام إلى يوم الاتكاء على الأرائك ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وكل متبع له وسالك . . . أما بعد :
فهذه خاطرة يغفل عنها كثير من الناس ، إنها صفة يفتقدها الكثير هي طريق إلى جنة الخلد وملك لا يبلى ، إنها طهارة القلب من الخبث والرجس والفساد والضغينة والحقد والحسد والبغضاء والشماتة والتشفي والاستهزاء ، حتى يعود القلب طاهراً نقياً عفيفاً تقياً ، سلامة القلب وطهارته من أمراضه سبب لدخول الجنة ، فلنتبين هذا الطريق لنسير فيه ، ونترك الشحناء والبغضاء وإخوانهما وأخواتهما ، فهم طريق إلى النار أجارنا الله وإياكم منها .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ _ بن أحمد بن حنبل _ حَدَّثَنِي أَبِي _ أحمد بن حنبل _ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضاً ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ _ يعني تبع الرجل _ فَقَالَ إِنِّى لاَحَيْتُ أَبِى فَأَقْسَمْتُ أَنْ لاَ أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاَثاً ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُئْوِيَنِى إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِىَ فَعَلْتَ ، قَالَ نَعَمْ . قَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِىَ الثَلاَثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئاً ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ غَيْرَ أَنِّى لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلاَّ خَيْراً ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَلاَثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ ، قُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِى غَضَبٌ وَلاَ هَجْرٌ ثَمَّ ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكَ ثَلاَثَ مِرَارٍ : " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَلاَثَ مِرَارٍ ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ ، قَالَ : فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي . فَقَالَ : مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلاَ أَحْسُدُ أَحَداً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لاَ نُطِيقُ " [ رواه أحمد ] .
فما أحرانا أن نتبع ما جاء في هذا الحديث من طهارة القلب ونقائه ، وبياضه وصفائه ، ونترك الناس لله الذي خلقهم ، فهو يسيرهم كيف يشاء ، وهو سبحانه يعز ويذل ، ويعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويؤتي وينزع ، ولا يجوز لمسلم أن يحمل على مسلم ضغينة ولا حقداً ولا حسداً لأنها من صفات الكفار وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، قال الله تعالى : { مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ البقرة105 ] ، وقال عز وجل : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة109 ] .
فافرح لفرح أخيك المسلم ، واحزن لحزنه ، وعليك أن تُسر بما يسره ، وتتألم لما يؤلمه ، هكذا هو المسلم ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " [ رواه مسلم ] ، لا تفرح بمصيبة مسلم قط ، ولا تشمت بما يغيظ مسلم أبداً ، فربما تدور الدائرة عليك يوماً ، بل اتبع وصية الله لك ، ووصية رسوله تكون من الناجين السالمين المسلمين .
إذا كنت مسلماً حق الإسلام ، فلا تخط أناملك ما يؤذي مسلماً أو يسيء إليه أو يحزنه أو يضايقه ، فالكلمة لها أثرها ، سواء في جوال أو صحيفة أو ورقة أو غيرها ، ولا تترك يدك تضر مسلماً ، ببطش أو ضرب أو سرقة أو سواها ، ولا تنظر عيناك إلى ما يضر مسلماً ، ولا تمشي إلى أذية مسلم ، وإياك واللسان فهو أشد من السيف في المعركة ، احفظ لسانك عن المساس بإخوانك المسلمين ، هكذا تكون مسلماً حق الإسلام ، يقول عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ ؟ قَالَ : " مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ " [ رواه مسلم بهذا اللفظ ] ، فكن يا أخي خير المسلمين ، أتحب أن يحقد عليك مسلم أو يحسدك مسلم أو يبغضك مسلم ؟ فكما أنك لا تريد ذلك فكل مسلم لا يريد منك ذلك .
أيها المسلم نختم بهذا الحديث الذي ربما تناساه كثير من الناس ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً . الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ . التَّقْوَى هَا هُنَا _ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ _ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ _ بقدر ما عنده من الشر _ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] ، فلا يستخفنك الشيطان ، ولا تكن من أعوانه وزمرته ، فإنه يريد إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين .
الموضوع شائك طويل ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، ومن السوار ما أحاط بالمعصم ، واللبيب بالإشارة يفهم .
اللهم طهر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب ، وأعيننا من الخيانة ، اللهم اغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ، وصلى الله وسلم وعلى نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية