صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أَوَامِرُ عُلْيَا

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله التواب الرحيم، الحليم العليم، أحمد ربي وأشكره على فضله العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله العليُّ العظيم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الموصوف بكل خُلُقٍ كريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي المنهج القويم . . أما بعد :
فاتقوا الله معشر المسلمين حق التقوى؛ فتقوى الله الجليل عُدَّةٌ لكل شِدَّة ، وحِصنٌ أمينٌ لمن دخل ، وجُنَّةٌ من عذاب الله .
واعلموا أن ربكم خلق بني آدم مُعرَّضًا للخطيئات، مُعرَّضًا للتقصير في الواجبات، فضاعَفَ له الحسنات، ولم يُضاعِف عليه السيئات، قال الله تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [ الأنعام 160 ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الحسنات والسيئات؛ فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملة، فإن عمِلَها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعافٍ كثيرة، فإن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها كتبها حسنةً كاملة، فإن عمِلَها كتبها الله عنده سيئةً واحدةً " [ رواه البخاري ] .
إن الأوامر والنواهي لا تؤخذ إلا من الله ورسوله ، متمثلاً ذلك في كتاب الله تعالى ، وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو ما يقوله علماء الشريعة العارفين بمراد الله ورسوله ، والمتمثلين لمقاصد الشريعة ، امتثالاً لأمر الله تعالى القائل سبحانه : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } [ المائدة55-56 ] .
وعلى العكس من ذلك فإن من يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد باء بالخسارة في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } [ النساء119 ] .
ولقد حذر الله تعالى من اتخاذ الكفار أولياء من دون الله ، يشرعون ويأمرون وينهون حتى وصل الأمر إلى مخالفة أمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأمر العلماء الذين أمر الله باتباعهم ، قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ المائدة51 ] .
وقال عز وجل : { تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } [ المائدة80 ] .
ولقد حذر الله من اتخاذ الكفار مشرعين ، يأمرون وينهون ، وهم كفار يضربون رقاب المسلمين ، ويهدمون مساجدهم ، ويحتلون أراضيهم ، وينتهكون أعراضهم ، ويدنسون مصاحفهم ويحرقونها ويتبولون عليها ، ويرمونها في المجاري والمراحيض ، كل ذلك إهانة وإغاظة للمسلمين ، حكاماً ومحكومين ، ولو كان عندهم ذرة تقدير واحترام للإسلام وأهله ورموزه ، لما فعلوا ذلك أو نصفه ، لكن لا يعرفون إلا مصالحهم ، ولو تبعهم من تبعهم من المسلمين ، فمن انتهى الغرض منه ، رموه ككلب أجرب لا يقترب منه أحد ، ولا أدل على ذلك من هذه الأحداث الراهنة الدامية التي تشهدها البلاد العربية ، من تغيير للأنظمة ، فقد انتهى الكفار من رؤساء تلك الدول ولم يعد منهم نفع ، ولم تعد الحاجة إليهم ماسة أو ملحة ، فماذا حصل بعد خدمتهم للكفار عشرات السنين ، يسومون أقوامهم سوء العذاب ، يحاربون الله ورسوله والمؤمنين ، فماذا حصل عندما قالت الشعوب كلمتها ، قال الكفار كلمتهم المشهورة : على الرئيس التنحي عن السلطة ، ومن لم يتنح وقف الكفار ضده ، وأعانوا الثوار والمعارضة عليه ، هاهم أعداء الله لا يريدون إلا مصالحهم فقط ، ولا يهمهم من ملك زمام الأمور ، المهم أن يكون عصاهم التي لا تعصاهم ، يخرب بلده ، ويهين شعبه ، ويأمر بمعصية الله ، فهذا موقوف يوم القيامة بل في قبره موقوف ومسؤول عن ذلك كله ، فأي عاقل مسلم يبيع دينه مقابل حفنة من مال أو جاه أو سلطان أو كرسي ، ما يلبث أن يموت ويتركه ، أيكون ألعوبة في أيدي الكفار ، يخرب آخرته ليعمر دنياً زائلة ، ومرتحل عنها لا محالة ، ألم يقرأ قول الله تعالى : { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ البقرة120 ] .
فيا سبحان الله العظيم ، عندما يخطئ مسؤول ، ويأمر بما يخالف الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة ، ثم يقول : أوامر عليا ! يالله العجب ، أيُخالف الله ورسوله لقول بشر أو دولة ؟
من ينقذنا من الله إن عصيناه ، ألم تصل قلوبهم ، وتقرع عقولهم آية هود ، وقول نبي الله صالح لثمود : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } [ هود63 ] .
فكل الناس يؤخذ من قوله ويُرد عليه إلا قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهما قولان لا يُردان أبداً ، قال الله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ النساء 13-14 ] .
وامتدح الله المؤمنين لامتثالهم أمر ربهم ، وذم أهل الكتاب لردهم أمر ربهم ، فقال سبحانه وتعالى في مدح المؤمنين واستجابتهم لربهم ، وإذعانهم له : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ النور51 ] .
وذم اليهود والنصارى لكفرهم بالله ومخالفة أمره فقال عز وجل : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة93 ] .
ألا فلنحكم بكتاب الله ، ونتبع سنة رسوله الكريم ، وسوف يفتح الله علينا فتحاً مبيناً ، وينصرنا نصراً عزيزاً ، فقد قال ربنا سبحانه وتعالى في ثلاث آيات متتابعات من سورة الطلاق : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [ الطلاق2 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } [ الطلاق4-5 ] .
أما من لم يحكم بما أنزل الله ويتبع غير سبيل المؤمنين فهذا هو الكافر والظالم والفاسق ، ووردت هذه الصفات الثلاث في آيات ثلاث متتاليات من سورة المائدة ، فقال الله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [ المائدة 44 ] .
وقال الله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [ المائدة 45 ] .
وقال عز وجل : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ المائدة 47 ] .
فالحكم بشريعة الله أمر إلهي ، وإلزام نبوي ، قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [ الأحزاب36 ] .
فلا يجوز لمسلم مخالفة أمر الله وأمر رسوله بأي شكل من الأشكال ، ولا تحت أي ضغط من الضغوط ، لأنه لا يمكن لأحد أن يجبرك على معصية الله ، لاسيما الدول فيما بين بعضها ، ولا تخف أحداً من الخلق مادام أن الله معك ، ألم يكن لكم في رسول الله أُسوة حسنة ، وقدوة تقتدون بها ، ألم يحارب جحافل الكفر بعدتهم وعتادهم وعددهم الهائل ، برجال قليل ، لكنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فثبتوا وتوكلوا على ربهم والتزموا أمره ، واتبعوا هديه ، فكانت الغلبة لهم ، والنصر حليفهم ، لأنهم مع الله الواحد القهار ، العزيز الجبار ، القوي المتين ، من توكل عليه فهو حسبه ، ومن ينصره باتباع أوامره ، واجتناب نواهيه يعزه الله وينصره على عدوه ، وأسوق لكل مسلم ومسلمة ، بل لكل راع ومسؤول وولي أمر هذا الحديث الشريف :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا . وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ _ القحط والجفاف _ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ _ من غلاء الأسعار وغيرها _ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ . وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ . وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [ رواه ابن ماجة ] .
ومعنى يتخيروا : أي يطلبوا الخير ، أي وما لم يطلبوا الخير و السعادة مما أنزل الله إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ .
وتأمل مصداق هذا الحديث اليوم ، من قلة الأمطار ، وجفاف الأرض ، وظلم الحكام ، والاستيلاء على مقدرات البلاد ، واستفاضة المال في أيدي أهل السلطة ، وكثير من الناس فقراء ، لا يجدون أكلة في اليوم واليومين ، وانظروا إلى غلاء الأسعار ، وجشع التجار ، وفرض الضرائب والتأمينات المحرمة على النفس والسيارة وغيرها ، وانظروا إلى تسلط الكفار على بلاد المسلمين ، واحتلالها ونهب خيراتها من بترول ومناجم للذهب ، ومناطق زراعية وغير ذلك ، وقتل المسلمين قتلاً ذريعاً ، وسبي نسائهم ، وقتل أطفالهم ، وبيعهم في سوق الرقيق ، واستخدامهم كمهربين ومروجين للمخدرات ، وبيع النساء كجواري وهن حرائر مسلمات ، فهل ننتظر تنفيذ أوامر الكفار أو الفجار والفساق من داخل وخارج البلاد ، ونترك أوامر الله ورسوله ، حتى يجعل الله بأسنا بيننا ، ويقتل بعضنا بعضاً ، فالمسلمون يحبون الخير ، بل الخير مغروس فيهم ، لأنهم أهل فطرة صحيحة سوية ، وقيم راقية دينية ، لا يرضون بالانحلال مهما كان مصدره ، لأنهم يعلمون أنه لا يجوز للعبد أن يطيع عبداً مثله ، ويخالف ربه الذي خلقه ، وقادر على أن يهلكه ، ممتمثلاً في ذلك أمر نبي الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم ، حيث جاء الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ " [ متفق عليه ] .
يجب عليك أيها الحاكم . . أيها المسؤول . . أيها الآمر . . يا ولي الأمر . . يجب عليك أن تضع هذا الحديث نصب عينيك ، فالناس لن يعصوا ربهم ليدخلوا جهنم ، لطاعة أمر تخالف فيه أمر الله تعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أردت أن تُطاع ، فأمر بما يُستطاع ، قال الله تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور63 ] .
إن استفزاز الشعوب ، وفرض الوصاية عليهم ، ومصادرة عقولهم ، وفرض الآراء المخالفة لشريعة الله عليهم أمر لا يجوز ، بل عواقبه وخيمة ، ونتائجه سيئة ، نحن نحمد الله تعالى أن خرجنا من عنق الزجاجة من المظاهرات التي دعا إليها أُناس لم يقدروا وضع البلاد ، فسلم من شرهم البلاد والعباد ، والعلماء عندما وقفوا وقفتهم المشهودة بتحريم المظاهرات ، وتبعهم الناس في ذلك ، هم أنفسهم العلماء الذين ينهون عن الفساد في الأرض من اختلاط وتبرج وسفور ، فلماذا يُخالفون اليوم ؟ أنأخذ منهم مصالح شخصية دنيوية ، ونتغاضى عن المصالح الدينية .
واليوم يُستفز الناس بأمور أنكى وأشد وأعظم خطراً ، والتي ربما أفرزت نتائج شنعاء ، وأعمال غوغاء ، تئن منها البلاد زمناً طويلاً ، فالله الله باتباع الكتاب والسنة فهما المخرج من كل مأزق .
ثم اعلموا . . . يا من ولاكم الله أمر الولاية ، أن الدعوة إلى الاختلاط بجميع أشكالها وصورها في التعليم والصحة والإعلام والبلديات وغيرها ، مرفوض جملة وتفصيلاً ، لأنها دعوة إلى الرذيلة والفاحشة ، وقد توعد الله أولئك الدعاة بعذاب أليم ، قال الحكيم العليم : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [ النور19 ] .
فدعوة إلى خروج المرأة من بيتها ، وجعلها فريسة لأهل الأهواء والشهوات ، لهي دعوة إلى نشر الشر بين الناس ، ولا يقبل هذا عاقل ولا ذو همة ولا غيور ولا صاحب حياء ، لأننا في بلاد الحرمين ، بلاد الأمن والأمان ، بلاد الشريعة ، بلاد الأرض المقدسة ، مهبط الوحي ، ومنبع الرسالة ، بلاد القرآن ونزوله ، بلاد الرحمة والألفة والتلاحم ، ينظر لها كل مسلم وغير مسلم في جميع بقاع الأرض على أنها أرض تستحق التقدير والاحترام ، تهوي إليه الأنفس ، وتخشع لنظرتها القلوب ، وتدمع لشرفها المقل ، فكيف ندنسها بأيدينا وأيدي الكفار ، بطرح أمور محرمة ، كالاختلاط ، وقيادة المرأة للسيارة ، ونزع الحجاب ، وخلع الجلباب ، هذا لا يقبل أبداً ، ولن يسري في مجتمعنا السعودي الأبي ، التقي النقي ، بإذن الله تعالى ، لاسيما وقد وقف في وجه هذا التيار التغريبي أهل العلم والدعاة والصلحاء والمجتمع السعودي المحافظ وكثير من الأمراء والوزراء وغيرهم من المسؤولين والعامة من المسلمين ، ونحن نخشى والله أن تستغل هذه الزوبعة الداعية للخروج على الكتاب والسنة من قبل الأعداء فتصب في قالب أهل الأهواء والفساد والشر في البلاد ، نخشى أن تتحول البلاد إلى تناحر وتدافع ، وحزبيات فنخسر هذا الأمن والخير الذي نعيشه اليوم وعشناه منذ عقود من الزمان ، فالله الله بالبعد عن هذه الظواهر الخطرة ، حتى يعيش الناس في وئام وسلام ، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .
اللهم احفظ علينا أمننا وطمأنينتنا ، ورخاءنا وسخاءنا ، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم أصلح لنا قادتنا ، واسلك بنا وبهم سبيل الرشاد ، اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين، وأعِنه على أمور الدنيا والدين، وانصر به الدين إنك على كل شيء قدير، اللهم وألبِسه ثوب الصحة والعافية، اللهم ألبِسه ثوب الصحة والعافية يا رب العالمين، اللهم اجعله مُعافى في حلِّه وترحاله، إنك على كل شيء قدير.
اللهم وفِّق نائبه لما تحب وترضى، اللهم وفِّق نائبه لما تحب وترضى، ولما فيه الخير والصلاح للبلاد والعباد، اللهم وفِّق نائبه الثاني لما تحب وترضى يا رب العالمين، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وارزقهما الصحة والعافية، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرًا لشعوبهم وأوطانهم يا رب العالمين.
اللهم ارزقنا الثبات على الإيمان والطاعة، ولزوم السنة والجماعة، واعصِمنا من طريق أهل الفتن والتفريط والإضاعة، إنك جوادٌ كريم.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين أمنَها واستقرارَها، وعقيدتَها وقيادَتها يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّوْل والإنعام.
اللهم من أرادنا وأراد عقيدتنا وقيادتَنا وأمنَنا وجماعتنا بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيره تدميرَه يا سميع الدعاء.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ دينهم وأمنهم، اللهم صُن أنفسهم وأموالهم وأعراضَهم يا حي يا قيوم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم في كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعمل.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سُبُل السلام، وجنِّبهم الفواحِشَ والفتن، اللهم جنِّبنا الفتن، اللهم أعِذنا من مُضِلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
 

كتبه الناصح لأمته وولاة أمره
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية