بسم الله الرحمن الرحيم

الاستعباد الفكري


شل جسمي ، اقطع لساني ، هدم أركاني ... هل تستطيع أن تفرض قيداً على فكري ؟

فكر الإنسان ليس له قيود ، لا تحده أرض ولا تظله سماء .. حامله بين مرتبتين : إبداع او جمود ، وبينهما الكثير من المنازل .
لكن ..
مما يثير العجب ، ويحملنا على الاستغراب ، أن نرى فئام من الناس أرهنوا فكرهم وسلموه للغير ، فأقحموا أنفسهم في عالم الاستعباد الفكري !! .. نعم الاستعباد الفكري .

كلنا سمعنا أو رأينا الاستعباد الحسي ، بالظلم ، بالقهر ، بالدكتاتورية ... لكن يصل الحال إلى أن يعم الفكر ، فتلك هي الطامة ، وقاصمة الظهر .

وبالله عليكم .. ما حال رجل سوي ، حباه الله بشتى النعم ، أبى إلا ان يعيش قهراً وذلاً ، ليس فرضاً عليه ، بل من تلقاء نفسه.. إن سألت عن فكره : فهو بيد غيره يقلبه كي يشاء ، حتى تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق .

وإن سألت عن نهجه وتوجهه : فلسان حاله
وهل أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت ، وإن ترشد غزية أرشد

أما إن ناقشته وقارعته فأفحمته قال :
( إنا وجدنا أباءنا على أمة .. وإنا على آثارهم مقتدون ) !!

فكره أجوف .. لا يملى إلا بفضلات الغير ، فيكون النتاج : ريح عفنة تحمل بين جنباتها النفاق والتزلف ، والتصفيق والتمجيد ، والانسلاخ من المبادئ والأسس والأخلاق .

فذاك متعالم .. جعل عبودية فكره للحضارة الغربية ، ولرفاق ماركوس ولينين.. فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فتصدر وترأس وتفنن بنفث سمومه بشتى الصور والأساليب ... فكان أن انسلخ من آيات الله ، وأخلد إلى الأرض واتبع هواه ، كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ..

وذاك آخر .. عاش في كنف الطغاة الظالمين ، فرضع من ثدي ولائهم ، والتعظيم لأمجادهم .. فاستعبدوا فكره ورأيه ، فصار الطاغية ولي نعمته ، وملاذه عند كربته ، يسبح بحمده صباح مساء .. فمن والى الطاغية والاه ، ومن نصحه وذكره عاداه .

فكانت أوثق عرى الإيمان عنده : أن يحب في الطاغية ، وأن يبغض في الطاغية .
يخاطبه قائلا له /
فليتك ( تعطي ) والحياة ( قتيرة ) *** وليتك ( تغدق ) والأنام ( سلاب )
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب

يرفع دوماً شعار :
( عاش طاغيتنا المعظم ، وإن أذاقنا العلقم ) .

وآخر .. عرف الحق بالرجال ، ولم يعرف الرجال بالحق ، فإياك ثم إياك أن تناقشه أو ترد عليه في قول عالمه ، فهو المنزه عن الخطأ ، وما في الجبة إلا هو ..

تقول له : قال الله ، قال رسول صلى الله عليه وسلم ... فيقول لك : بل قال فلان وعلان ، وكل نص خالف قول عالمنا إما منسوخ أو مؤول !!

فعطل عقله وإدراكه ، وجعله بيد فلان الداعية أو الخطيب أو المجاهد ... ونسي أنه بذلك يدمر ملكات الأمة ، وإمكانياتها .. فجعل مهمة التفكير والإبداع مقصورة على فلان وعلان .. وهي بحد ذاتها إجحاف في حق الأمة وقبل ذلك في حق نفسه هو .
ولا تغلو في شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

أخي القارئ .. إن من ذكرت إنما هم بعض الأصناف وغيرهم الكثير، وهم غيض من فيض .. ممن رضوا الذل والهوان .
 

أبو عبدالعزيز الظفيري

الصفحة الرئيسة