بسم الله الرحمن الرحيم

محمد الفاتح = شارون !!..
هذه هي القشة يا خالص (1-2)


الحمد لله صاحب المن والفضل القائل
( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) ، والقائل ( ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ...) ، والصلاة والسلام على خير البشرية .. الرحمة المهداة والنعمة المسداة القائل وهو الصادق المصدوق ( ‏ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته ‏ ‏حواريون ‏ ‏وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها ‏ ‏تخلف ‏ ‏من بعدهم ‏ ‏خلوف ‏ ‏يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة ‏ ‏خردل )
أما قبل …
فلم أعقد النية على نشر هذا المقال على الشبكة العنكبوتية إلا لثلاثة أمور :
أولا : أني لازلت أجزم بأن هذا الكاتب – أي خالص جلبي - أفاك أثيم ، يكذب الكذبة فيتم بها المائة .. وأن جل مقالاته اجترار لأفكار من حظيرة جودت سعيد و البوطي وممن حولهم ممن مردوا على الحربائية ، وما منشورات دار ( رياض الريس ) مني ببعيد( كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد) ، ( أيها المحلفون الله لا الملك ) …
والمثل يقول : خالصٌ بالإشارة يفهم .

ثانيا : أن هذا المقال المردود عليه ، استخدمت معه ما تواتر عليه العرف الإعلامي من أن القارئ إذا أراد أن ينشر ردا على مقال ؛ فلا ينشره في أي مطبوعة إلا بعد أن يراسل المطبوعة التي نشرت المقال المردود عليه فإن لم تنشره حق له نشره في أي مكان ..

وبطبيعة الحال راسلت الصحيفة التي عودتنا على صدرها الرحب ، وشفافية الطرح ، ومصداقية الكلمة ، والانفتاح على الرأي الآخر بعد أن انتقلت إليها عدوى ( المحايد ) … فأبت نشره لأنها مازالت – رغم هذا كله – تئن من وطأة المصطلح التسعيني ( خضراء الدمن ) .. وتعتبرني أحد من ساهموا في تأصيل المصطلح !! ولاغرو .. فمدعي الرشد ونديمه صاحب ( إتلاف ) عصا من عُصيّـة ، وهل تلد الحية إلا الحية ؟

ثالثا : ما أجده من رواج لفكر ذلك ( المتعصرن ) وبالمناسبة لا أعني بهذا المصطلح ( العصرانية ) التي تتدوال في الآونة الأخيرة .. إنما هو مصطلح ( شخصي ) استلهمته من آلات عصر الفاكهة والقليل من الخضار ، فأصبح مرادف لما آلت إليه الفاكهة بعد عصرها من شح وهزال وأحيانا زوال !!

أقول : دفعني لهذا الأمر ما رأيته من رواج لفكر خالص بين الأحداث وأصحاب المراهقة الفكرية ، الذين تقلبوا في قانون نيوتن ورد فعله .. فغدا خالص لديهم المفكر والمنظر وصاحب الجبة ، يذكرونني بالمثل القائل – إن لم تخني الذاكرة وقوموني إن أخطأت – : (( الغربان على أشكالها تقع )) ، وأصبح (( اللاعنف )) و (( اللاإكراه )) أسمى شعاراتهم التي يتشدقون بها صباح مساء .. فهنيئا لهم ، ولعلهم ينتدبون شيخهم خالص جلبي لوزارة الداخلية ليقترح عليهم تضمين ذلك الشعار في الحملة المرورية القادمة بدلا من شعار ( حتى لا تروح الروح ) ، من باب التأصيل والمنهجية للأتباع !!

وقد قام الأخ الفاضل سليمان الخراشي (1) بتأليف رسالة قيمة في كشف عوار ( المتعصرن ) وطلابه فجزاه الله خيرا على ذلك المجهود .

تلك الأمور – وغيرها أضمرتها في نفسي – جعلتني أقوم بنشر هذا الرد مزجيا الشكر لكل من الشيخين عدنان النحوي ومحمد العبدة بإفادتهما لي حول هذا الموضوع .. والله سبحانه هو المستعان .

ثم أما بعد …
فلقد نشر الكاتب خالص جلبي في جريدة "الشرق الأوسط" في العدد(8310) بتاريخ 10 جمادى الآخرة 1422هـ الموافق 29 /8/2001م يوم الأربعاء مقالاً بعنوان ( لا إكراه في السياسة ) ..
فعجبت كيف يتساءل الكاتب عن فتح القسطنطينية سنة 1453م على يد القائد المسلم محمد الفاتح ويقول هل كان فتحها إسلامياً ؟! وأعجب كيف ينكر على المسلمين فرحتهم بهذا النصر ويحزن لدموع الذين هزموا فيها! وعجبت أن الكاتب قرن ما وقع من بعض النكبات للمسلمين في قرون تالية بعد فتح المسلمين بسبب ذلك الفتح ، وعجبت من بعض الروايات التي يذكرها عن ملابسات الفتح ، ومن تشبيهها بتهجير (ستالين) للمسلمين الشيشان! أو بأعمال (شارون) في فلسطين .

ولابد من تذكير الكاتب بأمور أوجزها بما يلي :

نطمئن خالصا أن فتح القسطنطينية سنة 1453م سيظل شرفاً عظيماً للمؤمنين مدى الدهر ، وشرفاً للإنسان حين يحمل له الفتح أعظم رسالة وأوفر خير وأوسع باب للنجاة. وسيظل هذا الفتح العظيم شرفاً لمحمد الفاتح الذي من الله عليه بتحقيق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه بشر بن سحيم رضي الله عنه في التاريخ الكبير للبخاري وفي المستدرك للحاكم وفي المسند للإمام أحمد :
( لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش جيشها ) ولذلك تسابق الخلفاء المسلمون إلى فتح القسطنطينية لينالوا أجر تحقيق بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم هذه. فعلى أبوابها استشهد الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري ،وهو يسعى لتحقيق بشرى مشرقة في التاريخ الإسلامي .

ولا يكون نصر لفريق إلا وتكون هزيمة لفريق آخر ، ولا تكون فرحة في جانب إلا وتكون حسرة في الجانب الآخر . وهل يريد الكاتب أن ينتصر المسلمون دون أن ينهزم المشركون . كما إني أطمئنه إلى أن الله أحل لنا أن نفرح بنصر الله ، فالنصر من عند الله ، ينصر من يشاء ، إلا إذا كان الكاتب يحل فرحة الإنتصار لغير المسلمين ولا يحلها للمسلمين :
(... ويومئذٍ يفرح المؤمنون.. بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم)
( قاتلوهم يعذبهم الله بأيدكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)
وليت الكاتب شارك المسلمين فرحتهم بالنصر ، وبالفتح الإسلامي المبين .. ولا أدري لماذا أغفل الكاتب كيف أنجد البابا وحكام جينوا " قسطنطين دراغاريس" بجيش عظيم ، وكيف أن نصارى القسطنطينية لم يسكبوا الدموع لأنهم كانوا يعانون من ظلم ملكهم وفساده ، وانتشرت بينهم رسالة مشرقة صادقة عن عدل الإسلام ، وعدل محمد الفاتح ، حتى قام أحد وزراء النصارى "توتاراس" ينادي في شوارع المدينة قائلا ً(( أود من سويداء قلبي أن أشاهد في القسطنطينية تاج السلطان من أن أرى بها إكليل بابا أو قلنسوة كاردينال )) ! .. فالإسلام – يا خالص - قد فتح قلوب أهل المدينة قبل أن يفتح الجيشُ المدينة َ ، ومسح الإسلام الذي دخل القلوب الدموع التي كانوا يذرفونها من ظلم ملكهم .
إن الفتح – يا خالص - كان إسلامياً يُرضي الله ورسوله والمؤمنين ، وأنقذ المظلومين المقهورين ، الذين كانوا يصبون دموعهم قبل الفتح لابعد الفتح . وعسى أن يتلطف المثقف خالص بمراجعة معلوماته عن الإسلام أولاً ثم عن فتح القسطنطينية .

كأنما فتّحوا غُلْفَ القلوب بهــا : فتحاً من الله لافَتْحاً من القُضُب
قسْطنطِنيّةُ هذا النّور فانتفضي : وكبّري واسجدي لله واقتربـــي
لولا فتوح رسول الله قلت هنا : فتح الفتوح وهذي زهرة الغَلبِ
تسابق الخلفاء المسلمون لهـــا : على الزمان سباق الصادق الأربِ
فلم ينلها سوى هذا الفتى قَدَراً : لله عِفيه في تُرْكٍ وفي عَرَبِ

ولقد ذهب الكاتب بعيداً وأساء كل الإساءة وخالف العلم والحقائق حين هبط فشبّه محمد الفاتح حيناً بستالين وحيناً بشارون ! عجباً كل العجب! حتى لو وسوس له الشيطان بهذا الخطأ ، لكان هناك ألف سبب يمنعه من إطلاق هذه الأقوال . وما كان لرجل مسلم يأخذ حقائق تاريخه من ظنون أعدائه ويدع الحديث الشريف وتاريخ الصحابة ، وحسبك أبو أيوب الأنصاري .

وستظل القسطنطينية غاية من غايات الفتوح الإسلاميّة . فهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه معاذ بن جبل رضي الله عنه في سنن أبي داوود عن فتح آخر لهذه المدينة قبيل ظهور الدجال :
(( الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر . وفي حديث آخر جاء فيه (( ... وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتح القسطنطينية خروج الدجال )) ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ، ثم قال : إن هذا لحق كما أنك هنا ...)) !!
إن القسطنطينية تمثل بشرى بعد بشرى للمؤمنين ، ونصرا بعد نصر ، وفتحا بعد فتح .
وأعجب لماذا يغضب خالص من أمر يفرح له عيسى عليه السلام . فالرسول عيسى عليه السلام وسائر الأنبياء لم يأمروا ببيع ولا كنائس ، وإنما أقاموا مساجد يعبد فيها الله ويسجد الصادقون فيها لربهم جل وعلا .
كنيسة آلت إلى مسجد *** هدية السيد للسيد
هكذا يا جلبي يفهم تاريخ المسلمين ، وبهذه الروح لا بأسلوب يحمل الغيظ لكل خير يصيب المسلمين ، والغيظ لكل آسى يصيب غيرهم .. ولم أعهد هذا إلا فيما ذكره ربي (( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ... )) .

لذا .. لا مجال لأن تقرن كنيسة القيامة في القدس بكنسية القسطنطينية التي قلت إنها قامت على الظلم الكبير حين أفرغ جوستنيان خزينة الدولة من اجل بنائها في تنافس ظالم على الدنيا وأطماعها .. تنافس بين ظالمين لم يأخذوا من النصرانية إلا شعارها.

إن محمدا الفاتح قائد مسلم لبى داعي الله ، فحمل أعظم رسالة لدى البشرية ، رسالة الإسلام ، ليبلغها للناس كافة . هذا أمر الله له ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .

ولقد كانت الفتوح الإسلامية عملا فريدا في التاريخ البشري كله .. تحمل النداء الرباني الذي نادى به ربعي بن عامر(( لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة )) كل ذلك – يا خالص – على ميزان رباني لا علماني !

ودونك عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية وجد محمد الفاتح وحامل وصيته يوصي ابنه أورخان وصيته الرائعة التي تكتب بماء الذهب فيقول (( اعلم يا بني أن نشر الإسلام وهداية الناس إليه وحماية أعراض المسلمين وأموالهم أمانة في عنقك سيسألك الله عنها...)) فهل قصر فهمهم عن هذا ؟
إن فتح القسطنطينية – بتوفيق الله – كان له أبعد الأثر في عزة الإسلام والمسلمين وكفاه أن ساهم بشكل فاعل في تأخير العدوان المستمر والمحاولات النامية الجادة ضد الإسلام والمسلمين . فالحرب دائرة لم تتوقف إلا عند انطلاقة كانطلاقة فتح القسطنطينية ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ... ) .

ليطمئن خالص وليبتلع بطيخة الصيف ؛ ففرحة المؤمنين ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست (( بظاهرة الوعي الانتقائي والعمى التاريخي )) كما زعم . إنما هي ظاهرة الوعي الممتد والبصيرة المؤمنة . لا ضير من أن ننقد تاريخنا ، ونظهر الحسن والقبيح .. ولكن على أساس ميزان واضح وثابت .. ميزان رباني غير علماني ، وبروح إيمانية وليس بروح مدمرة ، فالنقد يهدف إلى البناء والإصلاح لا التدمير والإفساد ..

وإن أعجب فعجب من قول خالص عن الخليفة المسلم (( وتدثر الخليفة مرتاحا بين الغلمان والحريم بعباءة كسروية )) !! ولاغرو .. فوسوسة الشيطان تزين الباطل في بعض النفوس ، وتظهر الأزمات النفسية من خلال لحن القول .. فهل من العدل تشبيه المؤمنين بالكافرين والوثنيين !

إن المغالاة بتصوير فتح القسطنطينية وتحويله إلى عملية ذبح ، وطرد لعلمائها محاولة غير عادلة ؛ فالحرب قتال ، سيُقتل أناس من هنا وهناك ، فليست العملية ذبح أهلها ، وإنما ذبح المقاتلين من قسطنطين وجنوده ، ففر من فر من أعوانه الظالمين حتى غدا فتح القسطنطينية بشرى لأهلها وخيرا كبيرا ونورا وهداية ونجاة مما كانوا فيه من فتنة وظلم وضلال.

لقد كتب الله على المؤمنين القتال ، وليس القتال هو الذي يكره الناس على الإيمان ، فلا إكراه في الدين . ولكنه يزيل الحجب والعقبات التي تحول دون أن يرى الناس نور الإسلام ليؤمنوا به ، ويزيل ( الصد عن سبيل الله ) لإنقاذ البشرية من عذاب الآخرة ، هذا بميزان من يؤمن بالآخرة ويؤثرها على الدنيا ، لا بميزان ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ... )

يتبع خشية من تسلل السآمة ...

محمد الفاتح = شارون !! ... هذه هي القشة ياخالص (2 - 2)

======
(1)
للحصول على نسخة من رسالة الشيخ سليمان الخراشي أضغط هنا

أبو عبدالعزيز الظفيري

الصفحة الرئيسة