بسم الله الرحمن الرحيم

أطياف ( 7 )
لا تخالف .. بل هز رأسك !!


النفوس شتى .. جبلت على طرائق قددا .
حساسة .. متنوعة .. متقلبة
رضاها يغلفه غنجٌ و دلال ..
وغضبها يحب الحرية والاسترسال ..
سيفها لا يُخفى في غمد ؛ بل هو عضبٌ مسلول .
وسهمها لا يلجأ إلى جعبة ؛ بل وتر قوسها مشدود .
فسبحان خالقها ومركب أسرارها !!

من أهل تلك النفوس من تستفزه كلمة أو موقف أو حدث ؛ فينسى معه قاموس التآخي والألفة ، فيجرد معه كل فضل كأن لم تكن بينه وبينهم مودة .

ومن أهلها من إذا جُهل عليه جَهُل فوق جهل الجاهلينا ، فلم يحلم أو يعفو أو يصبر فيرجو ما عند الله .

ومن أهلها من لا يعاتب أو يلوم تنجيماً أو تعجيلا إن ساءه أمر ..
بل يظهر الرضا ، ويبطن السخط ..
يظهر الابتسام ، وفي داخله يتعاظم الركام ..
حتى إذا بلغ السيل منه الزبى ، والحمل أطناناً وأطناناً ؛ انهار السد ، فانهمر السيل العرم حواليه وعليه !!
فيكيل بكيل من المعيار الثقيل ، طففته الذاكرة في نفس أحصت ما نسيه الآخرون ، فأرَّخته وضبطت ألفاظه .

إنه من الصعوبة بمكان التحكم في نمطية وآلية تفكير الآخرين ، وإجبارهم على منهج فكري بشري قاصر نفترض له الصحة والقبول ، وما لسواه الرفض والاستنكاف .. فنخاطب الناس بلهجة ( إما .. وإلا !! ) ونلغي المساحة الرمادية المفترضة بيننا وبين من نختلف معهم !!

وكما أن الاتفاق يعد مصدرا للتعاون والبناء المشترك ، فالاختلاف أيضاً يمنحنا التجديد والإثراء والصقل والإبداع والنمو .

وبمقدار ما نحن نختلف بمقدار ما ننحن نتفق !!

إن لكل فرد على هذه الخليقة نشأته وثقافته وتجربته ومصالحه وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية ؛ وتلك جميعا مسوغات حتمية لمشروعية الاختلاف في كثير من الأمور .
ولطالما وقع الكثير من الناس في الخلاف لاعتقادهم الداخلي بأنه لا ثمة خلاف .. وأصبحت العقول السوية تستهجن من يخرج ويقول : لا نختلف .. بل يجب أن نتفق !

الاختلاف وتباين وجهات النظر أمر لا مناص عنه وقل من سلم منه ، وحريٌّ بمن يعتد بمنهج ( لا خلاف ) أن لا يقود لنفسه الرقاب ، ويتصدر بشعار ( ما أريكم إلا ما أرى ) ، إنما يتجه للأسلوب الأمثل الغير متمثل برفض الخلاف أو قبوله على عواهنه ؛ بل في تبسيط التأزم المفتعل في حالات الخلاف بطرح سؤال خلاصته
( كيف نؤطر الخلاف ، ونجعل منه خلافاً إنتاجياً موضوعياً محدوداً ؟ ) .

فكما أن تعدد الخيارات ، وسوء الفهم ، وعدم تطابق المفاهيم والذوات ، وازدياد الخلطة ، وبروز عقلية الشح والخوف من المستقبل ، ونقص المرونة الفكرية والنفسية … ساهمت بشكل فاعل في تعميق الخلافات واتساع قطرها ، فإن ثمة طرق تساهم أيضا في تسطحيها وتأطيرها .

أذكر منها ضرباً للمثل لا للحصر ، مع التنبه بأن الحديث ليس عن أدب الخلاف وعلاجه ، بل عن تأطيره والتقليل منه :
( 1 ) خطط لاستغلال مواردك مهما كانت محدودة ، وهذا كفيل – بإذن الله – بأن يقلل من الآمال التي تعقدها على الآخرين إلى أدنى حد .. فيقل تبعاً العتب ، كما تقل خيبة الأمل.
وكما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لنفر (( ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : علام نبايعك ؟قال : تبايعونني على أن تعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا )) وأسر كلمة خفية (( ولاتسألوا الناس شيئا )) .
قال الرواي : فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم ، فما يسأل أحدا أن يناوله إياه .

( 2 ) حسِّن مهارات الاستماع ، ومهارات الحديث .. حتى لا تسيء فهم الآخرين ، ولا تتسبب في سوء فهمهم لك .
وقديماً قيل (( أساء فهماً ، فأساء إجابة )) .

( 3 ) تماسك و سيطر على انفعالاتك ، وتحكم بردود أفعالك .
فلا تجعل من نفسك فريسة للآخرين يستفزونك متى ما أردوا ، ويقحمونك في أزمات يفتعلونها.

( 4 ) لا تسرف في إعطاء الوعود للآخرين ، فتجعلهم يتوقعون منك ما لاتقدر عليه ، ويحملونك ما لا تحتمل .. ثم تكون الخيبة ، ومن ثم الغضب والاختلاف .
فكما عودت نفسك على هز الرأس للأعلى والأسفل ، فعودها أيضا على تحريكة يمنة ويسرة .

( 5 ) لا تعمد إلى التهديد ، أو الإكثار من النصائح و إصدار الأوامر والحكام إلا في أضيق الحدود .
فغالبا ما سببت الكثير من التوترات ، وفتح أبواب الحزازات .

( 6 ) لا يكن دأبك إلقاء اللوم على الآخرين ، بل ابحث دوما وفتش عن الحلول، وهذا كفيل بتأجيل الصراع ، وضمان لعدم تكراره .

وتذكر دوماً ( حَوِّل الخلاف من أزمة إلى فرصة ) .

أضغط هنا لقراءة سلسلة أطياف


أبو عبدالعزيز الظفيري

الصفحة الرئيسة