صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







يا شيخ لا تكن مطية للتغريبيين

عبد الرحمن بن صالح السديس

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، البشير النذير والسراج المنير. أما بعد:
فإن من سنة الله أن يبتلي عباده المخلصين بعداوة الكفرة والظلمة والفسقة والمنافقين، لحِكَم كثيرة، ومصالح كبيرة، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
وكان مما ابُتلي به الصالحون العاملون المجاهدون بأقلامهم وألسنتهم: عدواة فساق الصحف وإخوانهم من كتاب الشبكة، وحقيقة هذه العدواة، هي: عداوة هؤلاء الفساق لدين الله وشرعه الذي لم يوافق أهواءهم، بل كان حاجزا لهم من نيل شهواتهم، وإلا فنحن نرى هؤلاء الفساق سلماً لمن سالمهم وتركهم وشأنهم، ممن أخلد إلى السكوت أوسلك طريق المداهنة لهم.

وقد تنوعت طرق فساق الصحف في حرب المصلحين، وسعوا بكل طريقة لتشويه صورة هؤلاء العلماء الفضلاء، وكان من أخبث ما عملوه:
تحريف كلامهم عن مواضعه، وتحميله ما لا يحتمله، وربطه تعنتاً بأخبث ما يوجد من أحداث يستشنعها الناس، والوشاية بهم عند الولاة، وشواهد هذا كثيرة، لا تخفى على متابع لما يحدث في الساحة.
وهذه الأساليب الخبيثة في تحريف كلام أهل العلم وحمله على غير محمله؛ أضحت حاضرة بعد كل فتوى أو كلمة يقولها مصلح في وجه هذه التيار التغريبي الخائن لدينه ووطنه، وقد مكنتهم الصحف من قول كل ما يحلوا لهم، بلا حسيب ولا رقيب، وأصبحت بضاعة التهم والتحريف لكلام أهل العلم، والكذب والتطاول عليهم؛ رائجة في سوق الصحافة التي تخلت عن المصداقية والأمانة، وأصحبت مرتعاً لهذه الشرذمة، ولم يجد الصادقون الناصحون مكاناً في تلك الصحف لبيان الحق، وكشف الباطل.

ومما استبان من صفات هذه الشرذمة: ضعف الدين أو عدمه، وضحالة التفكير، وقلة العلم والأدب، ونشر الكذب، وعدم التثبت، واستسهال الكلام في كل شيء، وسوء الفهم، والغرور بما دلتهم عليه عقولهم، ومبادرتهم بالسخرية مما لا يعجبهم أو لا يفهمونه.
والمتابع لما يكتبه هؤلاء الفساق عن أهل العلم؛ يلحظ فيه سمة عامة لا تفارق أكثر كتاباتهم، هي: ترك المحاجة بالعلم، وتقويل القائل ما لم يقل، وتحريف معنى ما قال، ومحاولة تشويه قصده، وادعاء اللوزام الباطلة على كلامه، ولو عدت لمقالاتهم لوجدت هذا كله أو أكثره حاضراً فيها.
ومما يدركه هؤلاء الفساق أن مثل هذه الحملات وإن انكشفت جملة منها وبان كذبها وعوارها؛ فإنه لا بد أن يروج كثير منها على كثير من القراء ممن لا يتابع، ولا يتثبت، ولا يعرف طرق العلم، ولايفهم الحجج، خاصة مع عدم نشر الصحف أكثر الردود على تفاهات هؤلاء السفهاء.
وكان من آثار هذه الحملات الخبيثة لهذه الشرذمة أنْ جبن جمع من الأخيار عن مصارعة الباطل ومقارعة أهله، وآثروا السكوت والركون إلى الدعة والراحة، وتجنب مواجهة هؤلاء.
وفريق آخر من الأخيار وجد إليه هؤلاء مدخلاً؛ فوسعوا له الطريق، بأساليب مختلفة منها: الثناء عليه وعلى علمه وانفتاحه وسعة أفقه، وبعد نظره، ودعوه إلى مجالسهم ونواديهم وبالغوا في إكرامه، وفسحوا له صحفهم ليكتب فيها ما لا يخالف أهواءهم، فانجرّ هذا ابتداء لهم راغبا في نشر الخير والإفادة من هذه القنوات في نشر الحق ونصح الخلق، لكنهم لن يتركوه فيده تكتب من هنا، وأعينهم ترمقه من هناك.
ومضت أيام وشهور وسنين وهذه الشرذمة ترعاه، وتصنع له الأضواء والجمهور، وتعده وتمنيه؛ فضعفت بصيرته عما أريد به، وضعف دينه ورقّ، وجُعل من حيث لا يشعر عدوا لأعدائهم وسلماً لأوليائهم، فتراه أبكم عن النطق بالحق الذي يكرهون، وأصم عن عن سماع موعظة الواعظين، ونصح الصادقين، قد قطع أكثر المجالس التي كان يلقى فيها أهل العلم الكبار، وظن أنه قوي بنفسه، قد حصّل من العلم ما يغنيه عن الجلوس عند مشايخه، واللقاء بأقرانه واستشارتهم والاستنارة برأيهم، واختص بمن كان على مثل ما هو عليه ومن لا يزجره عن غيه.
ثم لم يلبث طويلا حتى أحس بالفجوة بينه وبين أكثر مشايخه وإخوانه، وقرأ ردا من هنا وهناك على بعض أغلاطه؛ فزاد ذلك في بعده عن الحق، وظن أن هذا حطاً من مقامه، وانتقاصا من قدره، وأصبح يلحظ مدح فساق الصحف من هنا، وعتاب الفضلاء وردهم من هناك، ونفسه تهوى المدح والثناء والرفعة والعلو، فغدى بشعور أو بلا شعور: يكتب ما يحب فساق الصحف أن يكتب فيه، ويدندن حول ما يدندنون عليه، وهو يرى أنه كلما زاد في الكتابة فيما يريدون؛ زادوا في رفعته وتقديمه وتمكينه، وأمسى من كثرة متابعته كلامهم قد تشبعت نفسه بطريقتهم وشبهاتهم، وباتت تسري في دمه.
وقد حفظ له أكثر إخوانه ومشايخه سابقته في الخير، واستمروا في نصحه وعدم مواجهته، فزين له الشيطان أن ذلك لعجز منهم، وقوة فيه، فزاد غروره؛ إذ قد صبغت فيه سمة أصحابه من كتاب الصحف، وأصبح تفكيره مشابهاً لتفكيرهم، فتجرأ للرد على أهل العلم الذين ناهضوا الباطل وأهله، وانتهج في رده نفس طريقة أصحابه من كتاب الصحف، في لمز مخالفيه واحتقارهم والإزراء بهم، وترك نص كلامهم وظاهره، والتشغب عليهم بمثل شغب السفهاء، لا يناقش بعلم، يترك محكم ما سطروه من أدلة وتحريرات، ويذهب يقرر ما لم يتعرضوا له وما لا يخالفوه فيه، مظهراً أنه هذا قولهم أو لا زمه، ثم يزاد الطين بلة بربطه بأحداث الغلاة وشناعتهم، وقد علم كل من عنده طرف من العلم أنه يعوي بعيداً عن كلامهم، الذي كان غرضه النبيل بيِّناً واضحاً لمن له عينين، وهو : رد الأقوال الباطلة التي نسبت للشريعة، بالحجة والبيان.
وربما زاد شناعة فتطاول على من هو خير منه علماً وديناً وبصيرة وبعد نظر، فلمزه بأنه لم يفكر في أبعاد فتاواه، وغائب عن قضايا العالم، لا يعرف المصالح والمفاسد، ولم يفهم مقاصد الشريعة، مع أنك إذا أنعمت النظر في كلامه؛ وجدته أحق بهذه الأوصاف وأهلها، وإذا عرضت مقاله على المردود عليهم؛ ترى عجباً لبعده عن مضمونه، ويقف عقلك حائرا عن فهم سبب هذا:
هل هو قلة علم وضعف فهم، أو هو سوء قصد، أو هما معاً، أو هو رد أخذ من ردود أخرى من غير بصيرة؟!
وتخبطاته في مسائل الشرع محفوظة منشورة، مع خفة عنايته بنشر العلم النافع، وانصرافه للقصص، والأدب والشعر، وقضايا أخرى من جنسها قليل نفعها، ولو أنصف لعلم أنه أحق بنصح نفسه بالتفقه، والواجب عليه أن لا يجعل من نفسه مطية لأرباب الفسق والشهوات، وممراً لأهوائهم من تحت لحيته، وعليه أن يعرف قدره، ويعلم أن أولى ما نشر للعباد ونودي به: توحيد الله، وحماية شرعه من هجمات الفساق وتحريفهم له، وبيان ما أوجب الله على عباده من الحلال والحرام، وأنه مسؤول عن كل حرف يتكلم به ويكتبه.
فياطالب العلم احذر أن تكون مطية لأعداء الله، يصلون منك لشهواتهم، ويضربون باسمك ولحيتك مَن يناكف باطلهم، {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ}، وليكن بين عينيك دوماً أنه {مَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية