صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها

عبد الرحمن بن صالح السديس

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام ، على نبينا محمد، وآله ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، أما بعد:
فهذه نقول جميلة في مسألة جليلة .. لها جوانب لا تخفى على اللبيب أردت نفعك بها عند الحاجة إليها في الرد على متعالم ، أو جاهل جريء .. أو علماني خبيث .. ونحوهم .. ممن بدؤوا يتكلمون في الدين ، ويخوضون في التأويل ، ويفسرون التنزيل كما يشاؤون ..

قال العلامة ابن رجب رحمه الله في الحكم الجديرة بالإذاعة كما في المجموع 1/248:
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
فأمر الله ورسوله بالردِ على من خالف أمرَ اللهِ ورسولِه ، والردُ على من خالف أمرَ الله ورسولِه لا يتلقى إلا عمن عرف ما جاء به الرسول وخَبَرَه خبرة تامة .
قال بعض الأئمة : لا يؤخذ العلم إلا عمّن عرف بالطلب .

وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان : أمر ظاهر بعمل الجوارح ، كالصلاة والصيام والحج والجهاد ، ونحو ذلك .
وأمر باطن تقوم به القلوب ، كالإيمان بالله ومعرفته ومحبته وخشيته وإجلاله وتعظيمه والرضا بقضائه والصبر على بلائه .
فهذا كله لا يؤخذ إلا ممن عرف الكتاب والسنة ، ومن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث = لا نقتدي به في علمنا .
فمن تكلم على شيء من هذا مع جهله بما جاء عن الرسول فهو داخل فيمن يفتري على الله الكذب ، وفيمن يقول الله على ما لا يعلم ، فإن كان مع ذلك لا يقبل الحق ممن ينكر عليه باطله لمعرفته ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل ينتقص به وقال : أنا وارث حال الرسول والعلماء وارثون علمه ، فقد جمع هذا بين افتراء الكذب على الله ، والتكذيب بالحق لما جاء به { فمن أظلم ممن كذب على الله وكذّب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين } فإن هذا متكبر على الحق والانقياد له ، منقاد لهواه وجهله ، ضال مضل ، وإنما يرث حال الرسول من علم حاله ، ثم اتبعه ، فإن من لا علم له بحاله فمن أين يكون وارثه ؟

ومثل هذا لم يكن ظهر في زمن السلف الصالح حتى يجاهدوا فيه حق الجهاد ، وإنما ظهر في زمن قل فيه العلم وكثر فيه الجهل ، ومع هذا فلا بد أن يقيم الله من يبين للأمة ضلاله ، وله نصيب من الذل والصغار بحسب مخالفته لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .

يا لله العجب ، لو ادعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا ، ولم يعرفه الناس بها ، ولا شاهدوا عنده آلاتها = لكذبوه في دعواه ، ولم يأمنوه على أموالهم ، ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول ، ولا يجالس أهله ولا يدارسه ؟
فلله العجب كيف يقبل أهل العقل دعواه ، ويحكمونه في أديانهم ، يفسدها بدعواه الكاذبة ؟

إن كنت تنوح يا حمام البان * للبين ، فأين شاهد الأحزان ؟
أجفانك للدموع أم أجفانـي * لا يقبل مدع بلا برهـان

وقبله قال العلامة ابن حزم الظاهري ـ رحمه الله ـ في مداواة النفوس ص67:
لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون.

وقال في كتابه مراتب العلوم ص86[ضمن رسائل ابن حزم ج4]:
وإن قوما قوي جهلهم ، وضعفت عقولهم ، وفسدت طبائعهم ، ويظنون أنهم نم أهل العلم وليسوا من أهله ، ولا شيء أعظم آفة من على العلوم وأهلها الذين هم أهلها بالحقيقة منهذه الطبقة المذكورة ؛ لأنهم تناولوا طرفا من بعض العلوم يسيرا ، وكان الذي فاتهم أكثر مما أدركوا منه ، ولم يكن طلبهم لما طلبوا من العلم لله تعالى ، ولا ليخرجوا من ظلمة الجهل ، لكن ليزدروا بالناس زهوا وعجبا ، وليماروا لجاجا وشغبا ، وليفخروا أنهم من أهله تطاولا ونفجا ، وهذه طريقة مجانبة للفلاح ، لأنهم لم يحصلوا على الحقيقة ، وضيعوا سائر لوازمهم فعظمت خيبتهم ، ولم يكن وكدهم أيضا مع الازدراء بغيرهم إلا الازدراء بسائر العلوم وتنقيصها في ظنهم الفاسد أنه لا علم إلا الذي طلبوا فقط ، وكثيرا ما يعرض هذا لمبتدئ في علم من العلوم وفي عنفوان الصبا ، وشدة الحداثة إلا أن هؤلاء ليرجى(1) لهم البرء من هذا الداء مع طول النظر والزيادة في السن .اهـ

وقبله قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في الرسالة ص 41 :
فالواجب على العالِـمِين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا .
وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله . اهـ.

وقبله قال الإمام محمد بن سيرين:
إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم.
رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/14 .

فهذه أربعة نصوص قد تحتاجها ، لتصفع بها وجه كثير ممن يتكلمون فيما لا يحسنون ، ويهذون بما لا يعرفون ، خاصة من بعض كتاب الجلالة [الصحف: هكذا سماها العلامة بكر أبو زيد] المتعالمين المتجرئين على دين رب العالمين .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

------------
(1) في المطبوع : لا يرجى . ولعل الصواب ما أثبته .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية