صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المبحث السادس من بحث حقوق المرأة في السنة النبوية
لماذا أسلمن ؟
شُمُوسٌ تشرِقُ مِنَ الغَرْبِ

أحمد محمد الشرقاوي
أستاذ الدراسات الإسلامية المشارك
بجامعة الأزهر - وكلية التربية عنيزة

 
تمهيــد
1. الحمد لله ملكتُ حقوقي .
2. جمال الحجاب - الحجاب بالفطرة .
3. الحجاب طريق الإسلام !
4. الحجاب قبل الإسلام !
5. حلاوة الإيمان !
6. الإسلامُ فرحةٌ - تيريزا صارت خديجة !
7. الإيمانُ رُوحُ الحياة .
8. نسائمُ الإيمان في شهر رمضان .
9. سكن وطمأنينة .
10.  دين الفطرة .
11.  اقتربي يا فاطمة !
12.  نفسٌ أبيةٌ  ...  وهمة عليَّةٌ
 



· تمهيد

إن إقبال الغربيات على هذا الدين وتمسكهن به وسعادتهن بدخوله وحملهن لواء  الدعوة  وهمومها : لخير شاهد على عظمة وروعة هذا الدين  ، وصدق وسماحة ما جاء به من تشريع حكيم ومنهج قويم أنصف المرأة وكرَّمها ولبَّى نداء فطرتها ، واستجاب لمطالبها ، وسعى لصلاحها واستقامتها ، وصان عرضها وكرامتها  .
ففي الوقت الذي تزداد فيه الحملات ضد الإسلام وتضطرم نيران الشبهات والافتراءات من قبل الأعداء والأدعياء  حول حقوق المرأة ، وتنفق المليارات على الحملات التنصيرية بهدف صدِّ الناس عن الحقِّ : نجد شموعا مضيئة في خضم هذه الفتن تتمثل في أولئك النسوة اللاتي شرح الله صدورهن لقبول هذا الدين  ، ليقدِّمْنَ برهانا ساطعا وشهادة صادقة على عظمة هذا الدين وإنصافه للمرأة ،كما يكشف هذا الإقبال الكثيف على دين الحق عن زيف الحضارة الغربية وإفلاسها ، وأن الأديان المحرفة لا يمكن أن تنهض بالإنسان أو تحقق له النجاة ، وأن الإسلام قدم منهجا عمليا واقعيا لصلاح البشرية وسعادتها .
وصدق الله عز وجل إذ يقول  { يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) }
  وتقول الإحصائيات إن أربعة من بين كل خمسة  ممن يدخلون الإسلام هذه الأيام من النساء . (1)
   وهذه الحقيقة أبلغُ ردٍّ على من يدعي أن الإسلام يعادي المرأة ويهضم حقوقها ويمتهن كرامتها .
بل إن رحمة الإسلام وإنصافه للمرأة وتكريمه لها لمن أروع محاسن هذا الدين الذي يراعي طبيعة المرأة ويلبي نداء فطرتها ، ورغباتها المشروعة ، ويحقق مصالحها العاجلة والآجلة ، ويضمن لها النجاح في رسالتها كزوجة وأم ، ويُفسح لها المجال كي ترقى بمجتمعها وتنهض بأمتها .
 وكل ما جاء به الإسلام من تشريعات هي في صالح المرأة  ، مع ذلك يثير أعداء الإسلام وأدعياؤه غبار الشبهات حول قضايا لو أمعنوا النظر : لوجدوها من محاسن هذا التشريع الرباني ، لا من المثالب كما يتوهمون ولكن :

إذا محاسني اللاتي أُدِلُّ بها ***  كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر

وفي كل يوم تشرق شمس الحقيقة على صفحات قلوب النساء اللائي منَّ الله عليهن بالهداية ، ولو تأملنا في قصة إسلام كل واحدة منهن وشعورها بعد أن شرح الله صدرها لهذا الدين وأضاء قلبها بنور اليقين لوقفنا على كثيرٍ من محاسنه ومآثره ، ولأدركنا فضل الله علينا ورحمته ، ولبُهِتَ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ؛ حين يجدون هذه  البراهين الدالة على صدق وواقعية رسالة الإسلام .  
وصدق الله تعالى إذ يقول { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ . لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ   }الأنفال 36 ، 37
وحين يتأمل المسلم كيف اهتدت تلك القلوب وأضاءت بنور الإيمان ، يدرك أهمية الدعوة إلى الله ، فكم من أُناسٍ مُتعطِّشين للحق وكم من حيارى تائهين يرتقبون سفينة النجاة ، ويتلهفون إلى الأيادي الطاهرة التي تنتشلهم من هذا التيه .

أَقْدِم يا مسلمُ فالدُّنيا       *** قد أرهقَهَا هـذا التِّيه
تمضِي في العتمةِ ضائعةً ***  يحدُوها صوتٌ مشبوه
الكونُ الظامئُ ينتظرُ ***   من كفّـِكَ ماءً يرويه
من يمسحُ دمعتَهُ إلَّاك   ***       ومن للجـرحِ يداويه  ؟
عجبًا يا مسلمُ مِنْ أمرِك     ***  تمضي بيقينك جذلانَ !
أعْجَزْتَ الدنيا عن أَسْرِكَ     *** وأسرْتَ بحسنك أكوانا
إِنْ تغفلْ يا مسلمُ يومًا       ***   يمتلئ العالمُ  آلاما ...
وتمورُ الأرضُ سيولَ دَمٍ      ***       إنْ أنتَ نسِيتَ الإسلامَ (2)

 
1. الحمد لله ملكتُ حقوقي .
   لماذا لا أكون مسلمة ؟ 

تحكي أختنا - المهتدية التي سمت نفسها بعد إسلامها فاطمة يوسف – تحكي قصتها مع الإسلام فتقول : " كنتُ قبل إسلامي لا أجد نكهةً لحياتي ، أما الحياءُ فيعتبرُ رجعيةً عندنا وتأخرًا وعُقَدًا وأمراضا نفسية ! لم أسمع في السابق أيَّ شيء عن الإسلام  ، ولم أكن أدري ما هو ، ومن هم أتباعه ، حتى قرأت كتابا عن حقوق المرأة المسلمة فاكتشفت الكثير والكثير من معاناتنا نحن النساء في ظلِّ قوانين تستعبد المرأة وتحتكرها بعكس العيش الكريم الذي يوفِّرُهُ الإسلام للمرأة ، فالإسلام يصون المرأة ويلزم الرجل برعايتها وحسن معاشرتها والإنفاق عليها ويحاسبه على التقصير في حقها  ، قلت في نفسي لماذا لا تكون لي تلك الحقوق في مقابل واجبات محدودة لا تفوق طاقتي ولا ترهقني ولا تقتل أنوثتي وكرامتي ! تساءلتُ لماذا أُمْتَهَنُ ويُنظَرُ لي على أنني رسمٌ جميل  : الغايةُ منه المتعةُ الرخيصة والهوان ؟ لماذا لا أكون سيدةً محترمةً في قرارة نفسي وأمام الناس ؟ لماذا لا أكون مسلمة  ؟  ... وبعد تكرار زيارتي للمسجد تعرفتُ أكثر على الإسلام واقتنعتُ به كثيرًا إلى أن جاء ذلك اليوم الذي نطقتُ فيه قائلةً – وسط دموع الفرحة في أعين أخواتي المسلمات – أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدا رسول الله ، وتلقيتُ التهاني منهن والدعاء بالثبات ، الحمد لله ملكتُ حقوقي بعد أن أصبحتُ امرأةً مسلمةً كَفَلَ لها دينُها العيشَ الكريم ، الشريفَ العفيفَ ، فيا لخسران من لم يذق حلاوة الإيمان  !  "  (3)
 
2. جمال الحجاب
الحجاب بالفطرة

    تقول إحداهن  : "زادني الحجاب جمالاً ، الحجاب إعلان عام بالالتزام ، الحجاب شعار تحرر ، الحجاب يوفر لي مزيداً من الحماية ، عندما أسلمتُ أصررتُ على ارتداء حجابي بالكامل من الرأس إلى القدم ، الحجاب جزءٌ مني ، من كياني ، فقد ارتديتُه قُبَيْلَ إسلامي لإحساسي أنني أحترم نفسي وأنا أرتديه ". (4) .
 
3. الحجاب طريق الإسلام !
ما كادت الشمس تؤذن بالغروب حتى أشرقت شمس الإسلام على صفحة قلبها وصَدَحَتْ بكلمة الحق التي اهتزَّ لها كيانها وكان أول ما جذبها إلى الإسلام جمال وروعة الحجاب تاج الوقار وعنوان الطهر ، هذا المشهد المهيب مشهد المؤمنات الصالحات لفت نظرها وحرّك وجدانها ومشاعرها فقررت أن تعرف القصة من البداية : قصة هذا اللباس الساتر الفضفاض الذي كان طريقها إلى الإسلام .
قالت أختنا المهتدية حين سئلت عن قصة إسلامها ورحلتها من الكفر إلى الإيمان  : " إن سبب اعتناقها للإسلام هو ما رأته من مظاهر الحشمة والحياء بين المسلمات ،  وتركهن للاختلاط والتبرج الذي دمر قيم الأسرة والمجتمع في بلادهم وما رأته من اصطفاف المسلمين للصلاة في الجانب الآخر في مشهد هو غاية في التأثير .. والشيء المثير حقا أن أولئك النسوة اللاتي كن سببا لهدايتها ،كان كلهن من الأمريكيات اللاتي اخترن الإسلام على ما سواه من الأديان وتعبدن لله لا سواه وعضضن بالنواجذ على لا إله إلا الله .. واقتدينَ بأمهات المؤمنين فلبسنَ الحجاب الكامل دون أن يُرى من إحداهن شيء !! (5)
    وأخرى رأت فتيات مسلمات يمشين في الطريق وقد ارتدين الحجاب ، فأعجبها سمتهن ووقارهن ، وبعد أن سَألتْ عن خبرهن وقيل لها إِنهن يَدِنَّ بالإسلام ، اتجهت إلى دراسة هذا الدين ، حتى انتهى  بها المطاف إلى واحة الطهر والعفاف ، حيث اعتناقها للإسلام وارتداء الحجاب !! (6)
 
4. الحجاب قبل الإسلام !
  تقول إحدى المهتديات عن أول خطواتها على طريق الهدى : ذهبتُ إلى متجر إسلامي واشتريتُ عباءة وغطاء رأس وخرجت أمام الملأ ، شعرت بسبب الحجاب بالحرية بكل ما تعني الكلمة ! أعجبني أن جسمي كان للمرة الأولى خاصًا بي فقط ؛ لم يستطع أي أحد أن ينظر إلى أجزاء جسدي ويقيِّمَني بناءًًا عليها ... أعجبني كم كنت أشعر بالراحة ، وأيضا أعجبني أنني حينما كنت أرتدي الحجاب ، كان عقلي صافي البال غير مشغول بالاهتمام بجسدي المادي وكان بإمكاني التركيز على ما يوجد بالداخل ... أيضا أعجبني أنني للمرة الأولي في حياتي أشعر بأني مميزة...  شعرت وكأن جسدي كان شيئًا مميزا ، فقط لي ولزوجي ؛ وكان ذلك كنزًا .. ومن تلك الفترة حتى الآن ، لم أخرج من المنزل من غير حجابي  (7) .
   إن مشهد الحجاب وروعته وبهاءه ورفعته وجماله وجلاله قد لفت أنظار غير المسلمات ، أثار فضولهنَّ ونال إعجابهن فكان نقطةَ تحوذثلٍ وركيزةَ انطلاقٍ إلى الإسلام ، فالحجاب عزٌّ وكرامة ، وطهر واستقامة ، وحياء ونقاء ، وجمال وجلال ، وروعة وسناء ، إنه استجابة لنداء الفطرة وستر لمحاسن المرأة ومفاتنها ، وصون لكرامتها .
 
5. حلاوة الإيمان
       وتعبِّر مسلمة أخرى عن حلاوة الإيمان وعظمة الإسلام :  فتقول  : " أُحِسُّ في قلبي رقةً لم أعهدْها قبل إسلامي * شعرتُ أنني كنت دائماً مسلمة * اكتسبتُ من الإسلام القوة لمواجهة الناس * أجاب الإسلام عن جميع تساؤلاتي * وجدت في الإسلام ضالتي وعلاج أزماتي * قبل إسلامي كنتُ لا شيء * أصبح هدفي الأسمى الدفاع عن هذا الدين * صارت الصلاةُ ملاذي والسجودُ راحتي وسكينتي * فرحتي لا تُوصف * شدتني العلاقة المباشرة بين العبد وربه * المرأة الغربية لا تعرف ماذا تريد * تعرفتُ على وحدانية الله فبكيتُ * المرأة الغربية ليست متحررةً كما قد تتوهم المسلمة * نطقتُ بالشهادتين فَسَرَتْ في عروقي قوةٌ خارقة * الإسلام هو الذي أعطاني الأمان * اكتشفت كنوزاً كنتُ أجهلُها *  ".

 " أدركتُ معنىً للحياةِ وأنها      ***    تحلوُ بقُرب الله في السَّجَدَاتِ
تحلـوُ الحياةُ تساميًا وتعاليًا      *** وجهادَ أهواءٍ وطولَ ثباتِ
تحلوُ الحياةُ تحديًا وبطولةً *** وركوبَ أهوالٍ ، وعيشَ أُباةِ
هذي لذائذُنَا وهذا دربُنا       *** أكرِمْ بهَا في العيشِ من لذاتِ " (8)

 
6. الإسلام فرحةٌ
تيريزا صارت خديجة !

     ومن الكلمات  الوضاءة المشرقة في آفاق الإيمان ، والمعبِّرة أصدق تعبير عن الفرحة الكبرى لنعمة الإسلام والسعادة البالغة بهذا الدين كلمات  الأخت اليونانية "تيريزا" وهي تعلن عن أكبر تحوُّلٍ في حياتها  حين هداها الله للإيمان فتقول : " لا أريد أن أتحدث ، ففرحي بالإسلام لا يوصف أبداً ، ولو كتبت كتباً ومجلدات لن تكفي لوصف شعوري وسعادتي ، أنا مسلمة ، مسلمة ، مسلمة ، قولوا لكل الناس إني مسلمة وسعيدة بإسلامي ، قولوا لهم عَبْر وسائل الإعلام كلها: تيريزا اليونانية أصبحت خديجة : بدينها، بلباسها، بأعمالها، بأفكارها .(9)
 
7. الإيمانُ رُوحُ الحياة
داعية ومفكرة إسلامية معروفة  : وهي أمريكية من أصل يهودي وكان اسمها (مارغريت ماركوس)  ، أسلمت وحسن إسلامها وصار اسمها مريــم جميلــة  ، ألفت كتباً عديدة منها (الإسلام في مواجهة الغرب) ، و(رحلتي من الكفر إلى الإيمان) و(الإسلام والتجديد) و(الإسلام بين النظرية والتطبيق) . تقول : " لقد وضع الإسلام حلولاً لكل مشكلاتي وتساؤلاتي الحائرة حول الموت والحياة وأعتقد أن الإسلام هو السبيل الوحيد للصدق ، وهو أنجع علاج للنفس الإنسانية ... منذ بدأت أقرأ القرآن عرفت أن الدين ليس ضرورياً للحياة فحسب ، بل هو الحياة بعينها ، وكنت كلما تعمقت في دراسته ازددت يقيناً أن الإسلام وحده هو الذي جعل من العرب أمة عظيمة متحضرة قد سادت العالم ".
"كيف يمكن الدخول إلى القرآن الكريم إلا من خلال السنة النبوية ؟! فمن يكفر بالسنة لا بد أنه سيكفر بالقرآن" .
" على النساء المسلمات أن يعرفن نعمة الله عليهن بهذا الدين الذي جاءت أحكامه صائنة لحرماتهن ، راعية لكرامتهن ، محافظة على عفافهن وحيائهن من الانتهاك ، ومن ضياع الأسرة " (10) .
 
8. نسائم الإيمان في شهر رمضان
أما إيزابيلا (إيمان رمضان) السويسرية : فقد هبت عليها نسائم الإيمان في شهر رمضان، بعد أن تشبعت بمعرفة الله ورسوله ، وبعض مبادئ الإسلام ، فصححت الصورة الذهنية المشوهة لديها عن الإسلام والمسلمين ، ووجدت في الإسلام حياة أخرى تقوم على عقيدة التوحيد ، التي أورثتها راحة نفسية هائلة في الصلة المباشرة بين العبد وربه بعيدًا عن النظم الكهنوتية . 
وتعمق لديها الإحساس بالإيمان في شهر رمضان عندما جربت الصيام ، والصلاة ، وارتدت الحجاب لأول مرة ، واستعانت بالعلم والصحبة الصالحة على تغيير الصورة المشوهة التي تبثها وسائل الإعلام الغربي عن الإسلام والمسلمين ، وبرغم ما يدعيه الغرب من الحرية ، فإن موقفهم من إسلامها، وحجابها أكد زيف هذه الحرية التي تقول إنك حر فيما تفكر فقط ، لكن لا تفعل إلا ما يرضى به الجميع أو المجتمع ككل .
 {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ  اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }  ( سورة الزمر 22 ، 23) .
 
9. سكن وطمأنينة
     قالت أختُنا : " كنت أعيش في ضلال ، لا أعرف لماذا أحيا ؟ وماذا بعد الموت ؟ أعيش في اكتئاب دائم وقلق مستمر ، لكن الآن سكن وطمأنينة ، وحب لهذا الدين الذي جاء به نبينا محمد e  رحمة للعالمين " .
هذه بعض كلمات الفرنسية المهتدية سيلفي فوزي التي تعي القضايا الإسلامية ، وتهتم كثيرًا بأمور المسلمين وهمومهم ، ورغم المكانة العلمية التي حققتها ( دكتوراه في الهندسة الكيميائية ) والرفاهية المادية التي تعيشها ، فقد كانت دائمة قلقة حزينة غير منسجمة مع ما حولها ، وغير متقبلة لما يدور من مناقشات في اليهودية والنصرانية عن تشويه الإسلام والمسلمين حتى شرح الله صدرها للإسلام . (11)
    كانت حياتهن بلا هدف ولا معنى … كن تائهات في بحار الظلمات  .. فَرَسَتِ السفينةُ على شاطئ النجاة .. وأشرقت عليهن شمس الهداية .. حكاياتهن متشابهة !!   رحلة طويلة وشاقة في طريق محفوفةٍ بالشكوك والأشواك ،  ثم اللحظة الحاسمة التي غيَّرت المسار .. حيث طريق الإسلام ، فوضع عنهن آصارَ الجهلِ والحيرةِ وأوضارَ التخبُّطِ والضَّيَاعِ …وأخرجهن من دروب الحيرةِ إلى طريق الهدى وسبيل النجاة .
{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}  ( سورة البقرة 257)
 
10.  دين الفطرة
إيفلين كوبلد   شاعرة وكاتبة بريطانية ، من كتبها (البحث عن الله) و(الأخلاق) . تقول : "يصعب عليَّ تحديد الوقت الذي سطعت فيه حقيقة الإسلام أمامي فارتضيته ديناً ، ويغلب على ظني أني مسلمة منذ نشأتي الأولي ، فالإسلام دين الفطرة الذي يتقبله المرء فيما لو تُرك لنفسه" (12) .
وصدق الله تعالى إذ يقول { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } ( سورة الروم 30)
"لما دخلت المسجد النبوي تولّتني رعدة عظيمة ، وخلعت نعلي ، ثم أخذت لنفسي مكاناً قصيًّا صليت فيه صلاة الفجر ، وأنا غارقة في عالم هو أقرب إلى الأحلام … رحمتك اللهم ، أي إنسان بعثت به أمةً كاملةً ، وأرسلت على يديه ألوان الخير إلى الإنسانية ! . (13)

وقلت أســارعُ ألقــى النبــيِّ   
  تعطّرتُ ، لكن بِعٍطْرِ المدينـــة
   وأطلقتُ روحاً بِجِسْمِي سَجِينَه
سجدتُ ، سموتُ ، عبرتُ السماء
  وغادرتُ جسمي الكثيف وطينه
    مدينةُ حِبّـي مراحٌ لقلبي
    سـناءٌ ، صفاءٌ ، نقــاءٌ ، ســكينة  (14) 

 
11.  اقتربي يا فاطمة !
   ونرجع بالقارئ الكريم إلى صيف عام 1914 م الموافق سنة 1332هـ وعلى محطة مدينة طنطا والناس وقوف ينتظرون القطار القادم من الإسكندرية في طريقه إلى القاهرة وهم بين مودِّع ومودَّعٍ وحاملٍ أمتعته ومتأهبٍ لركوب القطار وفي وسط هذا الزحام كانت هذه القصة التى يذوب لها القلب ، حكاها الأستاذ عبد الله بن عفيفي الباجوري رحمه الله : قال كنت واقفا أترقب القطار والكلُّ مشغول في الدقائق المتبقية بين توديع وإشفاق وترقب وانتظار ، وكنت في شُغُلٍ بصديق يجاذبني أطرافَ حديثِ شيِّقٍ ممتعٍ وفي تلك اللحطات الفانية راع الناسَ صياحٌ وصراخٌ ومُشادَّةٌ ومدافعةٌ فالتفتنا فإذ بفتاة في السابعة عشرة من عمرها يسوقها شرطي عتيدٍ شديد وساعٍ من سعاة إحدى السفارات ومن خلفهم عجوز أوروبي تجاوز الستين مهمومٌ مهزولٌ ، وهي تدافع الرجلين بكل قوتها الضعيفة حتى أقبل القطار فكاد كلٌّ ينسى بذلك الموقفِ موقفَهُ ثم أُصعدت الفتاةُ وصعد الركابُ واتخذت أنا وصاحبي مكانا قريبا من مقعدها ، كل ذلك والفتاة في حزن وكرب لا يَجْمُلُ معه الصبر ، ولا يُحمَدُ الصمتُ ، فسألتُ العجوزَ الأوروبيَّ ما خطبُهُ وما أمرُ هذه الفتاة  ؟ فقال وقد أشرقَهُ (15) الدمعُ وقطع صوتَه الأسى :" إنني رجل أسباني نصراني وهذه الفتاة ابنتي ، عرض لها منذ حين ما لم أتوقعه ، صحوت ذات صباح على صوتها تصلي صلاة المسلمين ، ومنذ ذلك اليوم احتجزتْ ثيابَها لتتولى أمر غسلها بعيدا عن ثيابنا وأرسلت خمارها الأبيض على صفحة وجهها وصدرها ثم أخذت تمضي وقتها في صلاة وصيام  وكانت تدعى روز فأبت إلا أن تنادى بفاطمة وما لبثت حتى تبعتها أختها الصغرى فصارت أشبهَ بها من الزهرة بالزهرة ! ففزعتُ من هول ذلك وانطلقتُ إلى أحد الأساقفة فأخذ يحاورها لكنه لم يفلح في إقناعها وإرجاعها ، وعزَّت على الرجل خيبته فكتب إلى معتمد الدولة الأسبانية بأمر الأسرة الخارجة على دينها ، وهنالك آمر المعتمدُ حكومةَ مصرَ فساقت ابنتي كما ترى وأجمعوا على أن يلقوا بها في غيابة دير من الأديرة " .
قلتُ له : وهل يرضيك أن تساق ابنتُك كما تساقُ المجرماتُ الآثماتُ على غير إثم أو جريمة ؟ 
فزفر الرجل زفرةً كاد يتصدع منها قلبه وتتفرق ضلوعه ، ثم قال أما وقد خدعتُ ودُهمتُ فما عساني أفعل ؟
   على إثر ذلك انثنيت إلى الفتاة وهي تعالج من أهوال الحزن وأثقاله ما تنوء عن حمله الجبال فقلت : ما بالك يا فاطمة ؟ وكأنها أنست بي إذ ناديتها باسمها الذي تحبُّ فأجابتني متنهِّدةً بصوت يتعثر منه الأسى والضنى : قالت كان لنا جيرة مسلمون أغدو إليهم فأستمع أمر دينهم ، حتى إذا أخذني النوم ذات ليلة رأيت النبي محمداً e في هالة من نور يخطف سناها الأبصار يقول وهو يلوِّح بيده اقتربي يا فاطمة ، فلم تكد تتم كلامها حتى أخذتها رِعدةٌ فهوت على مقعدها ، سمع من حولنا كلامها فغشيهم من الحزن ما غشيهم وأبصرت بشيخٍ فطلبت منه أن يؤذِّنَ في أُذُنِهَا فلما انتهى إلى قوله تعالى أشهد أن محمداً رسول الله أفاقت وتنفسَّت الصُّعداء ، وأخذت في البكاء ، وعاودتها سيرتها الأولى : ولسان حالها يقول :  

وإني لتعروني لذكراكَ هِزَّةٌ   ***     كما انتفضَ العصفورُ بلَّلَه القَطْرُ (16)
أموتُ إِذَا ذَكَرْتُكَ ثُمَّ أَحْيَا      ***       فَكَمْ أَحْيَا بِذِكْرِكَ أَوْ أَمُوتُ
فَأَحْيَا بِالمُنَى وَأَمُوتُ شَوْقًا       ***      فَكَمْ أَحْيَا عَلَيْكَ وَكَمْ أَمُوتُ
شَرِبْتُ الحُبَّ كَأْسًا بَعْدَ كَأْسٍ   ***       فَمَا نَفَدَ الشَّرابُ وَمَا رَوِيتُ


 فلما أفاقت قلت لها : ومم تخافين وتفزعين ؟ قالت إنه سيؤمر بي إلى الدير ، وأنا لا أخاف من السياط ، وإنما أخاف أن يحال بيني وبين الصلاة ، قلت لها يا فاطمة ألا أدلك على خير من هذا ! قالت : أجل قلت : إن الإيمان في القلب فما عليك أن لو أقررت أمام المعتمد بدينك القديم حتى لا يؤمر بك إلى الدير ، هنالك نظرت إليَّ نظرةً غاضبةً ثم قالت : إنني إن أطعت نفسي فإن لساني لن يطاوعني ، ثم وصل القطار إلى محطة القاهرة وحيل بيني وبين الفتاة وانقطع خبرها وطويت صفحتها بين غياهب ذلك الدير   (17)   ، كما طويت صفحات من سبقها ومن لحقها ممن اخترن طريق الحق وثبتن عليه ، ولم يجدن على الحق نصيرًا  ، رحمك الله يا فاطمة ،  ورحم الله كل من سلك هذا الدرب ، وَثَبَتْ عليه  .
 
12.  نفسٌ أبيةٌ  ...  وهمة عليَّةٌ
من الكفر إلى  الإيمان

فتاة روسية ، من عائلة محافظة ، لكنها ( أرثوذوكسية ) شديدة التعصب للنصرانية ، عرض عليها أحدُ التجار الروس أن تصحبه مع مجموعة من الفتيات ، إلى دولة خليجية ، لشراء أجهزة كهربائية ، ثم بيعها في روسيا ، كان هذا هو الهدف المتفق عليه بين الرجل ، وهؤلاء الفتيات ، وعندما وصلوا إلى هناك ، كشَّر الذئبُ ُعن أنيابه ، وعرض عليهن ممارسة الرذيلة ، وبدأ في تقديم الإغراءات لهن ، إلى أن اقتنعن بفكرته ، إلا هذه الفتاة ، التي كانت متمنعة أبية ، فضحك منها ، وقال : أنتِ في هذا البلد ضائعة ، ليس معكِ إلا ما تلبسين من الثياب ، ولن أعطيكِ شيئاً ، وبدأ يضيق عليها ، أسكنها في شقة مع بقية الفتيات ، وأخفى جوازات سفرهن  ، وانجرفت الفتيات مع التيار ، وثبتت هي على العفاف ، ولا زالت تُلِحُّ عليه كل يوم ، في تسلم جوازها ، أو إرجاعها إلى بلدها ، فيأبى عليها ذلك ، فبحثت يوماً في الشقة ، حتى وجدت جوازها ، فاختطفته ، وهربت من الشقة ، خرجت إلى الشارع ، لا تملك إلا لباسها ، هامت على وجهها ، لا تدري أين تذهب ، لا أهل ، ولا معارف ، ولا مال ، ولا طعام ، ولا مسكن ، أخذت المسكينة تتلفت حائرة يمنة ويسرة ، وفجأة رأت شاباً ، يمشي مع ثلاث نساء ، اطمأنت لمظهره ، فأقبلت عليه ، وبدأت تتكلم باللغة الروسية ، فاعتذر أنه لا يفهم الروسية ، قالت : هل تتكلمون الإنجليزية ؟ قالوا : نعم !
فرحت ، وبكت ، وقالت : أنا امرأة من روسيا ، قصتي كذا وكذا ، ليس معي مال ، وليس لي مسكن ، أريد العودة إلى بلادي ، أريد منكم فقط إيوائي ، يومين أو ثلاثة ، حتى أتدبَّر أمري مع أهلي وإخوتي في بلادي ، أخذ الشاب ( خالد ) يفكر في أمرها ، ربما تكون مخادعة ! أو محتالة ! وهي تنظر إليه وتبكي ، وهو يشاور أمه وأختيه ، وفي النهاية  أخذوها إلى البيت ، وبدأت تتصل بأهلها ، ولكن لا مجيب ، الخطوط متعطلة في ذاك البلد ! وكانت تعيد في كل ساعة الاتصال ، عرفوا أنها نصرانية ، تلطفوا معها ، رفقوا بها ، أحبتهم ، عرضوا عليها الإسلام ، ولكنها رفضت ، لا تريد ، بل لا تقبل النقاش في موضوع الدين أصلاً ، لأنها من أسرة " أرثوذكسية " متعصبة تكره الإسلام والمسلمين ! فذهب خالد ، إلى مركز إسلامي للدعوة ، وأحضر لها كتباً عن الإسلام باللغة الروسية ، فقرأتها ، وتأثرت بها ، ومرت الأيام ، وهم يحاولون ويقنعون ، حتى شرح الله صدرها ، وحسن إسلامها ، وبدأت تهتم بتعاليم الدين ، وتحرص على مجالسة الصالحات ، وخافت أن ترجع إلى بلدها فترتد إلى نصرانيتها ، فتزوَّجها خالد ، وكانت أكثرَ تمسكاً بالدين ، وحرصا على طلب العلم ، ذهبت يوماً مع زوجها إلى السوق ، فرأت أختا مسلمة ، قد غطت وجهها ، وكانت هذه أولَ مرَّة تري فيها امرأة كذلك ، فاستغربت من هذا الشكل !! وقالت : خالد ، لماذا هذه المرأة بهذا الشكل ؟ لعل هذه المرأة مصابة بعلَّة شوَّهت وجهها ، فغطته ؟ قال : لا ، هذه المرأة  التزمت بهذا الحجاب الشرعي ، فسكتت قليلاً ، ثم قالت : نعم ، فعلاً ، هذا هو الحجاب الإسلامي ، الذي أراده الله منا ، قال : وما أدراكِ ؟ قالت : أنا الآن إذا دخلت أي محل تجاري ، لا تنزل أعين أصحاب المحل عن وجهي ! تكاد تلتهم وجهي قطعة قطعة !! إذن وجهي هذا لابد أن يُغطَّى ، لا بد أن يكون لزوجي فقط يراه ، إذن لن أخرج من هذا السوق إلا بمثل هذا الحجاب ، فمن أين نشتريه ؟ قال : استمري على حجابك هذا ، كأمي وأخواتي ، قالت : لا بل أريد الحجاب الذي اقتنعت به ، مرت الأيام على هذه الفتاة ، وهي لا تزداد إلا إيماناً ، وأحبها من حولها ، وملكت على زوجها قلبه ومشاعره ، وفي ذات يوم نظرت إلى جواز سفرها ، فإذا هو قد قارب على الانتهاء ، ولا بد أن يُجدَّد ، والأصعب من ذلك ، أنه لا بد أن يُجدد من المدينة نفسها التي تنتمي إليها ، إذن لا بد من السفر إلى روسيا ، وإلا تعتبر إقامتها غير نظامية ، قرر خالد السفر معها ، فهي لا تريد السفر من غير محرم ، ركبوا في طائرة تابعة للخطوط الروسية ، وركبت هي بحجابها الكامل !! وجلست بجانب زوجها شامخة بكل عزة ، قال لها خالد : أخشى أن نقع في إشكالات بسبب حجابك ، قالت : أنتِ الآن تريد مني أن أطيع هؤلاء الكفرة ! لا ، والله ، فليقولوا ما شاءوا ،بدأ الناس ينظرون إليها ، وبدأت المضيفات يوزِّعن الطعام ، ومع الطعام الخمور ، وبدأ الخمر يلعب بالرؤوس ، وبدأت الألفاظ النابية ، توجه إليها من هنا وهناك ، فهذا يتندر ، وذاك يضحك ، والثالث يسخر ، ويقفون بجانبها ، ويعلَّقون عليها، وخالد ينظر إليهم ، لا يفهم شيئاً ، أما هي فكانت تبتسم وتضحك ، وتترجم له ما يقولون ، غضب الزوج ، فقالت : لا ، لا تحزن ، ولا يضِق صدرك ، فهذا أمر هيِّن ، في مقابل ما جابهه الصحابة ، وما حصل للصحابيات من بلاء وابتلاء  ، صبرت هي وزوجها ، حتى وصلت الطائرة .

في روسيا .
عزيمةٌ وإصرار

قال خالد : عندما نزلنا في المطار ، كنت أظن أننا سنذهب إلى بيت أهلها ، ونسكن عندهم ثم بعد ذلك ننهي إجراءاتنا ونعود ، لكن نظرة زوجتي كانت بعيدة ، قالت لي : أهلي ( آرثوذوكس ) متعصبون لدينهم ، فلا أريد أن أذهب الآن ! لكن نستأجر غرفة ، ونبقى فيها ، وننهي إجراءات الجواز ، وقبيل السفر نزور أهلي ، فرأيت أن هذا رأياً صواباً ، استأجرنا غرفة وبتنا فيها ، ومن الغد ذهبنا إلى إدارة الجوازات ، دخلنا على الموظف فطلب الجواز القديم وصوراً للمرأة ، فأخرجت له صوراً لها بالأسود والأبيض ، ولا يظهر منها إلا دائرة الوجه فقط ، فقال الموظف : هذه صورة مخالفة ، نريد صورة ملونة ، يظهر فيها الوجه والشعر والرقبة كاملة !! فأبت أن تعطيه غير هذه الصور ، وذهبنا إلى موظف ثانٍ ، وثالث ، وكلهم يطلبون صوراً سافرة ،  وزوجتي تقول : لا يمكن أن أعطيهم صورة متبرجة أبداً ، فرفض الموظفون استقبال الطلب ، فتوجهنا إلى المديرة، فاجتهدت زوجتي أن تقنعها بقبول هذه الصور ، وهي تأبى ، فأخذت زوجتي تلح وتقول : ألا ترين صورتي الحقيقية ، وتقارني بالصور التي معك ، المهم رؤية الوجه ، الشعر قد يتغير ، هذه الصور تكفي ؟! والمديرة تصر على أن النظام ، لا يقبل هذه الصور ، فقالت زوجتي : أنا لن أحضر غير هذه الصور ، فما الحل ؟ قالت المديرة : لن يحل لكم الإشكال إلا مدير عام  الجوازات في موسكو  ، فخرجنا من إدارة الجوازات ، فالتفتت إلى وقالت : يا خالد نسافر إلى موسكو ، عندها قلت لها : أحضري الصور التي يريدون ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، فاتقوا الله ما استطعتم ، وهذه ضرورة ، والجواز سيراه مجموعة من الأشخاص فقط ، للضرورة ، ثم تخفينه في بيتك إلى أن تنتهي مدته  ، دعي عنك المشاكل ، لا داعي للسفر إلى موسكو ، فقالت : لا ، لا يمكن أن أظهر بصورة متبرجة ، بعد أن عرفت دين الله سبحانه وتعالى .

في موسكو
أصرَّت عليَّ فسافرنا إلى موسكو ، واستأجرنا غرفة وسكنَّاها ، ومن الغد ذهبنا إلى إدارة الجوازات ، دخلنا على الموظف الأول فالثاني فالثالث وفي نهاية المطاف ، اضطررنا للتوجه إلى المدير الأصلي ، دخلنا عليه ، عندما رأي الجواز ، أخذ يقلب الصور ، ثم رفع رأسه إلى زوجتي وقال : من يثبت لي أنكِ صاحبة هذه الصور ؟ يريدها أن تكشف وجهها ليراها ، فقالت له : قل لأحد الموظفات عندك ، أو السكرتيرات ، تأتي فأكشف وجهي لها ، وتطابق الصور ، أما أنت فلن تطابق الصور ، ولن أكشف لك وجهي ، فغضب الرجل ، وأخذ الجواز القديم ، والصور ، وبقية الأوراق ، وضم بعضها إلى بعض ، وألقاها في درج مكتبه الخاص ، وقال لها : ليس لكِ جواز قديم ، ولا جديد إلا بعد أن تأتين إليَّ ، بالصور المطابقة تماماً ، ونطابقها عليك ، أخذت زوجتي تتكلم معه ، تحاول إقناعه ، ويتكلمان بالروسية ، وأنا أنظر إليهما ، لا أفهم شيئاً ، لكني غضبت ، ولا أستطيع أن أفعل شيئاً ، وهو يردد : لا بد من إحضار الصور على شروطنا ، حاولت المسكينة إقناعه ، ولكن لا فائدة ! فسكتت وظلت واقفة ،التفتُّ إليها ، وأخذت أعيد عليها وأكرر : يا عزيزتي ، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ونحن في ضرورة ، إلى متى نتجول في مكاتب الجوازات ، فقالت لي : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا  } (سورة الطلاق : 2)
 اشتد النقاش بيني وبينها ، فغضب مدير الجوازات وطردنا من المكتب ،خرجنا نجرُّ خطانا ، وأنا بين رحمةٍ بها ، وغضب عليها ، ذهبنا لنتدارس الأمر في غرفتنا ، أنا أُحاول إقناعها ، وهي تحاول إقناعي ،إلى أن أظلم الليل ، فصلينا العشاء ، وأنا مشغولُ البال ، ثم أكلنا ما تيسر ، ووضعت رأسي لأنام ، فلما رأتني كذلك ، تغير وجهها ،ثم التفتت إلى وقالت : خالد ، تنام !! قلت : نعم ، أما تحسين بالتعب ،!! قالت : سبحان الله ، في هذا الموقف العصيب تنام !! نحن نعيش موقفاً يحتاج منا إلى لجوء إلى الله ، قُم الجأ إلى الله فإن هذا وقت اللجوء ، فقمت ، وصليت ما شاء الله لي أن أصلي ، ثم نمت ، أما هي فقامت تصلي ، وتصلي ، وكلما استيقظت ، نظرت إليها ، فرأيتها إما راكعة ،أو ساجدة ، أو قائمة ، أو داعية ، أو باكية ، إلى أن طلع الفجر ، ثم أيقظتني ، وقالت : دخل وقت الفجر ، فهلُّم نصلي سوياً ، فقمت ، وتوضأت ، وصلَّينا ، ثم نامت قليلاً ، وبعدما طلعت الشمس ، استيقظت ، وقالت : هيا لنذهب إلى الجوازات !! فقلت لها : نذهب إلى الجوازات !! بأيِّ حجة ؟! أين الصور ؟؟  ليس معنا صور ؟! قالت : لنذهب ونحاول ، لا تيأس من روح الله ، لا تقنط من رحمة الله ، فذهبنا ، ووالله ما إن وطأت ، أقدامنا أول مكتب من مكاتب الجوازات ، ورأوا زوجتي وقد عرفوها من حجابها ، وإذ بأحد الموظفين ينادي : أنت فلانة ؟ قالت : نعم ! قال : خذي جوازكِ ، فإذا هو مكتمل تماماً ، بصورها المحجبة ، فاستبشرت ، والتفتت إليَّ وقالت : ألم أقل لك " " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " ، فلما أردنا الخروج ، قال الموظف : لابد أن تعودوا إلى مدينتكم التي جئتم منها ، وتختموا الجواز منها ، فرجعنا إلى المدينة الأولى ، وأنا أقول في نفسي ، هذه فرصة لتزور أهلها قبل سفرنا من روسيا ، وصلنا إلى مدينة أهلها ، استأجرنا غرفة ، وختمنا الجواز .

رحلة العذاب
  ثم ذهبنا لزيارة أهلها ، وطرقنا الباب ، كان بيتُهم قديماً متواضعاً ، يبدو الفقر على سكانه ظاهراً ، فتح الباب أخوها الأكبر ، كان شاباً مفتول العضلات ، فَرِحَت المسكينة بأخيها ، وكشفت وجهها وابتسمت ، ورحبت ! أما هو فأول ما رآها تقلب وجهه بين فرح برجوعها سالمة ، واستغراب من لباسها الأسود الذي يغطي كل شيء ، دخلت زوجتي وهي تبتسم ، وتعانق أخاها ، ودخلْتُ وراءها ، وجلسْتُ في صالة المنزل ، جلست وحيداً ، أما هي ، فدخلت داخل البيت ، أسمعها تتكلم معهم باللغة الروسية ، لم أفهم شيئاً ، لكنني لاحظت أن نبرات الصوت بدأت تزداد حدة !! واللهجة تتغير !! والصراخ يعلو !! وإذا كلهم يصرخون بها ، وهي تدافع هذا ، وترد على ذاك ، فأحسست أن الأمر فيه شر ! ولكنني لا أستطيع أن أجزم بشيء لأني لم أفهم من كلامهم شيئاً ، وفجأة بدأت الأصوات تقترب من الغرفة التي أنا فيها ، وإذا بثلاثة من الشباب ، يتقدمهم رجل كهل ، يدخلون على ، توقعت في البداية أنهم سيرحِّبون بزوج ابنتهم ! وإذا بهم يهجمون عليَّ كالوحوش ، وإذا بالترحيب ينقلب إلى لكمات ، وضربات ، وصفعات !!! أخذت أدفعهم عن نفسي ، وأصرخ وأستغيث ، حتى خارت قواي ، وشعرت أن نهايتي في هذا البيت ، ازدادوا لكماً وركلاً ، وأنا أتلفت حولي ، أحاول أن أتذكر أين الباب الذي دخلت منه لأهرب منه ، فلما رأيت الباب ، قمت سريعاً ، وفتحتُ الباب وهربت ، وهم ورائي ، فدخلت في زحمة الناس ، حتى غبت عنهم ، ثم اتجهت إلى غرفتي ، وكانت ليست ببعيدة عن المنزل ، وقفت أغسل الدماء عن وجهي وفمي ، نظرت إلى نفسي وإذا ، بالضربات والصفعات ، قد أثّرت في جبهتي وخدّي وأنفي ، وإذا بالدم يسيل من فمي ، وثيابي ممزقة ،حمدت الله أن أنقذني من أولئك الوحوش ، لكني قلت ، أنا نجوت لكن ما حال زوجتي ؟! أخذت صورتها تلوح أمام ناظري ، هل يمكن أن تتعرض هي أيضاً لمثل هذه اللكمات والضربات ، أنا رجل ، وما كدت أتحمل ، وهي امرأة فهل ستتحمل !! أخشى أن تنهار المسكينة !

هل حان الفراق ؟
بدأ الشيطان يعمل عمله ، ويقول لي : سترتد عن دينها ، ستعود نصرانية ، وتعود إلى بلدك وحدك ، وبقيت حائراً ، ماذا أفعل ؟ في هذه البلاد ، أين أذهب ، كيف أتصرف ، النفس في هذا البلد رخيصة ، يمكنك أن تستأجر رجلاً لقتل آخر بعشرة دولارات ! أوه ، كيف لو عذَّبوها فلم تصمد ودلَّتهم على مكاني ، فأرسلوا أحداً لقتلي في ظلمة الليل ، أقفلت عليَّ غرفتي ، وبقيت فيها فزعاً خائفاً حتى الصباح ، ثم غيَّرت ملابسي ، وذهبت أتجسَّس الأخبار ، أنظر إلى بيتهم عن بعد ، أرقبه ، وأتابع كل ما يحصل فيه ، لكن الباب مغلق ، ظللت أنتظر ، وفجأة ! فُتح الباب ، وخرج منه ثلاثة من الشباب ، وكهل ، وهؤلاء الشباب هم الذين ضربوني ، يبدو من هيأتهم ، أنهم ذاهبون إلى أعمالهم ، أُغلق الباب ! وبقيت أرقب ، وأترقب ، وأنظر ، وأتمنى أن أرى وجه زوجتي ، ولكن لا فائدة ، ظللت على هذا الحال ساعات ، وإذا بالرجال يقدمون من عملهم ويدخلون البيت ، تعبت فذهبت إلى غرفتي ، وفي اليوم الثاني ذهبت أترقب  ولم أر زوجتي ، وفي اليوم الثالث كذلك ، يئِست من حياتها ، توقعت أنها ماتت من شدة العذاب ، أو قُتلت ! ولكن لو كانت ماتت ، فعلى الأقل سيكون هناك حركة في البيت ، سيكون هناك من يأتي للعزاء ، أو الزيارة ، لكني عندما لم أر شيئاً غريباً ، أخذت أقنع نفسي أنها حية ، وأن اللقاء سيكون قريباً .

اللقاء !!
وفي اليوم الرابع ، لم أصبر على الجلوس في غرفتي ، فذهبت أرقب بيتهم من بعيد ، فلما ذهب الشباب مع أبيهم إلى أعمالهم ، كالعادة ، وأنا أنظر وأتمنى ، فإذا بالباب يُفتح فجأة ، وإذا بوجه زوجتي يطل من ورائه ، وإذا بها تلتفت يمنة ويسرة ، نظرتُ إلى وجهها ، فإذا به دوائر حمراء ، وَلَكَمَاتٌ زرقاء ، من كثرة الصفعات والكدمات ، وإذا لباسها مخضَّب بالدماء ، فزعت من منظرها ، وَرَحِمْـتُهَا ، اقتربت منها مسرعاً ، نظرت إليها أكثر ، فإذا الدماء تسيل من جروح في وجهها ، وإذا يداها ، وقدماها ، تسيل بالدماء ، وإذا ثيابها ممزقة ، لم يبق منها إلا خرقة بسيطة تسترها ، وإذا بأقدامها مربوطة بسلسلة ! وإذا بيديها مربوطة بسلسلة من خلف ظهرها ، لما رأيتها ، بكيت ، لم أستطع أن أتمالك نفسي ، ناديتها من بعيد !

ثبات ، وتثبيت
فقالت لي وهي تدافع عبراتها ، وتئن من شدة عذابها : اسمع يا خالد ، لا تقلق علي ، فأنا ثابتة على العهد ، ووالله الذي لا إله إلا هو ، إن ما أُلاقيه الآن ، لا يساوي شعرة مما لاقاه الصحابة والتابعون ، بل والأنبياء والمرسلون ، وأرجوك يا خالد ، لا تتدخل بيني وبين أهلي ، واذهب الآن سريعاً ، وانتظر في الغرفة ، إلى أن آتيك إن شاء الله ، ولكن أكثِر من الدعاء ، أكثِر من قيام الليل ، أكثِر من الصلاة ، ذهَبتُ من عندها ، وأنا أتقطع ألماً وحسرة عليها ، وبقيت في غرفتي يوماً كاملاً أترقبها ، وأتمنى مجيئها ، ومرَّ يومٌ آخر ، وبدأ اليوم الثالث يطوي بساطه ، حتى إذا أظلم الليل ، إذ بباب الغرفة يُطرق  ؟ ففزعت ، وقلت من بالباب ؟! من الطارق ، أصبت بخوف شديد ، مَن الذي يأتي في منتصف الليل !! لعل أهلها علموا بمكاني ، لعل زوجتي اعترفت ، فجاءوا  لقتلي  ، أصبت برعب كالموت ، لم يبق بيني وبين الموت إلا شعرة ، أخذت أردد قائلاً : من بالباب ؟ فإذا بصوت زوجتي يقول بكل هدوء ، افتح الباب . أنا فلانة  ، أضأت نور الغرفة ، فتحت الباب ،دخلت عليَّ وهي تنتفض ، على حالة رثة ، وجروح في جسدها ،قالت لي : بسرعة ، هيا نذهب الآن ! قلت : وأنت على هذا الحال ؟ قالت : نعم ، بسرعة ، بدأت أجمع ملابسي ، وأقبلت هي على حقيبتها ، فغيرت ملابسها ، وأخرجَت حجاباً وعباءة احتياطية ، فلبستها ، ثم أخذنا كل ما لدينا ، ونزلنا ، وركبنا سيارة أجرة ، ألقت المسكينة بجسدها المتهالك الجائع المعذب ، على كرسي السيارة .

إلى المطار !!
وأول ما ركبت أنا ، قلت للسائق باللغة الروسية : إلى المطار ، وكنت قد عرفت بعض الكلمات الروسية ، فقالت زوجتي : لا ، لن نذهب إلى المطار ، سنذهب إلى القرية كذا ، قلت : لماذا ؟ نحن نريد أن نهرب ، قالت : صحيح ، ولكن إذا اكتشف أهلي هروبي ، سيبحثون عنا في المطار ، ولكن نهرب إلى قرية كذا ، فلما وصلنا تلك القرية ، نزلنا ، وركبنا سيارة أخرى إلى قرية أخرى ، ثم إلى قرية ثالثة ، ثم إلى مدينة من المدن التي فيها مطار دولي ، فلما وصلنا إلى المطار الدولي ، حجزنا للعودة إلى بلادنا ، وكان الحجز متأخراً فاستأجرنا غرفة وسكناها ، فلما استقر بنا المقام في الغرفة ، وشعرنا بالأمان ، نزعت زوجتي عباءتها ، فأخذت أنظر إليها ،يا الله ليس هناك موضع سَلِمَ من الدماء !! جسد ممزق ، دماء متحجرة ، شعر مقطع ، شفاه زرقاء !

 ماذا دهاكِ  ؟
سألتها : ما الذي حصل ؟
فقالت : عندما دخلنا إلى البيت جلست مع أهلي ، فقالوا لي : ما هذا اللباس ؟!!
قلت : إنه لباس الإسلام ، قالوا : ومن هذا الرجل ؟ قلت : هذا زوجي ، أنا أسلمت وتزوجت بهذا الرجل المسلم ، قالوا : لا يمكن هذا ، فقلت : اسمعوا أحكي لكم القصة أولاً ، فحكيت لهم القصة ، وقصة ذلك الرجل الروسي الذي أراد أن يَجُرَّني إلى الدعارة ، وكيف هربتُ منه ، ثم التقيتُ بك ، فقالوا : لو سلكتي طريق الدعارة ، كان أحب إلينا من أن تأتينا مسلمة ، ثم قالوا لي : لن تخرجي من هذا البيت إلا أرثوذكسية أو جثة هامدة !! ومن تلك اللحظة ، أخذوني ثم كتفوني ، ثم جاءوا إليك وبدؤوا يضربونك ، وأنا أسمعهم يضربونك ، وأنت تستغيث ، وأنا مربوطة ، وعندما هربت أنت ،رجع إخوتي إليَّ ، وعادوا لسبي وشتمي ،ثم ذهبوا واشتروا سلاسل ، فربطوني بها ، وبدءوا يجلدونني !! كل يوم  يبدأ الضرب بعد العصر إلى وقت النوم ، أما في الصباح فإخواني وأبي في الأعمال ، وأمي في البيت ، وليس عندي إلا أخت صغيرة عمرها 15 سنة ، تأتي إلى وتضحك من حالتي ، وهذا هو وقت الراحة الوحيد عندي ، هل تصدق أنه حتى النوم ، أنام وأنا مغمى علي ! يجلدونني إلى أن يُغمى علي وأنام ، وكانوا يطلبون مني فقط أن أرتد عن الإسلام ، وأنا أرفض وأتصبر ، بعد ذلك ، بدأت أختي الصغيرة ، تسألني لماذا تتركين دينك ، دين أمك ، دين أبيك ، وأجدادك ؟

يجعل له مخرجاً
فأخذت أقنعها ، أُبيّن لها الدين ، وأوضح لها التوحيد ، فبدأت فعلاً تشعر بالقناعة ، بدأت تتأثر ! بدأت صورة الإسلام أمامها تتضح ! ففوجئت بها تقول لي : أنت على الحق ، هذا هو الدين الصحيح ، هذا هو الدين الذي ينبغي أن ألتزمه أنا أيضاً !! ثم قالت لي : أنا سأساعدك ، قلت لها : إذا كنتِ تريدين مساعدتي ، فاجعليني أقابل زوجي ! فبدأت أختي تنظر من فوق البيت ، فتراك وأنت تمشي ، فكانت تقول لي :
إنني أري رجلاً صفته كذا وكذا ، فقلت : هذا هو زوجي ، فإذا رأيتيه فافتحي لي الباب لأكلمه ، وفعلاً فتحت الباب فخرجْتُ وكلمتُك ، لكني لم أستطع الخروج إليك ، لأني كنتُ مربوطة بسلسلتين ، مفتاحهما مع أخي ، وسلسلة ثالثة ، مربوطة بأحد أعمدة البيت ، حتى لا أخرج ، مفتاحها مع أختي هذه ، لأجل أن تطلقني للذهاب إلى الحمام ، وعندما كلمتك ، وطلبت منك أن تبقى إلى أن آتيك ، كنت مربوطة بالسلاسل ، فأخذت أقنع أختي بالإسلام ، فأسلمت ، وأرادت أن تضحي تضحية تفوق تضحيتي ، وقرّرت أن تجعلني أهرب من البيت ، لكن مفاتيح السلاسل مع أخي  ، وهو حريص عليها ، في ذاك اليوم أعدَّت أختي لإخوتي خمراً مركزاً ثقيلاً ، فشربوا ، وشربوا ، إلى أن سكروا تماماً لا يدرون عن شيء ، ثم أخذت المفاتيح من جيب أخي ، وفكت السلاسل عني ، وجئت أنا إليك في ظلمة الليل ، فقلت لها : وأختكِ ، ماذا سيحصل لها ؟ ، قالت : ما يُهمّ ، قد طلبتُ منها أن لا تعلن إسلامها ، إلى أن نتدبَّر أمرها ، نمنا تلك الليلة ، ومن الغد رجعنا إلى بلدنا ، وأول ما وصلنا أُدخلت زوجتي إلى المستشفي ، ومكثت فيها عدة أيام تعالج من آثار الضربات والتعذيب ، وها نحن اليوم ندعو لأختها أن يثبتها الله على دينه .  (18)
* هذه المسلمة حديثة عهد بالإسلام تعطينا درسا عظيما في التضحية والثبات والصدق والعزيمة ، والإخلاص والتجرد .
* أين أولئك المسلمات بالوراثة واللاتي لا يعرفن من الإسلام إلا اسمه ، ولم يتذوقن حلاوة الإيمان ، وعذوبة  البذل والعطاء لهذا الدين ؟
* ألا يدعونا هذا إلى التمسك بديننا ، والدعوة إليه بكل ما نملك من وسائل وأساليب ؟
والله تعالى يقول  { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إليك إِنَّكَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) } سورة الزخرف .
* أليس هذا من البراهين القاطعة على عظمة هذا الدين : دين العدالة والإنصاف ، دين الطهر والعفاف : وأن المستقبل لهذا الدين الذي تشرق شمسه على قلوب الملايين مع ما تمر به أمتنا من محن متعاقبات ومن ضعف وشتات : لكنَّ عظمةَ أحكامه ورفعة مقاصده وقوة حجته وروعة بيانه كم فتحت أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا !
  { فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ {125} وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ {126} لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {127} } .
 
-----------------------------
(1)- نقلاً عن مجلة الجندي المسلم عدد 101 رمضان 1421هـ  - 2000م  السعودية .
(2)- ديوان " لا يا قيود الأرض " للشاعر ياسر العيتي ص18     . 
(3)- كي لا يتناثر العقد  تأليف الأستاذ عبد الرزاق بن عبد الرحمن المبارك   ص 81 ، 82   . 
(4)-  نفس المرجع    ص 77 ، 87  .   . 
(5)-  كي لا يتناثر العقد  تأليف الأستاذ عبد الرزاق بن عبد الرحمن المبارك   ص 75 ، 76  .  ويحضرني في هذا المقام قول الشاعر محمد بن عبد الله النميريِّ :  وهو يصف مشهد موكب المؤمنات في قصيدته الغزلية
فلم ترَ عيني مثلَ سرْبٍ رأيتهُ ... خرجن من التنعيم مُعْتَمرَاتِ
مَرَرْنَ بفَخّ ثم رُحْنَ عَشِيّةً ... يلَبينَ للرَّحْمن مؤتجراتِ
ولما رأتْ ركْبَ النميريِّ أعرضَتْ ... وكنَ مِنَ آن يلْقَيْنَهُ حَذِرات
دعت نسوة شُمَ العرانين بُزَلاً ... نواعم ، لا شعْثاً ولا غَبَراتِ
فأبرزن لما قمن يحجبنَ دونها ... حِجَاباً من القَسِّيّ والحبراتٍ
تَضَوَّع طيباً بَطنُ نعمان إذ مشَتْ ... به زينبٌ في نسوةٍ خَفِرَاتِ
يُخَبِّئْنَ أطرافَ البنَان من التقَى ... ويَخْرُجْن شطر الليل مُعْتَجِرات
(6)-  نفس المرجع   ص 76  بتصرف  . 
(7)-  من موقع صيد الفوائد (أنشطة دعوية ) نقلا عن قصة إسلام إحدى الأوروبيات . 
(8)-  الأبيات من ديوان ياسر العيتي " دمعات تائب " ص 35، 36  . 
(9)- كي لا يتناثر العقد  تأليف الأستاذ عبد الرزاق بن عبد الرحمن المبارك   ص 79   . 
(10)-  عن (مقدمات العلوم والمناهج) للأستاذ أنور الجندي 6/199 ويراجع كتابها رحلتي من الكفر إلى الإيمان ط المختار الإسلامي بمصر .
(11)-  موقع التوضيح لدين المسيح  من  مواقع الدعوة الإسلامية  على شبكة الانترنت
(12)-  (الإسلام) للدكتور أحمد شلبي ص (297) .
(13)-  نقلا عن آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في الغرب  للأستاذ أنور الجندي  ص 360
(14)-  من ديوان (أحبك ربي)  للشاعر  : عبد المعطي الدالاتي ص 45
(15)-   أشرقه : من شرق أي غُصَّ .
(16)-   البيت لأبي صخر الهذلي .
(17)- نقلا عن كتاب : المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها للأستاذ عبد الله عفيفي الباجوري  2/ 8-11 بتصرف
(18)-   القصة مقتبسة من شريط " قصص مؤثرة " د.إبراهيم الفارس ) بتصرف .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد الشرقاوي
  • بحوث ودراسات
  • مقالات ورسائل
  • قصص مؤثرة
  • الصفحة الرئيسية