صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ميلاد إلى الجنة

 شائع بن محمد الغبيشي


انبثاق الوليد و خروجه من بطن أمه إلى الدنيا يبعث على الفرح و السرور و الغبطة ، فكل من حوله يفرحون بمقدمه:

ولدتك أمك يا بن آدم باكياً *** و لناس حولك يضحكون سروراً

يأسرهم فيه نقاءه سريرته و براءة نفسه و صفاء فطرته التي خلقه الله عليها لم تدنس بمعصية و لم تلوث بذنب فما أجمل قهقهته و ابتسامته ، و ما أروع دلاله و حركاته ، و لكن كل هذه الأحدث تمر به و هو لا يدرك منها شيئاً فهو لا يشعر باللذة التي يشعر بها من حوله ممن فرحوا بمقدمه .

و السؤال هل يمكن للكبير أن يولد من جديد ؟ هل يمكن أن يعود إليه ذلك الصفاء و النقاء؟ و هل يمكن لفطرته أن تعود زكية سوية كما كانت يوم خرج من بطن أمه ؟ هل يمكن له أن يتذوق لذة ميلاده الجديد ؟
نعم يمكن أن يولد العبد مرة أخرى و يعود إليه الصفاء و النقاء ، وذلك من عظيم فضل الله و منّته و جميل بره و إحسانه ، استمع إلى النبي صلى الله عليه و سلم و يصف هذا الميلاد فيقول : (أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك، يكتب الله بها لك حسنة، ويمحو عنك بها سيئة وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك) رواه عبد الرزاق في المصنف الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع

و أعظم من ذلك عباد الله أن هذا الميلاد يختلف عن ميلاده من بطن أمه ، فهو أعظم و اجل و الفرحة به ينبغي أن تكون اشد من فرحنا بالميلاد الأول ، لأنه ميلاد يقود إلى جنة الله فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) رواه مسلم
و السؤال عباد الله متى يكون الحج ميلاداً جيداً للعبد يقوده إلى جنة عرضها السموات و الأرض ؟

تعال معي أخي المبارك نستعرض بعض نصوص الوحيين و بعض أقوال العلماء في الحج المبرور لنتعرف كيف نولد هذا الميلاد :


1/ قال تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }

2/ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري و مسلم

3/ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال العج والثج ) رواه ابن ماجةو صحه الألباني.

4/ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: \" أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ \" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ» رواه الحاكم و الإمام أحمد و حسنه الألباني .
5/قال ابن عبد البر رحمه الله : وأما الحج المبرور فقيل هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث فيه ولا فسوق ويكون بمال حلال والله اعلم وبالله التوفيق .

6/قال النووي الأصح الأشهر في المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة وقيل هو المقبول ومن علامة القبول انه يرجع خيرا مما كان ولا يعاود المعاصي وقيل هو الذي لا رياء فيه وقيل الذي لا يتعقبه معصية وهما داخلان فيما قبلهما ومعنى ليس له جزاء إلا الجنة انه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة .

7/ قال ابن رجب : فالحج المبرور ما اجتمع فيه أعمال البر مع اجتناب أعمال الإثم فما دعا الحاج لنفسه و لا دعا له غيره بأحسن من الدعاء بأن يكون حجه مبرورا و لهذا يشرع للحاج إذا فرغ من أعمال حجه و شرع في التحلل من إحرامه برمي جمرة العقبة يوم النحر أن يقول : اللهم اجعله حجا مبرورا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا و روي ذلك عن ابن مسعود و ابن عمر من قولهما و روي عنهما مرفوعا و كذلك يدعى للقادم من الحج بأن يجعل الله حجه مبرورا .

8/ قيل الحج المبرور : هو الذي عمل فيه الحاج الواجبات و المستحبات وترك المحرمات والمكروهات .

و نخلص مما سبق أن العبد يمكن أن يكون حجه مبروراً إذا اتصف حجه بالتالي :


1/ تحقيق توحيد الله و البعد عن الشرك فالحاج يلهج بالتهليل و التوحيد من بداية المنسك إلى نهايته شعاره ( لبيك اللهم لبيك ....) و شعاره يوم عرفة أفضل ما قال النبي صلى الله عليه و سلم و النبيون من قبله : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ) و شعاره يوم العيد و أيام التشريق : ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر و لله الحمد )

2/ الإخلاص لله عز وجل و البعد عن الرياء و قد كان أول ما قاله النبي صلى الله عليه و سلم عند إهلاله بالحج : ( اللهم حجة لا يراء فيها و لا سمعة ) .

3/ متابعة النبي صلى الله عليه و سلم التعرف على هديه في الحج و الاهتداء به و من اروع ما كتب في ذلك كتاب أحوال النبي صلى الله عليه و سلم في الحج للبعداني

4/ التزود من التقوى و البعد عن الرفث و الفسوق و التوبة من جميع الذنوب و المعاصي (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة/197) ) و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) : أن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وهو إتيان النساء ، والفسوق وهو مخالفة الطاعة ، فلا يترك ما أوجب الله عليه ، ولا يفعل أيضاً ما حرم الله عليه ، فإن خالف فهذا هو الفسوق . فإذا حج الإنسان ولم يفسق ولم يرفث فإنه يخرج من ذلك نقياً من الذنوب ، كما أن الإنسان إذا خرج من بطن أمه فإنه لا ذنب عليه ، فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقياً من ذنوبه\" .

5/ الحرص على ذكر الله عز وجل فهي الغاية العظمى من الحج فإنما شرع الحج لإقامة ذكر الله و خاصة التلبية لقوله صلى الله عليه و سلم لما سئل ما بر الحج قال العج و الثج .

6/ ملازمة الاستغفار و الهج به قال تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .

7/ الإكثار من الدعاء و الهج به و الحرص على أدعية الأنبياء و تتبع حال النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك و لإكثار من قول :{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }

7/ الإحسان إلى الناس بالقول و الفعل .

8 / الحرص على النفقة الحلال فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }و عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ...) رواه مسلم
و اعظم نفقة ينبي أن يحرص المسلم أن تكون طيبة حلالاً النفقة التي يحج بها إلى بيت الله الحرم قال أبو الشمقمق:

إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبــل الله الا كــل طـيبـة ... ما كــل من حج بيت الله مبرور

اسال أن يرزقنا حجة مبرورة نولد بها من جديد تخلصنا من ادران الذنوب و الخطيئة إن سميع قريب مجيب .


محبكم : شائع محمد الغبيشي
مشرف تربوي بإدارة التربية و التعليم بمحافظة القنفذة
جوال : 0555599624
shaei1406@gmail.comالبريد الإلكتروني :

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
شائع الغبيشي
  • مقالات تربوية
  • الصفحة الرئيسية