صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لُبْسُ الخَاتَمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ

أبو عبدالعزيز سعود الزمانان

 
حكمُ لُبْسُ الخَاتَمِ :
يختلفُ الحكمُ الشرعي للبسِ الخاتمِ باختلافِ نوعهِ وموضعهِ وتفصيلُ ذلك نوردهُ كما يأتي :

أولاً : التختمُ بالذهبِ :

اتفقُ العلماءُ على جوازِ التختمِ بالذهبِ للنساءِ ، وتحريمِ ذلك على الرجالِ ، و نقل ابنُ عبدِ البرِ – رحمه اللهُ - في " الاستذكار " الإجماعَ على جوازِ التختمِ بالذهبِ للنساءِ ، وأنهُ يحرمُ على الرجالِ .

‏قَالَ النَّوَوِيُّ - رحمهُ اللهُ - فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (14/65) : " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَةِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَبَاحَهُ , وَعَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ , وَهَذَانِ النَّقْلَانِ بَاطِلَانِ وَقَائِلُهُمَا مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ مَعَ إِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ : " إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " [ أخرجه الترمذي (1/321) والنسائي (2/285) وقال الألباني في " الإرواء " : " صحيحٌ ] .

قال صاحب " الهداية شرح البداية " :" والتختم بالذهب على الرجال حرام " .

قلت : جاءت أحاديث صحيحة في الرخصةِ بلبسِ خاتمِ الذهبِ للرجالِ في أولِ الأمرِ ، ووردت آثارٌ صحيحةٌ عن بعضِ الصحابةِ بلبسِ خاتمِ الذهبِ ، فيحملُ ذلك على أنهُ كان قبل النهي ثم نسخ بهذه الأحاديث .

قال الطحاوي - رحمه الله - في " شرح معاني الآثار (4/262) : " فثبت بهذه الآثار أن خواتيم الذهب قد كان لبسها مباحاً ،ثم نهي عنه بعد ذلك ، فثبت أن ما فيه تحريم لبسها : هو الناسخ لما فيه إباحة لبسها ... ولكن السنة في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن ذلك ،قد حظرت ذلك ، ومنعت منه " .

وقال ابنُ رجبٍ - رحمه الله - في " أحكام لبس الخواتم ( ص 60 ) : " ويحملُ فعلُ من لبسهُ من الصحابةِ على أنهُ لم يبلغهم الناسخ " .

ثانياً : تختمُ الصبي بالذهبِ :

اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ ، فذهب الأحنافُ والمالكيةُ إلى أن تختمَ الصبي الذكرِ بالذهبِ مكروهٌ ، ونقل ابنُ عبدِ البر - رحمه الله - في " الاستذكار " (26/174) الإجماعَ على كراهتهِ فقال : " وكلهم يكرهونهُ لذكورِ الصبيانِ ،لأن الآباءَ متَعبدون فيهم " .

والمعتمدُ عند الشافعيةِ أن الصبي غير البالغِ مثلُ المرأةِ في جوازِ التختمِ بالذهبِ ، وأن للولي تزيينهُ بالحلي من الذهبِ أو الفضةِ ولو في غيرِ عيدٍ [ انظر : حاشية الجمل 2/83 ] ، بينما نص الحنابلةُ على حرمةِ إلباسِ الصبي الذهب ومنه الخاتم [ انظر : الانصاف (1/480) ، شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/292) ] .

ثالثاً : التختمُ بالفضةِ :

اتفق الفقهاءُ على جوازِ تختمِ المرأةِ بالفضةِ أما الرجلُ فعلى التفصيلِ الآتي :

- ذهب الأحنافُ إلى أن التختمَ بالفضةِ سنةٌ لمن يحتاجُ إليه كالسلطانِ أو القاضي ، وتركهُ أفضلُ لمن لم يكن محتاجاً إليه [ انظر : البناية (11/133) ] ، بينما يرى المالكيةُ أنهُ لا بأس بالخاتمِ من الفضةِ بل يستحبُ بشرطِ قصدِ الاقتداءِ برسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - ولا يجوزُ لبسهُ عُجباً ومباهاةً ونحوهما .

قال الشيخُ عليش المالكي - رحمه اللهُ - في " منح الجليل " (1/58) : " فيجوزُ لبسهُ - أي خاتم الفضة - للذكرِ البالغِ إن قصدَ به الاقتداءَ بالنبي - صلى اللهُ عليه وسلم - وكان واحداً ووزنهُ درهمين شرعيين أو أقل وإلا حرم ، وإن استوفى الشروطَ ندب " ، ويري الشافعية أنه يسن للرجل لبس الخاتم من الفضة سواء من له ولاية أم من ليس له ولاية [ انظر : مغني المحتاج (1/579) ] .

وذهب الحنابلةُ في الصحيحِ من المذهبِ إلى أن اتخاذَ الفضةِ للرجالِ مباحٌ وليس مستحباً ، كما جزم به المرداوي - رحمه اللهُ - في " الإنصاف " (3/142) فقال : " اتخاذُ الفضةِ للرجلِ مباحٌ على الصحيحِ من المذهبِ وعليه أكثرُ الأصحابِ " .

الراجحُ في هذه المسألةِ :

لبسُ خاتمِ الفضةِ للرجالِ مباحٌ وليس سنةً ، والأدلةُ على ذلك ما يلي :

- إن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يلبس الخاتم حتى قيل له : إن الملوكَ لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ الخاتمَ ، كما في الصحيحين من حديث ‏‏أَنَسٍ ‏أَنَّ النَّبِيَّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ‏كِسْرَى ‏‏وَقَيْصَرَ ‏ ‏وَالنَّجَاشِيِّ ‏، ‏فَقِيلَ : " إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ " ،‏ ‏فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً ، وَنَقَشَ فِيهِ : "‏ ‏مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " . [ البخاري (5872) ، ومسلم (2092) واللفظُ له ] .

- أفعالُ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - التي لم يدل دليلٌ على أنهُ قصد بها القربةَ فلا يندبُ فعلها ، وأما قوله تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [ الأحزاب : 21 ] فتأويلها أنهُ يجبُ علينا متابعةُ قصدِ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - فإن قصدَ الإباحةَ لا يجوز لنا أن نقصدَ الطاعةَ والتقربَ ، فنخالفهُ في قصدهِ وندعي أننا تابعناه وأتسينا به ، فما فعلهُ - صلى اللهُ عليه وسلم - بحكمِ الاتفاقِ ولم يقصدهُ مثل أن ينزلَ بمكانٍ ما ويصلي فيه ، لكونه نزله لا قصداً منه لتخصيصهِ بالصلاةِ والنزولِ فيه ، فمن نزل وخصص ذلك المكانَ بالصلاةِ لا يكونُ متأسياً به - صلى اللهُ عليه وسلم - لأنه لم يقصد ذلك المكانَ بالعبادةِ .

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ - رحمهُ اللهُ - : في " الفتاوى " (1/280) : " الْمُتَابَعَةَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ ، فَإِذَا فَعَلَ فِعْلًا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ شَرَعَ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ ، وَإِذَا قَصَدَ تَخْصِيصَ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ بِالْعِبَادَةِ خَصَّصْنَاهُ بِذَلِكَ " .

- عدمُ وجودِ القرينةِ التي تدلُ على أن لبسَ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ كان على وجهِ القربةِ والطاعةِ ، فلبسُ الخاتمِ مباحٌ ليس بمستحبٍ ، وهذا ينطبقُ على رفضهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - التنشيف من الغسلِ بالمنديلِ ونفضه الماء بيده ، واستعمالهِ آنيةً معينةً في الوضوءِ ، وأكلهِ من كبدِ أضحيتهِ يوم عيد الأضحى ، وذهابهِ إلى عرفة من طريق ضب ، ورجوعهِ من طريق المأزمين ، وركوبه أثناء الطواف والسعي والوقوف ، وكونُ الركوب في تلك المواضع على بعيرٍ ، والتفاته بالصلاة وقت الخطرِ ، وسيرهِ فيها حتى فتح البابَ لعائشةَ ، وإشارته بيده ليرد السلام ، واختيارهِ ما أكله وشربه أثناء حجه ، ونزوله في خيمةٍ حينذاك ونحوه ، فكلُ ذلك يدلُ على الإباحةِ فقط ، ولا قدوة فيه ولا استحباب .

- من قال باستحبابِ لبسِ خاتمِ الفضةِ يلزمهُ القول بأن لبسَ الرداءِ والإزارِ مستحبٌ ، وهو الأفضلُ لكلِ أحدٍ أن يرتدي ويأتزر ولو مع القميصِ ، وكذلك لبسُ العمامةِ والنعالِ السبتيةِ ، فالنبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يقصد القربةَ في هذهِ الأفعالِ ، فيحمل لبسه - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ على الإباحةِ في حقهِ وحقِ أمتهِ .

رابعاً : التختمُ بالمعادنِ الثمينةِ كاليواقيتِ أو اللآلئ للرجالِ :

نقل النووي – رحمه الله - في " المجموع " (4/466) عن الشافعي – رحمه الله - قوله : " قَالَ فِي الْأُمِّ : وَلَا أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ ، ولا أكره لبس ياقوت أو زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء " ، هذا نصه , وكذا نقله الأصحاب واتفقوا على أنه لا يحرم" .

وقال الشلبي الحنفي في " حاشيته على تبيين الحقائق " (6/15-16) : " نقل صاحب الأجناس لا بأس للرجل أن يتخذ خاتما من فضة فصه منه , وإن جعل فصه من جزع أو عقيق أو فيروزج أو ياقوت أو زمرد فلا بأس" .

وقال ابن حزم - رحمه الله - في " المحلى " (10/86) مسألة 1920 : " والتحلي بالفضة , واللؤلؤ , والياقوت , والزمرد : حلال في كل شيء للرجال والنساء "

وقال ابن مفلح – رحمه الله - في " الفروع " (2/480) : " وللرجل والمرأة التحلي بالجوهر ونحوه . ..واختلفوا في ذلك للرجال , إلا في الخاتم فإنهم اتفقوا على أن التختم لهم بجميع الأحجار مباح من الياقوت وغيره " .

وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - في " المنتقى " (5/336) : " أما الخاتم من غير الذهب من الفضة أو غيرها من أنواع المعادن فيجوز للرجل أن يلبسه، ولو كان من المعادن الثمينة " .

خامساً : حكمُ لبسِ خاتمِ الحديدِ :

اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ على التفصيلِ الآتي :

يرى الأحنافُ أن التختمَ بالحديدِ محرمٌ في حقِ الرجالِ والنساءِ ، جاء في " الجوهرة النيرة " (2/381) ، وفي " الهداية مع تكملة شرح القدير " (10/22) : " وفي الجامع الصغير : ولا يتختم إلا بالفضة وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر حرام " .

وذهب المالكيةُ والحنابلةُ إلى أن التختمَ بالحديدِ والنحاسِ والرصاصِ مكروهٌ للرجالِ والنساءِ ، قال صاحب " الفواكه الدواني " (2/404) : " ( وَنَهَى ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ النِّسَاءَ كَالرِّجَالِ ( عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ " .

وفي " كشاف القناع " (2/237) : للحنابلة : " وَيُكْرَهُ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ خَاتَمٌ حَدِيدٍ " .

وعند الشافعيةِ يباحُ التختمُ بالحديدِ أو النحاسِ ، قال صاحبُ " أسنى المطالب " (1/278) : " ( وَيُبَاحُ ) بِلَا كَرَاهَةٍ ( خَاتَمُ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ " الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " ، وَأَمَّا خَبَرُ " مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ " فَسَيَأْتِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ " .

قال الشيخ ابن باز – رحمه الله - في " فتاوى إسلامية " (4/255) : " لا حرج في لبسِ الحديدِ من الساعةِ والخاتمِ لما ثبت عن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - في الصحيحين أنه قال للخاطب : " الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " أما ما يروى عنه - صلى الله عليه وسلم - في التنفيرِ من ذلك فشاذٌ مخالفٌ لهذا الحديثِ الصحيحِ " .

سادساً : حكمُ التختمِ في اليمينِ أو اليسارِ :

يجوزُ التختمُ في اليمينِ أو اليسارِ ، فقد ثبت : " أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَلْبَس خَاتَمه فِي يَمِينه " رواهُ أبو داود في السننِ وإسنادهُ على شرطِ الشيخين [ راجع إرواء الغليل (3/2989 و 302) ] ، كما ثبت " كَانَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارهمَا " [ رواه الترمذي (1743) ، وإسناده صحيح ] .

قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في " مختصر الشمائل المحمدية " (ص 63) : " وهذه الأحاديث تدل على أن الغالب هو تختم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باليمين وهذا لا يمنع جواز التختم باليسار كما ثبت في بعض الأحاديث " .

سابعاً : حكمُ التختمِ في السبابةِ أو الوسطى :

أخرج الإمامُ مسلمٌ في صحيحهِ (2078) من حديثِ علي - رضي الله عنه - : " ‏نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ ، قَالَ :‏ " ‏فَأَوْمَأَ ‏‏إِلَى الْوُسْطَى ، وَالَّتِي تَلِيهَا " ، وبوب الإمامُ النووي - رحمه الله - باباً فقال : " باب النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها " فقال في " شرح مسلم " (14/71) : " وَيُكْرَه لِلرَّجُلِ جَعْله فِي الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا لِهَذَا الْحَدِيث , وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه " .

وقال أبو العباس القرطبي - رحمه الله - في " المفهم " (5/414) : " ولو تختم في البنصر لم يكن ممنوعا ، وإنما الذي نهي عنه في حديث علي - رضي الله عنه - الوسطى والتي تليها من جهة الإبهام ، وهي التي تسمى المسبحة ، والسبابة " .

وذهب الإمامُ ابنُ حزمٍ - رحمهُ اللهُ - إلى حرمةِ التختمِ بالسبابةِ والوسطى فقال في " المحلى " (4/50) بعد أن ساقَ حديث علي - رضي الله عنه - : " وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا فِي إصْبَعٍ نُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى لَابِسَ حَرِيرٍ أَوْ عَلَى حَالٍ مُحَرَّمَةٍ ، لِأَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ فِعْلًا نُهِيَ عَنْهُ " .

قلتُ : ما ذهب إليه الإمامُ ابنُ حزم - رحمهُ اللهُ - في حرمةِ التختمِ في السبابةِ أو الوسطى هو الصوابُ ، لأن الأصلَ في النهي الحرمةُ ما لم تأتِ قرينةٌ تصرفهُ من الحرمةِ إلى حكمٍ آخر ، واللهُ تعالى أعلم .

ثامناً : وزنُ خاتمِ الرجلِ :

اختلف الفقهاءُ في الوزنِ المباحِ لخاتمِ الرجلِ ، فعند الحنفيةِ لا يزيدُ الرجلُ خاتمهُ عن مثقال ، وقال المالكيةُ : يجوزُ للذكرِ لبسُ خاتمِ الفضةِ إن كان وزنُهُ درهمين شرعيين أو أقل ، فإن زادَ عن درهمين حرم . [ انظر : رد المحتار 5/229-230 ، جواهر الإكليل 1/10 ] .

قلتُ : وزنُ الدرهمِ الشرعي يعادلُ 2,975 جراما . [ انظر : الموسوعة الفقهية 11/ 27 ] .

ولم يحدد الشافعيةُ وزناً للخاتمِ المباحِ .

قال الشربيني في " مغني المحتاج " (1/578) : " وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِمِقْدَارِ الْخَاتَمِ الْمُبَاحِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا فِيهِ بِالْعُرْفِ " .

وقال الحنابلة كما في " كشاف القناع " (2/236) : " ( وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ مِثْقَالًا فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْدِيدٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ ) وَإِلَّا حَرُمَ " .

قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في " آداب الزفاف " ( ص 150 ) : " وفي هذا الحديثِ - أي قوله : فاتخذ خاتماً من ورقٍ - أيضاً جوازُ اتخاذِ خاتمِ الفضةِ ، وإطلاقه يقتضي إباحته ولو كان أكثرَ من مثقالٍ ،وأما حديث " ولا تتمه مثقالاً " فضعيف " .

تاسعاً : عددُ خواتمِ الرجلِ :

ذهب المالكيةُ إلى أنهُ لا يباحُ للرجلِ أكثر من خاتمٍ واحدٍ ، فإن تعدد الخاتمُ حرم ولو كان في حدودِ الوزنِ المباحِ شرعاً .

قال الخرشي في" حاشيته " (1/184) : " وَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْخَاتَمِ وَلَوْ كَانَ وَزْنُ جَمِيعِ الْمُتَعَدِّدِ دِرْهَمَيْنِ " .

والمعتمدُ عند الشافعيةِ جوازُ تعددِ الخواتمِ مالم يؤدِ إلى إسرافٍ .

قال الشربيني في " مغني المحتاج " (1/579) : " وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِيهِ مَا أَفَادَهُ شَيْخِي مِنْ أَنَّهُ جَائِزٌ - أي تعدد الخواتم - مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى سَرَفٍ " .

وقال البهوتي الحنبلي في " كشاف القناع " (2/238) مقرراً مذهبَ الحنابلةِ في هذه المسألةِ : " وَلَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ أَوْ مَنَاطِقَ وَنَحْوِهَا فَالْأَظْهَرُ جَوَازُهُ " .

عاشراً : النقشُ على الخاتمِ :

اتفق الفقهاءُ على جوازِ النقشِ على الخاتمِ ، وعلى أنهُ يجوزُ نقشُ اسمِ صاحبِ الخاتمِ عليه [ انظر : الموسوعة الفقهية (11/28) ] ، واختلفوا في تفاصيلِ ذلك وهي كما يأتي :

مسألة : هل يجوزُ نقشُ لفظِ الجلالةِ أو ألفاظِ الذكرِ ؟

قال الحنفيةُ والمالكيةُ والشافعيةُ : يجوزُ أن ينقشَ لفظُ الجلالةِ أو ألفاظُ الذكرِ على الخاتمِ [ انظر : رد المحتار (5/230) ، حاشية الخرشي (1/184) ، المجموع (4/463) ] .

وذهب الحنابلةُ إلى كراهةِ ذلك .

قال المرداوي في" الإنصاف " (3/145) : " وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ يَعْنِي الْخَاتَمَ ذِكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ " .

مسالة : هل يجوزُ نقشُ الخاتمِ بصورةِ حيوانٍ ؟

إن نقشَ على الخاتمِ صورةَ حيوانٍ لم يجز للنصوصِ الثابتةِ المستفيضةِ في تحريمِ التصويرِ .

قال الشيخ الرحيباني الحنبلي - رحمه الله - في " مطالب أولي النهى " (2/95) : " ( وحرم نقش صورة حيوان) على الخاتم (ولبسه بها) أي : الصورة كالثوب المصور " ، وإلى هذا ذهب الأحنافُ ولكنهم قالوا: لا بأس في نقش ذي الروح إن كان صغيراً بحيث لا يبصر عن بعد .

قال ابن عابدين في حاشيته (5/230) : " ( وَيَنْقُشُهُ اسْمَهُ أَوْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى )... ( لَا تِمْثَالَ إنْسَانٍ )...( أَوْ طَيْرٍ ) لِحُرْمَةِ تَصْوِيرِ ذِي الرُّوحِ لَكِنَّهُ سَبَقَ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ نَقْشَ غَيْرِ الْمُسْتَبِينِ الَّذِي لَا يُبْصِرُ مِنْ بُعْدٍ لَا يَضُرُّ " .

أحد عشر: فصُ الخاتمِ :

ذهب الفقهاءُ إلى أنهُ يجوزُ أن يكونَ لخاتمِ الرجلِ المباحِ فصٌ من مادتهِ الفضيةِ ، وفصُ الخاتمِ تارةً يكونُ منه ، وتارةً من غيرهِ فإن كان منه ، وكان الخاتمُ فضةً فهو مباحٌ ، فإن أنساً روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ‏كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ " أخرجهُ البخاري .

واختلفوا فيما لو كان الفصُ من الموادِ الأخرى على التفصيلِ الآتي :

إن كان الفصُ من ذهبٍ وكان يسيراً ففيه قولان :

- أحدهما : التحريمُ ، وهو قولُ المالكيةِ والشافعيةِ واختيار القاضي وأبي الخطاب من الحنابلة [ انظر : كتاب الخواتم لابن رجب 82 ] لعمومِ قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هَذَانِ حَرَام عَلَى ذُكُور أُمَّتِي حِلّ لِإِنَاثِهَا "أخرجه أبو داود (4/50 ) .

- القولُ الثاني : الإباحةُ : وهو قولُ أبي حنيفةَ ومالك وظاهر كلامِ الإمامِ أحمدَ واختارهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ .

واستدلوا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه : " نَهَى عَنْ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا " [ أبو داود 4/67-68 وقال الألباني في " آداب الزفاف " ( ص163 ) : " إسناده صحيح " ] .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في " الفتاوى " (21/82) : " وَفِي يَسِيرِ الذَّهَبِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ عَنْ أَحْمَد أَقْوَالٌ :

أَحَدُهَا : الرُّخْصَةُ مُطْلَقًا ؛ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ " نَهَى عَنْ الذَّهَبِ إلَّا مُقَطَّعًا " وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ " .ا.هـ.

قلتُ : وهذا القول اختاره الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في " الشرح الممتع " (6/125) .

اثنا عشر : تحريكُ الخاتمِ في الوضوءِ أو الغسلِ :

المتوضأُ أو المغتسلُ إذا كان في يدهِ خاتمٌ فله حالتان :

- إحداهما : أن يكونَ الخاتمُ ضيقاً بحيثُ يشكُ وصولُ الماءِ إلى ما تحتهُ أو يغلبُ على الظنِ ذلك ، فهنا ذهب جمهورُ أهلِ العلمِ من الأحنافِ والشافعيةِ والحنابلةِ إلى وجوبِ تحريكِ الخاتمِ أثناء غسل اليدِ في الوضوءِ أو الغسلِ .

قال السرخسي في " المبسوط " (1/10) : " وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ وَاسِعًا يَدْخُلُهُ الْمَاءُ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى النَّزْعِ وَالتَّحْرِيكِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ تَحْتَهُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيكِهِ " .

وذكر ابنُ قدامةَ - رحمه الله - في " المغني " (1/153) أنه سئل الإمام أحمد : " قِيلَ لَهُ : مَنْ تَوَضَّأَ يُحَرِّكُ خَاتَمَهُ ؟ قَالَ : إنْ كَانَ ضَيِّقًا لَا بُدَّ أَنْ يُحَرِّكَهُ ، وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ أَجْزَأَهُ " .

قال النووي في " المجموع " (1/394) : " قَالَ أَصْحَابُنَا : إذَا كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ بِتَحْرِيكِهِ أَوْ خَلْعِهِ " .

وخالف المالكيةُ في ذلك وقالوا: " لا يجبُ تحريكهُ ولو كان ضيقاً " .

قلتُ : والصوابُ : هو ما ذهب إليه الجمهورُ ، لأنهُ يجبُ إزالةُ جميعِ ما يمنعُ وصول الماء إلى البشرة .

قال ابن قدامة في " المغني " (1/153) : " وَإِذَا شَكَّ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ وَجَبَ تَحْرِيكُهُ ؛ لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُصُولِهِ " . والله تعالى أعلم .

- الحالة الثانية : أن يكونَ الخاتمُ واسعاً بحيثُ يبلُ الماءُ ما تحته بدون تحريكٍ ، فذهب جمهورُ الفقهاءِ من الحنفيةِ والشافعيةِ والحنابلةِ استحبابهُ .

الثالث عشر : نزعُ الخاتمِ في التيممِ :

ذهب الجمهورُ - المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ - إلى أنهُ يجبُ على من يريدُ التيممَ نزع خاتمهِ ليصل الترابُ إلى ما تحته عند المسحِ ، ولا يكفي تحريكُ الخاتمِ ، لأن الترابَ لا يسري إلى ما تحت الخاتمِ بخلافِ الماءِ في الوضوءِ .

قال الشربيني الشافعي في "حاشيته على الغرر البهية " (1/537) : " وَنَبَّهَ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَهُ لَا نَزْعُهُ جُمْلَةً وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ إيجَابَ النَّزْعِ هُنَا وَعَدَمَهُ فِي الْوُضُوءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ اتَّسَعَ الْخَاتَمُ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْغُبَارِ لِمَا تَحْتَهُ لَا يَجِبُ النَّزْعُ هُنَا وَلَوْ ضَاقَ بِحَيْثُ مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ لِمَا تَحْتَهُ وَجَبَ النَّزْعُ هُنَاكَ أَيْ أَوْ تَحْرِيكٌ يَحْصُلُ بِهِ وُصُولُ الْمَاءِ تَحْتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " .

قلتُ : هذا ما تطمئنُ إليه النفسُ ، فالمؤمنُ يتركُ ما يريبه إلى ما لا يريبه من بابِ الاحتياطِ والاستبراءِ للدينِ ؛ والله تعالى أعلم .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

سعود الزمانان

  • بحوث علمية
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية