اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/rida-samadi/24.htm?print_it=1

شرح موقف أهل السنة بالبرهان بضرورة صوم رمضان برؤية أي بلد من البلدان

رضا أحمد صمدي

 
 مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الدين يُسْرا ، وما جعل علينا فيه مِنْ حَرَج ، ملة أبينا إبراهيم ، هو سمانا المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا علينا ، ونكون شهداء على الناس.

والصلاة والسلام على مَن أَرْشَدَ الأمة لأَقْوم سبيل ، وهداهم لأيسر طريق ، فأكمل الله به الدين ، وأتم به النعمة ، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .

وبعد : فقد حدث في هذا العام (1421هـ) أن اختلف الناس في هذه البلاد حول بدء صوم رمضان ، فذهب فريق إلى اعتماد أقوال الفلكيين ، وذهب فريق آخر إلى الأخذ برؤية البلدان الأخرى ، وذهب فريق ثالث إلى التشكيك في رؤية بعض البلدان وأخذ بعضها دون بعض وذهب فريق رابع إلى الأخذ بالرؤية في داخل البلاد وعدم الاعتداد بما عداها .

ومن جَرَّاء هذا الاختلاف اختلف صوم المسلمين ، فمنهم من صام :

1- يوم الأحد 26 من نوفمبر
2- ومنهم من صام يوم الإثنين 27 من نوفمبر
3- ومنهم من صام يوم الثلاثاء 28 من نوفمبر .

فكان الذين صاموا يوم الأحد من الذين وصلتهم الأنباء بثبوت الرؤية في الصين وهونج كونج وليبيا وجزيرة فيجي في الباسيفيك ، والذين صاموا يوم الإثنين لم يعتدوا برؤية من رآها في البلدان من المتقدمة وصام تبعا لرؤية غالبية الدول العربية والإسلامية وهو يوم الإثنين ، أما الفريق الثالث فهو الآخذ بالرؤية المحلية .

وينبغي التنويه أن الفريقين الأولين كلاهما من الآخذين بمذهب جمهور العلماء الذي يرى لزم الأخذ برؤية الهلال متى ما ثبتت وأين ما ثبتت ، دون تحديد بقطر أو اعتبار بأقوال الفلكيين .

وأما الفريق الثالث فهم الذين يعملون بالصحيح في مذهب الشافعية أن لكل مطلع رؤيته وأنه لا يتبع أهل مطلع رؤية مطلع آخر .

وأما الذين قالوا باتباع أقوال الفلكيين فإنهم صاموا يوم الثلاثاء أيضا باعتبار أن حساباتهم في هذه البلاد تشير إلى إمكانية رؤية الهلال يوم الإثنين دون غيره ، فعليهم إذا صوم الثلاثاء .

ومما زاد الأمر سوءا أن الاختلاف في عيد الفطر كان أشد مما كان عليه في بدء صوم رمضان ، فقد كان عيد الفطر في العالم على أربعة أيام متوالية .

1- يوم الإثنين 25 من ديسمبر . وذلك في بعض الأنحاء في نيجيريا .
2- يوم الثلاثاء 26من ديسمبر . وذلك في بعض الأنحاء في الصين وتايلند وفي ليبيا .
3- يوم الأربعاء 27من ديسمبر . وذلك في معظم دول العالم العربي والإسلامي وليس في كل الدول كما يزعم البعض .
4- يوم الخميس 28من ديسمبر . وذلك في موريشيوس وبروناي والهند وباكستان وبنجلاديش .

هذا الاختلاف زاد الأمر سوءا ، وأشعر الناس أن الأمة في اختلاف شديد ، ولكن اختلف التقدير في معرفة سبب هذا الاختلاف ، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

وفي هذه الأوراق القليلة سنحاول أن نجلي بالحجة والبرهان أن صوم يوم الأحد 26 من نوفمبر ويوم العيد الثلاثاء 27هو الصواب الذي لا صواب غيره ، ونسأل الله أن يثبتنا على هذا الموقف وجميع محبي سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.

أولا : الرد على أتباع الفلكيين .

انتشرت مجموعة من المعتنين بالحساب الفلكي في هذه البلاد ، وكان لهم جهد مشكور في عمل التقاويم الإسلامية ، لكن حظهم من العلوم الشرعية كان ضئيلا ، فظن القوم أن علمهم هذا يخول لهم الحديث عن الأمور الشرعية والحلال والحرام .

والأساس الذي بنينا عليه موقفنا في عدم اعتبار قول الفلكيين هو قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : ( نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ ، الشهر هكذا وهكذا ) يعني تسعة وعشرون وثلاثون .

وقد أجمع أهل العلماء الذي يعتد بقولهم على عدم اعتبار أقوال أهل الفلك والحساب في إثبات الرؤية ( كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ) ، بناء على هذا الحديث الذي بين فيه صلى الله عليه وسلم كيفية الرؤية وأنها لا تعتمد على الحساب والكتابة ، وأنه مَبْنِيٌّ على العَدِّ العادي .

ولا يقال إن هذا فيه دعوة إلى الجهل والتخلف ، فمن اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقد كفر ، ومن خَطَّأَ أهلَ العلم لِفَهْمِهِمْ أن هذا الحديث يمنع من اعتماد الحساب في الأمور الأخرى مثل الفرائض والتجارة ونحو ذلك فقد افترى على العلماء وعليه جزاء المفترين.

غاية ما في الحديث بيانُ سهولة أمر ثبوت الرؤية وأنه لا يؤخذ فيه بالحساب لأن المقصود بالكتابة والحساب في ذلك الزمان العلوم التي تؤهل صاحبها لعمل الحساب الفلكي ،ولا شك أن هذا قليل في الأمة بل في كل الأمم ، وليس المقصود النهي عن مجرد الكتابة ، وكيف لنا أن نفهم أن هذا الحديث ينهى عن تعلم الكتابة والحساب ورسول الله صلى الله عليه وسلم حَضَّ على تعلم الكتابة فقال : ( قَيِّدُوْا العِلْمَ بِالكِتَابَةِ ) رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم وله طرق يكون بمجموعها حسنا . كما حَضَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعلم الحساب ، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تَعَلَّمُوْا الفَرَائِضَ وعَلِّمُوْهَا) رواه ابن ماجة وفي إسناده مقال خفيف .

وبهذا يظهر عدم صحة مذهب من يرى اتباع حسابات الفلكيين ، حتى لو كانت صحيحة في نفس الأمر ، إلا أن الشارع لم يُعَلِّقْ عليها حكما شرعيا معتبرا ، حتى في تقدير العدة والنذور وتعليق الأحكام الشرعية على الأزمنة فمرده إلى التقدير الشرعي البسيط .

وهناك أمر آخر جدير بالتنبيه عليه ، وهو أن الرؤية التي ثبتت في الصين وفي هونج كونج وفي فيجي وفي ليبيا ( أي في مشرق الأرض ومغربه ) هي رؤية عين ، ورؤية العين يقينية ، والعددُ الذي رَأَى الهلال نَافَ على العشرين ( ستةَ عَشَرَةَ منهم في الصين ) ، ومثل هؤلاء يمثلون خبرا يفيد التواتر ، فلو حصل النفي من البلاد الأخرى بعدم الرؤية لا يكون نَفْيُهُمْ هذا تَوَاتُرَاً ، لأنَّ عَدَمَ العِلْمِ لَيْسَ عِلْمَاً بالعَدَم ، ولا يمكن أن يجتمع هؤلاء من مشارق الأرض ومغاربها على الكذب أو الجهل بطريقة الرؤية حال كون تلك الرؤية استند بعضها إلى حساب فلكي كما في ليبيا ، وبعضها استند إلى انتشار أفق الرؤية مثل ما كان في الصين ، حيث ثبت في شمالها وجنوبها .

ومعلوم أن الحسابات لا تخطئ ، ولكن الحاسب يخطيء ، ومعلوم أن التقدير العددي لا يَتَخَلَّف ، ولكن يقينيته عند المقدِّر والحاسب لا عند كل الناس ، فكيف نجعل ما هو يقين عن فرد يقينا عند سائر الناس ؟

الرد على من قال بالصوم برؤية كل بلد دون رؤية البلاد الأخرى
لاشك أن الخلاف في هذه المسألة مُعْتَبَرٌ ، وأن القائلين به من العلماء معدودون في الأئمة الأعلام ، ولكن هذا لا يدل على صحة المذهب والقول ، بل كل قول مَرَدُّه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم .

ونحن ما زلنا نؤكد على أن الأمة لن تجتمع أو تَتَوَحَّدَ إلا بأن تُوَحِّدَ رؤيتها ، وتأخذ كل البلاد بالرؤية السابقة في أي بلد ظهر ، ولا مانع من الاستئناس بأقوال الفلكيين ، لكن لا تكون هي المحك في رفض الرؤية وقبولها ، بل المحك إنما هو في ثبوت الرؤية بالوجه الشرعي المعتبر الذي سنذكره لاحقا إن شاء الله .

والمذهب القائل بالأخذ برؤية البلد المحلية دون سائر البلاد معمول به في معظم الدول الإسلامية لغلبة التقليد واتباع المذاهب ، وعدم الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس أحد حجة في مسائل الشرع حتى لو كانت بلاد الحرمين ، لأن الحجة لا تكون إلا فيما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فمعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأكد أمره بتعليق الصوم والإفطار على الرؤية ، حيث قال فيما رواه البخاري وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ..,...) وفي رواية : ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا .. ) وهذا خطاب عام للأمة كلها أن تصوم بالرؤية ، لا تخصيص فيه ببلد أو بقوم أو بعشيرة أو بحدود سياسية أو بهيئة أو جمعية ، وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن ابن عمر قال : تَرَاءَى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأ مر الناس بصيامه .

وعن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال قال أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا . رواه أبو داود والترمذي وقال : والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم قالوا تقبل شهادة رجل واحد في الصيام وبه يقول بن المبارك والشافعي وأحمد وأهل الكوفة قال إسحاق لا يصام إلا بشهادة رجلين ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين . ( ملحوظة : قد ثبت الخلاف كما بينه صاحب الفتح وسبل السلام ونيل الأوطار وغيرهم ) .

قال الصنعاني في سبيل السلام عند شرح هذا الحديث : فيه دليل على قبول خبر الواحد في الصوم ودلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة إذا لم يطلب صلى الله عليه وسلم من الإعرابي إلا الشهادة وفيه أن الأمر في الهلال جار مجرى الإخبار لا الشهادة .

وكل هذا صريح في عموم الأخذ بالرؤية دون تقييد أو تخصيص ، وأما ما استدل به القائلون باختلاف المطالع من حديث كُرَيْب عن ابن عباس في صحيح مسلم وغيره ، ومُلَخَّصُه أن كُرَيْبَاً كان بالشام ورأى الهلال مع معاوية بن أبي سفيان ليلة الجمعة ، ثم عاد إلى ابن عباس في الحجاز آخر شهر رمضان ، فلما سأله ابن عباس متى رأيتم الهلال : قال رأيناه ليلة الجمعة ، فأخبره ابن عباس أنهم رأوه في الحجاز ليلة السبت ، فقال له كريب : ألا تكتفي برؤية معاوية وأصحابه ( وكان إذ ذاك هو الخليفة ) فقال ابن عباس : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهذا الحديث ليس صريحا في إثبات اختلاف المطالع ، فإن الحجة فيه إنما هو فيما أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلام ابن عباس : هكذا أمرنا .. لا يحتمل إلا أن أمر رسول الله صلى الله وسلم هو قوله صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته .. ) ، ففهم ابن عباس من ذلك أن له رؤية مستقلة وأنه لايلزمه اتباع معاوية .

وإذا كان هذا فهم ابن عباس فليس بحجة ، لأن قول الصحابي ليس بحجة عند جماهير العلماء إذا انفرد ، ولأن حديث كريب يتحدث عن العلم بالرؤية عند نهاية الشهر كما في بعض روايات الحديث ، وفي مثل هذه الحالة لايلزم أهل بلد رؤية البلد الآخر ، وفرض المسالة المختلف فيها فيما لو علم أهل بلد رؤية بلد آخر في أول الشهر هل يلزمهم أم لا ؟

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن الحسن البصري في رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الإثنين وشهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد فقال لا يقضي ذلك اليوم الرجل ولا أهل مصره إلا أن يعلموا أن أهل مصر من أمصار المسلمين قد صاموا يوم الأحد فيقضونه.

وهذه الفتوى من الحسن البصري تثبت أن ما قاله ابن عباس إنما هو رَأْيٌ ارْتَآَهُ ، وفَهْمٌ فَهِمَهُ من الحديث وليس هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كما قد يَفْهَمُ البعض.

والعجيب أن في حديث كريب جواز مخالفة الرعية للإمام في صوم رمضان وفطره ، لأن ابن عباس خالف معاوية ولم يأخذ برؤيته ، ومع ذلك فأصحاب هذا المذهب يلزمون الناس بالأخذ برؤية حاكم كل إقليم دون غيره .

والأعجب من ذلك أن كل أهل العلم ممن قالوا بهذا الحديث لم يعلقوا الرؤية بالحدود السياسية وإنما علقه بعضهم بمطلع الهلال وبعضهم ربطه بمسافة القصر ، ولم يقل أحد من أهل العلم البتة أن الرؤية يعمل بها في إطار الحدود السياسية الجغرافية ، فهذا زور وبهتان وكذب على الشرع وعلى العلماء الأعلام .

وقس على ذلك ما حدث هذا العام ، فإن الرؤية التي ثبتت في الصين وهونج كونج تعتبر رؤية شرعية على كل المذاهب ، لأن الصين مطلع واحد مع تايلند ، ولو قدر أن الصين كانت في حدود تايلند لأخذوا بالرؤية ولكنها السياسية وآفاتها التي تفرض على البعض تحريف الدين وتشويهه .

هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن شيخ الإسلام ابن تيمية أناط المسألة على بلوغ الخبر بوجه معتبر ، ولم يحدد ذلك بمطلع أو بمسافة أونحو ذلك .

وبهذا البيان يتضح لنا ضعف حجة أصحاب هذا المذهب ، والأمر يحتمل أكثر من هذا ولكن رغبة في الاختصار لجأنا إلى تسهيل العبارة وتقصيرها .

الرد على الرافضين للرؤية الشرعية للهلال في الصين هذا العام
مضى معنا أن ابن عمر رأى الهلال وحده فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأخذ برؤيته ، وكذلك مر معنا حديث الأعرابي الذي أخبر برؤية الهلال فاعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم خبره وأمر الناس بالصيام .

وقد مضى علينا دهور عديدة ونحن نقرر هذا المعنى ونؤكد عليه في كل مناسبة ، وقد أجمع أهل العلم على قبول خبر الجَمْع الكثير في رؤية الهلال ، واختلفوا في قبول خبر الواحد ، والجمهور على قبوله ، لكنهم أجمعوا على أن المعتبر في الرائين أن يكونوا مسلمين ، وأنه لا تقبل شهادة الكافر والذي علم فسقه وفجوره .

ولو رأى هلال رمضان مسلم واحد فلا أظن أن هناك خلاف بين أهل السنة القائلين باتحاد المطالع في قبول خبره والعمل بمقتضاه .

وما زال أهل السنة في تايلند يعملون برؤية السعودية مع أنها في كثير من السنين كانت تدخل رمضان برؤية واحد ، وكان ذلك الواحد لا نعرف عنه أي شيء سوى أنهم اعتمدوا شهادته في إحدى المحاكم .

وقد حصلت المشكلة في هذه السنة حينما تواتر الخبر برؤية الهلال في الصين ، فاضطرب بعض أهل السنة وحاق بهم من القلق والشك والحيرة ما الله به عليم ، وهدى الله أهل الإيمان واليقين والسنة الحقة على الثبات على ما كانوا عليه ، فنحمد الله تعالى على ما أنعم من توفي وهداية.

وحاصل الرؤية التي ثبتت في الصين أنها وردت إلينا في تايلند عن أكثر من ثلاثة طرق :

الأول : عن طريق أحد التجار المسلمين التايلنديين المعروفين بالاستقامة والعلم وبدوره في مساعدة الدعوة الإسلامية ، وقد أخبر هذا التاجر أن الرؤية ثبتت في الصين عن طريق ستة عشر نفرا ، وقد اتصل هاتفيا بأحد أئمة المساجد في الصين ممن رأوا الهلال فأخبره بثبوت الرؤية .

الثاني : عن طريق اتصال هاتفي بأحد المسلمين الصينيين الذين درسوا بالمدينة المنورة فأخبر بأن بعض الأنحاء في الصين ستصوم يوم الأحد 26 نوفمبر لأنها رأت الهلال .

الثالث : عن طريق صحيفة القبس الكويتية عدد 26 نوفمبر ، حيث ذكرت الصحيفة أن هونج كونج أعلنت ( ثبوت رؤية الهلال ليلة الإثنين الموافق 25 نوفمبر ) وبذلك يكون يوم الأحد هو أول أيام رمضان .

وهناك طرق أخرى لتجار تايلنديين آخرين في الصين أكدوا صحة هذه الأخبار .

وقد تأيدت هذه الرؤية بالرؤية التي ثبتت في ليبيا ، وتأكدت كل هذه الرؤى بالحساب الفلكي في ليبيا وغيرها من البلدان بأن أول رمضان هو 26 من نوفمبر .

ومعلوم أن كل هذا يفيد التواتر الحقيقي في إثبات الخبر ، لأن الرؤية إذا حصلت في أقصى المشرق وأقصى المغرب ، وبعدد يزيد على العشرة ( في الصين فقط ستة عشرة ) فإن هذا يمنع في العادة التواطؤ على الكذب ، ويمنع في العادة أيضا أن يكونوا كلهم جاهلين بطريقة الرؤية وكيفيتها ، خاصة أن الحساب الفلكي في ليبيا عضد إمكانية الرؤية .

وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن أهل العلم أجمعوا أنه لا اعتبار بقول الفلكيين في نفي الرؤية ، إلا خلافا شاذا يحكى عن بعض الشافعية وهو مسبوق بالإجماع القديم فلا يعتد به .

ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق الصوم والإفطار على الرؤية ، ومنع الاعتماد على الحساب في الحديث الذي أوردناه عند الرد على الفلكيين .

فكل هذا يثبت أن الرؤية التي ثبتت في الصين رؤية شرعية لا يجوز ردها ، وأن كل ما قيل في ردها واه لا يمت إلى الشرع بصلة ، وسنتعرض لبعض الشبهة الواهية التي يتلقفها العوام والجهلة حتى ننزع الريبة من قلوب الناس .

1- من ذلك قولهم إن الرؤية التي ثبتت في الصين خالفتها معظم الدول الإسلامية حيث لم تر الهلال في ذلك اليوم . وهذه الشبهة أوهى من بيت العنكبوت ، لأن الدول الإسلامية نفت الرؤية ، والنافي لا علم عنده ، والرائي عنده زيادة علم فيقدم ، ولأن عدم العلم ليس علما بالعدم ، ومَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يعلم . وأهل العلم لم يشترطوا أن يرى الهلال معظم الدول ، ومن قال بهذا فقد أفترى على الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى بما ليس له أصل في الشرع ، والدول الإسلامية كلها تعمل بقول جمهور العلماء وتأخذ برأي الواحد في هلال رمضان وبشهادة اثنين في هلال شوال ، وما زال العمل عليه في كل البلاد وعلى مر مئات السنين ، ولم يقل أحد أبدا بأن الرؤية إذا خالفها معظم الناس فلم يروا لا يؤخذ بقول الرائي . ولو افترضنا أن الرؤية ثبتت في تايلند وحدها ، وخالفتها كل دول العالم ، ألن نأخذ بهذه الرؤية أم أننا سنقول إن الدول خالفتنا ولن نصوم ؟؟؟

2- وبعض من يدعي العلم استدل بأن الذين لم يروا الهلال عددهم يبلغ التواتر ومن رآه في الصين آحاد ، فيقدم المتواتر على الآحاد . وفضلا عن أن هذا ليس له أصل في قضية الرؤية ، بل هو محض رأي أمام نصوص صريحة صحيحة في الأخذ برؤية الآحاد ، فضلا عن هذا فإن ما قاله غير صحيح ، بل زور ، فالذين رأوه في الصين أكثر ن ستة عشرة ، أضف إلى ذلك ليبيا وجزيرة فيجي ، أضافة إلى تعضد ذلك بالحساب الفلكي في ليبيا ، فكل هذا يفيد التواتر ، أما عدم الرؤية فلا يفيد أي تواتر ، لأن النافي جاهل بالأمر ، يعني ليس له علم بشيء ، فكيف نقول إنه تواتر ، والتواتر معناه معروف عند أهل العلم ، ويجب أن يستند إلى شيء محسوس لا إلى مجرد نفي ، ولو اجتمع أهل الأرض قاطبة على نفي الإله فهذا جهل لا يكون تواترا ، لأنهم ينفون ، والتواتر يكون في الإثبات أو ما استند إلى أمر محسوس .

3- وبعض أهل الأهواء اتهم الصينيين بأنهم لا وزن لهم ، وأنه لم يعرف لهم بأي دور إسلامي ، وأنه ليس لهم هيئة إسلامية معترف بها ، وبالتالي رؤيتهم لا قيمة لها ، وهذا أيضا من الزور والبهتان ، فالمسلمون الصينيون عددهم أكثر من سبعين مليون ولهم هيئات ومساجد كثيرة ، والتزامهم بالشرع أقوى من كثير من المسلمين كما يعلم ذلك من عاين الأمر بنفسه ، يعني أضعاف عدد المسلمين في تايلند ، والذين رأوا الهلال مسلمون توثق لدينا إسلامهم ، وهاتفنا أحدهم ، ويعلم كل الناس أن مجرد الظن والشك لا يمكن أن يقدح في عدالة المسلم ، ولو فتحنا هذا الباب فإننا لا يجوز لنا أن نقبل رؤية السعودية لأننا نعلم سوء أحوال الكثير من الناس هناك ، فهل هذه حجة في رد خبرهم ؟؟

4- اتهم البعض مصدر خبر رؤية الصين بأنهم قاديانيون وشيعة وما إلى ذلك من التهم الباطلة ، وأقل ما يمكن أن يقال في مثل هؤلاء : قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . وإلا فما أسهل الاتهام ، وما أيسر الشتم والسب ، ولكن ميزان الإسلام دقيق وصارم ، وكل من ثبت له الإيمان بيقين لا نخرجه منه بظن ، ومثل هؤلاء ليس لهم شبهة دليل واحد على كلامهم ، إلا مواقف شحناء وبغضاء في الزمن الماضي السحيق يريدون أن يحملوا وزرها لأبناء الجيل الجديد ، وما أظلم وأجهل وأجرأ من يجعل المواقف الشخصية معيارا في قبول الأخبار التي ينبني عليه الأحكام الشرعية مثل ما هو حالنا مع رؤية هلال رمضان .

5- يشنع البعض على رؤية الهلال في الصين بأنها ثبتت بالهاتف ، وهذه حجة من لاحجة له ، ولو قلنا إن الهاتف لا يعتبر في قبول الأخبار فيجب أن نبطل كل العقود التجارية التي تتم عبر الهاتف والإنترنت ، وأن نبطل الخبر المأخوذ عن القنوات الفضائية لأنها قد تكون من بث مدسوس لا يعلم أصله . ولا ريب أن هذا سيفتح بابا لا يغلق ، ونحن أمرنا بان نتثبت في حدود المستطاع ، ولم نطالب بان يحصل لنا اليقين الكامل في كل الأخبار ، لأن الأصل في الرؤية أنها مبنية على التيسير ( شأن كل أمور الدين ) ، ومع ذلك قد تم التوثق من تلك الرؤية بالأخبار الأخرى غير طريق الهاتف ، وكلها تعاضدت على تأكيد خبر الرؤية في الصين وثبوت الهلال . وهؤلاء الذين يتحدثون عن عدم اعتبار الهاتف في إيصال الخبر كانوا في الماضي يتلقون خبر الرؤية في السعودية عن طريق الهاتف من بعض العاملين التايلنديين في السعودية .

6- وبعض من لا علم له يقول : إن الرؤية التي حصلت في الصين مشكوك فيها ، ومثل هؤلاء يطلقون كلاما لا خطام له ولا زمام ، ونحن نطالبهم ونسألهم : ما هو المطلوب حصوله حتى يكون خبر رؤية الهلال غير مشكوك فيه ؟ هل لابد أن يعرض في قناة فضائية ؟ هل لابد أن يكون من السعودية ؟ هل لابد أن يأخذ به فلان وفلان ؟؟ إنه الهوى ليس غير ، ولو أنهم أنصفوا وطبقوا الشرع وكلام أهل العلم لعلموا أن الرؤية التي ثبتت في الصين رؤية شرعية تامة ، ثببت بالوجه الشرعي المعتبر ، ولا يمكن أن ينقضها أي ناقض ، سواء من الناحية العلمية الفلكية أو من الناحية الشرعية في قبول الشاهد وعدالته .

هذه بعض الشبه التي تثار بين الحين والحين ، ولا ريب أن هناك شبه أخرى ، ولكن لو ظللنا نتعقب كل الكلام الذي يقال فسيكون مضيعة للوقت ، وحسبنا أن ما عرضناه هنا كاف في هداية طالب الحق ، وإرشاد الحائر إلى الموقف الواضح الصحيح ، لأنه لا يصح إلا الصحيح .

وفي الختام نؤكد : أن تطبيق السنة لا يمكن أن يكون مفرقا ، وأن المجمع والموحد لنا جميعا هو أن نطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

إننا ندعو للتوحد تحت راية السنة المطهرة ، وأن يتجرد الناس من الأهواء ، وبخاصة الدعاة وبعض أهل العلم ممن تصدروا لقيادة المجتمع ، وندعو إلى ترك الحديث عن الماضي ولنتكلم عن المستقبل وماذا يمكننا أن نفعل فيه إذا ثبتت الرؤية مرة أخرى في الصين أو في لاوس أو في كمبوديا ؟؟؟ إننا نمد أيدينا مبسوطة لكل راغب أن يثبت معنا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل من مجيب ؟؟؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

في ظهر يوم الأربعاء 14 من فبراير ‏2001‏‏
 

رضا صمدي
  • رسائل ومقالات
  • كتب وبحوث
  • صــوتـيـات
  • الصفحة الرئيسية