صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الفَارق بين المُحقِّق والسّارق (1)

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

الشَّيْخِ عَبْدِ العَزِيْزِ بْن ِ فَيْصَل الرّاجِحِيّ

 
[بيان سرقة عليّ الحلبيّ ، لتحقيق الزّاويّ والطّناحيّ لكتاب«النّهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير]

الحَمْدُ للهِ وبعد : فسَرَّني كثيرًا : رُؤيتي طبعة كتاب «النِّهاية في غريب الحديث والأثر» للمُبارك بن محمَّد ابن الأثير(ت 606هـ) نَشْر «دار ابن الجوزي» بالمملكة عام (1421هـ)، بإشراف وتقديم الأُستاذ عليّ بن حسن بن عليّ بن عبد الحميد الحلبي الأثري ! مع مركز (ن) لخدمات النَّشْر ، في مُجَلَّدٍ واحدٍ كبيرٍ ، فيه (1028) صفحة ، على ورق أصفر جميل ، وَكُتِبَتْ الموادّ اللّغويَّة ، والأبواب ، وأرقام الصّفحات بالُحمْرة .
ومِـمّا اختصرَ حَجْمَ هذا الكتابِ الكبير : تقسيمُ كُلِّ صفحة إلى عمودَيْنِ .
وهذه الظاهرة الجديدة ـ أعني إخراجَ الكتب الكبيرة ، في مُجَلَّدٍ أو مُجَلَّداتٍ قليلة ـ : ظاهرةٌ جيِّدةٌ ، بِشَرْطِ :
* ضَبْط مَتْن الكتاب حسب أَصْلِه الَخطِّي ،
* وتَصْحيحِه ،
* واختيار حَجْمٍ مُناسبٍ لِـحَرْفِ الطِّبَاعة ، لا يُتْعِبُ القارئ ،
* وجَوْدة الوَرَق .
وقد سَهَّلَتْ هذه الطريقةُ على طُلَّابِ العِلْمِ : اصطحابَ كتبهم سَفَرًا وحَضَرًا . كمَا يَسَّرَتْ لهم مراجعتَها ، ووَفَّرَتْ مساحةً كبيرةً في رُفُوفِ مكتباتِهم .
وهذه وإنْ كانتْ بادرةً حديثةً ، إلاَّ أَنَّها كانتِ الطَّرِيقةَ المُتَّبَعَةَ في الطِّباعةِ أَوَّلَ دُخُولهِا البلادَ العربيَّة والإسلاميَّة ، وَلَبِثَتْ مُدَّةً طويلةً على ذلك . وبعد انتشار الطِّباعة ، وكثرة دُوْرِ النَّشْر ، وحصول طفرةٍ ماليَّةٍ في بعض الدُّول العربيَّة : توجَّهتْ تلك الدُّورُ إلى نَفْخِ الكتب ، بِحَوَاشٍ وتعليقاتٍ لا طَائِلَ تَحْتَ أكثرِها ، بما يُسَمُّونَهُ تَحْقيقًا ! فزادتْ أحجامُها أضعافَ أحجامِ أَصْلِهَا ، وزادتْ لذلك قيمتُها . ولَـمَّـا تَقَلَّصَتْ هذه الطّفرةُ ! ـ مع أسبابٍ أُخْرَى كذلك ! ـ تَقَلَّصتْ أحجامُ الكتبِ تارةً أُخْرَى !!
وبِقَدْرِ سُرُوري بتلك الطَّبعة الَمذْكورةِ مِن «النِّهَاية» ، بِقَدْرِ استيائي مِنْهَا ! حِينَ وجدتُ أَنَّ طبعتَهم هذه : مَسْروقة ٌ مِنْ طبعة الأُستاذيْنِ الكبيرَيْنِ : الطَّاهر بن أحمد الزّاويّ ، والدَّكتور مَحْمود بن محمَّد الطَّنَاحيّ رحمهما الله ، وأَنَّ هؤلاء السُّرَّاقَ ، لم يَعْملوا شَيْئًا في طبعتِهم تلك ، سوى إفراغ عمل الأُستاذَيْنِ السّابقيْنِ ـ وكان في خَمْس مُجَلَّداتٍ ـ في مُجَلَّدٍ واحدٍ ! على ورق أصفر بِلَوْنَيْنِ ، مع حَذْفِهم جُـمْلَةً مِنْ تعليقات الأُستاذَيْنِ ! دُونَ إِذْنٍ مُسْبَقٍ ! ولا شُكْرٍ مُسَطَّر!!

وكتابُ «النّهايةِ» لابن الأثير ، طُبعَ أَرْبَعَ طبعاتٍ قبل هذه الطَّبعة :
(1) الأُولى : بطهران عام (1269هـ) ، طبعة حجريّة في مُجَلَّد واحد .
(2) والثّانية : بـ«المطبعة العُثْمانيَّة» بالقاهرة سنة(1311هـ) في أربعة أجزاء ، بتصحيح عَبْد العزيز الأنصاريّ الطَّهطاويّ رحمه الله .
(3) والثّالثة : بـ«المطبعة الَخيْريَّة» بالقاهرة أيضًا سنة(1318هـ) في أربعة أجزاء كذلك .
وكلُّ هذه الطَّبعات الثَّلاث : لم تَسْلَمْ مِن النَّقص ، والتَّحْريف ، والتَّصْحيف ، والضَّبْط الخاطئ ، لِـمَا طُبعَ مِنْهَا مَضْبوطًا .
(4) حتَّى جاءتِ الطَّبعةُ الرَّابعةُ بتحقيق الأُسْتاذَيْنِ : الزّاويّ والطَّنَاحيّ رحمهما الله ، ونَشَرَها عيسى البَابيّ الَحلَبيّ بالقاهرة ، عام (1963م - 1966م) في خمس مُجَلَّدات .
وَهِيَ أَصَحُّ طبعاتِ هذا الكتاب ، حَيْثُ قام الأُستاذانِ بِجَعْل الطَّبعة العُثْمانيَّة أَصْلاً ، ثُمَّ صَحَّحَا أخطاءَها ، وصَوَّبَا ضَبْطَهَا .
وقامَا بعد ذلك : بمُقابلتِها على نُسْخةٍ خَطِّيَّةٍ جَيِّدةٍ لكتاب «النِّهاية» مَحْفوظةٍ بـ«دار الكتب المصريّة» برقم (516 - حديث) في مُجَلَّدٍ كبيرٍ ، ورَمَزَا لهذه النُّسخة بِحَرْفِ ( أ ).
ثُمَّ عَمَدَا إلى نُسْخةٍ نَفِيسةٍ مِنْ «كتاب الغَرِيْبَيْنِ» للهَرَويّ في ثلاثةِ مُجَلَّداتٍ ، مَحْفوظةٍ بـ«دار الكتب المصريَّة» ، برقم ( 55 - لغة ، تيمور) إِذْ إِنَّهُ أَحَدُ مصادر الُمؤلِّف .
وقابلا نَقْلَ المُؤلِّفِ ابْنِ الأثير منه على هذه النُّسْخة ، تَوْثيقًا للنَّقْل ، وتَصْحيحًا لِـمَا قد يَحْصُلُ في الأَصْلِ مِن تَحْريفٍ أو تَصْحيف .
وبالفِعْلِ ، وَقفَ الأُستاذانِ ـ كما ذكرا ـ على فُرُوْقٍ في غاية الأَهمِّيَّة .
وكان ابنُ الأثيرِ رحمه الله ، يَرْمُزُ لِنَقْلِهِ مِن «كتاب الغَرِيْبَيْنِ» للهَرَويّ بِحَرْف (هـ) ، إِلَّا أَنَّ ذلك قد تَخَلَّفَ في مواضعَ كثيرةٍ ، حسب النُّسخةِ الموجودةِ عند الأُستاذَيْنِ .
فَقَامَ الأُستاذانِ باستدراك ذلك ، ووَضَعَا الرَّمْزَ (هـ) ، لِـمَا نَقَلَهُ ابْنُ الأَثيرِ ، ولم يَرْمُزْ له ، إلَّا أَنَّهما جَعَلَاهُ بين مَعْكُوْفَيْنِ [ هـ ] تَـمْيِيْزًا لِـمَا أضافاه .
وَرَاجَعَا في ضَبْطِ كتاب «النِّهاية» وتَصْحيحِهِ : كُتُبًا كثيرةً ، كـ«الفائق في غريب الَحدِيث» للزَّمَخْشريّ ، و«لِسَان العَرَبِ» لابن مَنْظور ، و«تاج العَرُوس» للمُرْتضَى الزَّبيْديّ .
وأثبتا فُرُوْقَهَا ورواياتِها في مواضعَ كثيرةٍ ، وسَجَّلا تَعْقيباتِ السُّيوطيِّ على «النِّهاية» وزياداتِهِ مِنْ كتابه «الدُّرِّ النَّثيرِ».
كمَا رَاجَعَا «جَامِعَ الأُصول» لابن الأَثيرِ ، وكُتُبَ الَحدِيثِ نَفْسَهَا ، في تَصْحيح بَعْضِ الألفاظ ، أو إزالةِ إِشْكَالهِا .
واحتكما في ضَبْطِ مَوَادِّهِ اللُّغويَّة إلى المعاجم في كُلِّ صَغِيرةٍ وكَبِيرةٍ كما ذَكَرَا .
وبَعْدَ هذا الُجهْدِ الكَبِيرِ : يأتي الأُستاذُ الَحلَبيُّ !! ومَجْموعتُه مركز ( ن )!! ويَسْرقون جُهْدَ الأُستاذَيْنِ !! ويَزِيْدُونَ على ذلك : أَنْ كتبوا على غلاف طَبْعَتِهم تلك مِنَ الدّاخل :«حقوق الطَّبْع مَحْفوظة (!) 1421هـ ، لا يُسْمَحُ بإعادة نَشْرِ هذا الكتاب (!) أو أَيّ جُزْءٍ منه (!) بأَيِّ شَكْلٍ مِنَ الأشكال (!) أو حفظه ، أو نَسْخِه ، في أَيِّ نظام ميكانيكي ، أو إلكتروني ، يُمَكِّنُ مِن استرجاع الكتاب (!) أو تَرْجمتِهِ إلى أَيِّ لُغَةٍ أُخْرَى ، دون الحصول على إِذْنٍ خَطِّيٍّ مُسْبَقٍ مِنَ النَّاشر(!!)» اِنْتَهَى بِنَصِّه .
حِفَاظًا على سَرِقَتِهم أَنْ تُسْرَق ! ونَهْبَتِهم أَنْ تُنْهَبَ ! وكَمَا يُحَافِظُونَ على حقوقِهم ويُحامون دُونَها ـ وَإِنْ كانتْ مَسْروقةً ـ أليس للنّاسِ حَقٌّ في حِفْظِ حقوقِهم وحمايتِها ؟!! أَمْ أَنَّ القَوِيَّ يَأْكُلُ الضَّعِيفَ ، والَحيَّ يَأْكُلُ الَميِّتَ ؟!!
والُمشْرِفُ الَمذْكُورُ (عليٌّ الَحلَبيُّ): خَشِيَ مِنْ كَشْفِ جنايتهِ هذِهِ ، فَعَدَلَ عن لَفْظِ (التَّحْقيقِ) إلى لَفْظِ (الإشراف والتَّقْديم) !! ولو أُخِذَ شَيْءٌ مِنْ كتبهِ الَّتي أَخْرَجَهَا بِتَحْقيقِه وتَعْليقِه ، وعُمِلَ بها ، كمَا عَمِلَ هو بهذا الكتاب : لَـهَبَّ مُنْتَصِرًا !! ولَنْ يَمْنَعَهُ التَّلاعبُ بالألفاظ ، مِن الانتصافِ لِـحَقِّهِ ! ولا تَبْديلُ لَفْظِ (التَّحْقيق) بـ(الإشراف والتَّقْديم).
وهَكَذَا يَسِيرُ رَكْبُ الُمتاجرةِ بالعِلْمِ ، مِنْ غَيْرِ خشيةٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، ولاحَيَاءٍ مِنَ النّاسِ ، و«إِنَّ مِـمَّا أَدْرَكَ النّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُوْلَى : إِذَا لَـمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَاشِئْتَ» !


نُشِرَ هذا المقال في«جَرِيدةِ الَجزِيرةِ» يوم الأحد (28 رمضان 1421هـ) ، الموافق (24/12/2000م) ، عدد (10314) بصفحة «وَرَّاقِ الَجزِيرةِ» الَمعْنِيَّةِ بالتُّراثِ وتَحْقيقِه

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
الرّاجِحِيّ
  • كتب وبحوث
  • ردود وتعقيبات
  • الصفحة الرئيسية