صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الاحتلال الناعم

نزار محمد عثمان


مدخل: قالت إذاعة صوت أمريكا تعليقاً حادثة استشهاد الطفل محمد الدرة: ( الجنود الإسرائيليون يطلقون النار على صبي فلسطيني فأردوه قتيلاً،هذا وقد أعلنت إسرائيل أنها ستواصل جهودها لتنفيذ وقف النار"، ولا عجب في اختزالها للخبر ومرورها عليه مرور اللئام، ولكن العجب في أن تعقبه بالتذكير بحرص إسرائيل على السلام واستمرار وقف إطلاق النار.
سقت المدخل السابق لسببين أولاً لأنبه إلى خطورة التضليل الذي يمارسه الإعلام الأمريكي في قضايا واضحة السوء، بينة القبح، لا تحتمل أدني عمليات التجميل، وثانياً لافجع القارئ الكريم بأن حكومتنا ممثلة في المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون وقعت عقداً مع القائم بالأعمال الأمريكي يقضي بالسماح لعدد من محطات الراديو الأمريكية الناطقة بالعربية واللهجات المحلية بالعمل في عدد من المدن الشمالية والجنوبية، وقد نقلت بعض المصادر أن عدد هذه المحطات هو 12 محطة إذاعية، ستبدا براديو محطة (سوا) الناطقة بالعربية!
ودون شك لا يحق لنا أن نعيب على أمريكا أن تسعى لنشر فكرها؟ أو أن تسعى للسيطرة على أجهزة المعلومات والتوجيه، ولكن يحق لنا أن نعيب على حكومتنا أن تجعل الإعلام خاضعاً لقواعد السوق الحر، متاحاً لمن يملكون رأس المال، والنتيجة الحتمية لذلك أن تصبح محطات الإذاعة ـ وبعدها شبكات التلفزيون والصحف والمجلات ودور النشر ـ مملوكة لمجموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات العميلة للقوى العظمى، ويصبح الجهاز الإعلامي جاهزا للاضطلاع بدور فعال في عملية التغييب والتضليل.
هذا الإعلام الذي كان له دوره الذي لا تجهله الحكومة في فرية التطهير العرقي في دارفور، وممارسة الرق في جنوب السودان!، هذا الإعلام الذي يسمي العمليات الاستشهادية انتحاراً،والفوضى حرية،والمجاهد إرهابياً،و المقاومة أعمال عنف، والمغتصبَة مستوطنة، ونهب خيرات الشعوب استعماراً!أما إطلاق النار من طائرات الأباتشي على الأبرياء فليس سوى إفراط في استخدام القوة، وإبطال قرار أجمعت عليه كل دول العالم ليس إلا استخداماً لحق النقض (الفيتو).
إن وجود 12 ألف من جنود الاتحاد الأفريقي، و10750 من الأمم المتحدة، أهون من وجود محطة إذاعة أمريكية واحدة ـ فما بالك بـ 12 محطة أمريكية، ومحطات أخرى لـكل من : ألمانيا،وفرنسا، وبريطانيا ـ لأن القوات الأجنبية عادة لا تلقى ترحيباً، ولا تساهم في إحداث تغيير فكري، بل ربما تثير حمية المواطنين وتبعثهم على مقاومتها، خلافاً للاحتلال الناعم عن طريقة إذاعات تتفنن في جذب اهتمام المستمعين، ثم في بث السم في الدسم، لتفعل فعلها ـ على المدى البعيد ـ في التغيير المعرفي، والمواقف والاتجاهات، والتنشئة الاجتماعية، فهل من منتبه؟

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
نزارمحمدعثمان
  • البحوث
  • المقالات
  • الردود الصحفية
  • قصائد وأشعار
  • في الأدب الإسلامي
  • برامج إذاعية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية