صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فقه العموم في الشريعة

د. خالد بن عبد الله المزيني

 
يجب النظر إلى فقه الشريعة على أنه عام، عمومَ المكلفين، وعموم الحوادث:
أ ـ فأما العموم في المكلفين فلقوله تعالى: ((  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )) سبأ (28)..
ب ـ وأما عمومها في الحوادث فلقوله سبحانه: (( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ))النحل (89)..
لكن هذا العموم بوجهيه لا يعني ثبات الأحكام المسطورة في المدونات المتقدمة، بل كان الفقهاء على الدوام يقومون بفرز ما تغير حكمه، والتنبيه عليه عند الاقتضاء، تمثيلاً لا حصراً.
ومن ذلك قوله في المغني (1/109): " ولا يبول في مستحمه، فإن عامة الوسواس منه، رواه أبو داود وابن ماجه، وقال: سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول: إنما هذا في الحفيرة، فأما اليوم فمغسلاتهم الجص والصاروج والقير، فإذا بال وأرسل عليه الماء فلا بأس به "اهـ.
 
ثم إن للفتيا نظراً آخر باعتبار كل حادثة في محلها، فلربما كان الفقيه آخذا بالمنع في عموم الأحوال، لكنه يعدل عنه في بعض فتاويه لمعارضٍ راجح، فيأتي العاميُّ وشِبهه وقاصرُ النظر؛ فيظن أنه قائلٌ بذلك بإطلاق، فينسِب إليه ما لم يقله، ويجعله مذهباً له، واعتبِر ذلك في المسائل المنسوبة إلى الأئمة؛ فإنك راءٍ منه عجائب جمَّة.
وأعجب منه من يحتج بفعل العالم بإطلاق، والمتقرر أن فعل غير المعصوم ليس بحجة في الدين، وقد كان بعضهم يُضطر إلى الشيء فيفعله، فيأتي من ينسب ذلك الفعل إليه، ومن هذا الباب قول حذيفة t حين اعترض عليه: ( إني أشتري ديني بعضه ببعض، مخافة أن يذهب كله )، ذكره ابن أبي شيبه في المصنف وغيره.
 وعليه فلا يلزم من أبدية الشريعة وعمومها، سرمدية الفتاوي ودوامها، بل هما خطان يلتقيان تارة، ويفترقان أخرى.
ومن ثم يتعين على المتفقه في مذاهب الأئمة أن يتسع في النظر، ويحتاط في الحكم، فإن وجد في المسألة دليلاً قاطعاً صدَعَ به، أو ظناً غالباً نَزَعَ به، وإلا فلا يشدد على خلق الله، وليترك للقول مجالاً، وليرح الناس من التكلف لما لا يُعلم ما أصله، فإن الأصل الأصيل: السلامة والبراءة من عهدة التكليف، حتى يرد ما يرفعه إلى غيره.
 ورحم الله الحافظ ابن عبد البر إذ قال استطراداً: " وفيه دليلٌ على أن المسألة إذا كان سبيلها الاجتهاد، ووقع فيها الاختلاف، لم يجز لأحد القائلين فيها عيبُ مخالفه، ولا الطعن عليه، لأنهم اختلفوا وهم القدوة، فلم يعب أحدٌ منهم على صاحبه اجتهاده، ولا وجد عليه في نفسه، إلى الله الشكوى وهو المستعانُ على أمةٍ نحن بين أظهرها، تستحل الأعراض والدماء إذا خولفت فيما تجيء به من الخطأ "اهـ. [التمهيد (8/368)].
 تالله ما أعذبَه من مذهب، ومن لم يكن هذا مذهبه في مسائل الاجتهاد كان رُزءاً على أهل العلم، ونكالاً على إخوانه، والله المستعان.
وهو صائرٌ ـ ولا بد ـ إلى ( التشهِّي ) في الدين، فيتلوَّن في كل مجالٍ بما أُشْرِبَه من الهوى، كما قال الإمام أحمد: حدثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي، قال حدثنا جعفر، قال: حدثنا مالك بن دينار، قال: سألت سعيد بن جبير وهو في المسجد الحرام: يا أبا عبد الله، ما أميركم هذا ؟، فقال سعيد: ( يفسر القرآنَ تفسيراً أزرقياً، في طاعةٍ شامية، يعني الحجاج )اهـ [مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه أبي الفضل صالح (2/418)].
 وبكل حالٍ فالقول في هذه المسألة يُبسَط في مجالس أهل العلم، وبين طلابه، ولا مدخل للمستغربين وأيتام الفكر الغربي في هذا المجلس، بل بساطُه مطويٌّ عنهم أصلاً.


خالد بن عبد الله المزيني
 1425
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د. خالد المزيني
  • خواطر وتأملات في إصلاح البيوت
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية