صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







القومية العربية وحالة الإحباط

مبارك عامر بقنه

 
يعيش القوميون العرب حالة إحباط شديدة نتيجة إخفاقهم التام في تشكيل وحدة عربية ولو جزئياً، وهذا الفشل أمر حتمي فالقومية لم تأت نتيجة حاجات اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية وإنما جاءت نتيجة ردود فعل سياسية لمواجهة الأتراك؛ فهي أعلت من قيمة الجنس وتجاهلت القيمة العظمى التي أبرزت الأمة العربية وهو الدين الإسلامي والذي يشكل العنصر الأساسي لماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، فقد ارتبطت الأمة العربية بالإسلام فكراً ووجوداً، فإن عز العرب وتمكنهم وظهورهم على الأمم لا يكون إلا بتمسكهم بدينهم.

وقد تخلت القومية عن المبدأ الإسلامي في تشكيل الوحدة واقتبست الفكرة القومية من القومية الألمانية والتي جاءت بمثابة ردة فعل على ما لاقته ألمانيا من إذلال فرنسي مهين، فأخذ المفكر الألماني هردر ونظيره فيختي بتأسيسي الفكرة القومية الألمانية والتي كانت تعني التحقق الذاتي للأمة، إذ لكل أمة عباراتها القومية الخاصة بها.

وتطورت الفلسفة القومية في أرجاء أوروبا حتى شعرت كل دولة أنها دولة مستقلة بفكرها وثقافتها وعاداتها، فالإنجليز والفرنسيون شعروا أنهم أمتان متغايرتان، حتى الدانمركيين الذين لم يخطر لهم فيما مضى أية خاطرة قومية أخذوا يسعون لاستعادة لغتهم الدانمركية وعاداتهم القديمة، ولقد قال نيتشه في لحظة من نفاذ صبره:" إن نابليون حاول توحيد أوروبا، لكن القومية الرجعية تدخلت فأحبطت مسعاه" ويقر المفكر الألماني سترومبرج أن " الثورة الرومانسية كانت لها اليد الطولى في إيقاظ القومية فلسفة ومذهباً " وهكذا كان على أوروبا أن تتوزع في القرن التاسع عشر إلى عدد غفير من القوميات، الأمر الذي رافقته الاضطرابات والتمزق. وهذا ينطبق تماماً على القومية العربية؛ فإن القوميين العرب ليسوا جميعاً جسداً واحداً كما يزعمون؛ بل هم ـ وإن اشتركوا في اللغة ـ فئات متصارعة، وإيديولوجيات متناحرة؛ فإن الامتداد الجغرافي لا يزيل إشكاليات الاثنيات القابعة في البقعة الجغرافية العربية.

فشلت القومية العربية في إيجاد الوحدة العربية ذات الكيان الواحد، فأصبح الحلم في إيجاد الدولة القومية أمراً مستحيلاً في ظل هذه التجزئية، فالدولة القطرية لها مصالحها الخاصة والتي تتناقض مع مصلحة الدولة القومية، ولهذا نزع بعض القوميين إلى فكرة تشكيل تعاون إقليمي بدلاً من تشكيل دولة قومية، يقول أحد مفكريهم:" كل تفكير في الوحدة العربية اليوم أو غداً لا ينطلق من واقع الدولة القطرية العربية الراهنة هو تفكير ينتمي إلى مرحلة مضت وانتهت، تفكير لم تعد له إطلاقاً أية وظيفة ولا أية مهمة[1]"

لقد فشل القوميون العرب في تحقيق وحدة عربية مركزية وهذا نتيجة طبيعية فإن المزج بين الوطن والعروبة لا يكوّن وحدة أو يشكّل ترابط ، ونجاح الاتحاد الأوروبي في تكوين الوحدة الأوروبية كان مبني على أساس المصلحة فهم انطلقوا من الحاجة لتكوين أمة اقتصادية سياسية قوية. ولذا كان من الطبيعي أن يسقط الفكر القومي لأنهم لم يقدموا منهجاً متكاملاً متوازناً يكفل بنجاح الترابط العربي فهم لم يقدموا سوى العبارات الرنانة، والشعارات البراقة، وأما الواقع فهو زيف وخداع فهم لم يحققوا اقتصادا متطوراً قادراً على التنافس في السوق العالمية، وفشلوا في تحقيق وحدة سياسية ذات هدف واحد، وفشلوا في تحقيق الاكتفاء الغذائي، والخطط التنموية التي قدموها لا تتناسب مع التطور العصري الحديث.

فشلت القومية العربية في احترام الذات الإنسانية التي كرمها الله، فأبيدت الحريات، وكممت الأفواه، وقتلت الإبداع، وحطمت الطموحات، وأصبحت العلاقة بين القادة والأفراد يفرضها الخوف والقمع، فضعف الانتماء للوطن، وبالتالي ضعفت العلاقة بهذه القومية الزائفة.

فشلت القومية في توحيد فكر القوميين أنفسهم، فأصبح من سمات القوميين التمزق والتفكك والاختلاف فهذا قومي اشتراكي، وهذا قومي ليبرالي، وهذا قومي علماني كل ذلك في ظل صراعات سياسية حزبية، فالقوميون لا يملكون تنظيم فكري راسخ وإنما مقدرة فائقة في تهييج الشعوب دون رؤية فكرية واضحة، وهذا التخبط الفكري لدى القوميين أفرز فصائل متناقضة كحزب العمل الاشتراكي، ومنظمة العمل الشيوعي، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرها من الأحزاب التي اختارت أسماء لا تمت بصلة إلى الحركة القومية.

فشلت القومية العربية لأنها ولدت من رحم أوروبي غربي كافر لا ينتمي لديننا وفكرنا وثقافتنا، فجميع مفكري القومية العربية من ساطع الحصري، وقسطنطين زريق، وادمون رباط، وزكي الارسوزي إلى ميشيل عفلق وغيرهم من منظري الفكر القومي كلهم واقعون تحت تأثير الإيديولوجيات القومية الأوروبية، ففكرة القومية فكرة دخيلة تسعى إلى إزالة الفوارق العقدية من أجل الوحدة. فقد سعت القومية العربية إلى تمزيق الأمة الإسلامية إلى قوميات ونعرات جاهلية فالمسلم التركي أو الباكستاني أو أي مسلم لا ينطق العربية لا يربط بيننا وبينه رابط ؛ إذ لا رابط يربطنا إلا الرابط اللغوي والنسبي ، ولهذا فشلت واقعاً، فالأزمات أظهرت أن الرابط الحقيقي بين الشعوب هو رابط العقيدة والدين. وإن كان الإعلام العربي يحاول أن يجمع الشعوب العربية تحت ظل القومية العربية ولكن هذا الشعار الزائف تلاشى عملياً. فالحمد لله رب العالمين.

----------------------------------
[1] "وجهة نظر" لمحمد الجابري ص 203

للتواصل : Mubarak200@hotmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

مبارك عامر بقنه

  • مقالات شرعية
  • مقالات تربوية
  • مقالات فكرية
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية