صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أهمية الجاسوسية في مقاومة العدوان على بلاد المسلمين

الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيرا يوافي نعمه ، و يدفع عنا نقمه و الصلاة و السلام على إمام الحرب و الملحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
 
إن الأخطار التي أحاطت ، وتحيط بالديار الإسلامية عموما والممانعة للخطط الاستسلامية خصوصا كبيرة ، وعظيمة ، ولعل من أهم تلك الأخطار التي تصول ، وتجول في كثير من بلاد المسلمين جواسيس العدو الذي ينقلون أخبارنا ويحضرون الخطط للنيل منا أو ما تبقى منا .
 
لذلك أحببت أن أبين لأولي العزم  خطر الجواسيس على الأمة ومقوماتها . كما أحببت أن أبين لهم ، ولكل من يهتم بأحكام التجسس في الأمة الإسلامية لمقاومة الجواسيس وطرقها ، وبيان حكمهم ، ومقاومة ما يشيعه بين صفوف المقاومين ، وأفراد الأمة من أفكار انهزامية ، وأخطار مصيرية .
 
فالدولة الإسلامية عموما و الجماعات المقاومة خصوصا معنية بمحاربة الجاسوسية ، وأساليبها لحماية المجتمع المسلم وتوعيته والاهتمام بمعنوياته ، ومكتسباته و مقاومة ما يشيعه العدو بين صفوف المجاهدين من حرب نفسية سيما أثناء الحرب أو التحضير لها.
 
وقد ورد تعريف الجاسوس في القانون الدولي العام بأنه :
(( هو الشخص الذي يعمل في خفية , أو تحت ستار مظهر كاذب , في جمع أو محاولة جمع معلومات عن منطقة الأعمال الحربية لإحدى الدول المتحاربة بقصد إيصال هذه المعلومات لدولة العدو )) .[1]
 
أما في الفقه الإسلامي فقد ذكر الجاسوس بمعنى العين ، وأن العين هو الجاسوس والجدير بالملاحظة لفظ العين فهو عضو الرؤية في جسم الإنسان الذي لا يمكن الرؤية من دونه وكأنه يعبرون بأن الذي يتجسس على عدو المسلمين هو بمثابة العين الذي لا يمكن الرؤية والنظر من دونه.
 
وورد تعريف الجاسوس المسلط على المسلمين بأنه :
(( الشخص الذي يطلع على عورات المسلمين ، وينقل أخبارهم للعدو )).[2]
 
كما ذكر تعريفه في حاشية شهاب الدين على شرح الكنز بأنه :
((جاسوس القوم ، فيطلع على عورات المسلمين وينهي الخبر إلى دارهم )).[3]
 
ونستنتج من التعريفات السابقة ما يلي :
 
أن الجاسوس يبحث عن نقطة ضعف ، وقوة المسلمين لينقلها إلى عدوهم لكي يستعملوها استعمالا ضارا بالمسلمين ودولتهم أو جماعتهم .
 
والجدير بيانه في هذا المقام أن الجاسوس بالنسبة للمسلمين إما:
 
1- أن يكون مسلما مجاهدا في سبيل الله يجمع كل المعلومات المفيدة عن العدو لصالح المسلمين ودولتهم وجماعتهم , فهو يستحق كل الاحترام والتقدير والإجلال لأنه يعمل على حماية بيضة المسلمين .
2-  أو أن يكون الجاسوس عدوا للمسلمين بحيث ينقل لعدوهم أخبارهم وكل معلومة مفيدة لهم .
 
فالذي سوف نخصه في هذا البحث هو النوع الإيجابي ، و السلبي للجاسوس مع الاهتمام بالنوع الثاني و هو الذي ينقل لعدو المسلمين أخبارهم العسكرية ، والمدنية ، وكل ما يهم عدوهم ، وفق الخطة المرسومة له .
 
والملاحظ في قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )[4] .     
 
إن الإعداد لمواجهة العدو يحتاج إلى عدد وعدة ، وخطط عسكرية دقيقة واستراتيجية عالية وفق استطاعة الدولة أو الجماعة المجاهدة .
 
فالعدو يحاول معرفة تلك العدد ، والخطط عن طريق جواسيسه التقليدين وغير التقليدين من أقمار صناعية و أمثالها .
 
حتى قال السيوطي  - رحمه الله تعالى – قديما  في التتار :
 
(( تصل إليهم أخبار الأمم إليهم ، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم , وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم ، لأن الغريب لا يتشبه بهم , وإذا أرادوا جهة كتموا أمرهم ، ونهضوا دفعة واحدة ، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه ولا عسكر حتى يخالطوه 0000)) .[5]
 
كما أن الدولة تمارس المراقبة على مواطنيها ، وغيرهم  لكي تتعرف على طاقاتهم أعمالهم , فتحسن استغلالها واستعمالها في مكانها المناسب , فإن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
 
 فقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعرف أصحابه خير معرفة حيث يضع كل واحد منهم في مكانه الصحيح .
 
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل نجران :
 
(( لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين , فاستشرق لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث أبا عبيدة  )) [6].
 
ذلك أن تقصي الأخبار ، وجمع المعلومات من أشرف ما يقوم به المسؤول على خدمة البلاد ، والرعية و الجماعات المقاومة للعدوان لحماية البلاد من الأخطار الداخلية ، والخارجية للمحافظة على الدين والمجتمع .
 
وإن متابعة الحكام من المسئوليات  الأساسية لضمان تنفيذ حكم الله تعالى في الأرض ، ومن واجب الحاكم أن يسأل وزراءه و موظفيه عن مدى تطبيقهم لهذا الأمر .
 
لهذا كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل ولاته عن مدى تطبيق حكم الله ، فيثبت من يطبق ذلك ، و يعزل من يخل بأي حكم .
 
و كتب فخر الدين إبراهيم بن النعمان للظاهر بيبرس عليهما رحمة الله تعالى قال :
 
(( وهذه الأقاليم المنوطة بك تحتاج إلى نواب ، وحكام وأصحاب رأي , من أصحاب السيوف والأقلام ، فإذا استعنت بأحد منهم في أمورك فنقب عليه تنقيبا واجعل في تصرفاته رقيبا . وسل عن أحواله ففي القيامة تكون عنه مسؤولا , وبما أجرم مطلوبا ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسنات لك لا ذنوبا )) [7].
 
فليعلم الحاكم و أمير أي جماعة أنه مسئول أمام الله تعالى عن رعيته جميعا وعمن يوليه عليهم , فإن أخلص لها ورعاها حق رعايتها ، فقد أدى الأمانة التي ائتمن عليها ، وإن هو قصر وأساء التولية ، والاختيار فالويل له من لقاء ربه .
 
قال الأسدي عليه رحمة الله تعالى في التيسير والاعتبار والتحرير والاختيار :
[ ويقال في السياسة إنه يجب على ولي الأمر أن يتفقد أحوال بطانته ، ويحثهم على الوفاء بعهد الله وأمانة . وأن لا يستوزر لأمره إلا من يثق بخبره ودينه وكفاءته . وإن أمكنه أن ينظر في جميع أحوال رعاياه كليها وجزيئها فليفعل . وإن لم يمكنه فليفوض ويقلد في الأمور ثم يتفقد ] . [8]

وقال ابن أبي الربيع في سلوك المالك في تدبير الممالك :
 
إن من سياسة الملك لخاصته : [ ينبغي أن يدلي العيون عليهم سراً وجهراً ليعرف أخبارهم وأسرارهم ] [9] [ وينبغي أن لا يعفل عن البحث عنهم بلطيف الأخبار حتى يقف على أسرارهم ...... وينبغي أن يعرف أكثر أخلاق رعيته ليؤهل كلاً لما يصلح له من الولايات ] [10] .
 
لقد كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعين الولاة الأكفاء بحيث يرتب في كل ناحية ولاة وأمراء على مستوى المسؤولية ، وكان يرسم رضوان الله عليه لهم خطوط ويحد لهم حدود لا يخرجون عنها ، ولعل أهمها :
 
تقوى الله والسهر على مصلحة الرعية وعدم الركون إلى الدنيا وزخرفها .
 
وكيف يكون ذلك للفاروق دون معرفة مسبقة بالرجال ، وأعمالهم وأسرارهم ، فقد اشتهر عن الفاروق رضوان الله عليه أنه كان يتبع أخبار ولاته ، ويعرف أعمالهم وقدراتهم .
 
و هكذا من واجب رجالات الدولة و أمنائها مراقبة الوزارات والولاة وغيرهم من مسئولي الدولة لمعرفة سيرتهم وإخلاصهم لله تعالى ، وخطط الدولة واستراتيجيتها لا وضع القوانين ومن ثم استغلالها لمصالحهم الشخصية كما يعمل بمعظم الدولة العربية .
 
أما عن مراقبة أجهزة الدولة لأهل الريب والسير السيئة :
 
فمن واجب الدولة بعموم أجهزتها حماية أفرادها ، ومصالحهم بتعقب المجرمين بكل أصنافهم حتى ولو كانوا من أصحاب الياقات البيضاء ليصفوا المجتمع ، ويعيش الناس آمنين من فسادهم وإفسادهم .
 
قال الشافعي الصغير عليه رحمة الله تعالى :
[ وليس لأحد البحث، والتجسس واقتحام الدور بالظنون ، نعم إذا غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرنية ظاهرة كإخبار ثقة جاز له بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كقتل وزنا وإلا فلا ] [11]
 
 فليس لمن يقوم بعملية المراقبة أن يتجسس على المسلمين أو غيرهم من مواطني البلاد ، لأن القاعدة العامة أن التجسس منهي عليه لقوله تعالى : [ ولا تجسسوا ] [12] .
 
فالله سبحانه وتعالى نهى عن التجسس نهياً عاماً بما في ذلك من الحاكم على المحكوم أو العكس ، لأن الخطاب للجميع . أما إن غلب على الظن أن هناك فعل محظور لأمارة دلت عليه ، وآثار ظهرت منه فلذلك أمران :
 الأول : أن يكون في ترك التجسس وانتهاك الحرمة ضرر عظيم يصعب استدراكه إلا به .
 من مثل أن يخبره من يثق بقوله أن رجلاً عنده أدوات ، وأجهزة يرسل منها معلومات أمنية إلى دولة معادية ، فيجوز في مثل هذه الحالة وأمثالها أن يقدم أهل الاختصاص للكشف والبحث حذراً من فوات ما لا يستدرك إلا بمثل هذا الفعل و أمثاله .
 
الثاني : أن يكون الفعل أي دون الريبة  أو شك ، عندها لا يجوز التجسس عليه ولا كشف الستر عنه .
 وعليه فالتجسس على المسلمين حرام إلا إذا اقتضت الضرورة لذلك كتتبع أهل الفساد والريب لأمارات تدل على ذلك .
 
قيل لا بن مسعود رضي الله عنه :
( هذا فلان تقطر لحيته خمراً ، فقال : إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن أن يظهر لنا شيء نأخذ به ] .[13]
 
 
أما التجسس على العدو و أنصاره و حلفاؤهما :

 
 فهو جائز شرعا بل هو واجب أيضا ، لأن الدفاع عن الأمة ومقدراتها والتخطيط السليم في المعارك يتوقف كثيراً على معرفة أسرار العدو وتحركاته وكشف مخططاته .
 
فالمعرفة المبكرة عن العدو وإمكانيته العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية عدة وعتاداً ،ن ومعرفة مواطن القوة والضعف فيه كل ذلك من أسباب قوة المسلمين لأعداد العدة والعتاد المناسب لجيش العدو ومخططاته .
 
عن عامر الجهني رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 
[ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ ألا أن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ] [14] .
 
وليعلم من يقوم بالتجسس على العدو ومقدراته أن التجسس على العدو عمل جهادي مبرور ينال فاعله ، و داعمه والمخطط له أجراً عظيماً مثلما ينال المجاهد في سبيل الله تعالى إذا أخلص النية لله تعالى .
 
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[ من مات مرابطاً في سبيل الله أجرى الله عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل ، وأجرى عليه رزقه وآمن من الفتن ، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع ] [15] .
 
فأقول لمن يعمل أمثال هذا العمل الهام لحماية الأمة ، ومقدراتها إنك أيها البطل من الذين يقاتلون في سبيل الله تعالى وأنت من الذي يشرون الحياة الدنيا بالآخرة فسوف يؤتيك الله أجراً عظيماً إذا كان عملك لوجهه الكريم .
 
قال تعالى :
 [ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ] [16] .
  
و الله المستعان
 

المحامي الدكتور
 مسلم اليوسف 
abokotaiba@hotmail.com
 

-----------------------------
[1] - القانون الدولي العام د.أبو هيف ,ص846.
[2] - الخرشي على خليل ج3/119.
[3] - حاشية شهاب الدين أحمد الشلبي على شرح الكنز .ج3/ 268.
[4]  - سورة الأنفال , الآية60.
[5] - تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 467.
[6] - صحيح البخاري ج 109.
[7] - صبح الأعشى ج10/114 .
[8]  - التيسير والاعتبار والتحرير والاختيار : ص 3 ج1 .
[9]  - سلوك الملك في تدبير الممالك لابن أبي الربيع ص 106 .
[10]  - المرجع السابق ص 107 .
[11]  - نهاية المحتاج : إلى شرح المهاج لشمس الدين محمد بن أحمد الرملي – المشهور بالشافعي الصغير . ج 8 / 45 .
[12]  - سورة الحجرات : الآية 12 .
[13] - سنن البيهقي ج 8 / 334 .
[14]  - سنن ابن ماجة : ج 2  /  924.
[15]  - سنن ابن ماجة : ج2   /  924 .
[16]  - سورة النساء الآية 74 .

خاص : لموقع قاوم
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
مسلم اليوسف
  • بحوث علمية
  • بحوث نسائية
  • مقالات ورسائل
  • فتاوى واستشارات
  • الصفحة الرئيسية